النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان: الانتقال الديموغرافي يتقدم بخطى سريعة
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
أقدمت المندوبية السامية للتخطيط على نشر النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان الذي تم خلال شهر شتنبر الماضي. يجب الإشادة بالسرعة التي تمت بها العملية وذلك بفضل التكنولوجيا المستخدمة من خلال استخدام اللوحات الإلكترونية بدلاً من الأقلام، بحيث يتم تسجيل الاستطلاعات التي يجريها الباحثونً مباشرة وبشكل تلقائي على مجمع مركزي للمعطيات.
النتائج المنشورة تظل جزئية. حيث تهم فقط السكان القانونيين ونوزيعهم مجاليا . يجب انتظار نشر البيانات المتعلقة بالسكن وظروف العيش بشكل عام للحصول على رؤية كاملة عن المغرب والمغاربة اليوم.
ما هي الدروس المستخلصة من هذه النتائج الأولية؟
الدرس الأول الذي يجب استخلاصه هو الانخفاض المستمر في معدل النمو السكاني، مما يؤكد قانونًا ديموغرافيًا ثابتًا ينص على أن « النمو السكاني يتناسب عكسيًا مع مستوى التنمية ». وهو ما يتعارض مع أطروحة مالثوس التي دافع عنها في كتابه « محاولة في مبدأ السكان » والتي تنص على أن عدد السكان يزداد حسب متتالية هندسية ، بينما تنمو الموارد الغذائية حسب متتالية حسابية . وشهدنا، على العكس من ذلك، تباطؤًا في معدل نمو السكان وزيادة في الموارد نتيجة التقدم الذي هم عدة مجالات بما في ذلك القطاع الزراعي. وإذا كان الفقر اليوم مستمرًا، فليس بسبب النمو السكاني، ولا بسبب نقص الموارد، بل بسبب سوء استعمال هذه الموارد واستيلاء الطبقات الحاكمة عليها.
بالتأكيد، معدل الخصوبة ليس هو نفسه بالنسبة لجميع الأسر كما يمكن التحقق من ذلك من خلال تقاطع عددأفرلد الأسر ودخلها. سندرك أن الأسر الفقيرة هي التي تضم عددًا أكبر من الأعضاء. ما دفع بعض المفكرين إلى استخلاص استنتاج على شكل نكتة مفادها أن « مائدة الفقير نحيفة، لكن سرير الجوع خصب ».
دعونا الآن ننتقل إلى بعض البيانات الرقمية.
وفقًا لنتائج الإحصاء العام للسكان والسكنىً 2024، بلغ عدد سكان المملكة الشرعيين 36.828.330 نسمة في فاتح شتنبر 2024، منهم 36.680.178 مغربيًا و148.152 أجنبيًا. يلاحظ ان هذه النتائج تختلف بشكل ملحوظ عن الأرقام التوقعية التي تُنشر بانتظام من قبل المندوبية السامية للتخطيط. ومقارنةً بتعداد السكان لعام 2014، سجل عدد السكان زيادة مطلقة قدرها 2.980.088 نسمة، أي بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 0.85% خلال هذه الفترة، مقابل 1.25% بين عامي 2004 و2014 و2.6% بين عامي 1960 و1982.أما عدد الأجانب المقيمين في المملكة فلقد زاد بمقدار 61,946 بين عامي 2014 و2024، أي بزيادة سنوية قدرها 5.6%.
الدرس الثاني الذي يمكن استخلاصه يتعلق بديناميةً الهجرةً بين الأرياف والمدن. يُلاحظ أن السكان الحضريين ينمون أسرع من السكان الريفيين، مما يؤكد قانونًا ديموغرافيًا راسخًا. وهكذا، في المناطق الحضرية، بلغ عدد السكان 23.110.108 نسمة، بزيادة قدرها 2.677.669 بين عامي 2014 و2024، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 1.24%. أما في المناطق الريفية،فلقد بلغ عدد السكان 13.718.222 نسمة، بزيادة قدرها 302.419 مقارنة بالتعداد السكاني لعام 2014 ومعدل نمو سنوي متوسط قدره 0.22%. يتضح جليا أن السكان الريفيون، على الرغم من أنهم يزدادون بالأرقام المطلقة، حتى وإن كان ذلك محدودا، فإنهم يتراجعون بالأرقام النسبية.
