حمد الناصري

تُعد مكتسبات الأمن الفكري من الأساسيات الملحة للفرد وتحصين للمجتمع، وإذا فقدت كانت لها تأثيراتها السلبية على المجتمع بشكل كبير بحيث تعم الفوضى الفكرية والإنسانية، فيفقد المجتمع اتزانه وثباته واستقراره ويمرض، وما أشد خطورة مرض المجتمعات، خاصة حين يتعلق الأمر بالجانب الأمني.

وفي غياب الأمن- أيًا كان نوعه جسديًا أو فكريًا أو معنويًا- تتراجع الدول وتفقد تقدمها الاقتصادي والإبداعي والفكري، يصيب الخلل كافة الخلايا العاملة فيها، وينتشر الإحباط لدى المبدعين والعاملين، فتتراجع أعمالهم ومن ثم يتراجع المجتمع كله ويخسر أهم طائفة به، يتوقف الفكر لصالح الفساد وتعشش بالأوطان روح الكآبة والفشل وتنمو على السطح طوائف جديدة تدير المجتمع بأنصاف عقول وأنصاف حلول، وأنصاف إبداعات ليهبط حتى الذوق العام في تلك المجتمعات البائسة.

وتداعيات غياب الأمن المجتمعي خطيرة ولا يمكن معرفة كافة أبعادها إلا بالنظر إلى نماذج من الدول التي سقطت في ذلك الفخ لنرى أن النتائج يمكن أن تكون كارثية، وقد قلت قبلًا إنه "إذا اضطرب الأمن واهتزت أركان الاستقرار.. فإن الفوضى والخراب يبدأ من الفرد ليعم الأمة حتمًا".

نشرت جريدة الرؤية العُمانية مقالاً للكاتب سالم بن علي كفيتان في 4 سبتمبر 2024 بعنوان "الأمن الفكري لمواجهة الإلحاد والشذوذ والنسوية"، قال فيه: "السطحية النفعية باتت هي المسيطرة اليوم مهما كانت التبعات الثقافية أو الدينية أو الفكرية، والكسب المادي أصبح هو الأولوية القصوى للجميع، بغض النظر عن مصدره؛ حيث أصبح الانسان في مجتمعاتنا ماديًا بحتًا، يقيم نفسه ويقيم غيره بما يكسب من مال فقط، وبات التعليم والقيم والدين في ذيل قائمة الأولويات. وهذا ما ترمي له المنظمات الدولية من خلال تدخلها في مناهج التعليم للدول وتحييد الدين والتقليل من أهمية القيم الإنسانية السوية".

ذلك المقال الرائع استخلصه كفيتان من محاضرة الدكتور سيف الهادي بالمركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس، وقد خلص في مقاله لما بدأنا به في مقالنا هذا من أن تداعيات الغياب الأمني يصنع بالمجتمع حالة مرضية من الصعب البرء منها في وقت قريب، إلا أن يعود له أمنه الكامل بشكل كلي وسريع وينتبه الجميع لخطورة الوضع باحثين عن حلول ناجعة، وذلك بالبحث عن أسباب العلة وكيفية العلاج، وفي البلاد المتقدمة، أو التي تنعم بعقول منفتحة وتتبوأ مكانتها الطبيعية في مواقع اتخاذ القرار، فإن تلك العقول سوف تعمل على منع تدهور الحال قبل وقوعه، وتقاوم تلك التداعيات قبل حدوثها، وذلك بوضع الخطط قصيرة وطويلة المدى ومناقشة كافة الاحتمالات التي يمكن أن تحدث في أوقات الضعف المحتملة لمواجهة أي كارثة قبل وقوعها، والأمر كله يعود إلى استراتيجية هامة وهي: وضع الرجال الأنسب في المكان المناسب، رجال يستطيعون إدارة الأزمات؛ بل ومنعها قبل أن تقع لحماية الأمن المجتمعي واستقرار المجتمع.

وجاءت محاضرة د. سيف الهادي في جامعة السلطان قابوس بالقاعة الكبرى بالمركز الثقافي بالجامعة في يوم 18 سبتمبر 2024، والتي تحدث عنها الكاتب.. بدأها المحاضر وتحدث في بداية محاورها عن اتجاهات الأفكار والمعتقدات وعلاقة الأفكار بالإيمان وأسباب وجود الأمن الفكري وقسمها إلى محورين أساسيين: المحور الأول: التهديدات الفكرية الخارجية والداخلية، والتحديات الفكرية الخارجية كالإلحاد والشذوذ والنسوية.. وما لهما من تأثير على المجتمع واستهدافاته.. وعرض ذلك بالأرقام والاحصائيات والأمثلة.

