كيف حوّل جيش الاحتلال المياه في غزة إلى سلاح حرب؟
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
ما يزيد عن 75 % من آبار المياه في مدينة غزة تعرضت لأضرار كلية أو جزئية
الثورة /وكالات
يكافح خليل البلعاوي من أجل الحصول على جالونين من الماء الصالح للشرب بعد الانتظار في طابور طويل أمام نقطة لتعبئة المياه في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة.
يقوم الشاب البالغ من العمر 18 عاما بهذا الطقس المرهق يومياً والذي يستغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات ما بين انتظار دوره ونقل المياه إلى أحد مراكز الإيواء.
وما أن يصل الماء يعيد تفريغه في صهريج صغير لتقوم أمه بغليه من أجل تعقيمه، بعدما عانت من إصابتها طفليها (7، 9 أعوام) من التهابات معوية متكررة بفعل تلوث المياه.
وتقول الأم التي فقدت زوجها في الحرب، إن الحصول على الماء بات مشقة كبيرة ليس لعدم توفره ووصوله إلى نقطة نزوحها في إحدى المدارس، وإنما في المخاطر التي يحملها بسبب دمار البنية التحتية للمياه وتلوثها بمياه الصرف الصحي والمخلفات.
وتضيف “أم خليل” أن عملية تعقيم المياه بالغلي ليست سهلة إذ يتعين عليها إبقاء النار موقدة لساعات، وهذا يتطلب المزيد من الحطب مع فقدان الغاز منذ بداية حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة منذ أكثر من عام.
وتجد الأم وأبناءها الكبار مضطرون لهذا العمل، وإلا عليهم مواجهة عواقب تلوث المياه مع فقدان الأدوية وانهيار المنظومة الصحية، مشيرة إلى أن المياه تصل أحياناً فيها شوائب فتعمل على تنقيتها باستخدام شال خصصت لهذا الغرض.
ومع استمرار حصار جيش الاحتلال الإسرائيلي لشمال قطاع غزة باتت مشكلة مياه الشرب أكثر خطورة في المنطقة. وفي مدينة غزة، تكافح الكثير من العائلات من أجل الحصول على دلو من المياه كل يوم، ومياه الشرب الآمنة والنقية تعد أكبر آمالهم التي يصعب تحقيقها.
كميات محدودة
ويقول المتحدث باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، إن المياه تصل إلى 40% فقط من إجمالي مساحة المدينة، وأن النازحين يعانون من أجل الحصول على المياه.
وأوضح النبيه في تصريحات صحفية أمس الإثنين، أن كميات المياه التي تصل للمواطنين محدودة جدًا، ولا تبلي كافة الاحتياجات اليومية للطهي والنظافة الشخصية والشرب.
ويشير إلى أن ما يزيد عن 75% من آبار المياه في مدينة غزة تعرضت لأضرار كلية أو جزئية، وأنّ هناك أضراراً طالت ما يزيد عن 100 متر طولي من شبكات المياه مما يجعل عملية إيصال المياه لكافة المناطق مستحيلاً.
ويشدّد النبيه على أنّ عدم توفر المياه بكميات كافية يقود إلى انتشار الأوبئة والأمراض خاصة الأمراض الجلدية.
وفي تقرير سابق، قالت بلدية غزة، إن الاحتلال الإسرائيلي دمر نحو 126 آلية لخدمة المياه والصرف الصحي، أي ما يعادل 80% من آليات البلدية لاسيما المتعلقة بجمع النفايات ومعالجة الصرف الصحي وخدمات المياه.
وناشدت بلدية غزة المنظمات الدولية والمؤسسات الأممية بضرورة المساهمة العاجلة في حل أزمة المياه في المدينة، من خلال زيادة كميات الوقود لزيادة ساعات تشغيل الآبار بالإضافة إلى إدخال الآليات والمعدات الثقيلة اللازمة لصيانة خطوط وشبكات المياه.
نقص الوقود وارتفاع سعره
ويشتكي محمود الغول من مدينة غزة صعوبة كبيرة جداً في تأمين الوقود اللازم لتشغيل مولد كهربائي يستخدمه الأهالي لرفع المياه من أحد الآبار التي حفرت في منزل لم يكتمل بناؤه قبل الحرب.
