سعد والنحاس.. ذكرى تنفع الوفديين!
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
وكأنه موعد متفق عليه للرحيل والصعود إلى سماء رب العالمين، صعود الروح الطيبة والنفس المطمئنة إلى بارئها، ليسجل التاريخ يوم 23 أغسطس 1923 موعدًا لرحيل سعد زغلول، الزعيم الذى لم يتكرر فى تاريخ مصر الحديث، ويوم 23 أغسطس 1965 موعدًا لوفاة مصطفى النحاس، الزعيم الذى أحبه ربه فوضع محبته فى قلوب شعبه.
الزعيمان سعد والنحاس.
الزعيم الأول سعد زغلول كان دليلًا للثوار وأبًا روحيًا لهم، أو كما قال عنه غاندي: «سعد زغلول معلمي».. فقد كان سعد قائدًا لحركة شعبية طاغية فى مطلع عصر التنوير الذى فجرته الثورة وكان زعيمًا متسامحًا مع الآخر، وراعيًا رسميًا لمبدأ الوحدة الوطنية، فكان دائمًا هو «نازع فتيل الفتنة».. أبدًا.. لم يكن سعد مجرد رجل اختاره الناس زعيمًا، ولكنه صانع ثورة منظمة تطلب الاستقلال.. وما كتبه المؤرخون عن ثورة 19 يؤكد أنها كانت تدار عبر أربع طبقات من القيادات القوية التى وضعت أمامها هدفًا واحدًا اسمه الثورة.. وحققته.. ومصطفى أمين قال فى كتابه عن الثورة الأم إن سعد زغلول ترك ورقة كتب فيها «إذا اعتقلت الطبقة الأولى من قيادات الثورة تقوم الطبقة الثانية فإذا اعتقلت تقوم الثالثة وإذا اعتقلت تقوم الرابعة» وهذا يعنى أن سعد زغلول كان يخشى من القضاء على الثورة باعتقال قياداتها أو بنشر الفوضى التى قد لا تجد من يتحكم فيها فوضع أربع طبقات من القيادات.. وكان دور هذه الطبقات واضحًا عندما ثار الشعب للمرة الثانية عام 1921.
كانت ثورة 19 تنظر للأمام.. تريد الحفاظ على نفسها.. وقد فعلتها.. فصنعت مرحلة ليبرالية أفرزت أبرز رواد الفكر والأدب والفن والاقتصاد والسياسة.. مرحلة شهدت نبوغ الفنان المثال مختار وأم كلثوم وعبدالوهاب ونجيب الريحانى.. وعرفت طه حسين والعقاد.. وشهدت اقتصادًا وطنيًا من رموزه طلعت حرب وعبود باشا، فكان الوطن قائمًا وقادرًا رغم الاحتلال وتمكن من التقدم للأمام علميًا بجامعة أهلية شارك فى فكرة تأسيسها سعد زغلول مع الإمام محمد عبده.. فقد كان سعد زغلول يعرف أن العلم هو الشعلة التى تنير الطريق للوطن وأن أبناءه المتعلمين هم ثروته الحقيقية.
ولم يكن سعد زغلول رجلًا يائسًا، بل كان مناضلًا لا يتوقف عن الكفاح من أجل وطنه وحريته؛ ولذلك لا نجد صحة للمقولة التى يرددها المصريون على لسانه عندما قال: «مفيش فايدة» فهى دعوة لليأس لم يطلقها سعد من أجل العمل الوطنى ولكنه كان يقصد أن حياته انتهت بعدما سيطر عليه المرض.. فقد اشتد عليه.. وبات على يقين بأنه هالك لا محالة، فقال لزوجته صفية زغلول وهى تحاول إعطاءه الدواء: مفيش فايدة.. فتناقلها المصريون على أنه يعنى أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر.
أما مصطفى النحاس.. فهو الرجل الذى يحبه الناس.. لأنه صادق الكلمة شديد التمسك بالمبدأ.. العابد الزاهد.. لا يترك المسجد، لكنه يرفض الحكم باسم الدين.. يرفض منطق الحصول على توكيل للحديث باسم الله. القصة الأشهر التى تعبر عن زهد وتصوف وتعبدالنحاس هى الحكاية التى سردها سعد فخرى عبدالنور سكرتير عام الوفد الأسبق.. ويقول فيها: بعد حركة يوليو 1952 تم تحديد تحركات الزعيم مصطفى النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعيًا.. وكان سعد عبدالنور نجل القيادى الوفدى البارز فخرى عبدالنور لا يرى النحاس إلا كل يوم جمعة فى مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفى إحدى المرات قال سعد عبدالنور للنحاس: يا باشا أنا مسيحى.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرنى أدخل جامع الحسين! فرد عليه النحاس مازحًا: جرى إيه ياسعد إنت ما تعرفش إن مولانا الحسين كان وفديًا؟!
