ما حقيقة استعداد روسيا للعب دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل؟
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
موسكو- قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن موسكو تواصل بذل كل ما في وسعها للمساعدة في حل الصراع بين إسرائيل ولبنان، مشددا على أنه "إذا كانت جهودنا فعالة في مكان ما فبالطبع ستكون روسيا مستعدة للقيام بذلك".
وجاء كلام بيسكوف تعليقا على ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب وبيروت تقتربان من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار، وأنه يمكن لموسكو أن تقوم بدور الوسيط فيه.
ووفقا للإعلام الإسرائيلي، فإنه من المحتمل أن تحتاج أيضا حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مساعدة موسكو في سوريا بحجة أن حزب الله يتلقى أسلحة من إيران عبر الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان، بالإضافة إلى الحديث عن مساع إسرائيلية لإنشاء "حزام أمني" في جنوب سوريا.
بدوره، اعتبر الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف أنه إذا كان هناك حديث عن إيجاد حل للصراع في المسار اللبناني فإن ذلك لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن المسار السوري الذي يعتبر "الرئة اللوجستية الرئيسية لإرسال الأسلحة إلى حزب الله"، حسب وصفه.
ووفقا لما يقوله بيجاموف للجزيرة نت، فإن أحد أسباب تعثر العملية البرية التي تشنها إسرائيل في لبنان هو استمرار وصول الأسلحة والذخائر عبر الحدود السورية، وهو ما ترى فيه إسرائيل معضلة حقيقية تتطلب دورا روسيا على هذا الخط.
ويستدرك المتحدث ذاته أنه من المبكر جدا الحديث عن وساطة روسية بالشكل الذي قدمه "خيال" الصحفيين الإسرائيليين بناء على مجموعة من الأسباب، من بينها عدم تبلور السياسة الأميركية الجديدة تجاه ملفات الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا والعلاقات مع روسيا بعد فوز دونالد ترامب بمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة، والتي من المتوقع أن تحمل مقاربات ومواقف مختلفة.
وعلاوة على ذلك، يعتبر بيجاموف أن "رغبة إسرائيل في الحصول على ضمانات لوقف العبور المزعوم للسلاح عبر سوريا ليس من مهام القوات الروسية، كما أن لعب دور الوساطة بين إسرائيل وحزب الله أمر سابق لأوانه على ضوء التباينات الموجودة تجاه شكل التسوية وثمنها".
أجواء توترويرى بيجاموف أنه من غير الممكن الحديث الآن عن دور روسي في منع التصعيد بالشرق الأوسط، خاصة مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على سوريا، والتي طالت مؤخرا منطقة مجاورة بشكل مباشر لقاعدة حميميم الروسية، إضافة إلى وجود تقارير عن نية إسرائيل اجتياح جنوب سوريا، والذي من شأنه أن يتسبب في حال حدوثه بأزمة جديدة، مما سيستدعي موقفا روسيا سلبيا للغاية بسبب وجود قواتها هناك.
وفي أجواء الحديث عن إجراء اتصالات على خطوط موسكو وبيروت وتل أبيب ودمشق، قدّم الجيش الروسي احتجاجه لإسرائيل بسبب الضربات التي وقعت بالقرب من قاعدة حميميم، وأعلن عدم قبوله مثل هذه الأعمال.
وقال الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتييف إن الغارة الجوية التي نفذتها إسرائيل لم تكن مباشرة على القاعدة الجوية "لأنه كان من الطبيعي أن تكون لذلك عواقب سلبية للغاية، بما في ذلك على إسرائيل نفسها"، حسب تعبيره.
كما نفى الممثل بشدة استخدام إيران القاعدة الواقعة على الساحل السوري من أجل إمداد حزب الله بالأسلحة، مشيرا إلى أن عدد الرحلات الإيرانية التي تنقل مساعدات إنسانية إلى مطار حميميم ازداد في الأونة الأخيرة، موضحا أن "المطار مدني من ناحية، ولكنه من ناحية أخرى قاعدة جوية روسية في سوريا".
يذكر أن الجيش الروسي يوجد حاليا في سوريا في كل من قاعدة حميميم الجوية وفي النقطة اللوجستية في طرطوس، وتستأجر موسكو هذه القواعد الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في غرب البلاد لمدة 49 عاما.
