خطوة عمانية جريئة نحو الاستثمار الثقافي والفني
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
يتكرر الحديث عن أمر مرتبط بالحركة المسرحية، وهو موضوع «شباك التذاكر»، وإن لم يكن الحديث بارزًا كثيرًا فـي وسائل الإعلام، إلا أنه إشكال يلازم المسرحيين كثيرًا، فهل تنجح خطط الاستثمار الثقافـي والفني سلطنة عمان، وخاصة فـي العروض المسرحية لتحمل الفرق المسرحية نفسها، وتطوي صفحة «الدعم» المنتظر من الجهات الحكومية والخاصة، أم يبقى موضوع شباك التذاكر تحديا لن يُحلَّ قريبًا؟ وهذا ما يحيلني بالذاكرة إلى تجربة مسرحية «ولد البلد» التي أقيمت على مسرح مدينة العرفان من تقديم شركة «أكاسيا» التي تكبدت حينها خسائر كبيرة وتمت تسوية الأمر بطريقة ودية، كما أخبرنا فـي حوار صحفـي سابق الفنان مالك المسلماني صاحب الشركة.
ما أثار فكرة الحديث عن هذا الموضوع من جديد ما يتم تداوله اليوم على نطاق واسع فـي مواقع التواصل الاجتماعي، إذ سيقدم الفنان الكويتي خالد المظفر مع فريق عمله العرض المسرحي الكوميدي «الأول من نوعه»، وذلك على مسرح مدينة العرفان بواقع عرضين فـي يوم واحد، الخميس 21 نوفمبر، عن طريق الشركة المتعهدة العمانية «ومض للخدمات الفنية»، وهو عرض حقق انتشارا واسعا، إذ جاب دول مجلس التعاون وقد عرض أكثر من 200 مرة على مختلف المسارح، ما يعني نجاحه فـي تحقيق الانتشار والقبول. وتكاد التجربة أن تكون الأولى من نوعها، بأن تستثمر شركة محلية فـي عرض كويتي جماهيري تقيمه فـي أكبر مسرح فـي سلطنة عمان، ويعني ذلك أن على الشركة تحمل كافة تكاليف العرض لفريق خالد المظفر، سواء باعت كل التذاكر وحققت الربح المرجو، أم لم تحقق ذلك، وهذا ما يمكن اعتباره مجازفة من شركة «ومض»، فهل ستكسب الرهان؟ وفـي التالي يتحدث لـ«عمان» المعتصم البلوشي الرئيس التنفـيذي لشركة «ومض للخدمات الفنية» متطرقا إلى هذه الاستضافة: ربما من المجازفة تعهد شركة محلية عمانية بعرض مسرحي جماهيري، كيف جاء التخطيط لاستقطاب العرض الكويتي «الأول من نوعه»؟ التخطيط كان مسبقًا بمدة، وكان هناك تواصل أيضا مع شركة المُنتجة للعرض، وقُمنا بالذهاب للكويت لمشاهدة العرض، وبعد المشاهدة وجدنا أن هذا العرض مميز فـي كافة العناصر المسرحية بدايةً من الفكرة مرورًا بالنص والإخراج والأداء الفني العالي الذي توّج روح ورسالة العرض الأول من نوعه، وأتى قرار التعهد وجلب العرض لسلطنة عمان بعد القناعة التامة والنقاشات مع الشركات المُنتجة والنجم خالد المظفر. يدخل هذا المشروع ضمن الاستثمار فـي الفن، مبدئيا كيف ترون الإقبال على شراء التذاكر؟ نعم، هو فـي دائرة الترفـيه بشكل أدق، ومن ممكن أن نضيف عليه أيضا الجانب الثقافـي والفني، وهي تجربة أولية سنقوم بتقييمها بشكل دقيق بعد العرض، فـيما يخص التذاكر فهناك إقبال جيد عليها وحركة مميزة فـي الشراء من قبل الجمهور العماني المُحب للفن والمسرح والدراما. هل من الممكن قياس مدى نجاح التجربة قبل أن يبدأ العرض؟ من الممكن قياس ذلك من خلال حجم الخطوة فـي جلب عرض مسرحي حقق النجاحات على المستوى الخليجي بشكل كبير، على مستوانا سيكتمل قياس نجاح العرض بعد نهايته وآراء الجمهور وتفاعل الناس مع العرض، هنا سيكتمل التقييم ونستطيع أن نقول إن التجربة قد لاقت القبول والنجاح فـي سلطنة عمان. الموضوع بحاجة إلى خطة تسويقية بطبيعة الحال، ما سبل الترويج التي تتبعونها؟ خطة التسويق كبيرة، كانت معتمدة بشكل كبير على التسويق فـي الفعاليات، والزيارات واللقاءات الميدانية والوصول المباشر للجماهير، كذلك استخدام منصات التواصل الاجتماعي والتعاون مع بعض الحسابات الإخبارية والمشاهير مع وجود بعض الأنشطة التسويقية الأخرى. النجومية هي من تستقطب الجمهور، وخالد المظفر صنع نجوميته على مستوى الخليج العربي، كيف جاء اختيار عرض المظفر تحديدا؟ تم اختيار العرض بناءً على النص والفكرة والإخراج والطاقم الفني ورسالة العرض التي شقت طريقها بكل إنسانية وحب لتلامس الجمهور الخليجي بشكل عام. الرعايات مهمة فـي إنجاح أية مبادرة، ما الجهات الراعية ، أو الجهات التي تم التعاون معها فـي سبيل إنجاح هذه التجربة؟ نستطيع القول إنها شراكات لتكون الكلمة أكثر عمقًا ودلالة، فلدينا شراكة مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وكذلك شراكة مع وزارة التراث والسياحية، وشركة عمران متمثلة بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، وكذلك شركة تم دن، وشركة ثمريت العالمية متمثلة فـي العلامة التجارية كناري بسمتي. حدثنا عن شركتكم المتعهدة، التأسيس والمشاريع الفنية المنفذة، وعن التجارب السابقة المشابهة لتجربة «الأول من نوعه». نحن شركة ومض للخدمات الفنية، نقدم الخدمات الفنية فـي مجال الإنتاج المرئي والتصور والأعمال الوطنية الغنائية وخدمات صناعة المحتوى، وتعد تجربة «الأول من نوعه» هي الأولى لنا فـي مجال المسرح والترفـيه. هل يمكن اعتبار شركتكم هي الشريك العماني لفريق خالد المظفر؟ بمعنى آخر هل سنشاهد جميع العروض القادمة له على المسارح فـي سلطنة عمان؟ نعم، نحن المتعهدون الرسميّون للفنان خالد المظفر فـي سلطنة عمان، فكرة جلب عروضه قادمة هي فكرة قائمة والعمل عليها قائم، وسنعمل على إثراء الساحة بالعروض المسرحية المميزة. ما خطة الشركة المستقبلية لاستقطاب العروض المسرحية الجماهيرية؟ هناك أفكار كثيرة على الطاولة ولا نستطيع أن نصرح بها حتى يتم الانتهاء من التجربة الأولى وتقييمها بشكل مميز، ومن ثم الانطلاق حول التجارب الأخرى. المعروف أن الكويت رائدة فـي العروض المسرحية الجماهيرية، هل تتجه أنظاركم للمسرح الكويتي مستقبلا؟ نعم، الأنظار متجهة للمسرح الكويتي خاصة والخليجي بشكل عام، وسنعمل كذلك على تمكين العروض العمانية لتكوين وتحسين التجربة العمانية، لأننا نمتلك مواهب وفرقا مسرحية مميزة جدًا لها صولات وجولات ونجاحات فـي المسارح الأكاديمية. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العروض المسرحیة فـی سلطنة عمان الأول من نوعه
إقرأ أيضاً:
جـورج باتـاي.. فيلسوف الأدب والـمستحيـل
الفاهم محمد
جورج باتاي (1897-1962) مفكر فرنسي يصعب تصنيفه ضمن تخصّص واحد، حيث تتداخل في أعماله الأدب والفلسفة والاقتصاد والتصوف بطرق مبتكرة. عُرف باتاي بأفكاره الجريئة حول مواضيع مثل العنف والطقوس والكتابة والموت.. وهي مواضيع تستهدف في المجمل استكشاف التجربة الإنسانية على حافة الوجود. يتميز باتاي بابتكاره لجهاز مفاهيمي فريد، يُعتبر من أهم إسهاماته الفلسفية. من بين هذه المفاهيم: «الحصة الملعونة» التي تُبرز دور الفائض والإنفاق غير المنتج في الاقتصاد، و«المستحيل» الذي يعكس سعي الإنسان الدائم نحو تجاوز الحدود المادية والروحية.. وغيرهما.
