لماذا تقوم الدول الأوروبية بحماية الدعــم الســريع؟
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
لم يفلح السودان حتى الآن في حمل العالم على تصنيف مليشيا الدعم السريع المتمردة منظمةً إرهابية على الرغم من جرائم الإبادة الجماعية، والفظائع التي ظلت ترتكبها ضد المدنيين في وضح النهار، ودون مواربة. ولكون هذه المليشيا بدت نموذجًا صارخًا، ومثاليًا لما عرف اصطلاحًا بـ “البنادق المأجورة”، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المرتزقة الذين يقدمون خدماتهم القتالية مقابل المال دون اعتبار للأيديولوجيا أو القيم.
فهؤلاء المرتزقة لا يهمهم سوى العائد المادي، ويعملون بشكل رئيسي لخدمة أهداف من يدفع لهم، سواء كان طرفًا على المستوى الداخلي، أو الإقليمي، أو الدولي.
فقد جعلت هذه “الميزة” الأطراف المستفيدة من خدمات مليشيا الدعم السريع أطرافًا ممانعة لتصنيفها منظمةً إرهابية، كما يجب. لقد بدأت هذه المليشيا قوة شبه عسكرية من “الجنجويد” – مجموعات مسلحة غير نظامية في دارفور -، وتطورت إلى قوة بقانون تشارك في النزاعات الداخلية.
وعلى الرغم من التقارير الحقوقية التي توثق انتهاكاتها، فإن العوامل السياسية، والاقتصادية الإقليمية، والدولية ظلت مؤثرة جدًا في تأخير تصنيفها منظمة إرهابية. ويعكس ذلك التردد تناقض المجتمع الدولي، حيث يتم تغليب المصالح السياسية، والأمنية، والاقتصادية على حساب العدالة الدولية المزعومة.
وتجدر الإشارة هنا إلى قول الموظف السابق في البيت الأبيض المختص بشؤون القرن الأفريقي، والسودان في لقائه مع الجزيرة مؤخرًا بعد أن تحرر من الموقع الرسمي: إن “مليشيا الدعم السريع يجب أن تصنف منظمة إرهابية؛ لأنها تقوم بأعمال إرهابية ضد الشعب السوداني”.
فمن الجلي أن هناك أولويات تتعلق بمصالح الدول الكبرى، والإقليمية التي تخشى أن يؤدي هذا التصنيف إلى فقدان شريك أمني أو “بندقية مأجورة”. وما قد يتعارض مع مصالح بعض القوى الدولية هو أن تصنيف هذه المليشيا منظمة إرهابية، سيؤدي إلى انعكاسات إيجابية على الأوضاع الداخلية في السودان، من إنهاء النزاع المسلح، وتقليل الانقسامات الاجتماعية، إلى التأثير الإيجابي على الاقتصاد، وخفض معاناة المدنيين.
فبالإضافة إلى ذلك فإن هذا التصنيف سيحلحل تعقيدات العملية السياسية، ويمكن الدبلوماسية السودانية من المزيد من النشاط، مما يجعل من السهل إيجاد حلول سلمية، واستقرار طويل الأمد.
نشأة رغائبية شائهة
بدأ التفكير في إنشاء مليشيا الدعم السريع في 2003، لأغراض أمنية بحتة تتعلق باضطراب الأوضاع في إقليم دارفور مع بداية التمرد هناك، لكن سرعان ما تم استغلالها رغائبيًا في إطار حالة عدم اليقين، واهتزاز الثقة بين أركان السلطة، لا سيما بعد انشقاق الحزب الحاكم آنذاك في العام 1999.
وفي إطار طبيعة النزاع المتوارثة في دارفور بين القبائل الرعوية، والزراعية، ومع تأثر السودان بالحرب الأهلية في تشاد المجاورة التي تربطها به حدود مفتوحة، وقبائل مشتركة اتخذت النزاعات بين القبائل أشكالًا مسلحة تتطور طرديًا مع زيادة تدفق السلاح من تشاد.
وقامت مجموعات من القبائل المحلية بتنظيم قوات مسلحة عرفت باسم “الجنجويد”، وأجادت فنون القتال، والكر، والفر في مناطق ذات طبيعة سهلية شاسعة تجد أقوى الجيوش صعوبة في الانتشار فيها، والسيطرة عليها.
هذه الميزات جعلت السلطة المركزية في حقب عديدة، لا سيما نظام الرئيس السابق عمر البشير، تسعى لاستغلالها وتجنيدها لصالح السيطرة على المجموعات المتمردة ذات الأهداف السياسية، وربما المرتبطة بالخارج.
بيد أن حكومة البشير غضت الطرف عن السمعة السيئة للجنجويد؛ نتيجة الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم ضد المدنيين. والحقيقة أن السلطة المركزية كانت كمن يحاول عبثًا ترويض ذئبٍ ليجعله أليفًا يُؤلَف يعيش بين الناس، لكن الذئب يظل ذئبًا، ولن يغلب الطبع التطبّع.
في عام 2013، قررت حكومة البشير إعادة تنظيم هذه المليشيا في هيكل رسمي رغم اعتراضات ضباط من الجيش، وأطلقت عليها اسم “قوات الدعم السريع”، ومنحتها وضعًا قانونيًا ضمن الجيش القومي، ولكن بصيغة مرتبكة. وتم تعيين محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”، قائدًا لهذه القوات.
غير أن هذه القوات بقيت – لشيء في نفس البشير – تابعة له مباشرة، ولم تتبع لهيئة أركان الجيش، كما كان يفترض، وهذا الأمر كان سيمنع لاحقًا تفلّتها، ومحاولة بناء نفسها باعتبارها جيشًا موازيًا بعقيدة غير عقيدة الجيش الوطني القومي. وقد ساعد هذا الوضع الشائه في تعزيز قدرات المليشيا، وتسليحها بشكل كبير بعيدًا عن خطط وسيطرة الجيش، لا سيما بعد سقوط نظام البشير في أبريل/ نيسان 2019.
وبعد الإطاحة بالبشير برزت مليشيا الدعم السريع قوة رئيسية في المرحلة الانتقالية، ووقّعت على اتفاق مع القوى السياسية للمشاركة في السلطة الانتقالية بجانب الجيش، وشغل حميدتي منصب نائب رئيس المجلس السيادي، الأمر الذي جعل المليشيا لاعبًا رئيسيًا في السياسة السودانية، بل إنها تطلّعت لاحقًا للاستيلاء على السلطة بالتعاون، والتخابر مع قوى إقليمية، ودولية، وهذا كان السبب الرئيسي في اندلاع الحرب الحالية التي تكاد تذهب بالدولة السودانية من القواعد.
إن هذا الوضع الشاذ لم يمكنها سياسيًا، وعسكريًا فحسب، وإنما سيطرت على أهم الموارد الاقتصادية في البلاد، وهي مناجم الذهب في دارفور. وكانت عوائد هذا المورد عاملًا حاسمًا في بناء نفوذها العسكري والسياسي، ولعب دور الوكيل المعتمد للقوى الإقليمية الطامعة في الذهب السوداني.
ولذلك كان هدف الاستيلاء على السلطة هو تعزيز هذه الأوضاع الآثمة لتتحول من خانة “البنادق المأجورة” إلى خانة “الأنظمة المأجورة”، ومن ثم تحويل كامل الدولة السودانية لدولة وظيفية خادمة مطيعة للإمبريالية العالمية.
تجاهل رغم التوثيق والاعتراف
إن سلوك هذه المليشيا أصبح محيرًا، ويدلُّ على خلل نفسي ما، وهو سلوك ناتج عن فقدان التوازن العقلي؛ فلا يتوانى عناصر المليشيا في تسجيل، وتوثيق جرائمهم بأنفسهم، وهم يبدون سعادتهم بذلك دون مواربة. وأظهرت مقاطع مبثوثة من جانبهم إجبار مواطنين اختطفتهم على تقليد نباح الكلاب، ومرة أخرى صوت القطط. ومن قبل وثّقوا عمليات اغتصاب ارتكبوها، وقد تناوبوا على الضحية.
إن الجرائم التي ترتكبها هذه المليشيا ليست أقل بأي حال من جرائم مخزية تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وهذه كلها جرائم تتعارض مع القوانين الدولية في المجال الإنساني.
وقامَ العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بإصدار تقارير تفصيلية عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في السودان، وتناولت هذه التقارير قضايا القتل الجماعي، والاعتقالات التعسفية، والانتهاكات ضد المدنيين، إضافة إلى استخدام العنف المفرط خلال النزاعات. وهنا نعرض ملخصًا لأبرز هذه التقارير ودور الإعلام العالمي في توثيقها.
في أوائل هذا العام أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا أمميًا بشأن ارتكاب مجازر في إقليم دارفور، كان قد قطع قول كل خطيب، وأفاد التقرير المقدم إلى مجلس الأمن الدولي بأن نحو 15 ألف شخص قتلوا في مدينة واحدة في منطقة غرب دارفور منذ اندلاع التمرد، في أعمال عنف عرقية نفذتها مليشيا الدعم السريع.
ونقلت مقاطع مصورة، دفن أبرياء أحياءً وذبح آخرين في مشاهد هزت الضمير الإنساني هزًا عنيفًا. كما أصدرت “هيومن رايتس ووتش” عدة تقارير تركز على الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، خاصة في دارفور.
أما منظمة العفو الدولية، فقد أشارت في تقاريرها إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها المليشيا، مع التركيز على حالات القتل خارج إطار القانون، والتعذيب، والاعتداء على النساء، والأطفال.
وتزامنت تقارير المنظمات المعنية مع تقارير صادمة بثتها وسائل إعلام دولية، حيث قامت وكالات مثل: (رويترز)، و(بي بي سي)، و(سي إن إن) بنشر، وبث تقارير ميدانية مصورة حول اعتداءات المليشيا على المدنيين، في مناطق تسيطر عليها، أو تلك التي استعادها الجيش السوداني من قبضتها.
هذا بالإضافة إلى تحقيقات صحفية استقصائية كشفت جوانب أخرى من هذه الانتهاكات، مثل: تجنيد الأطفال، والعنف ضد النساء. كما تمكّنت العديد من وسائل الإعلام من نشر شهادات الضحايا، والوصول إلى الشهود، وإبراز مقابلات، وتقارير، وثائقية تُظهر الظروف الصعبة التي يواجهها السكان الواقعون تحت جحيم هذه الجرائم.
لماذا يتأخر دمغ المليشيا بالإرهاب؟
هناك كثير من العوامل السياسية التي تمنع ما يعرف بالمجتمع الدولي من اتخاذ خطوة تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية، هناك مصالح إقليمية، ودولية في السودان تتأسس على الموقع الإستراتيجي للسودان، لا سيما في القرن الأفريقي.
وهناك قوى إقليمية ترى أن مصالحها أو بالأحرى مطامعها لن تحصل عليها إلا عبر “البندقية المأجورة” المتمثلة في المليشيا، وأن تصنيفها منظمة إرهابية لن يمكنها من استعمالها لأهدافها.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك تنسيقًا سياسيًا مع بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تجد في المليشيا “بندقية مأجورة” غير مباشرة يمكن استخدامها في تحقيق أهداف معينة في السودان، والمنطقة، مما يدفعها إلى عدم السعي لتصنيفها منظمة إرهابية. فضلًا عن أن واشنطن هي وحدها صاحبة “حق الملكية” لمصطلح الإرهاب تستخدمه سياسيًا متى تشاء، وكيفما تشاء.
كذلك سبق للاتحاد الأوروبي استعمال هذه المليشيات “بندقية مأجورة” للحد من الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي نحو أوروبا عبر السودان. هذا التعاون الأمني جعل بعض الدول الأوروبية تتردد في تصنيفها منظمة إرهابية؛ خشية فقدان شريك محوري في مكافحة الهجرة.
ففي 2016 عقد معها الاتحاد الأوروبي اتفاقًا تحت جنح الظلام؛ لوقف تدفق اللاجئين من أفريقيا عبر السودان بقيمة (110) ملايين يورو، حسب تأكيدات الخارجية السودانية حينذاك. وردت منظمة “هيومن رايتس ووتش” غاضبة في بيان لها: إن “من السخرية تعاون الاتحاد الأوروبي الذي تأسس على قاعدة من القيم، مع حكومات مستبدة تحتقر الحقوق الإنسانية، لمجرد الرغبة في منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا”.
إن القوى الدولية، والإقليمية الممانعة لتصنيف المليشيا منظمة إرهابية سخّرت آلتها الإعلامية لتبني سردية متعلقة بالدور العسكري، والسياسي داخليًا؛ بغرض دفع الآخرين للوقوف في صفّ الممانعة أو على الأقلّ تأخير، ومماطلة تحقيق تلك الخطوة المهمة.
وتقول تلك السردية التي تغلف باطلًا بحق إن المليشيا أصبحت جزءًا من البنية السياسية، والعسكرية في السودان، ولها نفوذ في البلاد. لذا، يُخشى من أن يؤدي تصنيفها منظمة إرهابية إلى تفاقم الأزمة السياسية، والأمنية في السودان، وإضعاف الحكومة المركزية.
كذلك يشيع الممانعون، ويخوفون من التبعات الاقتصادية للتصنيف الإرهابي للمليشيا، إذ سيؤدي إلى زيادة المخاطر على شركات التعدين، والنفط في المناطق التقليدية للمليشيا، وحواضنها الاجتماعية.
