أوروبا تبحث عن زعيم قوي في مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة.. القارة العجوز تحتاج إلى قيادة حازمة من الدولتين الأكثر نفوذًا «ألمانيا وفرنسا»
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تؤكد شواهد كثيرة على أن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية تشير إلى فترة من الوحدة والخطورة المحتملة بالنسبة لأوروبا، التى تتورط بالفعل فى ركود اقتصادى وتكافح الحرب على حدودها الشرقية. وتستدعى هذه اللحظة قيادة حازمة من الدولتين الأكثر نفوذًا فى القارة: ألمانيا وفرنسا.
ومع ذلك وفقا لتحليل صحيفة "نيويورك تايمز"، تكافح الدولتان لمواجهة التحدي، وتواجهان اضطرابات سياسية داخلية وارتفاعًا فى المشاعر الشعبوية التى تعكس القوى المؤيدة لشعبية ترامب المتجددة فى الولايات المتحدة.
الصراعات فى ألمانياتجد ألمانيا، التى طالما اعتبرت قوة استقرار أوروبا، نفسها الآن عند مفترق طرق سياسي. فقد انهار الائتلاف الحاكم للمستشار أولاف شولتز وسط نزاعات شرسة حول السياسة الضريبية، والإنفاق العام، والجهود الرامية إلى إنعاش الاقتصاد المتباطئ فى البلاد. وجاءت نقطة الانهيار مع قرار شولتز الدرامى بإقالة وزير ماليته، مما مهد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة. يأتى هذا التغيير السياسى فى الوقت الذى تواجه فيه ألمانيا صعودًا متزايدًا للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، والتى اكتسبت قوة دفع كبيرة فى الانتخابات الإقليمية الأخيرة.
يتوقع الخبراء السياسيون أن إعادة انتخاب ترامب قد تزيد من شرعية هذه الحركات الهامشية، وتضخيم خطابها المناهض للمؤسسة الرسمية. ويقول المعلق السياسى كلاوس ماير: "النسيج السياسى فى ألمانيا هش بالفعل، وقد يشجع فوز ترامب الأصوات التى تتحدى النظام التقليدي".
فى فرنسا، بدأت سلطة الرئيس إيمانويل ماكرون تتضاءل منذ القرار المفاجىء والجريء بالدعوة إلى انتخابات مبكرة فى وقت سابق من هذا العام. وكانت النتيجة مجلس نواب مجزأ، حيث كافح ائتلاف هش للحفاظ على السلطة ضد الضغوط من أقصى اليمين واليسار، وقد أدى هذا الجمود السياسى إلى إعاقة جهود ماكرون لتنفيذ الإصلاحات فى الوقت الذى تمثل فيه الوحدة الأوروبية أمرًا بالغ الأهمية.
يشير المحللون إلى أن عودة ترامب إلى السلطة تؤكد على ضعف أوروبا. تقول مونيك ليكليرك، عالمة السياسة "إن القادة الأوروبيين لا يواجهون فقط الشكوك المحلية بل يواجهون أيضا مسرحًا دوليًا قد تتغير فيه الأولويات الأمريكية بشكل كبير". وتضيف أن "عودة المشاعر الشعبوية فى أوروبا تعكس موضوعات معاداة الهجرة والحمائية الاقتصادية وعدم الثقة فى النخب التى غذت حملة ترامب".
يعكس المناخ السياسى الحالى فى جميع أنحاء أوروبا إحباطًا عميقًا بين الناخبين إزاء التحديات الاقتصادية وارتفاع التضخم والمخاوف بشأن الهجرة. وقد أدت هذه القضايا إلى تآكل الثقة فى الأحزاب السياسية التقليدية، وفتح الباب أمام الجماعات اليمينية المتطرفة والقومية لكسب الزخم. وفى كل من ألمانيا وفرنسا، يواجه القادة السائدون مهمة موازنة السخط العام مع حماية المعايير الديمقراطية.
إن آثار رئاسة ترامب، إلى جانب الفوضى الأوروبية الداخلية، قد تؤدى إلى إعادة ضبط استراتيجية فى القارة. وبدون قيادة قوية من برلين أو باريس، قد تجد أوروبا نفسها عُرضة للخطر فى مشهد جيوسياسى سريع التغير. أو كما تقول مونيك ليكليرك، عالمة السياسة: "إن أوروبا بحاجة إلى الوحدة والقيادة القوية أكثر من أى وقت مضى، ولكن الانقسامات الداخلية قد تعرض قدرتها على التعامل مع هذه الأوقات المضطربة للخطر".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ترامب دونالد ترامب ألمانيا فرنسا
إقرأ أيضاً:
قمة لمستقبل أوروبا بباريس.. أتال يضع حجر الأساس للرئاسيات وبريطانيا تبحث عن فرصة
باريس- بمبادرة من رئيس الوزراء الفرنسي السابق غابرييل أتال، اجتمع حوالي 60 زعيما أوروبيا في المدينة الجامعية الدولية بباريس الاثنين، لمناقشة مستقبل أوروبا وتأكيد دعم أوكرانيا في قمة بعنوان "الديمقراطية والحريات".
وممثلا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جلس الأمين العام لحزب النهضة أتال أمام الوفود الأوروبية لبحث الوضع في أوكرانيا والحاجة إلى حماية راية الاتحاد الزرقاء والصفراء من التهديد الروسي.
وفي ظل المخاوف الواقعية بشأن خطر استمرار الحرب الأوكرانية مدة أطول، وأن تنأى الولايات المتحدة الأميركية بنفسها بعيدا عن أوروبا، يبقى السؤال المشروع بعد انتهاء هذه القمة: ما التأثير الذي ستخلفه باستثناء جمع عدد معين من الوفود الأوروبية وإعادة تأكيد رؤية الوسطيين في القارة العجوز وأفكارهم؟
افتتح رئيس حزب "موديم" الوسطي ورئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو المناقشات التي دامت 3 ساعات، برسالة فيديو من مسقط رأسه مدينة باو.
وكان من بين الحاضرين الأمين العام للحزب الديمقراطي الأوروبي ساندرو غوزي، ورئيسة تحالف الليبراليين والديمقراطيين في أوروبا سفينيا هان، ورئيسة الوزراء البلجيكية السابقة صوفي ويلميس، ورئيس الوزراء البلغاري السابق نيكولاي دينكوف.
وتطرق المشاركون إلى مواضيع متعددة، على رأسها:
إعلان اندماج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. وإنشاء تحالف من الديمقراطيات الليبرالية لمواجهة تهديد "الأممية الرجعية". والالتزامات الوطنية لبناء دفاع أوروبي قوي.ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد أن هناك فلسفة سياسية تقودها الماكرونية في ما يتعلق بأوروبا وروسيا والولايات المتحدة مفادها أن أميركا، ولمدة 4 سنوات، لم تكن حاضرة للدفاع عن أوروبا في مواجهة التحدي الروسي وقد تذهب في تنافس اقتصادي ضد القارة وفرض رسوم جمركية، وذلك يعني أن على الأوروبيين تطوير قدراتهم العسكرية وتعاونهم الاقتصادي بشكل مشترك.
ويقول ماجد، للجزيرة نت، إن الأحزاب المشاركة تريد تقديم نفسها كقطب سياسي مستقل وقادر على مواجهة ما تسميه بالتطرفين؛ اليميني واليساري. ويضيف "في أوروبا، ذهب اليمين التقليدي بخطابه نحو اليمين المتطرف وهذا نراه جليا في فرنسا حيث أصبح معظم السياسيين من الحزب الجمهوري يتصرفون بطريقة مارين لوبان".
في المقابل، تراجعت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية واليسارية الوسطية والأحزاب الاشتراكية مقابل صعود أطراف في اليسار المتطرف أو الراديكالي، في الوقت الذي يعتقد فيه الوسطيون أنها فرصة لإظهار خطاب متماسك لكن العبرة ستتركز حول الخطاب السياسي والممارسات، وفق المتحدث.
وقبل انطلاق القمة، قال غابرييل أتال في مؤتمر صحفي إن "هذا الاجتماع خطوة عملاقة نحو تحالف فعلي لديمقراطيات ليبرالية، وخصوصا لأحزاب تدافع عن مبادئها".
وتعليقا على ذلك، يعتقد الجنرال السابق في الجيش الفرنسي فرانسوا شوفانسي أن هذا التحالف الديمقراطي الأوروبي "سياسي بحت وغير كافٍ" لمواجهة القوة العسكرية الروسية والنهج الأميركي لأنه بمنزلة "ملاذ آمن نثبت من خلاله أننا نتحرك ونبذل قصارى جهدنا"، على حد قوله.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، أضاف شوفانسي "قد نصاب بالصدمة من مصطلحات سمعناها من أتال وتعتبر رجعية وتقدمية وليبرالية، حتى إننا قد نشعر بانطباع العودة إلى الأنماط القديمة التي لدينا في فرنسا وليس بالضرورة في الخارج، بين التقدميين والمحافظين، إن لم يكن الرجعيين".
ويعد أتال ممثل نواب كتلة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي لن يتمكن من الترشح في عام 2027. لذا، يتولى مهمات ذات بُعد دولي تصاحب أي مرشح رئاسي محتمل.
