بقلم عمر العمر
مثل كل المحشورين في الزوايا الحرجة والبؤر الساخنة ننشغلُ بترامب .ذاك دأبٌ دوليٌ مع صعود كل رئيس أميركي جديد.فترامب ليس استثناءً . لكنه ليس كسابقيه. فبالإضافة إلى طرازه الشخصي المعبأ بالتوتر والتناقضات فإنه يدخلُ البيتَ الأبيض عند منعطفٍ زمانيٍ ملغومٍ بعدة بؤر ملتهبة.إذا غلّبت النظرةُ إليه رجلَ المال والأعمال العقارية فإن هذه الصورة النمطيةَ ليست صحيحة في إطلاق.
*****
ترامب يستمد الرهان على إنجاز ولاية ذهبية من التفوق الانتخابي الاستثنائي إذ يولّد ثقةً بتفويض مطلق،من ثم تأييدٍعارم .بوادرُ جديته في صناعة ولاية استثنائية تبدو في تشكيل طاقم إدارته المرتقب.فملامح شخصيات مستشار الأمن القومي، وزير الدفاع، وزير الخارجية ،وزيرة الداخلية ووزير الحدود والهجرة ، السفير لدى اسرائيل وهو صهيوني الهوى نصير للاستيطان في الضفة ؛ تغلب عليها الصرامةُ مع سندات الولاء للرئيس .لابد من التذكر بأن ترامب لم يُسيّر ولايته الأولى بروح الفريق. لذلك صرف او إنصرف عنه ثلة من أبرز مساعديه لتباين الرؤى .لعل أبرزهم بولتون مستشار الأمن القومي وهو سياسي ودبلوماسي مخضرم.كما تعاقب على رئاسة البنتاغون ثلاث مساعدين. طاقم الادارة الجديدة يدرك حتما نسيج شخصية الرئيس حيث تضافر عقلية البزنسمان مع نفسية الزعيم المتمرد على المؤسسة (الحزب) بالإضافة الى روحية جرأة المغامر القادم من كواليس حلبات الملاكمة وصالات فتيات عروض الازياء وملكات الجمال .
*****
صفقةُ ترمب الأولى مع التاريخ تستهدف إصلاحَ مؤسسة الدولة نفسها .فها هو يُعيّن مليارديراً من خارج المؤسسة الرسمية مُكلفا بتطوير جهاز الدولة .ترامب يستحدث وزارةً للنهوض بهذه المهمة الرائدة. هذه خطوة لها ما بعدها على جبهة تجديد الدولة الأميركية العتيقة وتحريرها من البيروقراطية .من غير المستبعد ذهابُ ترامب في سياق صفقات إصلاح الدولة حد إجراء تعديلات جوهرية في متن الدستور في ضوء التفويض الإنتخابي . فمَن رفضَ التسليمَ بنتائج الإنتخابات إثر هزيمته السابقة، لم يتردد في ترجمة رفضه على طريقة ساسة العالم الثالث بتجييش الجماهير حد اقتحام الكابيتول.هذا نهج لا يستبعد اختلاق ترامب منح نفسه فرصة خوض انتخابات للمرة الثالثة لاكمال صورة طواغيت العالم الثالث!تلك خطوة تضع شاغلي مقاعد الكونغرس أمام امتحان سياسي عسير !أكثر إرتباطات ترامب على الصعيد الدولي مع قادة مكنوا لأنفسهم بقاءاً مطولا في السلطة.
*****
منح الأولوية لشاغلي مناصب الشؤون الأمنية في الداخل والخارج تعكس محاور عزم الرئيس بناء مرحلة تاريخية استثنائية.فهو يريد فريقا قادرا على مواكبة إيقاعه لجهة ترجمة شعاره (أميركا أولا) فيما يتصل بقضية الهجرة على الصعيد الداخلي وتوجهاته لإعلاء المصالح الأميركية على الصعيد الخارجي ولو على حساب الحلفاء. فهو يفضّل التاريخ شريكه ،مساعده وحليفه الأول .هذه أبرز ملامح صفقات ترامب المرتقبة وسماسرته المنتقين لاقتحام سوق التاريخ. صحيح ثمة بؤر ملتهبة على خارطة العالم.لكن أولويات ترامب ستركز على الحرب في أوكرانيا، العلاقات مع الصين ، الموقف تجاه إيران ثم تعزيز أمن إسرائيل. في كل مسألة توجد هوامش مفتوحةٌ بغية إبرام صفقات جانبية رابحة تصب بالضرورة القصوى في رصيد الولاية الذهبية.أما قال الرجل فجر إعلان فوزه سنجعل أميركا عظيمة ونجعل هذا عصرها الذهبي؟هذه العقيدة السياسية لولاية ترامب الثانية.