منذ عام 1960، تضاعف عدد سكان المغرب أكثر من ثلاث مرات وزاد بأكثر من 25 مليون نسمة في عام 2024، على الرغم من أن الزيادة السكانية التي لوحظت على طول هذه الفترة في تراجع مستمر. معدل النمو المتوسط انتقل من 2.6% بين عامي 1960 و1982 إلى 1.25% بين عامي 2004 و2014 وإلى 0.85% بين عامي 2014 و2024.
هذه الدينامية الديموغرافية مدفوعة بشكل رئيسي من قبل الوسط الحضري. وهكذا، ارتفع عدد السكان الحضريين من حوالي 3.4 مليون نسمة في عام 1960 إلى 23.1 مليون نسمة في عام 2024، أي بزيادة قدرها 19.7 مليون نسمة مقارنة بعام 1960 وبمعدل نمو يبلغ 3.04% سنويًا. وفي المناطق الريفية، ارتفع عدد السكان من 8.2 مليون إلى 13.7 مليون، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 0.8% خلال نفس الفترة. بعبارة أخرى، تضاعف عدد السكان الحضريين بنحو 8 مرات خلال نصف قرن بينما تضاعف عدد السكان الريفيين بمقدار 1.7 فقط.
تستحق هذه التغيرات المزيد من التوضيح لفهم أفضل لعوامل الديناميات السكانية بين الحواضر والأرياف. لفهم أفضل لانخفاض عدد السكان في المناطق الريفية، يجب علينا فصل ما يتعلق بانخفاض طبيعي للزيادة في السكان وما يتعلق بانتقال السكان من الأرياف إلى المدن (الهجرة القروية) . في الوقت الحالي، يجدر الإشارة إلى أن العالم القروي يشهد تحولًا في أنماط الحياة والسلوكيات الاجتماعية نتيجة للكهربة القروية وتطور وسائل الاتصال.حيث بدأت الأسر في التكيف مع نوع من « العقلانية الاقتصادية » التي تحثهم على تغيير سلوكهم في مجال الخصوبة. ويأتي الزواج المتأخر نسبيًا، ومحو الأمية لدا السكان، واستخدام وسائل منع الحمل، وعوامل أخرى لتعزيز هذه الدينامية.
فيما يتعلق بالسكان الحضريين، على الرغم من أنهم يواصلون الزيادة بوتيرة سريعة ليشكلوا اليوم ما يقرب من ثلثي السكان الإجماليين، يجدر بالذكر أن هذه الدينامية تهم بعض المدن أكثر من غيرها. فأكثر المدن جاذبية هي تلك التي توفر فرص العمل والإدماج للساكنة والوافدين الجدد.و بالإضافة إلى الدار البيضاء، التي حافظت على موقعها كـ « رئة اقتصادية » للبلاد، ينبغي ذكرمدن طنجة، ومراكش وبدرجة أقل القنيطرة التي تسير في اتجاه تصاعدي، بالإضافة إلى المدن الصاعدة في الجنوب وخاصة كلميم، العيون والداخلة التي يعكس نموها دينامية اندماج أقاليمنا الصحراوية في حظيرة الوطن. على العكس، نشهد مدنًاأخرىً يمكن تسميتها « مدن النوم » التي تتطور بشكل مستقل عن النشاط الاقتصادي ومدنًا تتطور ببطء بسبب ضعف الجاذبية.
من هنا تبرز أهمية وضرورة إلقيام بمراجعة حقيقية وعميقة في السياسات الحضرية وإعداد التراب بشكل عام. إنها إحدى أهداف الإحصاء العام للسكان والسكن.
