المريب في الموقف المريب من الإمارات
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
كتب د. عزيز سليمان استاذ السياسة والسياسات
تدخل الإمارات في حرب السودان بدعم الجنجويد كان ضمن سلسلة تدخلات بدأت مباشرة بعد الثورة فقد كانت واحدة ممن عرفوا بدول المحور التي سعت حثيثا لإجهاض الثورة أسوة بما فُعِل مع ثورات الربيع العربي. لم يكن الثوار غافلين عن ذلك حين رفعوا شعار لن تحكمنا "الدويلة"...
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة وتفكيك الدولة تحت غطاء الحرب (2-3)
محمد عبدالله إبراهيم
Mohammedabdalluh2000@gmail.com
في خضم نيران هذه الحرب الضارية، تتكشف ملامح المشروع الإسلامي المناهض للثورة بأوضح صورة، حيث لا ترتكب جريمة ولا يقمع صوت، إلا وتحت إشراف عقل مدبر يعمل في الخفاء حيناً وفي العلن حيناً آخر، لاسترداد ما خسرته النخبة الإسلامية بعد ثورة ديسمبر المجيدة، فهذه الحرب ليست مجرد صراع مسلح، بل تمثل ذروة مشروع إسلامي شمولي يسعى لاغتيال حلم الشعب السوداني، وإعادة هندسة الوعي الجمعي تحت فوهات البنادق ومنابر التحريض.
لقد أُطلقت يد الفوضى، وانتشرت كتائب الإسلاميين المؤدلجة في مختلف مناطق سيطرة الجيش، وهي تشكيلات كتائب عسكرية عديدة ومتعددة المهام أنشأها النظام البائد، وتلقت عناصرها تدريبات عسكرية متقدمة منها في إيران وباكستان والشيشان وروسيا وتركيا، وشاركت في عمليات حربية وإرهابية داخل وخارج السودان، فمنذ تسعينيات القرن الماضي، شاركت تلك الكتائب في حروب الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، مدفوعة بأيديولوجيا دينية لا تقيم وزناً لحياة الإنسان، وهي لا تمد الى الدين باي صلة، وانما تتغذى على خطاب الكراهية وثقافة القتل والتعذيب، وذلك بحكم تربيتهم الفكرية والسياسية والعقائدية.
ولم تتوقف ممارسة الحركة الإسلامية في الداخل، بل امتدت استثمارات الحركة الإسلامية الحربية إلى دول الجوار، باعتراف قادتها أنفسهم، من محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1996، إلى التورط في الحرب الليبية، حيث أقر البشير بأن قواته كانت بين أول من أسقط طرابلس في يد الجماعات الليبية المتطرفة، بل ذهبت وزارة الخارجية السودانية آنذاك إلى حد التحريض على المواطنين السودانيين في ليبيا، بزعم انتمائهم للحركات المسلحة الدارفورية المتمردة، وللمفارقات هي ذات الحركات التي تتحالف معها اليوم في هذه الحرب، وامتدت مخططات ومؤامرات الاسلاميين إلى الحرب في تشاد وأفريقيا الوسطى وإريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان، وصولا الى حرب اليمن، التي شهدت لأول مرة مشاركة الجيش السوداني في حرب أهلية خارجية مدفوع الثمن وبعيداً عن أي مصلحة وطنية.
منذ نشأتها، بنت الجبهة الإسلامية مشروعها السياسي على صناعة العنف والتعبئة، مستغلة العاطفة الدينية لدى ملايين السودانيين، لا سيما في عهد الحرب في جنوب السودان، التي وفرت لها بيئة لتوسع نفوذها وسط فئات الطلاب والشباب، عبر ماكينة إعلامية ضخمة سخرت لها كافة مقدرات الدولة، وكرست الخطاب الديني التحريضي وسط المجتمعات السودانية لتأجيج النعرات القبلية، مما أسهم في إشعال الانقسامات والحروب بين القبائل، وفي مناطق التماس الإثني على طول الحدود بين شمال وجنوب السودان، استغلت القبائل وقامت بتحريضهم وتعبئتهم تعبئة عنصرية ودينية وزجت بهم في حرب الجنوب، التي أفضت لاحقاً إلى انفصال الجنوب عام 2011، في مشهد لم يهز مشاعر الإسلاميين ولم يعني لهم شيئاً.
بعد انفصال الجنوب، ورغبة من الإسلاميين في استثمار الحروب الاهلية ضد مواطنيهم، قاموا بإشعال الحرب في جبال النوبة في 6 يونيو 2011، والنيل الأزرق في 5 سبتمبر 2011، تحت ذريعة "محاربة المتمردين من الحركة الشعبية والجيش الشعبي"، بدأت مرحلة جديدة من فصول الحرب، وللمفارقات كان من بين المستهدفين فيها نائب القائد العام الحالي للجيش مالك عقار، الذي يقاتل اليوم في خندق واحد مع الإسلاميين أنفسهم، وللمفارقات أيضا كانت ذرائع تلك الحرب هي ذات الذرائع التي تستخدم اليوم لتبرير الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، "محاربة تمرد الدعم السريع"، في تكرار مأساوي لمشهد الحرب الأهلية الذي لم يعرف للسودان استراحة منذ عقود.
لقد نجحت الحركة الإسلامية، خلال ثلاثين عاماً من الحكم، في تحقيق أخطر أهدافها في السودان؛ وهو السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة وثروات البلاد، وكان الاستثمار الأول لها هو الحرب، التي وسعت من دوائرها لتشمل كل أطراف السودان، "حروب أهلية وتطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم حرب ..الخ"، جرائم موثقة وأسماء مطلوبة لدى المحكمة الجنائية الدولية، "البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وضباط آخرون من القوات المسلحة والمليشيات المتحالفة مع الإسلاميين، خاصة في دارفور"، وفي المدن، لم تتوقف حرب الإسلاميين ضد بنات وأبناء الشعب السوداني، حيث استمرت عبر آلة القمع في استهداف النشطاء والنقابيين والطلاب والمتظاهرين السلميين في جميع انحاء السودان منذ ذلك الحين والى الان.
لم يكتف الإسلاميون بإشعال هذه الحرب، بل هم أحد أركانها الأساسية، يخططون ويمولون ويجندون ويروجون لها عبر آلة إعلامية وخطب دينية تنضح بالحقد والكراهية، ويوظفون النصوص الدينية لتبرير القتل وكافة الجرائم، وألبسوا مشروعهم الدموي ثوب الجهاد، من جديد، في محاولة جديدة لاستقطاب الشباب وتسويق الحرب تحت شعارات مضللة تستخدم فيها العقيدة كطريق إلى الجنة.
ان الخطر الحقيقي للإسلاميين لا يكمن فقط في حجم الحرب والدمار، بل فيما يزرعونه في أعماق المجتمعات السودانية من بذور نزاعات لا تنتهي، ويسعون الى تقسيم السودان لا على أساس تنوعه المشروع، بل وفق خطوط الكراهية والانقسام، وتحويله من وطن يسعى للمدنية والحرية والسلام والعدالة، إلى أرض محروقة تعبث بها جماعات الموت والإرهاب والمصالح الضيقة.
يتبع ...
والمجد للساتك"