الاكلات العراقية… البيتزا والكنتاكي تنافس الباجة والطابگ
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
نوفمبر 13, 2024آخر تحديث: نوفمبر 13, 2024
المستقلة/-عبدالكريم إبراهيم/..يسعى سعد العبودي من أهالي مدينة الصدر أن يكون يوم جمعة مميزاً عن غيره من أيام الأسبوع من خلال التأكيد بضرورة تناول (السياح الحار مع البيض بالدهن) في ساعات الصباح الأولى.
ربما يحاول العبودي بعمله هذا إعادة الصلة بين أكلات الأجداد العريقة وأذواق أولاده التي اختلقت عن ذي قبل كما يقول ” لكل جيل أسلوبه ونمط حياته، وهذا الموضوع انجرَ إلى الأكل، فالكثير من الأجيال المعاصرة تحاول الابتعاد عن الاكلات التي نتناولها في السابق”.
ويضيف ” جيل اليوم يحتاج إلى شرح مفصل عن الاكلات الشعبية المألوفة من أجل التعريف بالاكل العراقي وطعمه المميز” ويذكر أنه عندما يذهب إلى مسقط رأسه في ميسان يطلب من زوجات أعمامه اعداد ( الطابگ) الذي تفوح منه رائحة العنبر و(الشلكين) بالدهن الحر لدرجة ان بعض أولاده سألونه عن هذه الأسماء الغربية من وجهة نظرهم.
وتحتاج العودة إلى مجد الاكلات العراقية أهل الخبرة بعدما صرفت الوسائل الاتصال الحديثة النظر عن بعض النساء الالمام ببعض الأكلات العريقة كما تقول المعلمة المتقاعدة الحاجة حوري شكر من أهالي باب الشيخ سابقاً ” الباجة تحتاج ساعات طويلة لأعدادها، واعتقد ان بعض بنات اليوم يبحثن عن السرعة والسهولة واعتقد الدلفري قد اختصر المسافة وقرب البعيد وجعل بعض النساء بعيدات عن المطبخ “.
وتعود شكر بذاكرتها إلى فترة الخمسينيات حيث تتشارك نساء المحلة في اعداد بعض الاكلات كالدولمة والكبة وتضيف” هناك نفس وروح يشعر بها الجميع لاسيما أن اغلب الاكلات السابقة طازجة وغير مجمدة “.
مطاعم الاكلات السريعة الوافدة على المجتمع العراقي في زيادة يومية، فلا تكاد تخلو منطقة منها كما يقول رحيم الدراجي من أهالي المشتل ” فتحت اغلب مطاعم البيتزا وكنتاكي والقص صفحات لها على مواقع التواصل الاجتماعي وما عليك سوى الاتصال لتحصل على ما تريد ” ويضيف الدراجي ” قد يكون هذا حل ناجعاً في ظل ظروف عدم التفرغ، وعدم المام بعض النساء بأصول الطبخ ولكن يجب ان لا تتحول الى قضية ادمان لاسيما أن الجيل الحالي يفضل هذا النوع من الاكل على غيره” .
صراع الأجيال الفكري امتد أيضا إلى الاكلات فهناك ميل كبير من قبل الكثير الشباب إلى الاكلات المستوردة، وتفضلها على أختها المحلية كما يقول الطالب الجامعي حسن محمود ” الانتشار الفكري لم يعد مقتصرا على الأساليب القديمة وأصبحت الاكلات المستوردة جزء من العولمة الحديثة ”
ويضيف محمود ” تعمل الكثير من الدولة على حماية مورثها الشعبي والعمل على إدخاله على قائمة اليونسكو منها الاكلات السوشي اليابانية والكسكسي المغربية وبيتزا الايطالية وغيرها، ونأمل أن تعمل المؤسسات ذات الاختصاص بهذا الاتجاه والسير منحى هذه الدول “. أما الحاجة أم صادق من أهالي السيدية تستغرب عن عزوف بعض الأحفاد عن اكل أنواع المرق والتمن والاتجاه نحو الاندومي بيتزا ولازانيا وتضيف ” هذه الاكلات لم نكن نألفها ونحن صغار واعتقد جسم الطفل يحتاج الى اكلات فيها مواد طازجة ” وتسأل” أين أكلاتنا العراقية الباجة والسمك مسكوف، محروك اصبعه والمقلوبة؟ أعتقد جيل يوم لا يعرف عنها سوى القليل”.
وفيما تنتقد أم علي من أهالي شارع فسطين حالة الاتكالية التي صيبت بها بعض ربات البيوت، وأصبح أبو الدلفري هو المسيطر ” الزوجة اليوم لا تكلف نفسها وتتعب مادام أبو الدلفري موجود، والنتيجة أكلات ليس لها رائحة اكلاتنا العراقية “.
