الفيلم الوثائقي: قيمة معرفية وأكثر
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
كرمت وزارة الإعلام مؤخرا الفائزين في مهرجان تونس للإعلام العربي. تنوعت البرامج التي حصدت الجوائز في موضوعاتها وأشكالها الفنية ولكن الملفت هو حصول ثلاثة أفلام وثائقية على مراكز متقدمة في المهرجان.
هي بالتأكيد ليست المرة الأولى فلطالما كانت مشاركات السلطنة في المهرجانات العربية في مجال الإنتاج الوثائقي متميزا.
أقول جدلا لا زال الفيلم الوثائقي «بأشكاله الكلاسيكية» يحتفظ بشريحته المهتمة من الجماهير وأقول في قراءة للواقع وما يرصده من بعض البحوث المتوفرة أن الأنماط الجديدة للنشر متمثلة في وسائل النشر الإلكتروني والأشكال الجديدة التي تهتم بالإيفاع الجذاب وبراعة تكثيف الحدث واختصاره في وقت قصير وتقنيات السرد الجديدة أعطت الأفلام الوثائقية زخما جديدا ومدت في عمرها (عمر جماهيريتها في وقت يتنبأ فيه البعض بموت أشكال وإحلال أخرى محلها) ووسعت شريحة المتابعين لها والمتأثرين بها. بل ولأن العصر الذي تلاشى فيه الفارق بين الصحفي وجمهوره ازداد عدد المشتغلين والمنتجين لهذا النوع حيث تمكن العديد من الهواة من إنتاج مواد توثيقية تضاف لهذا الإنتاج.
وربما ليس أدل على نجاح الأفلام الوثائقية وقدرتها على الاحتفاظ بجماهيريتها من وجود العديد من المهرجانات والجوائز العالمية التي تمنح سنويا للبارزين في هذا المجال. وإن كانت الأفلام الروائية هي الأكثر بروزا وحضورا وقوة في التأثير الآن فإن ذلك لم يلغ الأفلام الوثائقية من قائمة الجوائز التي تمنحها الأوسكار على سبيل المثال.
لم يعد خافيا أو أمرا قابلا للجدل أن الإعلام بإنتاجه المختلف أحد أشكال القوة الناعمة التي يمتد تأثيرها لما هو أبعد من تشكيل وتوجيه الآراء السياسية إلى التأثير على منظومة القيم والأخلاق والهويات وتحديد التبعية والهيمنة الثقافية. ورغم أنه من المنطقي القول إن القوة الناعمة تطلب شكلا من أشكال التفوق السياسي والاقتصادي والعسكري إلا أنه من الملاحظ أنه ثمة انفلات من هذه القاعدة في بعض الحالات مكنته أساليب النشر الحديث واهتمام البعض تحديدا بتعويض (الضعف إن صح القول عسكريا وسياسيا وربما اقتصاديا) بتبني أساليب أخرى للدفاع عن قضاياها أو نشر آراءها وثقافتها. ناهيك عن أن فكرة والتفوق تتدرج في مستويات مختلفة. فنحن يمكن أن نتحدث عن هيمنة عالمية إقليمية أو محلية فالقوى المختلفة تتخلق بتوازناتها الخاصة في محيطها المعنية به وفي كثير من الأحيان لا يمكن فصلها عن التكوينات الثقافية الأخرى الاجتماعية والدينية مثلا هذه أيضا تشكل متغيرات فاعلة في مدى تقبل وانتشار الرسالة التي يراد إيصالها باستخدام أحد أساليب القوى الناعمة وهنا تحديدا نتحدث عن الإعلام.
عليه يبدو الفيلم الوثائقي أحد الموارد المتاحة والتي لا تقدم المتعة فقط وقيمة فنية ومعرفية بل تصنع ما هو أكثر من ذلك إن أردنا. وبالتأكيد نحن نريد لأننا جزء من عالم يتصارع أو يتعايش ويتحد في منظومة متباينة ومتغيرة على الدوام من القيم والمعايير. ولا يمكننا أن نعبر هذا العالم مغمضي العينين عن كل ما يدور حولنا. فعلى سبيل المثال نحن جزء من هذا العالم الذي تتعالى فيه أصوات وتشتد محاولات لفرض قيم وأخلاق لا تناسبنا في سعي لتحويل العالم إلى مسخ مستنسخ وليس شهر ( الفخر/ النخر) عنا ببعيد فرسائله المباشرة والمخبأة كانت تصلنا بشتى الطرق. ونحن جزء من منظومة التحولات السياسية والاقتصادية كذلك وفي سعينا للحفاظ على هويتنا وتقديم أنفسنا لأنفسنا وللآخرين فإن الأفلام الوثائقية تتيح بجاذبيتها الجماهيرية فرصة للتوثيق والكشف والتعريف.
رغم الإنتاج المتميز ووجود كفاءات واعدة في مجال الإنتاج الوثائقي فلا يبدو أننا إلى الآن استثمرنا في هذا المجال بالدرجة الكافية لأن نشير إليه على أنه أحد الأدوات التي يمكن أن نحقق من ورائه غايات بعينها أو تبرز تميزنا وتعرف عنا حقيقة. لأن ذلك يحتاج لتخطيط استراتيجي حقيقي أن توضع موازنات وأفكار إبداعية وخطط ترويج وغيرها. ربما كان التلفزيون العماني من أوائل الذين اهتموا بالإنتاج الوثائقي في منطقة الخليج على أقل تقدير ووجود بيئة جاذبة من الموضوعات وتوفر مادة بيئية وثقافية تاريخية فنية شعبية إلى آخره يمكن أن تحول إلى أفلام ناجحة شجع هذا الاهتمام بالإضافة إلى الاعتماد عليها مبكرا كأحد طرق الترويج السياسي وتوثيق المشاريع والتطور التنموي. أظنه الأمر الذي أكسب المشتغلين في المجال بعض الخبرة الضرورية لكن ذلك لم يبن عليه أي تطوير دراماتيكي. ظل نمو القطاع متأنيا جدا ويسير ببطء لا يتناسب مع الإمكانيات الهائلة التي يمكننا التحصل عليها. وسبقتنا في حين كان يمكن أن يكون لنا السبق شبكة الجزيرة بتخصيص قناة للأفلام الوثائقية وتخصيص مهرجان والاهتمام بالمشتغلين والباحثين في هذا المجال.