هذه المفاهيم لا تُساهم فقط في فهم التجربة الإنسانية بشكل أعمق، بل تُقدّم أيضاً أدوات تحليلية لفهم الظواهر الاجتماعية والثقافية المعاصرة، مما يجعل فكر باتاي ذا أهمية كبيرة في الفلسفة والنقد الثقافي. ويمكن صياغة التساؤلات الأساسية التي يدور حولها فكره فيما يلي: تُواجه أفكار جورج باتاي عدداً من الانتقادات المهمة. أولاً، يُعتبر أسلوبه في الكتابة غامضاً وغير واضح، مما يجعل أفكاره بعيدة عن الجمهور العام. يُشير النقاد إلى أن هذا الغموض قد يحول دون فهم رسالته بشكل فعّال. ثانياً، يُنتقد باتاي لتركيزه المفرط على العنف كجزء من التجربة الإنسانية، مما قد يُعزز من النظرة السلبية تجاه البشر. ومع ذلك، يُبرر مؤيدوه أن العنف يمكن أن يُعتبر وسيلة للتعبير عن الحرية والرغبة في الوجود. وأخيراً، يُنتقد باتاي لعدم تقديمه حلولاً عملية لمشكلات العنف والشر، مما يجعل أفكاره تبدو نظرية بحتة. في حين يعتبر مؤيدوه أن تركيزه على التحليل الفلسفي، هو جزء أساسي من فهم الظواهر بشكل أعمق قبل البحث عن الحلول.
كيف يمكن للفائض أن يكون مصدراً للتوازن الاجتماعي والاقتصادي، رغم كونه «ملعوناً» من وجهة نظر الاقتصاد التقليدي؟ ما حدود الحرية الإنسانية؟ وكيف يمكن أن يُعبّر العنف عن رغبة الإنسان في التحرر من القيود؟ وكيف يُعيد باتاي تعريف العلاقة بين الجسد والروح؟
يُعتبر مفهوم «الاقتصاد العام» من أبرز أفكار جورج باتاي. في كتابه «الحصة الملعونة» (LaPart maudite). من خلاله يُسلط باتاي الضوء على الفارق بين الاقتصاد التقليدي، الذي يركّز على الربح والكفاءة والمردودية، وبين الاقتصاد العام الذي يتناول الفائض والطاقة الزائدة. وفقاً لباتاي، يجب أن يُستهلك جزءٌ من الثروة بطرق غير مربحة، وهذا الجزء الذي لا يدخل ضمن المنطق الاقتصادي التقليدي، هو ما يطلق عليه «الحصة الملعونة».
إنه جزء من الثروة يجب أن يُهدر، أو يُستخدم بطريقة غير منتجة، على الأقل بالمعنى المادي المباشر كما هو في النظام الاقتصادي. في فكر باتاي، تدخل هذه الحصة في مجالات غير ربحية كالاحتفالات والفنون، وبالتالي ينظر إليها باعتبارها إنفاقاً ملعوناً من وجهة نظر الاقتصاد التقليدي. غير أن باتاي يرى أن هذا الإنفاق والتبديد للخيرات ضروري لتحقيق التوازن داخل المجتمع.
من الملاحظ أن هذه الحصة الملعونة، لعبت دوراً إيجابياً في المجتمعات التقليدية. لأنها منعت تراكم الفائض بشكل مفرط معزّزة الوحدة والتضامن بين أفراد المجتمع. أما في المجتمعات المعاصرة، فتتجلى نماذج تطبيقات هذا المفهوم في مجالات عدة. على سبيل المثال، في عالم الموضة السريعة، تُهدر كميات كبيرة من الملابس كل عام في سياق إنتاج غير مستدام، مما يُعكس كيف أن الفائض يُعتبر عبئاً بيئياً.
أيضاً، في مجال التكنولوجيا، تُتلف الأجهزة الإلكترونية سريعاً نتيجة للإنتاج الزائد والابتكار المستمر، مما يؤدي إلى تزايد النفايات الإلكترونية.