مع وجود موجة نحو بعض الاكلات المستوردة، فان هناك عودة الى تقديم الاكل العراقي من خلال انتشار بعض مطاعم الباجة والسمك المسكوف والدليمية والفوزي كما يقول محمد علي صاحب معطم للباجة في مدينة الصدر ” اعتقد هناك طلب كثير على أنواع من الاكلات العراقية الاصيلة بعدما كانت مختصرة على مطاعم الفلافل والهمبرغر والكص والكباب حيث ظهرت مطاعم للباجة والقيمة حتى الدولمة في مناطق كثير من بغداد “
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: کما یقول من أهالی
إقرأ أيضاً:
مخاطبة الشرع للشعب السوري… مؤجّلة
الحيرة في قراءة السلوك السياسي لقائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، ليست نابعة من قوله أموراً يصعب فهمها. بل النظرة إلى كونه قادماً من عالم الإسلام السياسي الجهادي، الذي له قواعد فكرية وفقه يفترض أن يمنعه عن غالبية الأمور التي يقولها اليوم، وعند هذه النقطة، يتحوّل السؤال إلى حقيقة التبدّل الذي طرأ على عقله خلال السنوات العشر الماضية، علماً أن خصومه يقولون إنه يعتمد مبدأ «التمكين أولاً».
وإذا كان الباحثون في العلوم السياسية يعتقدون بأن قوى الائتلاف السوري، ولا سيما الإسلامية منها، التي تعود أصولها إلى حضن «الإخوان المسلمين»، هي الأقرب إلى الراعي التركي، فإن تطورات حصلت في العراق وبلاد الشام كما في شمال أفريقيا، دلّت على أن أنقرة تتصرف وفق حسابات من نوع مختلف، تماماً كما يفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يخف رغبته في استعادة دولة الخلافة، ولكنه وجد أن الأمر ليس يسيراً كما ظن، فبقي يجلس تحت صورة كمال أتاتورك، رغم أنه يلعنه آخر كل صلاة.
هنا، لا يمكن الاعتماد على نفس آلية التحليل لفهم ما يجري في سوريا، صحيح أنه يمكن لأي مراقب أن يريح نفسه، وأن يقرأ مشكلات هذا البلد، ويعرض لحجم الأطراف المتدخّلة في أموره من دول كبرى ودول صغرى، حتى يقول إن مهمة توحيد سوريا تحت راية الحكم الجديد، سوف تكون مهمة شبه مستحيلة. لكن، هل هذا هو القدر المحتوم؟
في حالة الشرع تحديداً، قد لا يكون منطقياً الركون إلى ما يقوله هو في الإعلام فقط. كونه حتى اللحظة، لم يتحدّث مع الشعب السوري، وكل تصريحاته ومقابلاته الصحافية، هدفها التحدث مع الخارج، مع الغرب أولاً، ودول الخليج ثانياً، وإسرائيل ثالثاً، ودول الجوار رابعاً، من دون إهمال الأطراف النافذة في سوريا، بما في ذلك الدول التي قاتلها مثل إيران وروسيا وحتى العراق، وكل ما قاله الشرع حتى اللحظة، يندرج في توضيح أنه ليس هو الرجل الذي تعرفتم إليه من قبل، وهو كان صريحاً للغاية عندما أعلن انتهاء الثورة السورية في لحظة سقوط بشار الأسد، كما لم يكن كثير الضعف في مخاطبة الغرب، فهو يعرب بقوة عن الرغبة بعلاقات جيدة مع العالم، لكنه اضطر مراراً، إلى القول إنه لن يبقى منتظراً العالم حتى يصدّقه، لكونه يهتم الآن لأن تكون أموره ميسّرة مع الشعب السوري، ومع ذلك فهو حدّد جملة من الثوابت التي يبدو أنها محل توافق غالبية قوى الحكم الجديد:
أولاً: إن سوريا في وضع لا يمكّنها من مخاصمة أحد، وإنها أمام تحديات داخلية، توجب عليها مصادقة الجميع، من أجل ضمان استقرارها ومن أجل الحصول على بيئة صديقة لورشة الإعمار.
ثانياً: إن سوريا تعترف بإسرائيل كدولة، وإن لم يكن الوقت قد آن لبناء علاقة معها. لكنّ الشرع تحدّث بهدوء عن الاتفاقات بين الدولة السورية وإسرائيل، وعن أن الأمم المتحدة هي الناظم للعلاقات الحدودية، وأضاف إلى ذلك، أن سوريا الجديدة لا تفكر في محاربة إسرائيل، بل قال إن من كان يزعج إسرائيل تمّ ترحيله من سوريا. وأشار بالاسم إلى إيران وحزب الله، علماً أنه بادر إلى إبلاغ الفلسطينيين بضرورة تسليم سلاحهم.
ثالثاً: لم يذكر الشرع في أي تصريح على ما يجري في قطاع غزة، ولا هو أشار إلى العدوان على لبنان، وهو لم يأت على ذكر حركة حماس أو المقاومة الفلسطينية، كما لم يعلن وقوفه إلى جانب مقاومي إسرائيل، لا في فلسطين ولا خارجها، وكلامه الذي ردّده في وقت سابق على سقوط النظام، عن القدس والمسجد الأقصى غاب تماماً. وهو يتصرف كمن لا يتوقّع أن يحاسبه أحد من السوريين على ذلك، علماً أن قوى المقاومة لم تتوجه إليه بالعتاب أصلاً.
