قائد الجيوش الموريتاني يزور المغرب على رأس وفد عسكري كبير
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
زنقة 20 | علي التومي
نظم الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية والفريق المختار بلة شعبان، قائد الأركان العامة للجيوش للجمهورية الإسلامية الموريتانية، مس الثلاثاء، زيارة خاصة بمدينة المهن والكفاءات بتامسنا التابعة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل.
وبالمناسبة، قدم مدير مدينة المهن والكفاءات على مسامع الوفد العسكري، عرضا عاما حول إمكانيات مدينة المهن والكفاءات، وكل أنواع التكوين، بما في ذلك البيداغوجيات المطبقة في هذه المؤسسة.
واطلع الوفدان، عن كثب على وسائل التكوين المهني المهمة التي تتوفر عليها المدينة، وذلك من خلال جولة إرشادية بمختلف المرافق، منها البنيات المشتركة، والفضاءات البيداغوجية والمنصات التطبيقية.
وتأتي هذه الزيارة للوفد العسكري المغربي والموريتاني على هامش الإجتماع الخامس للجنة العسكرية المختلطة المغربية-الموريتانية.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
مكتبة روان البلدية 1959-1964 (أو : سنوات التكوين)
المكتبة العامة في فرنسا إرث ثوري بالمعنى الصريح للكلمة. ففي نهاية القرن الثامن عشر، صودرت آلاف الكتب والمخطوطات من النبلاء وأديرة الرهبان وأديرة الراهبات، ووجب وضعها في مكان. وقد مثَّلت مكتبة بلدية روان التي افتتحت في الرابع من يوليو سنة 1809 جزءا من هذا التاريخ، تاريخ الإتاحة الديمقراطية للمعرفة.
غير أنها في أول الأمر كانت لا تفتح للعامة إلا بين العاشرة والثانية، ولا تفتح أبوابها أيام الأحد، ولم يكن من إجازة أسبوعية متاحة لأبناء الطبقة العاملة في غير الأحد. فنجم عن ذلك أن ظل رعاتها يتألفون لوقت طويل من النخبة وطبقة المثقفين. إذ قضى جوستاف فلوبير ـ على سبيل المثال ـ ساعات كثيرة فيها، ومكتبة روان هي التي دون فيها ملاحظاته عن قرطاجة القديمة من أجل رواية سالامبو [Salammbô]، وفيها قرأ فلسفة القرن الثامن عشر، وقرأ عن المغنطيسية، وعن الآثار السلتية، ومواضيع أخرى لرواية (بوفار وبيكوشيه) التي لم يكملها. وبعد قرن، وبعد الانتقال إلى مبنى جميل في الشارع نفسه يضم أيضا متحف روان للفنون الجميلة، لعبت المكتبة دورا مهما في تنشئة آني إرنو الثقافية أيضا. ومثلما يرد في هذه المقالة القصيرة المنشورة للمرة الأولى في عام 2021، كانت المكتبة تمثل لإرنو قدرات الأدب على تحقيق الحرية، مثلما مثَّلت لها قواعد الثقافة البرجوازية القمعية الغامضة. فالصراع الطبقي، والعار، والطموح، والجوع، والخيال، وسياسات المعرفة ـ أي الحطب الذي يوقد كتابات إرنو ـ اشتعلت جميعا في أوائل ما صادفته في مكتبة روان العامة.