نسيج خيالوبرأي الخبير في الشؤون الشرق أوسطية أندريه أونتيكوف، فإن الصيغة التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية عن وجود اتفاق قد تلعب من خلاله روسيا دور الوسيط "لا تعتبر حتى من حيث الشكل مقبولة"، مستبعدا أن تؤدي إلى دخول موسكو للعب هذا الدور.
ويتابع أونتيكوف في حديثه للجزيرة نت أن "نص هذا الاتفاق مفيد لإسرائيل ويلبي مصالحها على النحو الأمثل، وينطلق من فرضية أنه تم تقويض الإمكانيات العسكرية لحزب الله بشكل كبير، وأنه سيكون مجبرا على التوصل إلى هدنة والانسحاب من جنوب لبنان، وهو شيء يتناقض مع الواقع الميداني".
وأشار كذلك إلى الجزئية الواردة في الإعلام الإسرائيلي بشأن أن سوريا ستكون مسؤولة عن وقف أي إمدادات للأسلحة من أراضيها إلى لبنان، وأنه في حالة حدوث أي انتهاك للاتفاقية -سواء بإعادة تسليح حزب الله أو القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل- فإن للجيش الإسرائيلي الحق بالرد وضمان الدعم الدولي لمثل هذه العمليات، معتبرا أن ذلك لا يعدو كونه "نسيجا من خيال الإعلام الإسرائيلي".
وحسب رأيه، فإن هذه الأحاديث لا تتناسب مع حملة الترويج بأن إسرائيل تسعى إلى إقامة مناطق فصل أو عزل أو تقوم بمحاولة احتلال درعا والقنيطرة والسويداء، لكن كل هذا سينزع عنها الشرعية الدولية، وستواجه صعوبات دولية كبيرة، بما في ذلك مع روسيا.
وعلى هذا الأساس يخلص المتحدث إلى أن استعداد روسيا للعب دور الوسيط هو موقف ثابت من حيث المبدأ في سياستها الخارجية، لكنه يعتمد على نضوج إرادة كافة أطراف الصراع للتوصل إلى تسوية، وهو الشيء الذي لا يعتبر متوفرا في ظل الظروف الراهنة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دور الوسیط فی سوریا حزب الله
إقرأ أيضاً:
لماذا تباينت علاقة موسكو وطهران مع سوريا الجديدة؟
مع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وتشكيل حكومة تسيير أعمال في سوريا برز تباين واضح في مواقف حليفي دمشق التقليدييْن، موسكو وطهران.
فقد سارعت روسيا إلى مد جسور التواصل مع السلطة الجديدة متبعة نهجا براغماتيا بدا واضحا في الرسائل الإيجابية وخطوات التقرب من الإدارة الجديدة في دمشق، في حين تبنت إيران موقفا أكثر تحفظا بدا أقرب إلى الانغلاق والحذر والتريث، وترافق ذلك مع وجود نبرة تهديد أحيانا تجاه الإدارة الجديدة في دمشق من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين.
وكانت الإدارة السورية الجديدة وجهت رسائل إيجابية إلى كلتا الدولتين، مؤكدة ضرورة أن تكون العلاقة مع سوريا قائمة على أساس السيادة وعدم التدخل في شؤونها، وهي خطوة يرى مراقبون أنها تأتي في سياق نهج سياسي جديد تتبعه الإدارة الجديدة في دمشق يختلف عن نهج النظام المخلوع، إذ يقوم على الانفتاح والتواصل مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
وتمتلك موسكو وطهران مصالح إستراتيجية في سوريا، لكن الانهيار السريع لنظام الأسد ألحق ضررا بالغا بتلك المصالح لفائدة جهات إقليمية، وهو ما يدفع كلتيهما إلى التحرك وتلافي المزيد من الخسائر.
ويثير التباين في موقف كل من الدولتين تساؤلات بشأن دوافع كل من موسكو وطهران، وأولوياتهما في المرحلة الجديدة، وحدود تأثيرهما على مستقبل سوريا بعد الأسد، وعن إمكانية إعادة نفوذهما في سوريا الجديدة.
بدت موسكو متقبلة للواقع الجديد في سوريا بعد سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024، إذ حرصت على توجيه رسائل إيجابية عدة إلى الإدارة الجديدة عبر تصريحات وزيارات رسمية تكللت بزيارة ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي إلى سوريا على رأس وفد رفيع المستوى في يناير/كانون الثاني 2025 ولقائه الرئيس أحمد الشرع.
