لجريدة عمان:
2024-09-16@07:10:18 GMT

بايدن وَرِيث سياسات ترامب

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

يقولون عنه إنه مختالٌ فخورٌ ويكذب. وأنه حاول القيام بانقلاب. هذا صحيح في اعتقادي. لكن من الصحيح أيضا أن ترامب كرئيس كان مسؤولا عن تحولات تاريخية في السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة. وهي تحولات بَنَى عليها جو بايدن. وغالبا ما ستستمر حتى إذا ذهب ترامب إلى السجن.

ما الذي يجعل حقبةً رئاسية تاريخية حقا؟ يتطلب ذلك منها أساسا إحداث قطيعة جذرية مع الماضي يقبلها ويتبنى نتائجها وفرضياتها الخصوم السياسيون.

الرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت فعل ذلك (قَطَعَ مع الماضي) بسياسة النيوديل أو الصفقة الجديدة. وليندون جونسون فعل ذلك بقانون الحقوق المدنية. ورونالد ريجان فعل ذلك بسياسات التحرير وخفض الضرائب المعروفة الآن باسم «الليبرالية الجديدة».

الرؤساء الذين جاؤوا بعد ريجان قبلوا بشكل أساسي فلسفة حرية السوق التي أورثها لهم. فالرئيس بيل كلنتون دفع باتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (نافتا). وجورج دبليو بوش رحب بانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وإدارة أوباما سعت للتوصل إلى معاهدة استثمار ثنائية بين الولايات المتحدة والصين ووافقت على شراكة عبر الأطلنطي وهي اتفاقية تجارية جديدة.

لكن ترامب تنصّل عن الإجماع على العولمة الذي استمر لأربعين عاما قبل مجيئه إلى سدَّة الحكم. وفي الحملة الانتخابية اتهم الصين بالضحك على أمريكا واغتصابها. وفي خطاب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة شكا من «المذبحة الأمريكية» التي نسبها إلى العولمة.

وقيل إن بوش الذي كان يستمع إلى الخطاب غمغم بما معناه أن ذلك افتراء غريب.

وفي أول يوم له في المنصب سحب ترامب أمريكا من شراكة عبر المحيط الهادي. وفي عام 2017 تعمدت الولايات المتحدة تقييد منظمة التجارة العالمية بمنع تعيين قضاة جدد لمحكمة الاستئناف التابعة لها. وفرض روبرت ليتهايزر الممثل التجاري للرئيس ترامب حزمة من الرسوم الجمركية على الصين. أيضا أعاد ترامب التفاوض حول اتفاقية نافتا والتي عدل اسمها إلى اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. كل هذا تم تبريره باسم إعادة الوظائف الصناعية إلى الولايات المتحدة.

التنافس الجديد مع الصين كان أيضا جيوسياسيا. واستراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب التي أعلِنت في عام 2017 جعلت «تنافس القوى العظمى» مع الصين وروسيا «واسطة عقد» مقاربته للعالم.

ما الذي فعله بايدن بكل هذا «الافتراء الغريب»؟ بدلا عن أن تُلقي إدارته به جانبا حافظت على معظم هذه السياسات التي تعود إلى عهد ترامب. بل مضت حتى إلى البناء عليها. فهي لم تحاول الانضمام مجددا إلى شراكة عبر المحيط الأطلسي واستمرت في عرقلة عمل محكمة الاستئناف بمنظمة التجارة العالمية. وفي السر يقول بعض مسؤولي الإدارة إن السماح للصين بالانضمام إلى المنظمة كان خاطئا. ولا تزال التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين قائمة.

كما تبنّت هذه الإدارة أيضا مفهوم تنافس القوى العظمى مع الصين. فسياسة بايدن للأمن القومي تصف الصين بأنها التحدي الجيوسياسي «الأكثر أهمية» بالنسبة لأمريكا.

ووراء سياسات بايدن الاقتصادية الطموحة والتدخلية «بايدنوميكس» رغبة ترامبية بتصنيع أمريكا مجددا وإعادة بناء الطبقة الوسطى.

سيجادل فريق بايدن عن حق بأن سياساته أكثر منهجية من سياسات إدارة ترامب وتحوي بعض العناصر الجديدة. فالتأكيد على الطاقة النظيفة ومكافحة التغير المناخي سِمَة مميزة للحزب الديموقراطي.