ويقول محمود، يوجد في الحي الذي أسكنه نحو 20 عائلة، ونتشارك فيما بيننا لتأمين المال اللازم لشراء الوقود من السوق السوداء، مشيراً إلى أن تكلفة شراء الوقود عالية جداً وتتجاوز سعره الطبيعي بعشرة أضعاف. لكن محمود يرى أن تلك التكلفة أفضل من الحصول على مياه ملوثة أو تلوثها في أثناء النقل.
ويوضح أن الحرب خلفت آثاراً كارثية على البنية التحتية للمياه، وشبكات المياه ومصادر الإمدادات بشكل عام.
وتمثل المياه النظيفة دوما مورداً محدوداً في غزة، حيث تعتمد المنطقة بصورة كبيرة على شبكة من الآبار ومحطات التحلية لتزويدها بالمياه.
وفي مارس قال بيان مشترك صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء، وسلطة المياه، إن إجمالي المياه المتوفرة آنذاك في قطاع غزة يقدر بحوالي 10-20% من مجمل المياه المتاحة قبل العدوان، حيث تخضع تلك الكمية لتوفر الوقود.
وأضاف أن حرب الإبادة خلفت آثارا “كارثية على البنية التحتية للمياه، وشبكات المياه ومصادر الإمدادات بشكل عام، “إذ تم تدمير 40% منها، وتعطلت المضخات الرئيسية بسبب القصف أو بسبب نفاد الوقود”، وفق البيان.
وتراجعت حصة الفرد الفلسطيني في قطاع غزة من المياه بنسبة 96.5% خلال الحرب، حيث بالكاد يستطيع المواطن في قطاع غزة الوصول إلى ما بين 3-15 لترا من المياه يومياً، بحسب البيان.
عواقب صحية كارثية
وتقول وكالات الإغاثة إن نقص المياه النظيفة وتدفقات مياه الصرف الصحي غير المعالجة يشكلان تهديداً خطيراً للصحة. ويأتي هذا التدمير على الرغم من واجب الاحتلال الإسرائيلي في حماية البنية التحتية الحيوية بموجب قواعد الحرب، ما لم يكن هناك دليل على استخدام المواقع لأسباب عسكرية.
وتقول د. ناتالي روبرتس، المديرة التنفيذية لمنظمة أطباء بلا حدود في بريطانيا، إن تدمير مرافق المياه والصرف الصحي أدى إلى “عواقب صحية كارثية على السكان”، مشيرة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض الناجمة عن الإسهال بشكل كارثي.
وفي الحالات الشديدة جدًا، يمكن لهذا المرض أن يقتل الأطفال الصغار والضعفاء. ووفقا لأطباء بلا حدود، فإن معدلات الإصابة بالتهاب الكبد من النوع الأول (A)، الموجود في المياه الملوثة، والذي يشكل خطورة خاصة على النساء الحوامل – مرتفعة أيضا.
ولفتت إلى الأرقام التي سجلت في جنوب قطاع غزة للإصابة بالأمراض الناجمة عن تلوث المياه، حيث نزح نحو مليوني إنسان قسرياً، مبينة أن خطر ظهور الكوليرا في غزة لا يزال قائماً.
وخلص مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة “أوتشا” إلى أن جميع مصادر المياه في غزة لا تنتج، منذ الربع الأول من عام 2024، سوى 5.7% فقط من المياه، مقارنة بمستويات الإنتاج قبل الحرب، ولا تزال مياه الشرب الآمنة ومياه الاستخدام المنزلي، ومن ضمن ذلك النظافة الشخصية، محدودة للغاية.
المياه كسلاح في الحرب
ويقول مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، إن جيش الاحتلال استخدم للمياه كسلاحَ في الحرب على غزة، وأدى ذلك إلى تحويل ما كان أزمة صحية عامة دائمة إلى كارثة إنسانية.
ويقول الباحث خوان كول في ورقة بحثية بعنوان “توظيف أزمة المياه سلاحاً: تدمير إمدادات المياه في غزة”، إن استهداف مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، التي لم يعد لها أثر على الإطلاق في العديد من مدن غزة، كان مقصودًا بغية التسبب في أزمات صحية لأهالي القطاع.
ويضيف أن شدة وحجم الضرر والدمار الذي ألحقه جيش الاحتلال بالبنية التحتية للمياه، والذي يمكن رصده من خلال الأقمار الصناعية، إلى أن هذا كان تكتيكًا متعمدًا للحرب، ويمثل جزءًا من تدمير البنية التحتية المدنية بشكل عام، من خلال استخدام قنابل تزن 2000 رطل على المجمعات السكنية المكتظة.
وتنص المادة 51 من الفصل 20 من قواعد برلين بشأن الموارد المائية، التي اعتمدت في مؤتمر “رابطة القانون الدولي” في آب/ أغسطس 2004، على أنه “لا يجوز للمقاتلين، تحت أي ظرف من الظروف، مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو جعل المياه والمنشآت المائية الضرورية لصحة ونجاة السكان المدنيين غير صالحة للاستخدام إذا كان من المتوقع أن تترك هذه الأفعال السكان المدنيين بمياه غير كافية تسبب وفاتهم نتيجة نقص المياه، أو تجبرهم على النزوح”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية تدعو كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية لتحمل مسؤولياتها إزاء الحرب التي يشنها الإحتلال على المسيرة التعليمية بفلسطين
دعت جامعة الدول العربية، كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية والإعلامية لتحمل مسؤولياتها إزاء الحرب التي يشنها الإحتلال الإسرائيلي على المسيرة التعليمية في فلسطين، مؤكدة على أهمية الإستمرار في توفير الدعم العربي والدولي للعملية التعليمية بما يسهم في ضمان إستمرار تقدم المسيرة التعليمية وتحسين جودة التعليم لأبناء فلسطين.
وقال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة في جامعة الدول العربية السفير سعيد أبو علي، في كلمته أمام لجنة البرامج التعليمية الموجهة إلى الطلبة العرب في الأراضي العربية المحتلة في دورتها 108، والتي أختتمت أعمالها اليوم، إن إجتماعنا يأتي بعد إنقطاع ما يقارب عام ونصف بسبب الظروف البالغة الصعوبة التي تمر بها القضية الفلسطينية والحرب الاسرائيلية التدميرية، كما يأتي بالتزامن مع أعمال القمة العربية والإسلامية الطارئة بالرياض والتي اتخذت مجموعة كبيرة من القرارات النوعية الهامة في إطار التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وتضامن دولنا العربية والإسلامية مع نضال الشعب الفلسطيني المشروع لنيل حقوقه كاملة بإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق رؤية حل الدولتين، ودعم الاعتراف بدولة فلسطين وحصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وكذلك التحرك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجميد عضوية إسرائيل.
وأضاف، إن القمة طالبت أيضا مجلس الأمن بإصدار بقرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً إلى قطاع غزة، مؤكدة أنه لا سلام مع إسرائيل قبل انسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة "حتى خط الرابع من يونيو 1967، مشيرا إن القمة أطلقت أيضا آلية التعاون الثلاثي بين كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، لتنسيق المواقف المشتركة وسبل الدعم لمساعدة الشعب الفلسطيني بهدف تحقيق تقرير المصير له.
وأوضح الأمين العام المساعد، إن هذه الدورة تعقد بعد أكثر من 400 يوم من بدء العدوان على غزة، ولا تزال مشاهد المجازر والقتل والتدمير والتجويع خاصة في شمال غزة متواصلة، فقد أسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل وجرائم الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر 2023 عن تدمير واسع النطاق لكافة مقومات الحياة، أدى إلى سقوط أكثر من 180 ألف مواطن بين شهيد وجريح ومفقود، وإعتقال أكثر من 5200 مواطن، ونزوح 2 مليون داخليا، مع تدمير ما يقارب من 80% من المباني السكنية، حيث إرتكب جيش الإحتلال الإسرائيلي أكثر من 4000 مجزرة مروعة، واستخدام حوالي 90 ألف طن من المتفجرات، بالإضافة لما يتعرض له سكان القطاع من حرب تجويع قاتلة.
