عن الفلسفة وأبرز الفلاسفة اليونانيين
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
سالي علي
تُعد الفلسفة اليونانية القديمة واحدة من أهم المراحل في تاريخ الفكر الإنساني، فهي ساهمت بشكل كبير في تشكيل أسس الفلسفة الغربية والفكر العلمي، كما أنها قدمت للبشرية أجمع عددًا من الأسماء الكبيرة التي لا يزال تأثيرها حاضرًا بحياتنا الفكرية حتى يومنا هذا.
لذا في هذه المقالة سنقوم بتفصيل أبرز الأفكار التي طرحها ثلاثة من أعظم الفلاسفة اليونانيين: سقراط، أفلاطون، وأرسطو، مع تسليط الضوء على مساهماتهم الفكرية
وسنبدأ مع سقراط (470-399 ق.
م) الذي عاش في أثينا، ولم يترك وراءه أي كتابات، فكُل ما نعرفه عنه قد جاء من تلاميذه، أهمهم أفلاطون، كان سقراط رجلًا غريبَ الأطوار بالنسبة للكثيرين، فقد كان يمضي أغلب وقته في الشوارع والمقاهي العامة يناقشُ النَّاس حول قضايا الحياة والأخلاق، كانت طريقة سقراط مُميزة في أنه لم يقدم إجابات جاهزة، بل كان يسألُ أسئلة عميقة تهدفُ إلى تحفيز التفكير النقدي لدى محاوريه، وهذه الطريقة تُعرف الآن بالطريقة السقراطية، وهي تعتبر أبرز إرث له في الفلسفة.
ركز سقراط على القضايا الأخلاقية وسعى لفهم معنى الخير والفضيلة بالنسبة له، فالفضيلة ليست مجرد تصرفات أخلاقية، بل هي معرفة، وقدب كان يرى أن الشخص الفاضل هو الشخص الذي يعرف ما هو الخير، وأن المعرفة تقود بالضرورة إلى السلوك الصحيح..
سقراط اعتقد بأن الإنسان لا يرتكب الخطأ بإرادته إنما يرتكبه بسبب الجهل، وهذا المنظور جعل من المعرفة الأخلاقية جوهر لكل النقاشات حول السلوك البشري
سقراط اشتهر بمحاكمته في أثينا بتهمة إفساد الشباب و عدم الإيمان بالآلهة. رغم أن العديد من تلاميذه ومواطنيه كانوا يحترمونه، إلا أن التحديات التي وجهها للنظام التقليدي أثارت الكثيرَ من الغضب ضده، وهو لم يدافع عن نفسه بشكل تقليدي أثناء المحاكمة، بل استخدم الفلسفة مرة أخرى لتوضيح أن المجتمع هو الذي يخطئ في فهمهِ، ولكن في النهاية حُكم عليه بالموت عبر تناول السُم، و ظل متمسكًا بمبادئه حتى لحظته الأخيرة.
أفلاطون (427-347 ق.م) وهو تلميذُ سقراط، أحد أعظم الفلاسفة الذين عرفهم التاريخ بعد وفاة سقراط، تأثر أفلاطون بشدة بأستاذه، لكنه انطلق في مسارٍ فلسفي مختلف بعضَ الشيء، فقد أسس الأكاديمية والتي تعتبر أول مدرسة فلسفية منهجية في التاريخ، كان أفلاطون غزير الإنتاج وكتبَ العديد من الحوارات التي تمثل جزء كبير من معرفتنا عن سقراط.
وأشهرُ ما يميز أفلاطون هو نظريته في المثل، وهي الفكرة القائلة بأن هناك عالمًا غير مرئي من الأشكال المثالية أو المُثل التي تُعد الأساسَ الحقيقي لكل ما هو موجود في العالم المادي، العالم الحسي
بحسب أفلاطون هو مجرد انعكاس غيرُ كامل لهذه المثل، فالمثل تمثل الحقيقة المطلقة، في حين أن الأشياء التي نراها حولنا ليست إلا نسخًا ناقصة!! وعلى سبيل المثال: كُل الأشياء الجميلة في العالم الحسي تعكسُ فكرة الجمال التي توجد في عالم المثل.