فيكتوريا باينا
***
لولا زميل لي في فصل الفلسفة بمدرسة جان دارك لما دخلت مكتبة البلدية قط. ما كنت لأجرؤ. فقد كنت أحسب بشكل مبهم أنها لا تفتح أبوابها إلا لطلبة الجامعة والأساتذة. فقال لي زميلي في الفصل، إطلاقا، إنها مفتوحة للجميع، وبوسعك أن تجلسي فيها وتعملي هناك. كنا في الشتاء. وكنت حينما أرجع من المدرسة إلى غرفتي التي لا يزيد حجمها عن خزانة في سكن البنات الكاثوليك، أجدها مقبضة وباردة إلى حد رهيب. ولم يكن قصد المقاهي مطروحا، فأين النقود؟ وبدت فكرة العمل على مقالاتي الفلسفية، محاطةً بالكتب، في مكان لا شك أنه جيد التدفئة، فكرة آسرة. ولما دخلت المكتبة للمرة الأولى، في حياء وتصميم معا فيما أفترض، أذهلني السكون، ومرأى الناس إذ يقرأون أو يكتبون وهم جلوس إلى صف طويل من الطاولات المتراصة أسفل مصابيح متدلية. أذهلني الهدوء والانكباب على الدرس، وبدا لي في ذلك طابعٌ ديني. وتنسمت تلك الرائحة شديدة التفرد ـ القريبة قليلا من البخور ـ التي سوف أعيد اكتشافها لاحقا، في مكان آخر، ومكتبات جليلة أخرى. ذلك ملاذ يستوجب السير في حذر، كأنما على أطراف الأصابع، هو نقيض جلبة المدرسة وخطلها. عالم بديع صارم، قوامه المعرفة. لم أكن على علم بطقوسه فتحتم أن أتعلمها: كيف أرجع إلى فهرست البطاقات المقسمة إلى «مؤلفين» و«مواضيع»، وكيف أسجل أرقام الطلب بدقة، وكيف أودع البطاقة في سلة، ثم أنتظر لوقت طويل في بعض الأحيان، وأقصر في أحيان أخرى، مجيء الكتاب المطلوب. ألِفْت عادة التردد على المكتبة بانتظام وكتابة مقالاتي الفلسفية فيها. وفي عصر الإنترنت، ليس بوسع أحد أن يتخيل لذة فتح درج، والتعامل مع عشرات من بطاقات الفهرست، وفك شيفرتها ـ ومنها ما كان مكتوبا بخط اليد ـ والتنقيب في العناوين قبل المخاطرة بواحد منها. ثم تأتي أخيرا مفاجأة مقابلة الكتاب الذي طلبته، بشكله الخاص وغلافه. فمن أجل الكتابة في مسألة خلود الروح، تناولت مجلة (الميتافيزيقا والأخلاق). وكانت مجلداتها الضخمة ترجع إلى سنوات ما قبل الحرب ولعلها لم تكن فتحت منذ ذلك الحين. كان أمرا بهيجا. كنت أجلس وسط القراء الذين رأيتهم أساتذة أو طلبة علم متمرسين، فينتابني أحيانا شعور الخارج على القانون، وإن تبدد ذلك الشعور سريعا. وبقدر من الفخر، شعرت أني صرت في عداد «المثقفين».
بعد حصولي على البكالوريا، قلت وتيرة حضوري في مكتبة روان، نتيجة لعام مهم قضيت بعضه في إنجلترا. لكن في نهاية أكتوبر 1960، وقد انضممت إلى الصفوف الإعدادية لكلية الآداب (وكانت عائقا صعبا قبل الالتحاق بالتعليم العالي)، اكتشفتها مجددا بلذة هائلة. وجدت أنها لم تتغير. إذ توافد الطلبة، متشبثين بالمراجع التي اقترحها عليهم الأساتذة، على سجلات المكتبة فور خروجهم من محاضراتهم الأولى. وكنت أنا الأخرى متلهفة على المسارعة لاستعارة أكبر عدد ممكن من الأعمال المقترحة، لكي أعوض السنة التي فاتتني. كان بي توق إلى المعرفة. وكنت أعد الأساتذة محض أدلة، لأن القدر الأكبر من العمل ـ المؤلف من قراءة النصوص الأساسية والنقد ـ كان منوطا بي أنا. يكفي القول إن المكتبة احتلت موضعا حاسما في جدولي. ولكن اليوم الأول لمعاودة قراني بالمكتبة، شهد انتكاسة، إذ كانوا يوشكون على إقامة بناء يستمر ثلاث سنين، فتحتم نقل غرفة المطالعة إلى مكان آخر. تراءى لي امتداد لانهائي من الزمن، أسقطته على نفسي، وتساءلت: ماذا سيكون من أمري بعد ثلاث سنين من الآن؟ ماذا سيكون من أمرنا؟ كانت «الأحداث» مستمرة في الجزائر. وكنت قد اخترت خندقي: الاستقلال.