وهكذا توفر حقبة ما بعد الحداثة والرأسمالية المتأخرة، أرضاً خصبة لفحص أفكار باتاي. فالإفراط الاستهلاكي الحديث غالباً ما يفتقر إلى الأبعاد المقدسة أو المجتمعية، التي حددها باتاي في أشكال الإنفاق السابقة. إنه إفراط احتفالي مشهدي، يدور في فلك الاستهلاك والترفيه. المستحيل وتجاوز الحدود في كتابه «المستحيل» L’Impossible، يقدم جورج باتاي تأملات فلسفية عميقة حول طبيعة المستحيل ودوره في التجربة الإنسانية. يتناول باتاي كيف أن السعي نحو ما هو غير ممكن، هو ما يشكِّل جوهر الوجود البشري.
على سبيل المثال ليست الرغبة مجرد حاجة مادية، بل هي قوة دافعة تدفع الأفراد للبحث عن الاتصال الروحي، والتجارب التي تتجاوز حدود الواقع. يقول باتاي: «إن التجربة الإنسانية الحقيقية توجد ما وراء المستحيل» مما يعكس إيمانه بأن ما يُعتبر مستحيلاً هو ما ينقل الإنسان إلى عمق تجربته. علاوة على ذلك، يُبرز باتاي في «المستحيل» فكرة العبثية، حيث يُعتبر السعي نحو غير الممكن، هو ما يجسّد التوترات الوجودية للإنسان، الذي يعيش في حالة من التناقض بين الممكن والمستحيل. كما تتناول كتاباته فكرة الطقوس والتجربة الروحية، حيث يُعتبر السعي نحو المستحيل تعبيراً عن الحاجة للاتصال بالمقدس. في كتابه «التجربة الداخلية» يشير إلى أن «التعالي هو في قلب التجربة الإنسانية».
هذا يُظهر كيف أن الطقوس تُعتبر وسيلة للتواصل مع ما هو غير مرئي، مما يعكس رغبة الإنسان في تجاوز محدودياته. هكذا يمكن اعتبار مفهوم المستحيل L’Impossible كتأمل فلسفي متكامل يُعبّر عن صراعات الإنسان مع الرغبة، والاتصال الروحي. فالمستحيل ليس مجرد غياب للقدرة، بل هو قوة دافعة تُثري التجربة الإنسانية، وتفتح آفاقاً جديدة للفهم. الأدب والشر يعتبر باتاي أن الأدب نافذة لاستكشاف الجوانب المظلمة من النفس البشرية، حيث يربط بين الأدب والشر بطريقة عميقة ومعقدة.
في كتابه «الأدب والشر» (la Littérature et mal)، يسلط الضوء على كيفية تجسيد الأدب للعنف والرغبات الجسدية، ويعتبرهما جزءاً لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. بالنسبة لباتاي، فإن الأدب ليس مجرد وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل أداة قوية لفهم الصراعات الداخلية التي يعيشها الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، يُظهر كيف أن الأدب يمكن أن يكون وسيلة لاستكشاف الشر من منظور فلسفي. فمن خلال تقديم شخصيات معقدة ومتناقضة، يُبرز الأدب كيف أن الشر ليس مجرد فعل عادي، بل هو تعبير عن التوترات الإنسانية العميقة. على سبيل المثال، يمكن أن نرى في روايات مثل «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي كيف أن الشر يُعتبر نتيجة للصراعات الداخلية والظروف الاجتماعية. هذا النوع من الأدب يُعتبر وسيلة لفهم الشر كجزء من النفس البشرية، وليس مجرد ظاهرة خارجية. علاوة على ذلك، يُعتبر الأدب وسيلة لمواجهة القمع والظلم. فمن خلال سرد القصص التي تتناول العنف والاضطهاد، يمكن للأدب أن يُسلط الضوء على الأسباب الكامنة وراء هذه الظواهر، مما يُسهم في فهمها بشكل أعمق. ويشير باتاي إلى أن هذا العنف، رغم كونه مُحاطاً بالتحفظات الأخلاقية، يمكن أن يكون تعبيراً عن رغبة الإنسان في التحرر من القيود.
أفكار وانتقادات
تُواجه أفكار جورج باتاي عدداً من الانتقادات أولها أن أسلوبه غامض مما يجعله بعيداً عن الجمهور العام في كتابه «المستحيل» يقدم باتاي تأملات فلسفية عميقة حول طبيعة المستحيل ودوره في التجربة الإنسانية