أيضا جهود بايدن لاحتواء نفوذ الصين أقل خضوعا للأهواء الرئاسية المتقلبة. لقد كان ترامب ينحو إلى انتقاد الصين بشدة وفي ذات الوقت كَيل المديح لزعيم الصين شي جينبينج. ومن المحتمل أنه رأى في رسومه الجمركية وسيلة يتفاوض بها في نهاية المطاف للتوصل إلى صفقة تجارية أفضل مع الصين إلى أن أطاحت الجائحة بكل جهود تحسين العلاقات مع بيجينج.

اهتمامات إدارة بايدن أوسع نطاقا من أن تقتصر على الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وهي تبذل مساعي أكثر منهجية وترتيبا لتقييد صادرات التقنيات المفتاحية للصين. ويمكن لفريق بايدن الادعاء بأنه خصص أموالا أكثر مما فعل ترامب لجهود إعادة تصنيع الولايات المتحدة.

لكن هذه أساسا اختلافات في التطبيق وليست في الفلسفة التي ترتكز عليها هذه السياسات. لقد انتهى الأمر بفريق بايدن إلى مشاطرة ترامب العديدَ من افتراضاته الأساسية حول التجارة والعولمة والمنافسة مع الصين على الرغم من أنه لن يرغب في الإقرار علنا بذلك.

هناك عاملان وراء إعادة التقييم هذه. أولا، أجبر انتصار ترامب في عام 2016 الديموقراطيين على التعامل مع محنة وغضب العمال الأمريكيين بقدر أكبر من الجدِّية. لقد توصلت إدارة بايدن إلى أنها لن يعود بمقدورها تسويق العولمة للشعب الأمريكي.

وبدون السعي لمعالجة الدوافع الاقتصادية للترامبية قد تكون الديموقراطية نفسها في خطر. لذلك تخلى فريق بايدن أخيرا عن أفكار حرية التجارة غير الفعالة والتي تبناها «الديموقراطيون الجدد» في عهد بيل كلنتون إبان التسعينات.

إدارة بايدن أيضا وكما جادل ترامب تعتقد أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين طوال 40 عاما فشلت في الواقع وأن الصين بقيادة الحزب الشيوعي لن تكون أبدا «صاحب مصلحة» مسؤولا في النظام العالمي.

لذلك في جوانب مهمة أحدث ترامب ثورة مستمرة في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.

قد يبدو غريبا بل حتى مُستهجَنا أن ننسب إليه الفضل في إحداث تحولات جادة في الآيديولوجيا والسياسات. فبالنسبة للعديدين في واشنطن ترامب بربري وستكون التركة التي خلفها وراءه والمميزة له دائما اعتداؤه على النظام الديموقراطي الأمريكي. لكن ربما لزم أن يكون هنالك بربري محطم للتابوهات (منتهك لمحرَّمات السياسة الأمريكية) لتدبير مثل هذه القطيعة الحاسمة مع إجماع استمر على مدى 40 عاما حول التجارة والعولمة والصين.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مع الصین

إقرأ أيضاً:

هاريس وترامب يتوجهان إلى الولايات الأمريكية الحاسمة لنتيجة الانتخابات

واشنطن "أ ف ب": توجّه مرشّحا الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب وكامالا هاريس إلى ولايات تعد حاسمة بالنسبة للاقتراع اليوم إذ يسعى كل منهما للتفوّق في سباق تبدو نتائجه متقاربة إلى حد كبير قبل أقل من شهرين من موعد التصويت.

وتوجّه ترامب (78 عاما) إلى نيفادا حيث أفادت حملته بأنه سيركّز على إيصال رسالة بشأن الاقتصاد الذي يعد قضية رئيسية في هذه الانتخابات في وقت ما زال التضخم أعلى من الطبيعي رغم تباطؤه.

وأما هاريس (59 عاما) فستكون على الأغلب في ولاية بنسيلفانيا المتأرجحة (أي أنها تصوّت مرة للجمهوريين وأخرى للديموقراطيين) والحاسمة، حيث جرت المناظرة بينها وبين ترامب لأول مرة في وقت سابق هذا الأسبوع والتي وجّهت خلالها عدة انتقادات أثارت حفيظة الرئيس السابق الجمهوري.

