فوز ترامب وقانون بايدن لحماية المناخ
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
عندما دشَّن الرئيس الأمريكي جو بايدن قانون خفض التضخم الذي تبلغ مخصصاته 369 بليون دولار في عام 2022 دُهِش العالم. سبب الصدمة (والغضب) ليس شيئا آخر سوى أن هذا القانون وهو الأبرز للرئيس بايدن جاء من حيث لا حيث وبدا أنه معادٍ لحلفاء الولايات المتحدة. اللافت أكثر في القانون أن الدعومات التي يقدمها لمشروعات الطاقة الخضراء تستبعد بعض أصدقاء أمريكا كالاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية.
معظم هذا الاستثمار يحدث الآن في الولايات الحمراء (الجمهورية) وليس الزرقاء (الديمقراطية). أي تلك التي قد يتوقع الناس أن تكون متشككة في سياسات التغير المناخي وصوتت هذا الشهر لصالح ترامب. بعض تلك الولايات غالبا ما تكون لديها إجراءات تنظيمية متساهلة فيما يتعلق بأعمال البناء والتوظيف ما يجعل من اليسير ابتدار مشروعات استثمارية بها. العامل الآخر كما تذكر بوشي هو أن قانون خفض التضخم أُعِدَّ عن قصد لحفز الاستثمار في المناطق التي كانت تشهد تفكيكا لصناعتها و/ أو المحرومة. وهذه المناطق تميل أكثر نحو تأييد ترامب. بل ما هو أفضل أن القانون فتح المجال أيضا لجمع التمويل من رأس المال الخاص وشكل تحديا لمناطق العالم الأخرى. فالاتحاد الأوروبي سارع إلى تقديم حوافز استثمارية خاصة به وهو يضع في باله المخاطرة بفقدان الاستثمار الخاص لصالح أمريكا. وفعلت ذلك كوريا الجنوبية أيضا. لكن الجانب السلبي في القانون أن استحداثه أطلق رد فعل قوي من الجناح اليميني ضد السياسات المناخية على نحو ما تجسد في خطاب حملة ترامب الانتخابية الذي يتحدث عن فقدان الوظائف في الصناعات التقليدية. وفي حين يدفع ازدهار الاستثمار في الولايات الحمراء حكامها الجمهوريين إلى الإصرار على حماية برنامج قانون خفض التضخم (بسبب المنافع الاقتصادية التي جلبها لهذه الولايات) يتنامى نفوذ القوى اليمينية (المعارضة لسياسات التغير المناخي) وتتعزز ثقتها. في الأثناء وبصرف النظر عن أهدافه المناخية، أشرف بايدن على التوسع المستمر في صناعة الوقود الأحفوري. ففي عهده تم منح عدد أكبر من التراخيص لتطوير حقول النفط والغاز مقارنة بتلك التي حصلت عليها الشركات خلال إدارة ترامب السابقة. أناس عديدون وأنا منهم كانوا يفترضون أن السياسة المناخية ستكون فرصة مواتية للتعاون الجيوسياسي. لكن أثناء إدارة بايدن تحولت بدلا عن ذلك إلى مجال للتنافس الجيوستراتيجي المتزايد. والأكثر وضوحا أن الحكومة الصينية هيمنت بشكل فعال على معالجة المعادن الرئيسية والضرورية للتقنية الخضراء واستحوذت على الصدارة في انتاج أشياء مثل ألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية. تهدد إدارة ترامب باتخاذ موقف متشدد في هذا الجانب بفرض رسوم جمركية على الواردات الصينية. لكن الصين حتى الآن تتقدم على الولايات المتحدة بفارق كبير بحيث يبدو من المستبعد أن تلحق بها في أي وقت قريب. تواجه واشنطن الآن خيارا سيئا. فهي عليها إما التحول إلى الطاقة الخضراء بسرعة وبتكلفة زهيدة باستخدام التقنية الصينية أو شق مسارها الخاص بها بتكلفة أعلى وفي تلكُّؤ. وفي كلا الحالين أصبح المزاج السياسي غير مواتٍ ومن المستبعد أن يقود إلى خفض الانبعاثات الذي يحتاج إليه العالم بشدة. قد يحاجج متفائل بأن هذه مجرد انتكاسات بسيطة في المسار الذي يقود إلى التقدم. فبعد كل شيء، أوضح قانون خفض التضخم عمليا أن السياسة المناخية هي الآن في مركز الجدل في واشنطن. ويمكن القول إن ذلك يحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة. حتى في ظل رئاسة ترامب سيكون من الصعب جدا للقوى اليمينية (إعادة هذا الجِّنِّي إلى الجرّة) في أي وقت قريب بالنظر إلى النشاط الاستثماري للقطاع الخاص (في الطاقة الخضراء). على سبيل المثال، من المستبعد أن يتوقف إيلون ماسك، وهو داعم رئيسي لترامب، عن إنتاج السيارات الكهربائية. أيضا