.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
قراءات سريعة (١) المشكلة الفلسطينية
مِنَ الجيل الحالي مَنْ لا يعرِفُ كثيرًا عن الحرب الدائرة على أرض فلسطين بين شعبها و الاستعمار الصهيوني الذي تُمَثلْه ( إسرائيل ). فبعد أن صَدَرَ وعْدُ "بلفور" المشئوم في ٢٢ فبراير ١٩١٧م برغبةِ إنجلترا في تجميع اليهود مِنْ كُلِ حدبٍ وصَوْب، واختارت لهم فلسطين وطناً قومياً ( وهي في الحقيقة (إنجلترا) تريد اتقاء شرورهم بسبب ما يُحدِثونه مِن فِتَن في كل أرضٍ يطئونها ). تدفق المهاجرون إلى فلسطين (وأغلبهم مِنْ أوروبا ) منذ أصدر المؤتمر اليهودي الأمريكي في١٨ديسمبر ١٩١٨م قرارًا طلَبَ فيه انتداب بريطانيا عليها. واقترنت هِجْرَة اليهود الصهاينة بشراء الأراضي الزراعية الخصبة من أصحابها الفلسطينيين، مستغلين حاجتهم إلى المال حتي استحوز الصهاينة علي ٢١ ٪ من المساحة الزراعية تقريبا.
ووثْباً على الأحداث وبكلماتٍ بسيطة عن المشكلة الفلسطينية التي استنفدت أعواماً عديدة أنها ليست نزاعاً محلياً بين العرب ويهود إسرائيل المحتلين فقط بل إلى جانب ذلك فإن لبعض الدول الكبري وفي مقدمتها أمريكا مصالح في فلسطين تدفعهم لمساعدة إسرائيل في تثبيت أقدامها وزيادة قوتها العسكرية والاقتصادية لتكون لها الغَلَبة علي العَرَب مجتمعين (وهي تسعي كي لا يتحدوا أبداً بل تعمل علي تَفَرُّقهم ). فأهمية فلسطين ليست قاصرةً علي الناحية الاقتصادية. لكنها من حيث الموقع فهي بالغة الأهمية للدول الكبرى لكونها ملتقى قارات ثلات ( آسيا وإفريقيا وأوروبا ) وكانت قديما حلقة الوصل بين الإمبراطورية البريطانية و الهند.وفي "حيفا " تنتهي خطوط أنابيب البترول العراقي ومنها إلي البحر المتوسط لتصل لدول أوروبا. وبموقعها على البحر المتوسط تمثل إحدى البوابات الرئيسية للشرق، كما يُضيفُ إلى أهميتها وجود بُحيْرَة (البحر الميت) الغنية بالبوتاسيوم.
من ذلك نتبيَّن أهمية فلسطين مِنْ حيثُ الموقع. أمَّا أهميتها من الناحية التاريخية والدينية لمعتنقي أيٍّ مِن الرسالات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد كانت وجْهَة نَبي الله " موسى" عندما فَرَّ مِن بَطْشِ فرعون مصر، وللمسيحية هي مَسْقَط رأس المسيح "عيسى بن مريم" عليهما السلام، وللمسلمين فهي تَضُم المسجد الأقصى الذي أسرىٰ الله برسولِنا الكريم ﷺ إليهِ مِنَ المسجد الحرام.
(باختصار) وبطبيعة الحال تكوَّنَت فصائل مقاومة فلسطينية بأسلحةٍ غير متكافئة وإمكانيات هزيلة لا تُقَارَن بما يتدفَّق للمحتل الإسرائيلي من أسلحةٍ متطوِّرة، وآلاف المقاتلين (عصابات صهيونية) ومعونات من الدول صاحبة المصالح مع المُحتَل.
عقب إعلان البرلمان اليهودي قيام دولة إسرائيل ١٤مايو ١٩٤٨م خاض معها العرب حربا انتهت بهزيمتهِم التي لعبت خيانة بعضهم دورًا فيها، ومنذ ذلك التاريخ تمارس إسرائيل محاولاتها الإجرامية للاستيلاء على أجزاءٍ فلسطينية جديدة آخرها حرب الإبادة الجَماعية لسكان غَزَّة ( والتي تدعمها بالمال بعض الدول العربية للأسف ) وإجبار من يبقىٰ حيا على الهِجْرَةِ منها.
(نكمل لاحقاً)