إعلانوخلال اللقاء أكد بوغدانوف حرص روسيا على تعزيز العلاقات التاريخية مع سوريا، واحترام سيادتها ووحدة أراضيها، والعمل على تحقيق الوفاق والسلم الاجتماعي.
وفي 12 فبراير/شباط الماضي أعلن الكرملين في بيان أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى محادثة هاتفية "بناءة" مع الشرع.
وذكر البيان أن الاتصال تخللته مشاورات شاملة بشأن الوضع الحالي في سوريا، وأن روسيا تدعم وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها.
وتعليقا على هذا الانفتاح الروسي، يشير الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش إلى أن موسكو تسعى للحفاظ على علاقة إيجابية مع الإدارة الجديدة في سوريا بمعزل عن التحولات التي طرأت على المشهد السوري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وذلك بسبب أهمية سوريا الإستراتيجية لروسيا على كافة المستويات.
ورغم صعوبة تحقيق ذلك في المستقبل القريب بسبب التدخل الروسي العسكري إلى جانب الأسد فإن الباحث علوش يعتقد في حديثه للجزيرة نت أن الخطوات والمبادرات الروسية تجاه الإدارة الجديدة في سوريا تعكس رغبة موسكو في فتح صفحة جديدة في العلاقة مع دمشق بعد هذا التحول.
ويتوافق الباحث بالشأن الروسي أسامة بشير مع رأي الباحث علوش في أن روسيا تحاول التقارب وبناء علاقات جديدة مع الإدارة الجديدة في سوريا بمختلف الطرق، وهذا ما بدا واضحا من خلال اللقاءات والتصريحات العلنية والسرية، وهو ما قابله الجانب السوري أيضا بتطمينات للطرف الروسي على لسان الرئيس أحمد الشرع.
لكن الباحث بشير يوضح في حديثه للجزيرة نت أن التواصل والرسائل الإيجابية بين الطرفين لم تتوج بتحقيق ما يريده الروس، وهو الإبقاء على قواعدهم في سوريا، إذ لا يزال موضوع وجود القواعد الروسية في سوريا ضبابيا.
وكان الشرع قد وجّه مع بداية عملية "ردع العدوان" -التي أطاحت بنظام الأسد- تطمينات بشأن الوجود العسكري الروسي في سوريا، وقال إن إدارته لا تريد لروسيا أن تخرج بطريقة لا تليق بتاريخ العلاقات بين البلدين، مضيفا أن روسيا هي ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة.
إعلان حذر إيرانيتبنت إيران موقفا حذرا من الإدارة السورية الجديدة، إذ لم تعلن عداء صريحا لهذه الإدارة، لكنها في الوقت نفسه لم تعترف بها رسميا أو تتعامل معها بشكل مباشر، ووجدت طهران نفسها أمام واقع جديد بعد سقوط نظام الأسد يهدد نفوذها الإستراتيجي في الإقليم.
وترافق هذا الموقف مع خطابات لبعض السياسيين الإيرانيين حملت في طياتها تهديدات واضحة لأي خطوات تمس مصالحها في سوريا، وهذا ما عبر عنه المرشد الأعلى علي خامنئي بالقول "إن الولايات المتحدة وإسرائيل خططتا لإسقاط الأسد وإخراج إيران من سوريا"، كما أكد على أن "الشباب السوريين سيستعيدون البلاد".
بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في لقاء مع شبكة صينية في 5 يناير/كانون الثاني الماضي إن إيران تتحلى بحسن النية وتسعى إلى تحقيق السلام في سوريا.
وفي أحدث التصريحات الإيرانية، أكد مجيد تخت روانجي مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية في تصريحات نقلتها وكالة "إرنا" الإيرانية في 20 فبراير/شباط الماضي أن إيران تأمل أن يسود الأمن في سوريا، وألا تتدخل الدول في شؤونها الداخلية.
هذه المواقف الإيرانية المعلنة يرى مراقبون أنها تشي باتباع إيران مسارين، الأول يحمل نوعا من التصعيد، والآخر يعتمد على الخطاب الدبلوماسي الناعم، لتحقيق أطماع ومكاسب إستراتيجية داخل سوريا.
ويعلق الباحث بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي على حالة الانقسام في الموقف الإيراني بالقول إن الإدارة السياسية في إيران منقسمة إلى قسمين بخصوص الواقع السوري الجديد، قسم يمثله خامنئي والحرس الثوري وقيادات أخرى.