وفي كتابه الجمهورية، يعرض أفلاطون رؤيته للدولة المثالية، فهو كان يعتقد أن المجتمع يجب أن يُنظم بطريقة هرمية حيث يكون الفلاسفة على القمة، لأنهم وحدهم يمتلكون المعرفة الضرورية للحكم بعد فهمهم للمثل. الدولة المثالية عنده تتألف من ثلاثة طبقات: الفلاسفة الذين يحكمون، والمحاربين الذين يحافظون على الأمن، والعامة الذين ينتجون ويعملون، هو كان يعتقد أن العدالة هي أن يقوم كل فرد بما يتناسب مع طبيعته وقدراته.
أفلاطون قدم فكرة فريدة عن الحب، خاصة في كتابه "المأدبة"؛ حيث يتحدث عن الحب الأفلاطوني، هذا النوع من الحب لا يتعلق بالجسد، بل بالروح والفكر. الحب عند أفلاطون هو نوع من الحافز الذي يدفع الإنسان نحو المعرفة والتأمل في الحقيقة والمثل.
أرسطو (384-322 ق.م) وهو تلميذ أفلاطون ومؤسس مدرسة : الليسيوم، كان واحدًا من أعظم العقول التي أثرت في الفكر الغربي، اختلف أرسطو عن أفلاطون في كثيرٍ من الأمور، وكان يُعتبر رجلًا علميًا بامتياز، حيث تناول موضوعات مثل المنطق، الفيزياء، الأحياء، والسياسة.
ومن أهم مساهماته بالفلسفة كان بتطويره لنظام شامل للمنطق، وهو النظام الذي ظل مسيطرًا على الفكر الغربي لعدةِ قرون، وضع أرسطو أسسًا لما يُعرف الآن بالمنطق الصوري، وهو طريقة لفحصِ الحجج وتحديد ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة بناءً على بنيتها، فالمنطق الأرسطي استند إلى مفهوم القياس، وهو وسيلة لاستنباطِ استنتاجات من مقدمات
أرسطو كان مهتمًا بشكلٍ كبير بالعالم الطبيعي، وقد أنتجَ أبحاثًا كثيرة في مجالات الأحياء، الفيزياء، وعلمِ الفلك، ففي علم الأحياء على سبيل المثال، كان أرسطو من أوائل من صنفوا الكائنات الحية بناءً على خصائصها، ورغم أن العديد من أفكار أرسطو العلمية تم تجاوزها مع تقدم العلوم الحديثة، إلا أن تأثيرهُ كان عظيمًا في عصره وظل مرجعًا أساسيًا لقرونٍ عدة.
أما في الفيزياء، فقد حاول تفسير الظواهر الطبيعية مثل: الحركة والتغير، وقدم فكرة : الأسباب الأربعة التي اعتبرها أساسًا لفهم أي شيء في العالم: السبب المادي (ما تتكون منه الأشياء)، السبب الصوري (شكل الأشياء)، السبب الفعال (ما يسبب التغير)، و السبب الغائي (الغاية من وجود الشيء).
أما بالنسبة للفلسفة الأخلاقية، فأرسطو قدم فكرة "الوسط الذهبي"، وهي فكرة تقوم على أن الفضيلة تكمنُ في التوازن بين الإفراط والتفريط، فالفضيلة عند أرسطو ليست مجموعة من القواعد الصارمة إنما هي حالة من الاتزان التي يسعى الإنسان لتحقيقها في حياته اليومية، وعلى سبيل المثال، الشجاعة هي التوازن بين الجبنِ والتهور.
وفي السياسة أرسطو كتب عملهُ الشهير جدًا "السياسة"؛ حيث قدم فيه رؤيته حولَ أفضلِ أشكال الحكم، فهو كان يرى بأن الدولة المثالية هي تلك التي تحقق خيرَ المجتمع وتضمنَ سعادة المواطنين، وهو بذلك على عكس أفلاطون الذي اقترح نظامًا هرميًا صارمًا، فقد كان أرسطو يؤمن بأن النظام السياسي الأمثل يجب أن يعتمد على تحقيق التوازن بين مصالح الطبقات المختلفة.
ورغم أن أرسطو عاش في زمن قديم، إلا أن تأثيره امتد على مدى قرون طويلة بعد وفاته، فأعماله أثرت بشكلٍ كبير في الفلسفة الإسلامية خلال العصور الوسطى، حيث اهتمَ بها الفلاسفة المسلمون مثل: الفارابي و ابن رشد الذين قدموا شروحات وتفسيرات لأعماله، كذلك نقول بأنه كان لأفكاره تأثيرًا كبيرًا في النهضة الأوروبية وفي تطوير الفكر العلمي الحديث.