وفي هذا السياق، وضمن التوجه المشترك مع الرئيس الفرنسي، يقول زياد ماجد إن أتال يعلم أنه قد يكون مرشحا للرئاسة الفرنسية من قبل حزبه، ومن ثم يريد إبراز نفسه على الساحة الدولية كرجل سياسة ودبلوماسي لأن تجربته السابقة كرجل تكنوقراط قريب من ماكرون لم تسمح له بالظهور في المشهد الأوروبي ليصنع صورة مستقلة لنفسه.
وللاستفادة من هذه الأزمة الدولية لتحقيق احتياجات سياسية محلية، جاء موقف غابرييل أتال الذي لا يملك أي شرعية أكثر من ذلك، ليضع لنفسه أوراق اعتماد، ففي فرنسا الشخص الوحيد الذي يتعامل مع الجيش والشؤون الخارجية هو رئيس الجمهورية فقط.
فخ الأصول الروسيةوإذ إن الأصول الروسية التي تقدر بنحو 300 مليار دولار (أوراق وسندات مالية روسية تقع في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) كانت في قلب مناقشات مؤتمر باريس، قال شوفانسي "سنستعيد هذه الأموال على المدى القصير، ولكن من ناحية أخرى: ماذا ستفعل الدول الأخرى في الأشهر المقبلة؟ بإمكانهم فعل الأمر ذاته. ولكن، نتيجة لما سبق، فإننا نطور حالة من عدم الأمن المالي".
في المقابل، لا يجد المحلل السياسي ماجد أي توافق بشأن كيفية استخدام هذه الأصول والأموال الروسية؛ "فهناك من يؤيد ضرورة استخدامها لدعم الأوكرانيين، وهناك من يرى ذلك أمرا غير قانوني لأنها مجمدة حاليا ويمكن إعادتها لأصحابها بعد انتهاء الحرب الأوكرانية".
إعلانوفي ظل تحذيرات قانونية من قرارات متسرعة بهذا الشأن، أشار ماجد إلى التوجه الآخر القائل إنه ينبغي التمييز بين ما صودِر لأشخاص من دائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المقربة أو حاصلين على أموال عبر علاقاتهم السياسية وغيرها من الأصول.
وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر انعقاد قمة أوروبية بين العديد من رؤساء الدول غدا الخميس، بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الفرنسي ماكرون.
أما على صعيد السياسة الخارجية، تحاول الأطراف المشاركة في القمة جمع ما يبدو أنه "ديمقراطية في كتلة واحدة" على الجانب الغربي، فضلا عن دعم سياسة الرئيس الفرنسي التي تتمثل في جمع أكبر عدد ممكن من الدول الديمقراطية أو الدول الشبيهة بالديمقراطية لتشكيل هذه الكتلة المضادة خارج الولايات المتحدة.
وعلى المستوى العسكري، كشف الجنرال السابق شوفانسي أن البريطانيين يقومون بتجهيز الأوكرانيين وتسليحهم وتدريبهم منذ عام 2015 بطريقة سرية. لذا، يبرعون بالفعل في سياستهم الخارجية -كما فعلوا دائما طوال قرون- في القارة الأوروبية والمساهمة عن بُعد في خلق قوى مواتية لهم، على حد تعبيره.
وفي ما يتعلق بالجانب السياسي، فمن المؤكد أن العودة إلى الأراضي الأوكرانية مع أوكرانيا التي تطمح إلى الانضمام إلى لاتحاد الأوروبي تشكل تحيزا مثيرا للاهتمام لدى بريطانيا التي انسحبت من الاتحاد، وهي طريقة غير مباشرة للبدء بالمشاركة مرة أخرى من خلال الدفاع والأمن لأوروبا، عسكريا واقتصاديا أيضا.
وبالتالي، يرى المحلل العسكري أن هذه الإستراتيجية تفتح الباب أمام البريطانيين للعودة إلى اللعبة قليلا، ولكن مع الحفاظ على المزايا المعتادة، أي الدخول في علاقة جزئية مع الاتحاد الأوروبي من خلال هذه القناة، ولكن دون التراجع عن المكاسب السابقة، وهو تكتيك يذكّره بتصريح تاتشر الشهير "ردوا لي نقودي".
إعلانويعود تاريخ هذه المقولة لرئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 عندما مثلت بلادها في قمة رؤساء دول وحكومات المجموعة الأوروبية ـ9 دول آنذاك- في دبلن والتي انتهت بالفشل.
ولأن الروح البريطانية صعبة التغيير كما هو معروف، يرى شوفانسي أن قضية أوكرانيا قد تمنحهم فرصة للانضمام مجددا إلى الاتحاد بطريقة ما، "وقد يعزز نواب أوروبيون أو حكومات أوروبية بعد بضعة أشهر الفكرة القائلة: سيكون من الجيد إيجاد حل للشراكة مع المملكة المتحدة مجددا لأن المصلحة واحدة".