ويضيف "هذا الجناح لم يتقبل ويستوعب ما حصل، فتصريحاته سلبية وتهديدية، ونسمع عن حشد وتحشيد للمليشيات التابعة له بالعراق، ونسمع تهديدا من مسؤولين إيرانيين بتشكيل مقاومة إسلامية في سوريا من فلول النظام ودعمها لإعادة سيطرته".
إعلانأما الجناح الآخر -بحسب حديث النعيمي للجزيرة نت- فهو الجناح الرئاسي الذي يتزعمه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والذي يريد التعامل دبلوماسيا مع الإدارة الجديدة، ويحاول إيجاد مشتركات مع حكومة دمشق لتكون بوابة للعودة الإيرانية إلى الساحة السورية.
وتأكيدا لهذا لاتجاه، يقول أستاذ العلاقات الدولية والمحلل في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني للجزيرة نت إن العديد من المسؤولين الإيرانيين العسكريين والسياسيين أعلنوا دعمهم سيادة سوريا وسلامة أراضيها، مؤكدا أن طهران تعتبر أن تفكك سوريا أو الدعوة إلى عدم الاستقرار فيها سيكون على حساب المنطقة بأسرها.
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد حذر إيران من "بث الفوضى" في سوريا، داعيا إياها إلى احترام إرادة الشعب وسيادة وسلامة البلاد.
وعلى الرغم من اتفاق كل من روسيا وإيران على دعم نظام الأسد المخلوع -مما ساهم في إطالة عمره كل هذه السنوات- فإن الدوافع والمصالح التي كانت تحرك كلا الطرفين كانت مختلفة، ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى الحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط عبر سوريا تختلف في المقابل الأهداف الإيرانية في سوريا من حيث اعتبارها حلقة أساسية في سلسلة تربط إيران بلبنان عبر حزب الله، مما يساهم في ترسيخ محور النفوذ الشيعي في المنطقة.
وفي الوقت الذي أكدت فيه إيران مغادرة كافة المستشارين العسكريين والدبلوماسيين الإيرانيين سوريا بعد سقوط نظام الأسد نقلت موسكو كل قواتها من جميع أنحاء البلد إلى مركزها الرئيسي في قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية، وحتى الآن لا توجد أي مؤشرات على أنها تستعد لإخلاء قاعدتيها في اللاذقية وطرطوس بشكل كامل.
اختلاف المصالح بين البلدين يوضحه الباحث محمود علوش بالقول إن سوريا تمثل أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة لروسيا على مستويات عدة، سواء على مستوى حدودها في الشرق الأوسط أو مستوى حدودها على المياه الدافئة بالبحر المتوسط، أو على مستوى وجودها في سوريا كقاعدة لوجستية لتعزيز حضورها في القارة الأفريقية.
إعلانأما الأهداف الإيرانية فذات بعد عقائدي، إذ كانت تستخدم سوريا ساحة لتوسيع نفوذها الإقليمي القائم على أبعاد دينية وطائفية، وباعتبار سوريا أيضا جزءا أساسيا مما يعرف بـ"محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران.
ويتابع علوش "لذلك شكّل التحول السوري بالنسبة لإيران انتكاسة إستراتيجية لمشروعها في المنطقة، وأعتقد أن هذه الانتكاسة لا يمكن أن تتعافى منها إيران بعد الآن، لذلك قرأت إيران التحول في سوريا من منظور مختلف عن الذي قرأت به روسيا".
ويرى مراقبون أن سقوط نظام الأسد لا يؤثر على الوجود الإيراني في سوريا فقط، إذ سيؤدي إلى تداعيات كبيرة على جماعات، مثل الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله بلبنان، وأنصار الله في اليمن.
من جانبه، يرى الباحث أسامة بشير أن خروج روسيا بشكل نهائي من سوريا سيشكل لها نكسة كبيرة، وسيعتبر هزيمة لها أمام الشعب الروسي وأمام المجتمع الدولي، خاصة أوروبا التي تدعم أوكرانيا بالحرب ضد روسيا التي تدرك من جهة ثانية أن وجودها في سوريا غير مرحب به بسبب سياساتها الداعمة لنظام الأسد.