*****
بالتأكيد لا ترقى قضية إطفاء نار حربنا السودانية الكارثية عند إدارة ترامب إلى مستوى انشغالنا بتوجهات أولوياته دع عنك الرهان على تسريع أو تأجيل إخراجنا من محنتنا الوطنية.فوفق منهج صفقات ترامب لن يتعدى هم إنهاء هذه الحرب تشكيل ملحق على هامش إحدى الصفقات المرتقبة صفقة على صعيد المنطقة. بعضٌ يربط هذه الحلقة بمسلسل صفقات التطبيع مع اسرائيل.بعضًٌ يراها ضلعا ثانوياً ضمن مُجسّم ترتيبات أمنية .بما أن تأمين استقرار إسرائيل ليست مهمة عاجلة على أجندة ترامب فإن مسألة التطبيع تأتي في مرحلة لاحقة بعد اطفاء الحريق الراهن في غزة ولبنان. وهذه نفسها ليست قضية ذات أسبقية قصوى.لعل الأميركيين العرب ممن صوتوا لصالح ترامب سيكتشفون أنهم لا يزالون أسرى الثأر القبلي إذلم يكن ذلك سوى نكاية بهاريس وبايدن لدور الديمقراطيين في حروب نتانياهو.
*****
أما فيما يرتبط بصفقة التريبات الامنية في المنطقة فإن إدارة ترامب تدرك حتمية التنسيق أو على الأقل استرضاء عواصم خارج المنطقة في الشرق والغرب. هذه مسألة تستوجب الأناة للفوز برضاء الأطراف المعنية .وهي عملية مغلفة بالنفس الدبلوماسي الطويل.لذلك الأفضل للسودانيين الاجتهاد على درب حفر مخارج من المحنة . فمن شأ ن مثل هذا الدأب خلق مكانة محتملة لملف إطفاء الحرب السودانية على أجندة إدارة ترامب.فوقتئذٍ يمكن تحويل السودان فرصة إغراء في بورصة ترامب السياسية.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المحلل السياسي هال براندز: 5 سيناريوهات منتظرة لسياسة ترامب الخارجية !
واشنطن"د. ب.أ": منذ إعلان فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية مجددا وقضية السياسة الخارجية الأمريكية في ولاية ترامب الثانية تفرض نفسها على دوائر صناعة القرار والفكر السياسي والاقتصادي في أغلب دول العالم.
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة على هذه الدوائر هو كيف سكون العالم ومكانة الولايات المتحدة فيه بعد أربع سنوات جديدة من حكم ترامب الذي يستعد لتنصيبه رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء تحت عنوان "5 سيناريوهات لسياسة ترامب الخارجية" قال هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية إن تقلبات ترامب حقيقية، رغم المبالغة في تصويره كشخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. ففي حين حقق ترامب تحولات سياسية مذهلة في ولايته الأولى، سواء بالانسحاب من معاهدات دولية رئيسية مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، أو بالتهديد بالانسحاب من معاهدات كانت تشكل حجر الزاوية في السياسة الأمريكية بما في ذلك معاهدة حلف شمال الأطلسي (ناتو) لكن.الأمر مختلف هذه المرة حيث يدخل ترامب البيت الأبيض والعالم مليء بالحروب الساخنة والباردة والمحتملة، لدرجة أنه يمكن القول إنه يدخل مشهدا أكثر قبحا وخطورة مما شهده أي رئيس أمريكي منذ عقود.
ويمكن القول إن ترامب نفسه قد لا يعرف على وجه الدقة كيف سيتعامل مع كل هذه الفوضى. لكن براندز عضو مجلس سياسة الشؤون الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية يرى أن هناك خمسة سيناريوهات رئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب تستحق النظر فيها، وعناوينها هي التجديد والرفض والانشقاق وإعادة الضبط والارتباك.
ففي السيناريو الأول تعهد ترامب بتجديد تاريخي لأمريكا وجعلها قوة عظمى أذكى وأشد صرامة تستطيع الانتصار على كل الجبهات، في المقابل يحذر المنتقدون من أن يختار ترامب الرفض وربما الانشقاق عنوانا للسياسة الخارجية الأمريكية، فيتخلى عن الزعامة الأمريكية للعالم ويتعاون مع الدول المستبدة التي تهاجم العالم الذي تقوده الولايات المتحدة. وهناك سيناريوهان أقل تطرفا، الأول أن يتمكن ترامب من إعادة ضبط الاستراتيجية الأمريكية بطريقة فوضوية لكنها مثمرة، والثاني أن يؤدي الارتباك الشامل إلى إضعاف الولايات المتحدة وخلق حالة فوضى عالمية أكبر.
وفي حين سيتمنى أي شخص حريص على ازدهار العالم الديمقراطي السيناريوهات الأفضل، فإن أي شخص على دراية بترامب يدرك صعوبة استبعاد السيناريوهات الأسوأ.
ويرى هال براندز أن ترامب ليس ذلك الشخص الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته كما يعتقد الكثير من المحللين، وإنما على العكس فأفكار ترامب الأساسية واضحة وهي أن كل شيء قابل للبيع والشراء، وأن اتفاقيات التجارة والتحالفات الأمريكية صفقات رديئة؛ والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان مبالغ فيها، وهي أفكار تعود إلى عقود من الزمان. وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أعلن ترامب نيته رفع التعريفات الجمركية، والدفع نحو السلام في أوكرانيا، والضغط على الحلفاء فيما يتصل بالإنفاق الدفاعي.
ثاني سيناريوهات سياسة ترامب الخارجية يتمثل في إمكانية رفض النظام العالمي. وإذا كان ترامب قد تعهد بتجديد القوة الأمريكية، فإن منتقديه يخشون من رفضه للنظام العالمي القائم. وفي هذا السيناريو قد يخرج ترامب من حلف الناتو ويسحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية، ويخرج من اتفاقيات التجارة الدولية الحالية أو يفرض رسوما عالية على الواردات الأمريكية بما يجعل هذه الاتفاقيات بلا معنى. كما يمكن أن يوقف دعم أوكرانيا، وبالطبع سيتوقف عن دعم قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.
هذا السيناريو متطرف، لكنه ليس مستحيلا. فمن بعض النواحي، يتطلب ببساطة تصديق ما يقوله ترامب. فقد ندد الرئيس المنتخب لفترة طويلة بالتحالفات الأمريكية؛ و كتب ذات مرة أن اتفاقيات التجارة الدولية "سيئة".
وفي سيناريو الثالث وهو الانشقاق أو الارتداد، قد يضغط ترامب على كييف للقبول باتفاق سلام يعطي روسيا سيطرة على أراض أوكرانية. وقد يتخلى عن تايوان برفض الدفاع عنها في حال نشوب أزمة من الصين، مقابل الحصول على تنازلات اقتصادية من جانب الأخيرة. وكجزء من تبني استراتيجية "فرق تسد" في أوروبا، فقد يتقارب ترامب مع فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر وغيره من الحكام الشعبويين غير الليبراليين في القارة الأوروبية.
وسوف يصبح ترامب، كما كان من قبل، نموذجا يحتذى به للزعماء الذين يحاكون تكتيكاته المناهضة للديمقراطية. وإذا فعل ولو نصف الأشياء التي هدد بفعلها، مثل إغلاق المنافذ الإعلامية المناوئة، وسجن المعارضين السياسيين، ونشر الجيش ضد التهديدات المحلية، فسيلحق ضررا بالغا بالمؤسسات التي تؤكد القوة الناعمة الأمريكية ودعمها للديمقراطية في العالم.
وعلى الرغم من بعض الكوارث التي حدثت بعد الانتخابات، فإن الولايات المتحدة لن تتحول إلى دولة استبدادية كاملة خلال السنوات الأربع التي سيقضيها ترامب في منصبه. ولكنها قد تتحول إلى قوة عظمى ذات ميول غير ليبرالية متزايدة في الداخل والخارج.
ثم يأتي السيناريو الرابع وهو إعادة ضبط السياسة الأمريكية. ولآن السيناريوهات الثلاثة السابقة دراماتيكية أو حتى ثورية، ولآن لحسن الحظ أو سوئه صعبة الحدوث فربما يحاول ترامب إعادة ضبط أو معايرة السياسة الأمريكية بدلا من تدميرها أو إصلاحها.
وربما يمكن القول إن ترامب حاول في رئاسته الأولى إعادة ضبط اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث انتقل من محاولة التشارك مع الصين إلى المواجهة، حتى وهو يحاول الوصول إلى صفقة كبرى خيالية معها. كما تخلى عن السياسة الأمريكية الرامية إلى تحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الشرق الأوسط وركز على تطييع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية مع تجاهل القضية الفلسطينية. وركز على الأمن الاقتصادي وأثار قلق حلفاء واشنطن بحديثه المتكرر عن إمكانية التوقف عن توفير الحماية لهم.
كانت كل هذه التغييرات فوضوية. وكلها غيرت استراتيجية الولايات المتحدة بطرق مثمرة.
ثم يأتي السيناريو الخامس الأخير وهو الارتباك، فيكون لدينا ارتباك شامل يؤدي إلى الشلل. وإذا كان ترامب يحيط ترامب نفسه بالموالين لها حتى أن مارك روبيو المرشح وزيرا للخارجية ومايك والتز، المرشح مستشارا للأمن القومي، غيرا وجهات نظرهما بشأن أوكرانيا لكي تتفق مع وجهة نظر ترامب، وهذا لا يعني أن الولاية الثانية ستكون سلسة. والمصادر المحتملة للدراما كثيرة. سوف ينقسم مستشارو ترامب حول قضايا رئيسية: وسيصطدم الصقور تجاه إيران مثل روبيو ووالتز سوف بالمعسكر الذي يقول "لا مزيد من الحروب" مثل تولسي جابارد، التي تم اختيارها لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية.