لا مجال للانتظار.. بولندا تكشر عن أنيابها لروسيا بأضخم عرض عسكري منذ 30 عاما.. وتفاصيل أكبر جيش في أوروبا قريبا
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
"لا مجال للانتظار" .. هو شعار رفعته بولندا في وجه الدب الروسي، في ذكرى تاريخية استطاع فيها أجدادهم سد الجيش الأحمر السوفيتي، وذلك عبر تنظيم أكبر عرض عسكري – استعراض للقوة – وذلك صباح اليوم الثلاثاء الموافق 15 أغسطس الذكرى التاريخية التي تعود إلى عام 1920، وذلك ضمن استراتيجية السياسة الدفاعية، في مواجهة الطموح الروسي، وهو ما يحقق أهدافا إضافية ضمن الحملة الانتخابية داخل البلاد.
صد هجوم الجيش الأحمر
ويعتبر 15 أغسطس تاريخًا رمزيًا في بولندا، ففي مثل هذا اليوم من عام 1920 ، أوقف الجنود والمتطوعون البولنديون هجوم الجيش الأحمر أمام وارسو بقوتهم الأخيرة - نقطة التحول في الحرب البولندية السوفيتية، حيث حققت القوات السوفيتية بقيادة ميخائيل توخاتشيفسكي عدة انتصارات عسكرية في الأشهر السابقة وكانت على وشك الاستيلاء على عاصمة الجمهورية البولندية التي أعيد تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى.
وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة فوكس الألمانية، فقد كان القصد من إخضاع بولندا مجرد علامة فارقة - فالزعماء السوفييت فلاديمير لينين وليون تروتسكي أرادوا الوصول إلى برلين "على جثة بولندا" لبدء ثورة عالمية من هناك. لقد أحبط انتصار بولندا ، الذي سُجل في التاريخ البولندي على أنه "معجزة على نهر فيستولا" ، هذه الخطط.
أكبر عرض عسكري منذ سقوط الشيوعية عام 1989
ففي عرض رهيب ظهر اليوم الثلاثاء، كان حشد مكون من 2000 جندي يسيرون على طول نهر فيستولا، مرورا بقلعة وارسو الملكية، وتحيط به 200 مركبة عسكرية، بما في ذلك دبابات أبرامز الأمريكية ودبابات ك 2 الكورية الجنوبية. طائرات الهليكوبتر بلاك هوك وطائرات اف 16 المقاتلة لضمان أمن المجال الجوي، وكان ذلك بمشاركة جنود الحلفاء من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وأعلنت وزارة الدفاع بفخر مقدما أن "هذا هو أكبر استعراض منذ سقوط الشيوعية عام 1989".
وقد تم تصميم العرض لإظهار قوة وتقدم القوات المسلحة البولندية بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وقد بدأت الحكومة البولندية في تحديث جيشها بسرعة، ووفقًا لوزارة الدفاع في وارسو، سيتم إنفاق ما يقرب من 140 مليار زلوتي (حوالي 31.5 مليار يورو) على الأسلحة في عام 2023، بالإضافة إلى الشريك المهم تقليديا الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تركز الحكومة القومية الشعبوية في المقام الأول على التعاون مع كوريا الجنوبية.
قريبا أكبر جيش في أوروبا
وبحسب الصحيفة الألمانية، فإن هدف الجيش محدد بوضوح، فقد أعلن وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتشاك قبل سنوات أن بولندا يجب أن تمتلك أقوى جيش في أوروبا، وأعلن مؤخرا أن بولندا لديها الآن 175000 مسلح، وتظهر التحليلات التي أجراها الخبراء أن 125000 منهم فقط هم جنود محترفون. الباقون هم أعضاء في الدفاع الإقليمي والتشكيلات التطوعية الأخرى.
ومن المنتظر أن يتوسيع الجيش البولندي إلى 300 ألف جندي، وقد قال كاتشينسكي أمس الاثنين: "علينا شراء كميات كبيرة جدا من الاسلحة فنحن نستعد للحرب ، لكننا نريد السلام"، وهي حكمة رومانية وهي كرسالة يهدف بها السلطة في موسكو، خصوصا مع تحركات قوات فاجنر، وانتشارها على الحدود البولندية مع بيلاروسيا، وهو ما دفع الجيش البولندي لنشر قوات إضافية على الحدود.
تحركات عسكرية بنكهة انتخابية
ويبدوا أن تلك التحركات لها أهداف أخرى غير عسكرية، فهو يساعد أيضًا حزب القانون والعدالة الحاكم في الفوز في الانتخابات البرلمانية المقرر لها في 15 أكتوبر، واعترف أندريه زيبرتوفيتش، مستشار الرئيس أندريه دودا، في نقاش تلفزيوني الأحد الماضي، بأن العرض العسكري يهدف إلى تعبئة المشاعر الوطنية وبالتالي مساعدة حزب القانون والعدالة في الحملة الانتخابية، فمنذ يوم الجمعة الماضي 11 أغسطس، تجري ما يسمى بـ "النزهات العسكرية" في جميع أنحاء بولندا، وقد التقى الجنود بالسكان المحليين والسياح في 70 بلدة وقدموا أسلحتهم الحديثة - التدريب العملي، وإذا جاز التعبير فقد حاولت مكاتب التجنيد المحلية جعل الحياة العسكرية جذابة للبولنديين الشباب.
ويستخدم حزب القانون والعدالة السياسة الأمنية والدفاعية في بعض الأحيان أكثر، وأحيانًا أقل انفتاحًا في حملته الانتخابية، وهي دائما ما تحمل اتهام رئيسي وهو " المعارضة أسقطت الجيش البولندي"، وذلك لأنه في الأعوام من 2007 إلى 2015، عندما حكم البرنامج المدني الليبرالي لدونالد توسك، تم إغلاق العديد من الثكنات وخفض الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، ويظل سياسيو حزب القانون والعدالة صامتين بشأن حقيقة أن الجنود البولنديين أثبتوا جدارتهم في العراق وأفغانستان خلال هذه الفترة وأن العديد من مشاريع التسلح ، بما في ذلك شراء نظام الدفاع الجوي باتريوت ، قد بدأت في ذلك الوقت.
الحدود مع بيلاروسيا قضية انتخابية
وحرص التقرير الألماني إلقاء الضوء على أزمة الحدود البولندية البيلاروسية، حيث يرتبط الوضع على الحدود البولندية البيلاروسية ارتباطًا وثيقًا بالمسألة الأمنية - وقد أصبح أيضًا قضية انتخابية، فبعد أن تم نفي مجموعة فاجنر إلى بيلاروسيا، أعلنت بولندا أنها ستنقل 10000 جندي إلى المنطقة الحدودية، وقد تبين أن السياج الذي أقيم على طول الحدود البولندية البيلاروسية مليء بالثغرات، وعلى الرغم من المنشآت الحدودية ذات الأسلاك الشائكة، فإن المهاجرين غير الشرعيين يدخلون بولندا كل يوم.
ويتهم حزب القانون والعدالة زعيم المعارضة دونالد تاسك بفتح حدود بولندا أمام الهجرة غير الشرعية، وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي إن توسك يشكل أكبر تهديد لأمننا، وقد قال كاتشينسكي منذ بعض الوقت إنه كان "العدو الأكبر لأمتنا، متهما زعيم المعارضة بالرغبة في بدء حرب أهلية في بولندا، وإذا كان لدى حزب القانون والعدالة طريقه، فيجب أن تظل مسألة الأمن حاضرة حتى يوم الانتخابات نفسه في 15 أكتوبر، من أجل تحسين فرصه في الانتخابات البرلمانية.
وقد أعلن حزب القانون والعدالة عن إجراء استفتاء في نفس اليوم. "هل تريد إزالة الحاجز الحدودي؟" هو أحد الأسئلة المطروحة هناك، وكذلك "هل تؤيد قبول آلاف المهاجرين غير الشرعيين من الشرق الأوسط وأفريقيا؟، من جانبها تحذر المعارضة من أن هذا يعد تلاعب بالانتخابات، وهي الآن تطالب بمقاطعة الاستفتاء. من المرجح أن تظل سياسة الأمن والدفاع موضوعًا محل نقاش مطول.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
سوريا والعدالة الانتقالية؟
سرى الحديث مؤخرًا عن العدالة الانتقالية فى سوريا فى مجالات عدة، ومن قبل الكثير من السوريين. واليوم ظهر واضحاً كيف يمكن تحقيقه فى أعقاب ثورة التاسع من ديسمبر الجارى. ولا شك أن هناك الكثير من السوريين ممن عرفوا بدورهم البارز فى الثورة السورية منذ اندلاعها لا سيما فى توثيق الجرائم والمطالبة بالعدالة الانتقالية ودعم حقوق الإنسان فى سوريا. واليوم ومع سقوط نظام «بشار الأسد» فى الثامن من شهر ديسمبر الجارى عاد الحديث من جديد عن مصطلح «العدالة الانتقالية» ليتصدر النقاشات الجارية التى تتطلع إلى المستقبل فى ظل بناء سوريا الجديدة.
فما هى العدالة الانتقالية؟ وما هى التجارب التى يمكن اعتبارها مرجعًا فى هذا المجال؟ وفى معرض الرد نقول إنه وفقًا لتعريف الأمم المتحدة فإن العدالة الانتقالية تغطى كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التى يبذلها المجتمع لفهم تركة تجاوزات الماضى الواسعة النطاق من أجل كفالة المساءلة وإقامة العدالة والعمل على ترسيخها وتحقيق المصالحة، والعدالة الانتقالية تهدف فى الأساس إلى الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضى على أنهم أصحاب حقوق. كما أنها تهدف إلى تعزيز الثقة بين الأفراد فى المجتمع الواحد. كما أنها تهدف إلى تعزيز ثقة الأفراد فى مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، وبالتالى تسعى العدالة الانتقالية إلى المساهمة فى تعزيز المصالحة ومنع أية انتهاكات جديدة.
الجدير بالذكر أن عمليات العدالة الانتقالية تشمل تقصى الحقائق، ومبادرات الملاحقة القضائية، كما تشمل مجموعة واسعة من التدابير التى تتخذ لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما فى ذلك الإصلاح الدستورى والقانونى والمؤسسى، كما تشمل تقوية المجتمع المدنى، وجهود إحياء ذكرى الضحايا، والمبادرات الثقافية، وصون المحفوظات، وتعليم التاريخ وفقًا لاحتياجات كل سياق. وفى معرض التوضيح تقول اللجنة الدولية للعدالة الانتقالية بأن العدالة الانتقالية تشير إلى الطرق التى تعالج بها البلدان الخارجة من فترات الصراع والقمع، وانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق أو المنهجية التى تكون عديدة وخطيرة للغاية بحيث لا يتمكن نظام العدالة العادى من تقديم استجابة مناسبة.
هذا وتشمل التدابير المستخدمة الملاحقات الجنائية، ولجان الحقيقة، وبرامج التعويضات، وإعادة الحقوق، والكشف عن المقابر الجماعية، والاعتذارات والعفو. كما تشمل إلى جانب ذلك النصب التذكارية والأفلام والأدب والبحث العلمي، وإعادة كتابة الكتب المدرسية ومراعاة التدقيق فيها، وتشمل أيضًا أنواع مختلفة من الإصلاحات المؤسسية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان. الجدير بالذكر أن العدالة الانتقالية اليوم لا تقتصر على المسار القضائى للتعامل مع الماضى فحسب، بل تشمل أيضًا المناقشات والمداولات على مستوى المجتمع بأكمله. كما انتقدت العدالة الانتقالية أحيانا بسبب أشكالها الجامدة إلى حد ما، ومؤسساتها ومحتواها المعيارى الذى يستهدف فقط نموذج «الديمقراطية الليبرالية».