رابعاً: قال الشرع صراحة إنه يريد أن تكون العلاقة مع الغرب واقعية، وإنه يطالب الغرب برفع العقوبات عنه وعن سوريا، وإنه مستعد للأخذ في الاعتبار الكلام العام للدول الغربية عن حقوق الأفراد والأقليات (وهو أصلاً لا يصدّق بأنها محل اهتمام الحكومات الغربية)، وقال إن سوريا الجديدة، لن تكون مصدر إزعاج لأحد في العالم، فلا تصدير للثورة، ولا حضن للإرهاب كما يراه الغرب، ولا مأوى لأعداء إسرائيل، وفوق ذلك، هو أعلن حل النظام الاشتراكي والقيود التي كانت موجودة (ولو نظرياً) في ظل النظام السابق، وأعلن استعداده (وفق معلومات عن اجتماعات عُقدت بعيداً عن الأضواء مع مسؤولين في حكومته) لفتح الباب أمام استثمارات أجنبية، ولو كان من شأنها الدخول في عملية الخصخصة.
خامساً: وعد الشرع العالم، بأنه سيفسح المجال أمام آليات لكي يختار الشعب السوري ممثّليه إلى الحكم، متحدّثاً بصورة عامة عن دستور جديد وعن قوانين جديدة، وأبقى مسألة قواعد الشريعة الإسلامية في حيز من الغموض، ليس لأنه لا يريد إغضاب الغرب إن تحدّث عن ضرورتها، بل لأن «الوصفة التركية» تتيح له، أن يتزعم حزباً إسلامياً، ويتولى حكم دولة مدنية، ويقدر على اجتراح الوصفات القانونية التي تتيح تمرير «قواعد تشريع تستند إلى روح النص الإسلامي» دون إثارة حفيظة من يعتبر نفسه غير مُلزم بذلك.
كل ما سبق، يعيدنا إلى السؤال المركزي: هل نحن أمام نموذج سوري من حزب العدالة التركية؟
الأكيد، أنه يوجد اليوم استحقاق مركزي أمام الشرع. والحديث هنا، ليس عن طريقة تشكيل لجنة الحوار الوطني، أو نوع التسويات التي تسمح لأطياف المعارضة السورية بالتمثّل في مؤسسات الحكم، بل يتعلق بمهمة مركزية لأي مشروع يراد له أن يعيش طويلاً في بلد مثل سوريا. والمقصود هنا، آلية بناء المؤسسات العسكرية والأمنية في سوريا. وشعار «توحيد السلاح بيد الدولة»، سبق للشرع أن فرضه بالحديد والنار في مناطق حكم «هيئة تحرير الشام» في إدلب، عندما خاض معركة «توحيد البندقية الجهادية» وأطاح بكل من حاول البقاء خارج سلطته، وهو ما يريد اليوم تحقيقه، ولذلك، فهو يحتاج إلى تعاون خارجي لا يقف عند حدود تركيا وقطر، بل يحتاج إلى تعاون أمريكي أساسي، يتيح له، معالجة «المسألة الكردية» من جهة، ويريد من واشنطن، منع إسرائيل من تحريض الدروز على إقامة حكم ذاتي أو المطالبة به، وهو لا يريد الدخول في صدام مع الأردن والإمارات والسعودية، التي يمكنها تشجيع الفصائل المحسوبة عليها، سواء في الجنوب السوري أو بعض مناطق البادية أو الشمال الشرقي، إضافة إلى العشائر القريبة من الحدود مع العراق، وهي فصائل كثيرة، لكنّ الشرع لا يعتقد بأنها قادرة على الائتلاف معاً في مواجهته. ومع ذلك، فهو سيبدأ من نقطة أولية تخص مقاتلي «الهيئة» ومقاتلي «الجيش الوطني»، لأجل تشكيل نواة قوة عسكرية قادرة على إجبار تلك الفصائل على ترك السلاح طوعاً أو غصباً إن لزم الأمر.
كل ما سبق، يجعل من الصعب التكهن بمآلات الأمور، لكن قد لا يكون من الحكمة، الجزم مسبقاً بأن الصدام حاصل حتماً، لأن البناء على هذه الفرضية قد يخلق سياسات من شأنها تعقيد المشهد السوري أكثر مما هو عليه الآن، مع العلم، أنه يجب على محبّي أو مبغضي الشرع، الإقرار بأن الغالبية السورية، تقف اليوم إلى جانب فكرته عن الحياد، والسعي إلى إعادة ورشة الحياة في بلد لم يبق منه إلا بعض هياكل سلطة لم يكن بمقدور أحد جعلها تعيش أكثر مما عاشت.