وتجري الانتخابات في الخامس من نوفمبر فيما تشير معظم استطلاعات الرأي إلى تقارب النتائج بين المرشحين، بما في ذلك في الولايات حيث تحتدم المعركة الانتخابية عادة والتي يرجّح بأن تحسم النتيجة بناء على نظام المجمع الانتخابي.

وكثّف ترامب المعروف بخطابه الحاد هجماته على هاريس التي قلّصت الفارق بينهما في الأسابيع الأخيرة، إذ وجّه لها إهانات مباشرة وتحدّث عن "غزو" المهاجرين للولايات المتحدة.

وخلال تجمّع في أريزونا الخميس، وصف ترامب منافسته بـ"المجنونة" واتّهم القائمين على المناظرة التي جرت في وقت سابق من الأسبوع بالانحياز ضدّه.

كما استبعد المشاركة في مناظرة أخرى مع نائبة الرئيس الديموقراطية.

وفي معرض حديثه عن قضية الهجرة الرئيسية في الانتخابات، كرر ترامب اتهامات لا أساس لها للمهاجرين القادمين من هايتي مفادها أنهم يأكلون الحيوانات الأليفة لسكان مدينة سبرنغفيلد في أوهايو.

وتعهّد المرشّح الجمهوري حال انتخابه مكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال عمليات ترحيل جماعية، وهو وعد قوبل بهتافات "يو إس إيه!" (الولايات المتحدة الأمربكية) من جمهوره.

شوهد ترامب بشكل متكرر في الأيام الأخيرة برفقة لورا لومر، وهي ناشطة يمينية متشددة عُرفت بالترويج لنظريات مؤامرة لا أساس لها بشأن العديد من المسائل بما في ذلك اعتداءات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.

وهاجمت هاريس مؤخرا قائلة إن "رائحة الكاري ستفوح" من البيت الأبيض حال فوز المرشّحة الديموقراطية، علما بأن والدة الأخيرة هندية.

ولم ترد هاريس حتى اللحظة على الهجمات الشخصية التي وجّهها لها خصمها.

عندما طرح ترامب مسألة أن المهاجرين يأكلون الحيوانات الأليفة أثناء المناظرة المتلفزة الثلاثاء، ردّت هاريس بهز رأسها بذهول.

والخميس، ألقت هاريس خطابها الانتخابي في كارولاينا الشمالية، وهي ولاية أخرى تعد حاسمة بالنسبة للانتخابات.

وقالت في إشارة إلى ترامب "حان وقت قلب الصفحة"، متعهّدة الدفاع عن الطبقة الوسطى وحقوق المرأة المرتبطة بالإنجاب.

دخلت هاريس على خط الاقتراع بشكل غير متوقع بعدما انسحب الرئيس جو بايدن في يوليو، في أعقاب أداء كارثي أثناء مناظرة متلفزة بمواجهة ترامب.

والخميس، أصرّت على أنها ما زالت "الطرف الأضعف" في السباق.

وقالت "نعرف بأن نتائج السباق ستكون متقاربة حتى النهاية. نحن الطرف الأضعف. لنكن واضحين في ذلك".

ويرجّح بأن تحسم النتيجة عشرات آلاف الأصوات فحسب للناخبين الذين لم يحسموا قرارهم بعد في الولايات المتأرجحة.

مقالات مشابهة

  • «حملة ترامب»: خطة جديدة لاستقطاب ناخبي الولايات المتأرجحة
  • البيت الأبيض: بايدن وكير ستارمر أدانا الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية على ممرات الشحن التجاري في البحر الأحمر
  • لماذا اعتمر بايدن قبعة ترامب التي تروج لانتخابه؟
  • خبير سياسات دولية: هاريس في مناظرتها أمام ترامب هزت استقراره النفسي (فيديو)
  • خبير سياسات دولية: هجوم هاريس نجح في هز ثقة وثبات ترامب
  • هاريس وترامب يتوجهان إلى الولايات الأمريكية الحاسمة لنتيجة الانتخابات
  • كبير مستشاري ترامب يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك يُعتمد عليه لحل قضية الصحراء المغربية
  • إن عاد ترامب.. الإمارات ستسعى لإحياء صفقة الـ 23 مليار مع الولايات المتحدة
  • أردوغان يدعو المجتمع الدولي لرفع صوته ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي
  • وسائل إعلام إسرائيلية: أزمة الذخائر مع الولايات المتحدة لم تُحل حتى الآن