ويقولون إن فرض عقوبات أو تصنيفها منظمة إرهابية، سيؤدي إلى تعقيدات قانونية بالنسبة للشركات الدولية التي تعمل في هذه المناطق، مما يضر بالمصالح الاقتصادية لهذه الشركات، والدول التي تقف خلفها.
لعلّ الممانعين لو اكتفوا بالقول إن تصنيف المليشيا منظمة إرهابية، سيؤدي إلى تفككها إلى مجموعات إرهابية صغيرة كما يبدو عليه حالها اليوم بعد الضربات القوية التي سببها لها الجيش، فإن ذلك كان سيبدو منطقيًا، ومقبولًا ويبعد عنهم شبهة النوايا السيئة التي تقف حجر عثرة في إقرار تصنيف دولي للمليشيا باعتبارها منظمة إرهابية، يسهم في القضاء المبرم عليها.
د. ياسر محجوب الحسين
الجزيرة
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: تصنیفها منظمة إرهابیة ملیشیا الدعم السریع هذه الملیشیا فی السودان سیؤدی إلى فی دارفور لا سیما
إقرأ أيضاً:
لماذا البكاء اليوم يا حزب الامة، وقد حذرناكم كثيرا
في زمن الصادق لم يكن هنالك مجال للديمقراطية. ولم يكن هنالك من يقدر على المعارضة او النصح . اخيرا حسم احد شيوخ الانصار الامر في جملتين لعبد الرحمن الصادق في فيديو لاصلاح حزب الامة .... كسر البرمة ولجم الحرمة .
كل هذه الفوضي الدمار وبحار الدماء سببها البرمة . برمة قال مفتخرا بانه قد سلح اهله المسيرية ، والسبب هو انهم قد هددوه بانه اذا لم يسلحهم بالكلاش ففي امكانهم شراء اسلحة ثقيلة وحتى طائرات.... تصور. وتدحرجت كرة الثلج. انتشر السلاح في كل يد وازدهر النهب المسلح وفرخت المليشيا. الضحية كان الجنوبيين وارتكبت المذابح بواسطة المراحيل والرزيقات وخلافهم بجانب الجيش !!
من موضوع سابق
اقتباس
حزب الأمة المخطوف سلم اليوم لخائن وجبان .
اقتباس…. من موضوع المسكوت عنه شوقي دري قبل ما يقارب العقدين …..
نحتاج لجيل شجاع لا يتهيب اما جيلنا فهو ميؤس منه. وأكبر مصيبه تواجهنا هي الطائفيه والتي اذا لم نتخلص منها فلن يتقدم السودان ولقد نجح ازهري في هز عرش الطائفيه الا أنه لسوء الحظ صار مسيطرا على الحزب الأتحادي ولهذا قال يحي الفضلي “الصنم دا انا صنعته بايدي وراح اكسره” لهذا تعاون يحي الفضلي مع نظام عبود. وصار كل من له انتماء لطائفه ويستطيع ان يرضي السيد يصير مسيطرا على البلاد واعناق العباد.
وزير الدفاع الذي كان من المفروض ان يحمي العرض والشرف والوطن كان فضل الله برمه. وفي السبعينات كنت اراه كثيرا في منزلنا في ام درمان لان صلاح محمد أحمد صلاح وجده ألأمير صلاح متزوج من شقيقتي ووالده ابن عمة أمي ووالد صلاح الذي زامل والدي في كلية غردون كان تاجرا في لقاوه. واللواء فضل الله برمه متزوج من خديجه وهي ابنة خال صلاح ولهذا كان تواجدهم في منزلنا شيءا عاديا خاصة وان صلاح كان يسكن معنا في الاجازات وحتى قبل ان يتزوج من شقيقتي ويصير شريكي. ولقد سمعت فضل الله برمه في السبعينات وامام مجموعه من الناس في منزلنا يقول فخورا بأنهم قد سحقوا المرتزقه. وقاموا تنفيذ الحكم عليهم بالأعدام وضربهم بالرصاص. وهؤلاء المرتزقه الذين يتحدث عنهم هم جنود حزب الأمه والأنصار المساكين الذين اتوا من ليبيا وغرب السودان ثم صار فضل الله برمه وزيرا دولة للدفاع في حكومة الصادق المهدي. الصادق لم يكن ملتفتا للدفاع وتركه لبرمة ..