هذه الحكاية هى مفتاح شخصية مصطفى النحاس باشا الذى قضى عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية من خلال الوفد الحزب العريق الذى عشقه مثل روحه مستعينًا بالله.. متمسكًا بثوابته التى لا تختلف عن ثوابت كل المصريين الذين كانوا يعملون نهارًا من أجل لقمة العيش ويناضلون ظهرًا ضد الاحتلال ويزورون أولياء الله الصالحين ليلًا تبركًا بهم فى مواجهة الظالمين والفاسدين، ويمسكون بأيدى إخوانهم المصريين بغض النظر عن دينهم لصناعة عروة وثقى تحميهم من الطغيان والتشتت والانحدار.. كانت هكذا مصر وكان مثلها النحاس.. الذى كانت حياته مثل وفاته.. فقد عاش حياته زعيمًا مناضلًا يقاوم الاحتلال ولا يسعى إلى الحكم، بل كان الحكم هو الذى يأتى أمامه وتحت قدميه.. ومات– أيضًا– زعيمًا يخرج الناس من بيوتهم ينتحبون ويبكون رحيله، فقد كانت جنازة مصطفى النحاس هى الدليل الأهم والأكبر على زعامته.. كانت مهيبة.. حاشدة.. فى عز مجد جمال عبدالناصر الذى صدمته هذه الحشود التى خرجت لتشييع رجل كان يعتقد أن سيرته قد ماتت قبل وفاته بثلاثة عشر عامًا قضاها تحت الإقامة الجبرية.. وكان الهتاف الرئيسى لمئات الآلاف الذين قالوا فى الجنازة: «لا زعيم بعدك يا نحاس».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور مصطفى النحاس سعد زغلول زعیم ا
إقرأ أيضاً:
تنمية معادن عُمان توقع عقودًا بقيمة 11.5 مليون ريال
العُمانية: وقعت شركة تنمية معادن عُمان عقودًا مع شركة "ميتسو" الفنلندية لتوريد المعدات الرئيسة لمصنع مركزات النحاس في ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة بقيمة تتجاوز 11.5 مليون ريال عُماني ما يعادل (30 مليون دولار أمريكي)، على هامش مشاركتها في مؤتمر مستقبل التعدين الدولي بالعاصمة السعودية الرياض. وتشمل العقود توريد أحدث معدات التكسير والطحن والتعويم، بما في ذلك معدات الطحن الرئيسة، ومعدات التعويم الميكانيكية، والمكثفات عالية الكفاءة الخاصة بمصنع تركيز ومعالجة النحاس ضمن جهود الشركة لتطوير مشروعها الطموح لاستخراج وتركيز خام النحاس من مناجمها بولاية ينقل.
وقال المهندس مطر بن سالم البادي الرئيس التنفيذي لشركة تنمية معادن عُمان: إن مشروع مزون للنحاس يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز مكانة سلطنة عُمان كوجهة مهمة في إنتاج مركزات النحاس، مشيرًا إلى أن هذه الشراكة الدولية ستسهم في تحقيق أهداف الشركة المتعلقة بالكفاءة والاستدامة في عمليات التعدين والمعالجة. من جهتها، أوضحت بيا كارهو رئيسة قطاع المعادن في شركة ميتسو أن هذه الشراكة تعكس التزام الشركة بتقديم حلول مبتكرة تسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التأثير البيئي، مبينة أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق قيمة مضافة حقيقية، والعمل على ضمان أن تكون هذه التقنيات في طليعة صناعة التعدين في المنطقة. ويعد مشروع مزون للنحاس أكبر مشروع متكامل لإنتاج مركزات النحاس في سلطنة عُمان؛ إذ يمتد على نحو 20 كيلومترًا مربعًا ويضم خمسة مناجم مفتوحة تحتوي على احتياطيات تصل إلى 22.9 مليون طن من خام النحاس.
ويشمل المشروع أيضًا مصنعًا لمعالجة الخام بمساحة 56 ألف متر مربع، بطاقة معالجة تصل إلى 2.5 مليون طن سنويًّا، وقدرة إنتاجية تبلغ 115 ألف طن سنويًّا من مركزات النحاس بنسبة نقاء تصل إلى 21.5 بالمائة. ويركز المشروع على تطبيق تقنيات الاستدامة البيئية لضمان أعلى معايير إدارة العمليات في هذه المناجم، بالإضافة إلى تعزيز المحتوى المحلي ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة.