ليس الأسد من يقف فى الصحراء وحيدا ويقول إننى أسد، ولكن الأسد الحقيقى هو من لم تأكله الذئاب، فمن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدم ومن لا يظلم الناس يُظلم، أى من لم يدفع عن نفسه الظلم يُظلم، فلا يكفى أن يكون معك الحق ولكن لابد للحق من قوة تحميه.
من هنا لابد أن نعد القوة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا يقول سبحانه وتعالى «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» الآية 60 سورة الأنفال.
والمقصود بالقوة هنا هى القوة الشاملة للدولة من الناحية العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية.
ولنا فى التاريخ عبرة، فمنذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان ومصر كانت تكتوى بنار المحنة التى واجهتها فى عام ١٩٦٧ وأضلعها تكاد تطبق على أنفاسها من شدة الصدمة وتكاد تشعر بماء القناة يتلاطم بالشاطئ الشرقى للقناة وكأنه يعبر عن حزنه العميق لاحتلال جزء غالٍ من أرض الوطن وهو أرض الفيروز سيناء الحبيبة وتحرك الزمان بتثاقل كبير وكأن الأرض فرت من ثوانيها، ومات عبدالناصر وتولى من بعده السادات، وعند تقديره للموقف كانت رؤيته أن ٩٩ فى المائة من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، وهذا ما يبدو من ظاهر المشهد، ولكن الواقع نطق بغير ذلك، فعندما تحركت الأسود من غرب القناة وهاجمت الذئاب المعتدية شرق القناة تحقق لنا ما أردناه من نصر وتحرير الأرض وتعدلت المعادلة وتحقق السلام.
هناك عبرة أخرى فى التاريخ، فمنذ عام ٢٠١١ وما سُمى بالربيع العربى حينما هبت رياح عاتية يصاحبها عواصف شديدة وكأنها تسونامى أراد أن يحطم المنطقة كلها ويتركها للغربان والبوم، وفى غفلة من الزمن استطاعت قوى الشر أن تقبض على مقاليد الحكم فــى مــصـــر ولــكن الشعب العظيم ومعه جيشه الوطنى القوى استطاع أن يضبط المعادلة مرة أخرى وأن يعيد الأمر إلى نصابه وتخلص من هذه القوى الشريرة.
إننا اليوم نواجه الكثير من التحديات وهى توابع تسونامى الشر الذى تحرك منذ عام٢٠١١ وإن بدا أنه قد هدأ بعض الشيء إلا أنه لن ينتهى إلا أمام القوة التى تستعد دائمًا لمواجهته، فعلينا أن نذكر أنفسنا بعبرة التاريخ، فمهما كانت التغيرات الدولية والإقليمية التى قد تبدو أنها غير مواتية إلا أن معادلة الحق والقوة هى المعادلة المنضبطة وهى التى تجعل أوراق اللعبة فى أيدينا، وليست فى أيدى غيرنا، شريطة أن نجتمع على قلب رجل واحد، وهنا لا يمكن لأى قوة مهما كان جبروتها وعنفوانها أن تواجه هذا الاصطفاف الوطنى ما دام معنا الحق والقوة.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
حين يزأر الحق؛ يرتجفُ عرشُ الطغيان
غيداء شمسان
في ساحةِ سياسة، حَيثُ تعربدُ قوى الشرِ وتتمددُ أذرعُ الطغيان، يأتي صوتُ الحق كالرعد القاصف، ليُزلزلَ عروشَ الظالمين، ويُعيد الأمورَ إلى نصابها، واليوم نشهدُ كيفَ أنَّ اليمنَ الأبيَّ، بِعزيمتِهِ وإيمانِهِ، أجبرَ المهرجَ ترامب على التراجعِ عن تهديداتِهِ، وأرغمَهُ على تغييرِ لهجتِهِ، والاعتراف بِقوةِ الحقِ التي لا تُقهر.
فبعد أن أعلن اليمن بصوت عالٍ، وبكلمات واضحة لا لبس فيها، أنه سيتدخل عسكريًّا إذَا فرض ترامب التهجير بالقوة على أهل غزة، تفاجأ العالم بتحول مفاجئ في خطاب الرئيس الأمريكي تحول من طاغية متجبر إلى متصالح متردّد، فبعد أَيَّـام قليلة من التهديدات والوعيد، وجدناه يُعلن بصوت خافت: “الولايات المتحدة ستدعم القرار الذي ستتخذه إسرائيل” يا للسخرية! وكأن ترامب لم يكن قبل أَيَّـام قليلة يُطلق التصريحات الطاغوتية والمجنونة ضد كُـلّ دول العالم، وكأنه لم يكن هو من يُملي القرارات على إسرائيل، ويُوجه سياساتها!
لكن، لا غرابة في هذا التراجع، ولا عجب في هذا التحول، فالأسد إذَا زأر، فما على المهرج إلا أن يرتجف ويختبئ، واليمن اليوم، هو الأسد الذي زأر في وجه الظلم، وأعلن للعالم أجمع أنه لن يسمح بانتهاك كرامة الأُمَّــة، ولن يتخلى عن فلسطين وأهلها، إنه صوت الحق الذي صدح به رجال آمنوا بعدالة قضيتهم، فاسترخصوا أرواحهم في سبيلها.
لقد أثبت اليمن للعالم أجمع أن القوة ليست في المال والسلاح فقط، بل هي أَيْـضاً في الإيمان والعزيمة والإرادَة، لقد أثبت أن دولة صغيرة محاصرة مُنهكة بالحروب قادرة على أن تُربكَ حسابات القوى العظمى، وأن تُعيد رسم خريطة المنطقة، لقد علم اليمنُ العالمَ درساً بليغاً في معنى العزة والكرامة، وألهم الشعوبَ المُستضعفةَ أنَّ النصرَ حليفُ منْ يثقُ باللهِ وبعزيمةِ أبنائهِ.
إن تراجع ترامب ليس مُجَـرّد حادث عابر، بل هو دليل قاطع على قوة اليمن، وتأثيره المتزايد في المنطقة، وهو أَيْـضاً رسالة إلى كُـلّ من يظن أن القوة هي كُـلّ شيء، وأن الحق يمكن أن يُداس بالأقدام، فالحق أقوى من كُـلّ قوة، والإيمان أعظم من كُـلّ سلاح، ومهما تجبر الطغاة، فإنَّ الحقَّ سينتصرُ في النهاية، وسيعودُ الحقُّ لأصحابهِ.
وها هو اليمن، رغم جراحه وآلامه، ينهض كطائر الفينيق من الرماد، ليُعلن للعالم أن الحياةَ لا تستقيم إلا بالحرية والكرامة، وأن الحق لا يموت طالما هناك من يدافع عنه، فسلام على اليمن، وشعب اليمن، وجيش اليمن، الذي يرغم الطغاة على التراجع، ويُعيد للأُمَّـة بعضًا من كرامتها المسلوبة، وسلام على كُـلّ من سار على درب الحق، ولم يلن ولم يستكن، حتى يتحقّق النصر، ويعود الحق إلى أهله.
اليمن اليوم ليس مُجَـرّد دولةٍ على الخريطة، بل هو رمز للعزة والإباء، وقصة تُروى للأجيال، عن شعبٍ لم يستسلم للظلم، ولم يتخل عن قيمه ومبادئه، وظلَّ صامداً شامخاً في وجه العاصفة، حتى أرغم الطغاة على التراجع، وأعاد للأُمَّـة بعضاً من كرامتها المسلوبة، فليتعلم العالم من اليمن، وليعرف أن الحق سينتصر في النهاية، وأن الظلم لا يدوم.