رجع فضل الله برمه في بداية الثمانينات بعد ان كان ملحقا عسكريا في نيودلهي لم يكن له مسكنا في الخرطوم وكان يقيم في منزل شقيقتي وصلاح ابن خالة زوجته خديجة حسين ، في الثوره شرق مجموعة البيوت التي عرفت ببيوت الصول نصر. وكنت ازوره وزوجته وعندما اصبح وزير دوله للدفاع في الديمقراطيه الأخيره ذهبت لتحيته ووجدت معه اللواء فضل الله حماد وأخرين. وفي تلك الأيام ذهب الصادق المهدي الذي كان وزيرا للدفاع لأنجلترا للتفاوض مع شركة رويال اوردننس التي كانت لعقود عديده تمول السودان بالسلاح!! ومباشرة بعد زيارة الصادق المهدي ذهب الأنجليزي الذي يمثل مكتب السودان للمشتروات و طالب بالعموله ..
ولأن رويل اوردننس جزء من بريتش ايرسبيس فلقد استغرب جوليان الذي كان وقتها نائب المدير العام لبريتش ايرسبيس ان يتصل شخص بعد زيارة رئيس وزراء السودان. وصلتي بجوليان انه كان مولعا بالسيارات القديمه و مشاهدة مبارايات التنس ويشاركه في هذه الهوايه رمزي شريكي لأكثر من 20 سنه. وعندما صار فضل الله برمه وزيرا للدفاع ظهر مصري يدعى عبدالله وصار يتحدث بإسمه خاصه مع شركة البدفورد ثم ظهر الأنجليزي الذي يمثل مكتب السودان للمشتروات. الحقيقه أن مكتب السودان للمشتروات كان يشتري كل شيء لحكومة السودان حتى السلاح حتى غيرحزب الامةهذا النظام في الستينات واصبح للجيش مكتب مشترواته الخاصه لاشعال الحرب،، المقدسة ،، على جنوب السودان . تلك كانت بداية فساد الجيش. وحاول الأنجليزي ان يلوي ذراع الشركات الأنجليزيه وكان يقول ان الامر يجب ان يسير كما كان ايام جنرال توم وكان يقصد الزبير رجب الذي كان معدما في البداية وهو صديق النميري الحميم والذي كان يتحصل على هذه العمولات . بدأ الحديث عن ان الديمقراطيه ستسقط وان الجيش سيستلم السلطه من جديد وكان الانجليزي يقول ان الحكومه العسكريه القادمه ستتعامل بواسطته ..
وجدت انه من اللازم ان أخبر فضل الله برمه. فأخذت معي الرجل الشريف محمد صالح عبداللطيف وهو قاضي جنايات ام درمان الذي رفض ان يحاكم فاروق ابوعيسى وأحمد سليمان في 1963 فنقل الي قسم الحركه وارجع أحمد العاقب من المعاش وحكم على فاروق واحمد سليمان بست شهور لأنهم في دفاعهم اساؤوا للحكومه ..
وبعد الساعه السابعه صباحا كنا امام منزل فضل الله برمه في كوبر لكي اخبره بالمصري الذي كان يسيء لأسمه ومحاولة الأنقلاب التي كانت معروفه في لندن. ووجدت شاويشا وعسكري سائق السياره ورجل امن امام المنزل ورفضوا السماح لنا بالدخول. وانتظرنا ساعه وربع وقوفا امام المنزل والسائق يقوم بتلميع السياره المرسيدس 360 بلون البيج المائل للاحمر. وافهمنا رجل الأمن انه من المهم مقابلة فضل الله برمه وقال”هذا غير مسموح انها اوامر خديجه” فأخرجت ورقه لترك رساله لفضل الله فصرخ رجل الأمن والعسكري والسائق بصوت واحد”ممنوع دي اوامر خديجه .”
عمر اسماعيل ابن خالة خديجه صديق عزيز بالنسه لي كان مدرسا في مدرسة بيت الأمانه في الستينات ثم تقابلنا في كوبنهاجن في نهاية الستينات وبداية السبعينات وكان متزوج من سوزي البريطانيه وله منها ابن والأن يعمل عمرفي حقول البترول في جزيرة داس في ابوظبي. وفي التسعينات وبينما فضل الله برمه في السجن ذهب عمر اسماعيل لزيارة ابنة عمته فقبض عليه رجال أمن الجبهه وقيوده وابرحوه ضربا وشتما وهددوه بالموت وطالبوه أن يمتنع عن زيارة خديجه وان لا يخبر احدا بمافعلوه به. وحتى عندما قال أنه يزور اخته لم يشفع له ذلك. ولقد تألمت لما حصل لعمر الرجل الشهم ولا ادري هل تعرض أخوته الدكتور احمد اسماعيل او عبدالقادر اسماعيل احفاد الناظر قراض القش لنفس المعامله عند زيارة خديجه.
السؤال الذي يطرح نفسه كيف بنى اللواء فضل الله برمه والذي كان لا يملك اى شيء في الثمانينات بيته الفاخر في الرياض ومنزله في لندن ؟
عند سؤال عمر نور الدايم كيف بنى منزله الفاخر قال”الأخوان ادوني” وفي الديمقراطيه لا يتقبل المسئول هديه من اي جهه اواي شخص ..
ولقد قالت حسب سيده عبدالكريم بدري للصادق المهدي في منزل يوسف بدري رحمةالله عليه وامام حشد كبير من الناس”…..ياانت تكون عارف انو ودعمك مبارك الفاضل بيسرق ودي مصيبه او تكون ماعارف ودي مصيبة اكبر.”
الطالب في جامعة الخرطوم الكباشي النور الصافي الذي يكتب كثيرا في الاسافير تحت اسم كانتونا اشتبكنا في مناوشات عندما كانت يقول ان كاكا التجارية او كدوك بلدة اهلي الشلك سيحتلونها اذا انفصل الجنوب . لم يكن يعجبه نقدي للصادق رحمة الله عليه . كان يفتخر بانصاريته وان جده كان من ملازمية الخليفة عبد الله . تطور الأمر الى شبه صداقة ولأنه كان مرتبطا ببعض آل بدري من الانصار في لندن . اعلمني انه كان وسيلة الصادق والآخرين في الاتصال بفضل الله برمةعندما كان طالبا في جامعة الحرطوم . عرفت انه اتصل بفضل الله للتحرك عندما بدأ جنود محمد نور سعد في التحرك الا أن فضل الله قد جبن ولم يتحرك . وعندما اعتقل الكباشي النور الصافي قال له فضل الله امسك لسانك وانا بطلعك منها . كباشي من المسيرية ولهذا كانت علاقته مع فضل الله قوية ففضل الله نصف نوباوي ونصف مسيري . الا انه لم يتورع من محاكمة جنود محمد نور سعد الذي وقف موقفا بطوليا ورفض أن يورط فضل الله برمة ومبارك الفاضل الذي كان محمد نور يسكن في منزلهم اثناء التحضير للهجوم الذي من المفروض أن يدعمه فضل الله برمة من الداخل الا انه انصاع الى اوامر خديجة حسين كالعادة .
كلمات العم سعد محمدين لابنه محمد نور عندما ارادوا مساومته في آخر ايام المحاكمة التي حضرها الوالد الوالدة وشقيقته الرضية. الوالدة لم تحضر اليوم الاخير في المحاكمة بسبب ذهابها الى فكي في كوستي .
…. انت يا ولدي عشت راجل ، موت راجل ….. يمكن قوقلة شوقي بدري البطل محمد نورسعد . والنميري كان يريد بكل السبل أن يتحصل من محمد نور على اسماء المشاركين معه . وكان في امكان محمد نور سعد أن يساوم خاصة بعد مناشدة اخته الرضية سعد…. ماشي تخلينا لي منو؟ كان هذا في المحكمة في سلاح الاشارة بحري .
فضل الله برمة واهله لا صلة لهم بحزب الامة او الانصار ولم يكن لهم دورا في نشاطات الانصار . وليس كل من سكن جبال النوبة او لقاوة بانصاري . الاخ ميرغني في لقاوة متزوج من ابنة خالي أمنة محمد احمد صلاح تحمل اسم جدتها الدنقلاوية آمنة اسماعيل ابتر ووالدتها هى زينب محمد دفع الله ناظر المسيرية المشهور. الا ان ميرغني كان ختميا وفي شبابه كان يحمل لواء الختمية في الاعياد والحوليات الخ .
فضل الله حماد اللواء المميز هو سليل زعماء الانصار وحكام المنطقة وجده لامه الناظر محمد دفع الله . ولكن امثاله من الشجعان هم من تفاداهم الصادق لانه لا يحب الرجال والنساء الاقوياء . منهم الدكتور الاديب والسفير على حمد ابراهيم بطل دار محارب وابن شيخهم في الجبلين وهم من ترشح الصادق بينهم لانه يعرف انه سيسقط في امدرمان بلد ميلاده وسكنه ،السبب هو الوعى في امدرمان . ولهذا حاربوا الأمير نقد الله الابن ورفعوا ود الرسالة على الاكتاف ضد الامير ابن الامير نقد الله بطل حزب الامة . بالرغم من معارضتنا لحزب الامة الا اننا نعرف خيرة العقول في هذا الحزب لماذا لا يعطوهم الفرصة ؟ هل لأن آل المهدي يريدون الخدم والحاشية فقط ؟؟ منهم فضل الله برمة . اذا كان الناس تبحث عن من هو اسوأ من المسخ كباشي الذي قال حدس ما حدس فهاكم برمة . والغريبة انهما لم يحظيا بروعة ، شجاعة ونبل النوبة الذين قدموا للسودان في ساحات الوغى اكثر من الجميع .