أثناء رئاسة ترامب الأولى مضت العديد من الشركات والحكومات البلدية قُدُما في تنفيذ خططها الخاصة بها والمتعلقة بالتغير المناخي دون الالتفات إلى السياسات الفيدرالية. وفي الغالب سيستمر ذلك خصوصا مع إجبار التغييرات في الأنظمة المحاسبية مثل تلك التي حدثت في أوروبا وكاليفورنيا الشركاتِ الكبيرة على الإبلاغ عن «بصماتها» أو انبعاثاتها الكربونية بصرف النظر عما يمكن أن تفعله (أو لا تفعله) لجنة البورصات والأوراق المالية الأمريكية. لكن صاحب النظرة المتشائمة سيقول الاقتصار على التحرك إلى الأمام ليس كافيا. فالمناخ يتغير بسرعة كما اتضح في ظواهر الطقس المتطرفة الأخيرة بحيث يلزم أن يتحرك واضعو السياسات بسرعة البرق لوقف احترار الكوكب. أكثر شيء محبط بشأن الجدل في الولايات المتحدة في نظر غير الأمريكيين عدم تراجع مستوى الشكوك في التغير المناخي وسط ناخبي اليمين حتى بعد كوارث الطقس الأخيرة. فولاية فلوريدا مثلا ضربتها الأعاصير مؤخرا لكنها من بين المناطق المتشككة في حقيقة التغير المناخي. وهكذا فأفضل التوقعات بالنسبة للسياسات الأمريكية حول المناخ تشير إلى أنها ستظل شديدة التناقض إن لم تكن خاطئة. وإذا استشهدنا بالقول المأثور الذي كثيرا ما يُنسب إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ربما هذه مجرد حالة أخرى من تلك الحالات التي دائما ما تفعل فيها الولايات المتحدة الشيء الصحيح بعد أن تجرِّب الخيارات الأخرى. لكنها إذا لم تفعل ذلك (الشيء الصحيح) سيعاني الكوكب. ولا يوجد وقت لإهداره. جيليان تيت محررة وكاتبة رأي في الفاينانشال تايمز. الترجمة خاصة لـ «عمان» |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة قانون خفض التضخم التغیر المناخی
إقرأ أيضاً:
خفض الانبعاثات إلى النصف خلال 5 سنوات لكسب معركة المناخ
في الثامن من يوليو/تموز، خلص اجتماع لكبار علماء العالم بالمملكة المتحدة، لمناقشة نقاط التحول المناخي إلى استنتاج مثير للقلق يتمثل في أن العالم يدخل منطقة خطر تُشكّل فيها نقاط التحول المناخي المتعددة مخاطر كارثية على مليارات البشر.
ولاحظت الخلاصة أن البشرية في "سباق حياة" لخفض انبعاثات الكربون، وتوسيع نطاق الحلول وبناء القدرة على الصمود لإدارة الصدمات المناخية المستقبلية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4انبعاثات عالمية قياسية للكربون رغم الجهود البيئيةlist 2 of 4دراسة تحذر من نفاد ميزانية كربون الكوكب بسبب الانبعاثاتlist 3 of 4أجزاء الأمازون المحمية تعوض الانبعاثات من بقية مناطقهlist 4 of 4الاتحاد الأوروبي يخطط لخفض قياسي للانبعاثات بحلول 2040end of listوحسب العلماء بات من الواضح الآن أن الحد من الاحتباس الحراري العالمي إلى حوالي 1.5 درجة مئوية، وهو أحد أهداف اتفاقية باريس للمناخ، أمر ضروري للحد من خطر تجاوز نقاط تحول متعددة.
ويبدو الكوكب على وشك الوصول إلى معدل 1.5 درجة مئوية على مدى طويل، وينبغي أن تختفي انبعاثات الكربون من اقتصاداتنا بشكل شبه كامل في غضون بضع سنوات فقط للحد بشكل كبير من خطر زعزعة استقرار كوكبنا بشكل خطير.
فكل طن من انبعاثات غازات الدفيئة له أهميته، وسيؤدي الفشل في تغيير الاقتصادات التي ما زالت تعتمد على الوقود الأحفوري إلى عواقب وخيمة على البشر والطبيعة.
ويمكن للعالم أن ينبعث منه 305 مليارات طن فقط من ثاني أكسيد الكربون، مع احتمالية بنسبة 50% فقط للاستقرار عند حوالي 1.5 درجة مئوية، والتي كانت تعتبر مستوى ما قبل الصناعة.
ويستنزف العالم "الميزانية الكربونية"، وهي كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكننا إطلاقها في الغلاف الجوي مع تجنب الوصول إلى عتبة حرارية معينة، بنسبة 1% شهريا.
وقد خلص تحقيق حديث أجرته منظمة "كليمات كولين" (مدقق المناخ) السويدية إلى أنه بدءا من عام 2025، يجب على العالم خفض الانبعاثات إلى النصف كل 5 سنوات كقاعدة عامة، وهي وتيرة تعادل انخفاضا بنسبة 12% تقريبا سنويا.