أظن أنه ما زال لدينا فرصة هائلة أن نستثمر في هذا القطاع الواعد. القناة الثقافية تعد نواة يمكن البناء عليها. وجود مواهب في التصوير والكتابة والإخراج والمونتاج والجرافيكس وغيرها من التقنيات هي أحد الموارد المتوفرة بالتأكيد نحن نحتاج أن نوسع آفاق المشتغلين ليتجرؤوا في تجريب أساليب فنية جديدة ويفكروا في زوايا للطرح مختلفة. هم كذلك بحاجة للخروج من عباءة المواضيع المكررة والمستهلكة وتوسعة طرق التناول والمجالات التي يمكن أن يكون الفيلم الوثائقي فيها فاعلا ونضيف إلى الاشتغال في مواضيع الثقافة والتاريخ والتراث موضوعات سياسية بيئية اجتماعية وغيرها.
نحن بحاجة كذلك أن نفرد على الطاولة كذلك مخططات واعية لماذا نريد على مستوى القيادات وربما لاحقا على مستوى الجمعيات والأفراد والمنظومات الأهلية (التي بالضرورة ستكون لها مساراتها والتي يتوفر لها الآن إن تنبهت إمكانية الاعتماد على هذه الأداة بموازنات مالية متواضعة إن عوضت بفكر إبداعي ومهارات فنية هائلة) ماذا نريد من هذه الأداة أن تقدم لنا ونرفق ذلك بالخطط اللازمة والتقييم وخطط الترويج. لكن علينا أولا أن نقتنع أن هذا الحصان رابح. لقد جربنا لحد ما الاستثمار في الدراما وربما أقول في الفنون التشكيلة وإن كان بشكل متواضع. أظن أن الإنتاج الوثائقي يستحق الالتفات ولكن لنفعل ذلك كما يجب برؤيا واضحة وتخطيط استراتيجي لأنه التفات يفترض أنه مبني على قناعة وتبنٍ وليس على سبيل التجربة. وأظن فعلا أننا إذا قمنا بالأمر بالشكل الصحيح فإن النتائج ستكون مبهرة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفیلم الوثائقی التی یمکن یمکن أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
بـ قيمة 679.1 مليار جنيه.. زيادة مخصصات الأجور في موازنة العام المالي الجديد
أكد أحمد كجوك، وزير المالية، أن الدولة خصصت مبلغ قيمته 679.1 مليار جنيها، في موازنة الدولة لعام 2025 - 2026، بنسبة زيادة قدرت بـ 18.1%، بهدف استيعاب الزيادات التي أقرتها الحكومة ومنها العلاوات الدورية والزيادات الإضافية الدائمة، وزيادة الحافز الوظيفي للعاملين المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الحماية المدنية، والتي سيتم صرفها من بداية شهر يوليو القادم.
يأتي ذلك نتيجة لحرص متخذي القرار في الدولة على توفير نفقات كافية لتعيين عدد 75 ألف معلم و30 ألف طبيب و10 آلاف بباقي أجهزة الدولة.
وكانت قد انتهت وزارة المالية من اعتماد الموازنة العامة الجديدة ومن ثم أرسلتها لمجلس النواب للتصديق عليها، واشتملت على الآتي:
خصصت الدولة في الموازنة العامة الجديدة 160مليار جنيه لدعم السلع ورغيف العيش.
كما قررت الدولة أن توجه مبلغ بما قيمته 679 مليار جنيه لزيادة أجور العاملين في الدولة.
وقررت الدولة أن تخصص مبلغ بمقدار 15 مليار جنيه لتكاليف العلاج على نفقة الدولة.
وكان قد أعلن أحمد كجوك وزير المالية، عن زيادة بنسبة 25% في معاشات تكافل وكرامة، وهي زيادة دائمة، كشف عنها خلال مؤتمر الحكومة الأسبوع في شهر رمضان، ومن المقرر أن يتم التأكيد على ذلك القرار في مطلع إبريل القادم بحسب كجوك.
ووجهت الدولة صرف مبلغ قيمته 5.9 مليار جنيه لقطاع التأمين الصحي الشامل، وذلك في الموازنة العامة الجديدة للدولة.
ويتضمن مشروع الموازنة العامة للدولة إيرادات تقدّر ب3.1 تريليون جنيه بمعدل نمو سنوي 19%، ومصروفات تقدّر بنحو 4.6 تريليون جنيه بزيادة 18% مع استهداف تحقيق فائض أولى بنسبة 4% من الناتج المحلي وخفض دين أجهزة الموازنة العامة.
اقرأ أيضاً«المالية» تؤكد ارتفاع الفائض الأوّلي بالموازنة العامة للدولة إلى 90 مليار جنيه
وزير المالية: مؤشرات أداء الموازنة العامة للدولة في 11 شهرًا «أفضل من المستهدف»
مجلس النواب يوافق نهائيًا على فتح اعتماد إضافي بالموازنة العامة للدولة 2023/2024