كل الطغاة لا يحبون النساء او الرجال الاقوياء . كتاب اسرار جهاز الاسرار كتب اثنين من رجال جهاز الامن الاخ هاشم ابورنات ومحمد عبد العزيز . ذكر فيه أن نميري قد طلب سيرة السياسي الجنوبي ،، البينو ،، فاعطوه اسوأ تقرير عن الرجل . لدهشة الجميع أن نميري قد وظفه كوزير !! بعد سقوط نميري وفي فترة الحكومة الديمقراطية رافق البينو وزير الحارجية حسين ابو صالح الى السعودية . اكتشف السعوديون أن البينو كان يهرب معه مخدرات بكمية تجارية !!
برمة تسلق على اكتاف رئيسه فضل الله حماد زوج خدوج اخت خديجة حسين وتلك الصلة اتاحت له فرصة الزواج من خديجة . له اثنين من الاخوة الشرفاء عملا كفراشين في مدرسة خور طقت يتذكرهم الناس باحترام . لم يكونا قدر المقام عندالملكة خديجة حسين، وفضل الله الذي صار اليوم على رأس حزب الامة لا يقدر على معارضة الملكة خديجة حسين . ما هو الغريب في نجاح انقلاب الكيزان ؟؟ .
عند اختلاف نميري المتوقع مع الرجل الشهم اللواء فضل الله حماد ذهب فضل الله الى نيالا وصار له مشرعا لتصدير الماشية . وعند وفاة ابنته انعام المفاجئ اتى بالقطار الى الخرطوم وكان من المتوقع أن يتجه الى منزل صديقه وعديله فضل الله برمة . ولكن خديجة ارسلت من قابله في المحطة واخبروه انه غير مرحب بهم في منزل فضل الله برمة خوفا من اغضاب نميري . واتجه فضل الله حماد الى منزل صلاح محمد دفع الله في المزاد وصلاح كان عاملا في مصنع النسيج . لحسن الحظ أن نميري ولانه يعرف معدن اللواء فضل الله حماد فقد جعل منه نائبا للمحافظ في الابيض الفاتح بشارة . فضل الله ليس له فائدة لاهله، هل سيكون له فائدة لحزب الامة، او الامة ؟
رحم الله الرجال امثال المهندس ابراهيم احمد ، القاضي محمد صالح الشنقيطي ، الدكتور على بدري ، الامير عبد الله عبد الرحمن نقد الله ، بوث ديو، المربي عبيد عبد النور ، محمد الخليقة شريف محمد احمد المحجوب ،زيادة ارباب محمد على شوقي المربي عبد الرحمن على طه وكل الجهابذة الذي اسسوا او شاركوا في ادارة حزب الامة القاضي ابراهيم النور . واليوم فضل الله برمة الذي حاكم جنود محمد نور سعد وآخرين هو على رأس حزب الامة …… محن … محن ثم محن . لماذا كان الصادق يضحي بامثال اللواء فضل الله حماد الدفعة الرابعة وصاحب كتاب …. كلمة شرف والذي يعتبر المرجع المهم في جامعة الخرطوم للتاريخ العسكري السوداني ؟ اللواء فضل الله حماد لم يكن ليقبل اذا طلب منه الصادق وغير الصادق أن يعفو عن البشير . البشير قام بعبطه المشهور عنه باطلاق النار من كلاشنكوف بيد واحدة مجاريا فرسان المسيرية ، وقتل فتاة وجرح آخرين في المجلد واحتمي بحرسه ثم اختبأ في القاعدة العسكرية . وقتها كان البشير المرشح لقيادة الانقلاب بعد حمدين الذي مات في الجنوب وعبيد ختم . ولهذا طالب الترابي من فضل الله برمة والصادق ،، تلافي ،، الموضوع . وبدلا من سجن وطرد البشير من الجيش ، صار حاكما على السودان لثلاثة عقود !!!! مسكين السودان يخونه بنوه .