قاعة المطالعة المؤقتة تلك هي أوضح ما أتذكره. كنا نصل إليها من ميدان ريستوت عبر باب صغير يقع في جانب المبنى. بعده سلم يفضي إلى مدخل ـ أكان ذلك في الطابق الأول أم الثاني؟ ـ فيه تمثال مهيب لامرأة جالسة فوق قاعدة، وقدماها قريبتان في متناول اليد. فقد يجد زائر مشاغب أو غيره نفسه مدفوعا إلى دسِّ سيجارة بين أصابع قدميها، فتبقى ثمة لبعض الوقت. وعلى اليسار، غرفة القراءة الطويلة الضيقة عالية السقف، معلقة على جدرانها لوحات وقور. أعتقد أنه كانت بها ثلاث صفوف مزدوجة من الطاولات تواجه الواحدة الأخرى، فقد تكفي لمحة واحدة فور الوصول لكي تقيس مدى انشغال كل واحدة فيها. وكان المدخل، ونضد أمين المكتبة، وفهرست البطاقات، على منصة مرتفعة تفصله عن بقية قاعة المطالعة. فمن أقوى ذكرياتي وأوضحها صعودي وهبوطي على تلك الدرجات إلى النضد، مئات المرات.
كان رتل من السيدات الصارمات (اللاتي كنت أصفهن ـ بأعوام عمري العشرين ـ بأنهن «بلغن من العمر قدرا معينا») يصعدن إلى النضد. هنالك كانت تودَع استمارات طلب الكتب، ليتناولها موظفان. كانت وظيفتهما هي إحضار الكتب من الأرفف، التي لم تكن غامضة وحسب، وإنما نائية أيضا، قياسا على الوقت الذي كانا يقضيانه قبل الرجوع (بالكتاب المطلوب في أيديهم أو بدونه). أتذكر التعبير المدون على الاستمارة وكان يصيبني بالأسى ـ «مستعار». أما تعبير «مسحوب» فكان يُبقي لي نزرا من الأمل على الأقل. كان العاملان اللذان يرتديان زيا موحدا بلون أزرق سماوي (هل كنا نصفهما بالحارسين، أم المساعدين، أم الموظفين؟) يلعبان دورا مهما في أنشطة المكتبة اليومية. كانا الشخصين اللذين نتعامل معهما، واللذين نتهمهما بالتباطؤ أو حتى بالذهاب لتناول الشراب وسط رحلاتهما إلى الأرفف. أتذكر ذينك الموظفين بغاية الوضوح، قياسا إلى بقية العاملين في المكتبة، كلاهما ضئيل، واحد بني الشعر نحيل محمر الوجه متحفظ، والثاني ريان ناحل الشعر أزرق العينين ممتلئ الوجه. كان مألوفا ببهجته الدائمة، وكان بعض النساء يقلن إنه داعر.
كان قوام القراء بالأساس طلبة من كلية الآداب القائمة آنذك في شارع بوفوازين وكلية القانون القائمة في منحدر بوفري وكلتاهما كانت قريبة. طلبة ذوو خلفيات اجتماعية ممتازة (باستثناء عدد صغير من أصحاب المنح كنت منهم) كان المبلغ المخصص لهم من الدولة يكفيهم دون أن يضطروا للعمل بجانبه. ونادرا ما كنت ترى في المكتبة الطلبة الكثيرين المعيَّنين للمراقبة. كان بعض الشخصيات غير المألوفة يسكنون المكان، شأن ذلك الرجل الذي كان في الثلاثينيات من عمره، يرتدي معطفا طويلا لم يخلعه قط ويحمل زجاجة خاوية يضعها إما عند قدميه أو في مدخل أحد فصول الكلية بغض النظر عن المادة، بعد أن سجل جميع الدورات المقدمة، سطرا سطرا، في دفتره.
وبطبيعة الحال، كانت المكتبة مسرحا لألعاب غواية رهيفة، أشد خفوتا مما في ملاعب الطلاب الأخرى، وكانت الاستراتيجية الأساسية فيها تتمثل في اختيار مقعد مجاور أو مقابل للشخص الذي عليه العين. عملية معقدة، وتعتمد في الغالب على مدى ازدحام القاعة.