المحور الثاني: التهديدات الفكرية الداخلية وهي: التكفير وفقه الاختلاف في السياسة الشرعية وعن المغالطات التي يقع بها الناس، ويمكن أن أضيف إلى هذين المحورين محور ثالث يؤثر بشكل كبير في المجتمعات العربية كاملة، وهي مخاطر العولمة التي أثرت بشكل سلبي على أخلاقيات الشباب ومفردات المجتمع كاملة ويجب على مفكري الأمة أن يبحثوا عن حلول عميقة لتمحو المشكلات الناجمة عن الانفتاح غير المبرر.

وفي نهاية المحاضرة نبه إلى أهمية مراقبة الأسر لأبنائها لحمايتهم من التهديدات الفكرية التي تعصف بمجتمعاتنا الآن، ونخلص من هنا لأهمية الدور الأسري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

خلاصة القول.. إن أهمية الأمن الفكري من الضرورات الملحة وهي مطلب حيوي كما جاءت بها المحاضرة القيمة للدكتور سيف الهادي وأيضًا مطلب من الكاتب علي كفيتان لتحقيق الأمن، ونحن إذ نؤيد كل وعي فكري يُحقق الأمان، ونؤكد على خلق وعي فكري، من مفهوم مقولتنا إنه إذا اضطرب الأمن واهتزت أركان الاستقرار.. فإن الفوضى والخراب ستعم الأمة والفرد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأمن الإماراتي يعلن القبض على المتورطين قي مقتل الحاخام زفي كوغان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلنت السلطات الإماراتية عن إلقاء القبض على المتورطين في قضية مقتل الحاخام اليهودي زفي كوغان، وهو مقيم في الدولة ويحمل الجنسية المولدوفية.

وأوضحت وزارة الداخلية الإماراتية أن التحقيقات انطلقت بعد تلقي بلاغ من عائلة الضحية يفيد باختفائه. وبتشكيل فريق مختص للتحري، عثرت الجهات الأمنية على جثة الحاخام المفقود، وتمكنت من تحديد هوية الجناة، وهم ثلاثة أشخاص تم توقيفهم بسرعة.

وأكدت الوزارة أن الأجهزة الأمنية تعاملت مع القضية بحزم وأبدت التزامها التام بالحفاظ على أمن واستقرار المجتمع. كما أشارت إلى بدء الإجراءات القانونية بحق المتهمين، مع التأكيد على أن التفاصيل الكاملة المتعلقة بالحادثة ستُعلن فور اكتمال التحقيقات.

أكدت السلطات في الإمارات التزامها الكامل بحماية كافة الأفراد على أراضيها، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو زائرين، مشددة على أن مؤسسات الدولة تعمل بلا توقف لضمان بقاء البلاد واحة أمن واستقرار. وأوضحت أن الدولة لن تتهاون في مواجهة أي أفعال تمس بسلامة المجتمع، مؤكدة أن تعزيز الأمن يمثل أولوية قصوى منذ تأسيسها.

وأعلنت الجهات المعنية أن الأجهزة الأمنية تمتلك الأدوات والقدرات اللازمة للتصدي لأي تهديدات تستهدف استقرار المجتمع، وأنها مستعدة لتفعيل جميع الإجراءات القانونية المتاحة لمواجهة أي محاولات لإثارة الفوضى أو الإخلال بالسلم المجتمعي.

كما جددت السلطات تحذيرها من مغبة القيام بأي تصرفات من شأنها زعزعة أمن المجتمع، مشيرة إلى أنها لن تتردد في تطبيق العقوبات الرادعة ضد المخالفين، بما يضمن الحفاظ على التعايش السلمي والانسجام المجتمعي الذي يُعتبر من الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدولة.

مقالات مشابهة

  • الأمير فيصل بن خالد بن سلطان يتسلم تقريرًا عن برنامج الأمن الفكري بجامعة الحدود الشمالية
  • الأمير فيصل بن خالد بن سلطان يطلع على برنامج الأمن الفكري بجامعة الحدود الشمالية
  • الولايات المتحدة: حددنا الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها بصواريخ أتاكمز
  • د. العتوم ..تفكك بحفريتها الفكرية والعلمية آليات صناعة النساء في عمان.
  • النوّاب يبحث الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء
  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • الشويهدي يناقش الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني
  • الأمن الإماراتي يعلن القبض على المتورطين قي مقتل الحاخام زفي كوغان
  • بعد واقعة القبض على بلوجر شهيرة بتهمة حيازة عقار GBH.. «مكافحة الإدمان» توضح استخداماته وتأثيراته الصحية الجسدية والنفسية على متعاطيه.. «أطباء» يؤكدون كونه من العقاقير النفسية.. ويستعرضون أضراره