عضو مجلس السيادة ادريس البنا حفيد شاعر المهدية محمد عمر البنا والذي قال
الحرب صبـــــــر واللقاء ثبات
والمــــوت في شأن الإله حياة
الجبن عار والشجــــاعة هيبة
للمرء ما اقترنت بها العزمات
،قال منذ البداية انه ذهب واخبر الصادق بالانقلاب الذي كتب عنه حسين ،، جلي ،، في صحيفة الوان وانه سيحدث بعد ثلاثة ايام وفي يوم 30 يونيو 1989. فذهب الى الصادق ليخبره بالانقلاب الا ان الصادق قال له ….. ومالو ؟؟!! اذكر أن الاخ وزميل الطفولة الصحفي الفاتح محمد التجاني سلوم طيب الله ثراه من ابناء الانصار جده العمدة سلوم في شركيلة غرب كردفان وامه من اسرة الامير حمودة من البرام في دارفور، وهو من عمل الى نهاية التسعينات في جريدة الاتحاد الأماراتية . قال انه ذهب مع الصحفي محمد سعيد محمد الحسن الى الصادق ليخبروه بانقلاب مايو والذي عرفه الكثيرون وكتب عنه عبد الرحمن مختار في جريدة الصحافة قبل وقوعه. وكتب في كتابه خريف الفرح انه كان يتجسس على اجتماعات ابي القاسم وابي القاسم والبقية عندما كانوا يحتمعون في بري من ثقب الباب عندما كان عبد الرحمن يسكن في بري .
عبد الرحمن مختار من ابناء الانصار وجده ود سالة كان امام الجزيرة ابا . الا أن الصادق سفه رأيهما وقال …. العساكر اتأدبوا بعد اكتوبر تاني ما حيقدروا يعملوا انقلاب . قال الزعيم التجاني الطيب بابكر القطب الشيوعي للصادق المهدي الذي اتوا به لكوبر حليق الشارب واللحية في بداية الانقاذ. ….. انحنا كلمناك بالانقلاب . انكر الصادق كعادته . قال له الزعيم التجاني امام الجميع ، كلمنا صلاح عبد السلام القاعد جمبك ده . الصادق كان مشاركا في الانقلاب الا أن الكيزان انتقموا منه لخيانته لهم في ،، الغزو الليبي ،، وموت الكيزان والانصار ، بسبب نرجسيةوانانية الصادق . .
الصادق كان سعيدا بالانقلاب على المحجوب وعمه الهادي لأنه نرجسي ولا تهمه الا نفسه . ولانهم طردوه من رئاسة الوزراء وقفلوا البرلمان وكان يجتمع مع نوابه تحت الشجرة . وفي زمن الانقاذ كان كارها لارتفاع نجم الميرغني ولهذا رفض اتفاقية قرنق الميرغني لانها لم تحمل اسمه . وقد خدعه الترابي بأنهم سيقومون بانقلاب لصالحه . ويكون لهما سويا حكم السودان بحرية كاملة . .
الصادق كان يعرف أن برمة خائن وجبان . ولكنه ككل الطغاة لا يحب الرجال الاقوياء ولهذا تخلص الخليفة من النجومي قام بتسميم حمدان ابو عنجة وسجن الزاكي طمل وقتله بالجوع والقاء العقارب عليه في سجنه مثل القبر. سجن امير البحرين وفاتح الخرطوم ابو قرجة في سجن الرجاف . اطلق سراحه البلجيك عندما احتلوا جنوب السودان لفترة . كره الخليفة أن الزاكي طمل صار محبوبا لانه كان عادلا وكان المثل ….. الزاكي عدل والجداد قدل ….لأن جنود المهدية كانوا ينهبون الكثير خاصة الدجاج لطعامهم .ارسل امير البحرين ابو فرجة الى سجن الرجاف وانقذه البلجيك عندما احتلوا جنوب السودان . وعندما اتى الانجليز لم يكن هنالك القادة المتمرسين للدفاع عن السودان . .
اليوم لا يوجد الرجال الكبار من اصحاب العزم فلقد همشهم الصادق . وحزب الامة لن يعود ابدا لحالته القديمة . صدقت العظيمة فاطمة احمد أبراهيم عندما قالت عن الصادق وشبقه بالسلطة .. تاني ما بشمها ... ما بشمها . دور حزب الامة قد تغير كثيرا ، واهل دارفور قد خرجوا من الطاعة العمياء . المدن الكبيرة لن تناصر الطائفية . فرية المهدي خليفة رسول الله والميرغني خاتم الاولياء لن تنطلي على الشباب اليوم . انها مرحلة العد التنازلي لحزب الامة .
شوقي
ونواصل
shawgibadri@hotmail.com