تأثير الفلسفة اليونانية على الفكر الغربي
لقد ترك الفلاسفة اليونانيون الثلاثة سقراط وأفلاطون وأرسطو أثرًا عميقًا على الفلسفة الغربية والتي استمرت في التطور على مر العصور.
ووضع سقراط الأسس الأولى للتفكير النقدي والحوار الفلسفي، بينما أفلاطون طور رؤية فلسفية متكاملة حول الحقيقة والمجتمع والدولة. أما أرسطو فقد قدم نظامًا شاملًا للفكر الفلسفي شملَ مجالات متعددة من المعرفة.
سقراط وأفلاطون في الفلسفة الإسلامية
الفكر اليوناني لم يقتصر تأثيره على الغرب فحسب، بل امتد ليشمل العالم الإسلامي. فلاسفة مثل الفارابي و ابن سينا و ابن رشد قاموا بدراسة وترجمة أعمال أفلاطون وأرسطو، وأضافوا إليها شروحاتٍ وتفسيرات جديدة، مما أثر على تطور الفكر الفلسفي الإسلامي. وعلى سبيل المثال، تأثر الفارابي بشكل كبير بأفلاطون وأرسطو، حيث دمج بين أفكارهم والفكر الإسلامي في محاولاته للتوفيق بين الفلسفة والدين. ابن رشد أيضًا بدوره قام بترجمة وتعليق على أعمال أرسطو، وكان يُعتبر المعَلق الأكبر لأعماله في العصور الوسطى.
أثر الفلسفة اليونانية في العصور الحديثة
مع تقدم العصور الوسطى ودخول عصر النهضة، أُعيدَ اكتشاف الفلاسفة اليونانيين من خلال الترجمات العربية لأعمالهم التي انتقلت إلى أوروبا وأصبحت أفكار سقراط وأفلاطون وأرسطو بمثابة مرجِع أساسي للفلاسفة والمفكرين الأوروبيين ممن سعوا إلى استعادةِ الفكر العقلاني والعلمي الذي كان مزدهرًا في الحضارات القديمة.
أفلاطون بفلسفته المثالية، كان له تأثير كبير على الفلسفات السياسية والاجتماعية الحديثة، بينما أفكار أرسطو في السياسة والأخلاق كانت بمثابة حجر الأساس الذي بُنيت عليه الكثير من النظريات الحديثة حول الحكم والمجتمع.
لذا ختامًا أقول إن الفلسفة اليونانية القديمة قدمت مجموعة من الأفكار والتصورات التي ساهمت في تشكيل مسار الفكر الإنساني، سقراط كان الرائد في تحفيز التفكير النقدي، بينما أفلاطون قدم رؤية فلسفية متكاملة عن المثل والدولة المثالية، أما أرسطو فساهمَ في تطوير الفلسفة الطبيعية والأخلاقية والسياسية تأثير هؤلاء الفلاسفة لم يكن محصورًا في زمانهم فقط، بل امتد على مر العصور وشمل الثقافات المختلفة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: على سبیل المثال
إقرأ أيضاً:
الربيع الذي ما يزال شامخا
فُتن "بشار الأسد" بأنه ظل الرئيس العربي الوحيد الذي نجا من طوفان المظالم الشعبي الذي انفجر في نهايات 2010م واستمر في 2011م وما يليها؛ فقد أطاح "الربيع العربي" بأربعة رؤساء جمهورية عرب دفعة واحدة، واستطاع دولاب الدول المسمى ظلما بـ"العميق" فيما "الفاسد" أفضل لفظ جدير به؛ في تونس ومصر واليمن وليبيا الاستعصاء والتماسك حتى بعد اجتثاث رؤوسها، وكانت مصيبة الأسد الابن أنه "صدّق" أنه متماسك مع نظامه؛ ولم ينظر أبعد من أصبع قدميه. و"تناثر" السوريون الثائرون في العالم كزجاجة عطر تبحث عن مَنْ يجمع أريجها؛ فلم يستشعر "بشار" ولو أقل اليسير من وخز الضمير، ولما أوشك نظامه على التداعي به في 2015م افتدى نفسه ونظامه بالسماح للروس باحتلال جزء عزيز من بلاده ليحلق طيرانهم منه ليحميه ويقتل ويبيد شعبه؛ ولاحقا صار المسئول الروسي يدخل القاعدة العسكرية التابعة لبلاده في سوريا علنا؛ فـيجذب "الأسد الصغير المفترض" لئلا "يساويه"!
وافق "بشار" على النفوذ الأمريكي والإيراني بعد الروسي في بلاد المفترض أنه يحكمها على طريقة "المركب بتغرق يا معلم"؛ فيرد الأخير باطمئنان على صبيه: "يكفي أنك ما تزال تقول لي يا معلم"؛ لكن "المعلم الشبل المزيف" ظن أنه باقٍ لأبد الدهور، وورث الاستبداد عن أبيه الذي أطاح بأكثر من عشرين ألف ثائر ضده في حماة عام 1982م؛ واستمر بعدها في الحكم ما يقارب العقدين دون أن يهتز له جفن أو "تتمغص بطن له"؛ لكن "حنكة إجرام" المعلم الكبير افتقدها "الوحش الصغير" فتمادى بطيش في التورط بالدماء، وظن أن الكرسي والغرب وروسيا وإيران يدومون له!
وبدلا من تفهّم موقفه تعود بشار "الهرطقة" بما لا يفهم -هو نفسه- أو يعقل أحد غيره، فمن أنّ التعليم في بلاده خرّج له مليون إرهابي؛ إلى أن الحل للخروج من الأزمة أن يسامح القتيل القاتل ويلقي الجميع السلاح -فيما هو مستمر في قتل شعبه بلا هوادة حتى أثناء التصريح الأخير- وأن الدين لا ينفصل عن السياسة لأنه لا ينفصل عن المجتمع، وكأنه "يعترف" في تصرفاته بالدين أو السياسة بشكل عملي؛ وهو الذي رعى البراميل المتفجرة التي تلقى على رؤوس أهل بلده؛ والشبيحة الذين يغتصبون النساء وينتهكون حياة الذين بقوا من الرجال.
تجاوز "بشار" فتنة نفسه -التي يعاني تداعياتها الآن- لفتنة السوريين منذ عام 2000م حتى ممن تجاوزوا الخمسين، وزادت فتنته بعد 2011م، سخروا من حراكهم، وألحد وكفر بالله شباب غض في مقتبل العمر تذكروا بمرارة صراخهم بالآلاف: "يا الله.. يا الله ما لنا غيرك يا الله"، ولم يكونوا يعلمون أن غد الأوغاد قادم ولو بعد نحو 14 عاما، وأن أعمار الثورات لا يقاس بعشرات الأشهر؛ وكأن "بشار" لا يقرأ التاريخ، فلا يعرف أن النظام العالمي لفظ من قبله "شاه إيران"، و"السادات"، و"صدام حسين"، "تشاوشيسكو" وغيرهم الكثير فلطالما افتقد الطغاة للهدف منهم كان مكانهم سلة مهملات التاريخ!
ومن جانب آخر، أذكر أننا حينما كنا ندرس التاريخ في نهاية المرحلة الابتدائية كنا نستعجل الوصول لنهاية ثورة "أحمد عرابي" -رحمه الله- فاختصر المعلم الطريق علينا قائلا: "ستفشل هذه، وتأتي من بعدها ثورة 1919م، وهي أكثر عراقة واستفادة من أخطاء سابقتها لكنها ستفشل -أيضا- ثم في النهاية ستأتي ثورة 1952م لتنجح"؛ وبعيدا عن الجزم بفشل ثورتي 1882م، و1919م، وكون 1952م ثورة إلا أن من أوائل دروس التاريخ التي تشربها جيلي أن الثورات تبدأ، فتحلق، تنخفض أو ترتفع، لكنها لا تموت، ويكفي أن انتفاضة عام 1977م المصرية كانت إرهاصا بثورة قوية ضد الظلم، وأن الرئيس الراحل "أنور السادات" حسب أنه وأدها؛ فكان أن انفجرت في 2011م بوجه المخلوع مبارك لمّا استمر على نهج سابقه بل "أبدع" أكثر في عدم احترام المصريين، وكذلك كانت الثورة السورية مشتعلة أسفل تربة القهر منذ "حماة 1982م".
إن كل يائس من نجاح الحراك الثوري في مصر وليبيا واليمن غير مدرك بأن الأقدار ترتب لنجاحات أخرى مقبلة، وأنها لو تأخرت فليس معنى هذا عدم مجيئها بل إنها ستكون صدمة عميقة للطغاة وفرحة أعمق للمعذبين!