واستندت حسابات التحقيق إلى ورقة ميزانية الكربون لعام 2024 ومبادئ قانون الكربون، التي طُرحت لأول مرة عام 2017، كمسار علمي لتحقيق اتفاقية باريس للمناخ والحد من الاحتباس الحراري إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، بهدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية.
إعلانولا تزال الانبعاثات في ازدياد، ولم يتسع نطاق الاستثمار في تخزين الكربون في التربة والنباتات وفي أعماق الأرض بالقدر المأمول.
وحسب التحقيق، يجب أن تنخفض الانبعاثات بسرعة وعمق وبشكل دائم ابتداء من عام 2025، ورغم أن تحقيق انخفاض بنسبة 12% في الانبعاثات سنويا يعد أمرا صعبا، فإنه يُظهر الوتيرة والأولوية التي يجب أن نُوليها لإزالة الكربون للنضال من أجل 1.5 درجة مئوية.
وفي وقت يجادل البعض بأن العالم يجب أن يسير بخطى أسرع نظرا للمخاطر المحدقة بالكوكب، سيؤدي التوقف التام عن استخدام الوقود الأحفوري في غضون بضع سنوات بلا شك إلى انهيار اقتصادي، وهو ما سيفرز نتائج عكسية، إذ يؤدي إلى اضطرابات سياسية تُنذر بصراعات تقوض كل التقدم الحاصل.
ولذلك يعد إيجاد مسار واقعي في ظل هذه المخاطر تحديا كبيرا، ويبقى اتباع مسار لخفض الانبعاثات إلى النصف كل 5 سنوات محاولة معقولة للتغلب على هذا العالم الجديد المحفوف بالمخاطر.
هناك أدلة كافية على إمكانية خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 50% باستخدام التقنيات الحالية، ففي عام 2023، خفض الاتحاد الأوروبي انبعاثاته بنسبة 8.5%، وهذا يشير إلى إمكانية تحقيق تخفيضات واسعة النطاق في العديد من البلدان في وقت واحد.
وقد تحقق ذلك بشكل رئيسي من خلال تخفيضات في قطاع الطاقة، ولتحقيق تخفيضات بنسبة 12% سنويا، يلزم بذل المزيد من الجهود لخفض الانبعاثات في قطاعات الإنشاء (البناء) والنقل والأغذية والصناعة، ذات الانبعاثات العالية.
وتشير الدراسات إلى أن ما يحتاجه العالم بشدة هو قيادة سياسية وشراكات وتعاون لتسريع وتيرة العمل، في ظل مؤشرات مقلقة على التراجع وغياب المساءلة على كلا الجبهتين.
وقد أثارت الانتخابات الأميركية وتراجع الرئيس ترامب عن السياسات المناخية والبيئية تأثيرا متسلسلا في جميع أنحاء العالم، وعززت عودة الوقود الأحفوري، في الوقت الذي يُكافح فيه الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الواقع الجيوسياسي الجديد والحرب في أوكرانيا، وهذا يضع الاستدامة البيئية في مرتبة ثانوية.
كما تستغل بعض الشركات هذا السياق السياسي الجديد كغطاء للتخلي عن التزاماتها المناخية، وقد أظهرت دراسة حديثة لأهداف المناخ لعام 2030 شملت 1041 شركة، ونُشرت في المجلة الأكاديمية "نيتشر"، أن ما يقرب من 40% من الشركات أخطأت أو تخلت عن أهدافها من دون أي عواقب.
وقد صوّت تحالف البنوك المدعوم من الأمم المتحدة، "تحالف صافي الانبعاثات الصفري"، مؤخرا على إلغاء شرط مواءمة التمويل مع 1.5 درجة مئوية.
ومع ذلك يحظى العمل المناخي بدعم واسع النطاق. ففي استطلاع رأي شمل 130 ألف شخص من 125 دولة، ونُشر في فبراير/شباط من العام الماضي، أعربت نسبة هائلة بلغت 89% عن اعتقادها بأن على حكومات بلدانها "بذل المزيد من الجهود لمكافحة الاحتباس الحراري".
ونظرا لمخاطر نقاط التحول، تقع على البشرية مسؤولية أخلاقية للحد من الانبعاثات بأسرع وقت ممكن، ولم يتبقَّ سوى مستقبل جذري، فإما أن نُغيِّر مجتمعاتنا واقتصاداتنا بالكامل، أو أن يُسلِّم إرث جيلنا عالما مضطربا إلى الأجيال المقبلة.
إعلانويعني النضال من أجل 1.5 درجة مئوية الآن خفض الانبعاثات إلى النصف كل 5 سنوات، أي بنسبة 12% سنويا. ويجب على الدول والمجتمعات السرعة اللازمة التي يتطلبها العلم، من أجل مستقبل أفضل للكوكب وللأجيال المقبلة.