كما أشار، أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة لا يقل خطورة وكارثية من حيث مواصلة الإحتلال الإسرائيلي التصعيد في تنفيذ سياساته العدوانية في مدينة القدس وكافة المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، ما أسفر عن استشهاد حوالي 780 شهيد، واعتقال ما يقارب من 12 ألف مواطن مع تدمير ممنهج للبنية التحتية، في نفس الوقت الذي تواصل فيه عصابات المستوطنين المسلحة وبدعم مباشر من جيش الاحتلال ممارسة الإرهاب والاعتداءات المتواصلة في إطار سياسة الإحتلال الرسمية الممنهجة في حرق واقتلاع وتدمير للممتلكات، وفرض العزل والاغلاقات إلى تنفيذ الاعدامات الميدانية والتهويد وممارسة التمييز العنصري والتطهير العرقي والتهجير القسري، والتمدد الاستعماري وصولاً إلى ما أعلنه أمس رئيس وزراء الإحتلال ووزير ماليته بشأن الضم الرسمي والمعلن للضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية.
وقال أبو علي، إن القرار الإسرائيلي بقطع العلاقات مع وكالة "الأونروا" ضاربا بعرض الحائط جميع الأعراف والمواثيق والقرارات الدولية والقانون الدولي الإنساني، بهدف تصفية قضية اللاجئين وشطب حق العودة وإلغاء أنشطتها ودورها بالعنوان السياسي، مؤكدا أن مواصلة الإحتلال تقويض ولاية الأونروا لن يغير من الوضع القانوني للوكالة التي تتمتع بتفويض دولي بناء على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وطالب الأمين العام المساعد، المجتمع الدولي بدوله وهيئاته المتعددة وخاصة مجلس الامن التدخل المباشر والفوري، وإتخاذ التدابير العملية اللازمة لتوفير نظام حماية دولي في الأرض الفلسطينية لوضع حداً لاستمرار هذا العدوان الممنهج والانتهاكات الجسيمة لقواعد وأحكام وقرارات الشرعية الدولية، فقد كان قطاع التعليم وكل مكوناته في مقدمة القطاعات التي تعرضت للاستهداف الإسرائيلي التدميري، ما أسفر عن كارثة كبيرة بحجم الخسائر البشرية والمادية التي طالت مكونات التعليم كافة كما تداول وبحث مؤتمركم، فهناك أكثر من 30 ألف طفل/ة ما بين شهيد وجريح وسط تدمير 93% من أبنية القطاع التعليمي، فيما تعرضت 70% من مدارس الأونروا الـ200 للقصف والتدمير، وتم قصف 4 مبان من كل 5 مبان مدرسية، وكذلك تدمير 130 من المباني والمنشآت الجامعية كما حرم أكثر من 750 ألف طالب/ة من حقهم في مواصلة تعليمهم في مدارسهم، وجامعاتهم.
وقال الأمين العام المساعد، إنه منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، توقفت العملية التعليمية في كافة الجامعات والمدراس والمراكز التعليمية والتدريبة، وتحول عمل المدراس من أماكن تعليمية إلى مراكز إيواء يستخدمها السكان النازحين الذين هُجروا من منازلهم قسراً، ومع ذلك لم تتوان قوات الإحتلال عن استهداف هذه المدارس والمنشآت وهي مكتظة بالنازحين، لتوقع المئات من الشهداء والمصابين، حتى وإن كانت المدرسة أو المنشأة تتبع لهيأة دولية كالأمم المتحدة وترفع علمها، حيث مازال واقع حال التعليم في القدس، تحت وطأة سياسات الأسرلة والتهويد، ومحاربة المناهج الفلسطينية وتحريفها، في معركة مستمرة ومتجددة مع بداية كل عام دراسي جديد، لفرض مناهج الإحتلال الإسرائيلي، والذي يستوجب تدخل المعنيين من دول وهيئات ومنظمات رسمية وأهلية الالتفات لمدى التحريض والعنف ومستوى مضامين العنصرية بالمناهج الإسرائيلية، التي تشكل انتهاكاً جسيماً وخطيراً للمواثيق الحقوقية الدولية، وانتهاكاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خاصة معاهدة جنيف الرابعة وما فيها من نصوص حيال الوضع التعليمي في البلاد المحتلة.
كما أكد الأمين العام المساعد، أن هذه الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية شكلت حافزاً لمضاعفة أسباب الصمود والإصرار الفلسطيني على تطوير والعملية التعليمية وحمايتها، لتحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات.
يذكر أن الإجتماع عقد برئاسة وكيل مساعد للشؤون التعليمية بوزارة التربية والتعليم أيوب عليان، وممثلي عن إتحاد إذاعات الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الالكسو" بالإضافة إلى وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين "الأونروا".