وعن السياسة التي تتبعها الدولتان بعد سقوط نظام الأسد، يقول بشير إن التدخل الروسي يُظهر درجة عالية من الإستراتيجية والبراغماتية، إذ يتمحور حول تأمين نقاط تموضع مهمة في البحر الأبيض المتوسط، في حين أن إيران تنتهج مسارا أكثر تحريضا في استغلال الفجوات الناشئة عن انهيار النظام لتحقيق توسع أيديولوجي وسياسي.
وكانت إيران قد ساهمت في دعم نظام الأسد المخلوع بالمستشارين العسكريين والمليشيات المقاتلة من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان برفقة أسلحتها وذخائرها، وتكفلت برواتب عناصرها، وتكبدت أكثر من 7 آلاف قتيل ومصاب إيراني في المعارك بحسب رئيس مؤسسة الشهيد الإيرانية أمير هاشمي، فضلا عن توفير دعم اقتصادي بعشرات مليارات الدولارات على صورة خطوط ائتمان ونفط.
إعلان مستقبل العلاقة مع سوريا الجديدةوبناء على اختلاف المصالح وعوامل النفوذ والتأثير لكلتا القوتين في سوريا يرى باحثون في العلاقات الدولية أن النفوذ والتأثير الروسي في سوريا سيتراجع مستقبلا لصالح انفتاح دمشق على العواصم الغربية إن بقي الانفتاح الغربي قائما تجاه استقرار سوريا ودعم إدارتها الجديدة.
في المقابل، لا يُتوقع أن تذهب الإدارة الجديدة إلى أي علاقة أو استجابة لمبادرات تدعو للانفتاح على طهران، إذ تحرص دمشق على عدم استفزاز الموقف الغربي والعربي، فضلا عن الضغط الذي تثيره ذاكرة الأحداث في سوريا بعد عام 2011 تجاه إيران والحرس الثوري الإيراني ودورهما في سوريا قبل سقوط نظام الأسد، وهذه الذاكرة ذاتها سيكون لها تأثيرها في فتور العلاقة مع روسيا أيضا، وذلك بحسب دراسة لمركز جسور للدراسات الإستراتيجية.
من ناحيته، لا يتوقع الباحث مصطفى النعيمي أن يتم فتح صفحة جديدة بين إيران والإدارة في دمشق، وذلك بسبب الرفض الشعبي المرتبط بالتدخل الإيراني في سوريا وما خلفه من إرث دموي، إضافة إلى جود تحركات وتهديدات لفصائل عراقية تابعة لإيران ضد الوضع السوري الجديد، وسط أخبار تفيد بتدريب مقاتلين من هذه الفصائل وضباط من فلول النظام بدعم إيراني.
وبناء عليه -يتابع النعيمي- فإن تواصل الإدارة السورية الجديدة مع طهران -إن حصل- سيكون مؤطرا ضمن ضوابط ومحددات أمنية، وسيقتصر على تمثيل دبلوماسي لإدارة المراقد الدينية وتنظيم زيارتها.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قال في ديسمبر/كانون الأول الماضي إن بلاده لا يمكنها أن تبقى بمعزل عن إقامة علاقات مع دولة إقليمية كبيرة مثل إيران الحليف الكبير لنظام الأسد، لكنه اشترط أن تكون على أسس "السيادة" و"عدم التدخل في شؤون" سوريا.
أما بالنسبة لروسيا فيعتقد الباحث أسامة بشير أنه رغم الضغط الغربي فإن الإدارة في دمشق ستعمل على إعادة علاقاتها مع روسيا بشروط، على رأسها تسليم بشار الأسد ومن معه من كبار الضباط المتهمين بارتكاب مجازر حرب ضد الشعب السوري، وإعادة الأموال المنهوبة والذهب المهرّب إلى الحكومة السورية.
إعلانوبشأن إمكانية تنفيذ هذه الشروط، يعتقد الباحث بشير أن روسيا ربما توافق، لأن بقاء قواعدها في سوريا والبحث عن دور بمستقبلها وإعادة إعمارها يستحقان أن تعيد بشار ومن معه إضافة إلى أمواله لسوريا وأن تحول هزيمتها إلى نصر أمام أوروبا.
بالمقابل، تؤكد كثير من المصادر أن لدى الإدارة في دمشق مصلحة في الإبقاء على علاقة جيدة مع روسيا تحسبا من تراجع الدعم الغربي، والعودة إلى سياسة العقوبات في حال لم تلبِّ الإدارة السورية المتطلبات الغربية منها.