في ظاهر الأمر، ما من مدخل تنفذ منه سياسات العالم الخارجي الواقعية إلى المكتبة. لكننا كنا نعلم أن اختفاء طالب التاريخ على حين غرة إنما كان بسبب انتهاء فترة إعفائه من التجنيد ثم إرساله إلى الجزائر. وكنا نعرف أي جماعة من الطلبة متعاطفون مع المنظمة السرية المسلحة (1).
وكانت الحقائق الاجتماعية خفية هي الأخرى. كنت حينما أضيع الوقت في الهمس والثرثرة مع رفاق طاولتي، وأنا أفكر في الصبي الجالس أمامي أو مختلسة النظر إليه، أشعر بالذنب بعدها. لقد كان الملاذ الذي عثرت عليه في ذلك المكان وكتبه وهما. خلافا لأبوي لم أكن «أعمل بيدي». وإذا لم أجتز الامتحان فلن «يطعماني وأنا لا أعمل في شيء» على حد تعبيرهما، كنت سأضطر أن أجد عملا، مهما يكن ذلك العمل. لكن طموحي كان أن أجتاز الامتحان وأكتب. انتابتني هذه الرغبة في ما بين المدرسة الثانوية والكلية، وتلك هي فترة القلق على المستقبل التي قضيتها أعمل مربية في لندن. بدأت كتابة رواية في خريف عام 1962، وأنا أستعد للشهادتين المؤهلتين لدرجة البكالوريوس في الأدب الحديث. كان السكن الجامعي للطالبات قد افتتح في شارع هيربوفيل. ولم يكن مثل ذلك معروفا من قبل، بما يشي بالمكانة الفكرية التي كانت تحظى بها الفتيات في ذلك الزمن. حصلت على غرفة هناك، سعيدة بأنني لم أعد مرغمة على السفر بين إيفيتو وروان. وخلال السنتين التاليتين، شببت ونشأت في هذه المنطقة المحدودة من روان، وهي أقرب إلى مثلث مسحور تتألف زواياه من سكن شارع هيربوفيل وكلية شارع بوفوازين والمكتبة. رفضت دار نشر سوري روايتي. وحصلت على الشهادة وبدأت أطروحة الماجستير. كانت عن النساء والحب في السريالية. وقد برزت في المشهد الأكاديمي في ذلك الوقت، لكن أصعب مهمة واجهتني هي العثور على نصوص لبريتون وأراجون وديسنوس. فلم تكن كتب «نادجا» [لبريتون] وفلاح باريس والليبرالي [لأراجون] قد أعيد طبعها، ولم تكن متاحة في المكتبة. لكن في الأسابيع السابقة على إغلاق غرفة المطالعة المؤقتة، كان أكثر ما أردت الرجوع إليه هو الدوريات الطبية. ودوريات في موضوع محرم، هو الإجهاض. ولا يزال لدي المرجع، مدونا في دفتر «ج. ديسبوردس. السجلات الجراحية والطبية، نورماندي، يناير 1953، نورم ـ مم. 1065»، وقد كتبت عن ذلك في رواية «الحدث».
في فبراير من عام 1964، وجدت المكتبة الجديدة وقد تحولت، باتت الآن مشرقة حديثة الجماليات، ذات طاولات منفصلة، ومصعد كهربائي. شعرت بشيء من التيه فيها، والارتباك، إذ كان عليَّ أن أرحل إلى بورديو بنهاية العام الدراسي. وليست لدي ذكريات قوية عن الشهور القليلة التي قضيتها هناك.
كلما رجعت إلى روان، وإذا ما تصادف أن مررت بالمكتبة ورأيت الباب الصغير الموصد في ميدان ريستوت، فكرت في تمثال الغرفة الطويلة المغلقة، وفي الساعات الطوال التي قضيتها هناك. أنا واثقة من أنها من أكثر الساعات امتلاء وحسما في حياتي.
(1) المنظمة السرية المسلحة جماعة شبه عسكرية يمينية متطرفة تأسست في أوائل الستينيات، وشاركت في هجمات عنيفة واغتيالات في كل من الجزائر وفرنسا في محاولة لمنع استقلال الجزائر.
آني إرنو روائية فرنسية حصلت على نوبل في الأدب سنة 2022.
نشرت المقالة في ذي باريس رفيو، 9 ديسمبر 2024، بترجمة فكتوريا بايينا من الفرنسية إلى الإنجليزية