قمة البريكس ومستقبل النظام العالمي
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
قمة بريكس القادمة والتي سوف تعقد في جنوب أفريقيا بتاريخ ٢٢ وحتى ٢٤ من شهر أغسطس الحالي تكتسب أهمية كبيرة نظرا لما تمثله الدول الخمس الأعضاء في هذا التجمع الاقتصادي والاستراتيجي المهم، حيث إن مجموعة بريكس والتي تأسست عام ٢٠٠٦ ضمت البرازيل وروسيا الاتحادية والهند والصين وبعد ذلك انضمت لهما جنوب أفريقيا لتشكل هذه المجموعة تكتلا اقتصاديا كبيرا على الصعيد الاقتصادي والعسكري والاستراتيجي وعلى الصعيد الديموجرافي والمساحة ومن هنا فإن القمة القادمة لمجموعة بريكس ينظر لها من زاوية الأحداث والصراعات والحروب التي يشهدها العالم الآن وكيف أن النظام الدولي الذي تقوده القوة الأهم أو القطب الأمريكي الأوحد لم يعد صالحا لمواكبة تلك التطورات الدراماتيكية خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وفي ظل المواجهة الأطلسية ضد روسيا الاتحادية والتي أصبحت مواجهة مباشرة حيث تدفق السلاح الغربي على أوكرانيا، وفي ظل التوتر على الحدود بين بولندا وليتوانيا من جانب وبيلاروسا من جانب آخر وفي ظل متغيرات إقليمية ودولية في غاية التعقيد حيث الحروب والصراعات مشتعلة في أجزاء من العالم علاوة على أن الاقتصاد العالمي يعاني من التضخم، وهناك تعاني التهميش في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وحتى في عدد من الدول العربية ومن هنا تأتي قمة بريكس الخامسة عشرة في جنوب أفريقيا لتسلط الضوء على هذه المجموعة والتي أصبحت بمثابة المؤشر الأقوى لإصلاح النظام الدولي الأحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب تسوده العدالة الاجتماعية وحل قضايا التهميش والفقر، وأن تكون هناك سياسات متصفة لقضايا الشعوب وعلى رأسها القضية الفلسطينية والتي يرزح من خلالها الشعب الفلسطيني تحت ظل الاحتلال العدواني الإسرائيلي منذ أكثر من سبعة عقود، ولم يستطع النظام الدولي الحالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن يجد حلولا لقضية فلسطين بل انحازت واشنطن كل تلك العقود للكيان الإسرائيلي ومن هنا فإن مجموعة بريكس يمكن أن تنجح في إيجاد ذلك التوازن والمقاربة السياسية في ظل عالم متعدد الأقطاب، وتكمن أهمية القمة القادمة لمجموعة بريكس أن هناك أكثر من عشرين دولة تقدمت لعضوية المجموعة وهناك دعوات لقادة أكثر من ٦٧ دولة ورؤساء حكومات لحضور القمة حيث أكدت أكثر من ٣٤ دولة مشاركتها حتى الآن، ولا يزال هناك متسع من الوقت قبل عقد القمة الأسبوع القادم.
ويبدو أن قمة بريكس سوف تكشف عن جملة من الأهداف الاستراتيجية ذات الأولوية وهو إيجاد نظام اقتصادي متوازن وإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش الاقتصاد العالمي. والسؤال المهم هل يمكن لمجموعة بريكس أن تنجح في هذا الإطار خاصة على صعيد جملة من المعطيات على الأرض. أرقام وإمكانات الدول الخمس الأعضاء في مجموعة بريكس تقول إن ذلك ممكن من خلال إيجاد أقطاب اقتصادية خاصة وأن الدول الخمس تمثل أكثر من ٣٠ من حجم الاقتصاد الدولي و١٨ من حجم التجارة و٢٦ من مساحة العالم و٤٣ من سكان العالم، وتنتج المجموعة ثلث حبوب العالم وتسعى إلى إيجاد عملات بديلة عن الدولار وهذه أرقام كبيرة يمكن أن تجعل مجموعة بريكس من أهم المجموعات الاقتصادية في العالم علاوة على أن هناك أعضاء جدد سوف ينضموا إلى مجموعة بريكس خلال القمة وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
وعلى الصعيد العسكري فإن مجموعة بريكس تملك إمكانات عسكرية كبيرة، فهناك دول نووية منها روسيا الاتحادية والصين والهند كما تمتلك المجموعة أربعة من أقوى الجيوش في العالم، فهناك الجيش الروسي وهناك الجيش الصيني، وأيضا، الجيش الهندي والبرازيلي. ويشكل الاتفاق الدفاعي مبالغ كبيرة تتجاوز ٤٠٠ مليار دولار كما يبلغ عدد جنود المجموعة ١١ مليون جندي وتعد موازنة الدفاع الروسية هي الأكبر بمبلغ يتجاوز ٨٢ مليار دولار وعدد الجنود مليون و٣٣٠ ألف جندي ومع انضمام عدد من الدول فإن مجموعة بريكس سوف تصبح قوة اقتصادية وعسكرية هي الأكبر في العالم ومن هنا فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يشعر بالقلق والترقب لمسار مجموعة بريكس والتحولات الاستراتيجية التي يشهدها العالم. ويمكن القول بأن مجموعة بريكس هي الخيار الوحيد الذي من خلالة يبزغ نظام دولي متعدد الأقطاب خاصة وأن هناك نزعة استقلالية تشهدها أفريقيا وأمريكا اللاتينية نحو التخلص من التبعية الغربية وما يحدث في دول الساحل وجنوب الصحراء كـمالي وبوركينا فاسو والنيجر إلا نموذج لذلك التحول الأفريقي نحو فرنسا على وجه التحديد ومن هنا فإن المشهد السياسي الدولي يسير في اتجاه التوازن لإيجاد قوى سياسية تعطي الأمل نحو عالم أكثر موضوعية وعدالة اجتماعية وأن تلعب الأمم المتحدة دورا محوريا في نصرة قضايا الشعوب ومن هنا فإن مجموعة بريكس سوف تكون هي التحدي الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما خاصة الدولة الأمريكية وتربعها على النظام الدولي أصبح محل شك حتى في إطار الدراسات التاريخية التي نشرها عدد من المفكرين في الولايات المتحدة الأمريكية وهذا يعود إلى أن الإمبراطوريات في التاريخ القديم والحديث لها دورة تاريخية تبدأ بعدها بالتآكل والانكماش لتعود قوة من ضمن قوى، وهذا الأمر على أهم إمبراطورية في التاريخ الحديث وهي بريطانيا والتي أطلق عليها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ومن هنا فإن مجموعة بريكس تشكل الظاهرة الجديدة على صعيد تكتل اقتصادي واستراتيجي في المقام الأول وهذا يعطي مؤشرا كبيرا بأن رغبات أكثر من ٢٠ دولة للانضمام إلى بريكس يعطي مناخا سياسيا جديدا نحو أهمية التعددية، وأن لا يكون الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا هي المسيطر على المشهد الدولي وأن العالم يحتاج إلى فكر مختلف قوامه التجارة العادلة وتوزيع سلاسل الغذاء بشكل منصف وإنهاء التبعية الاستعمارية الغربية والتي استغلت موارد الدول النامية خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى على الصعيد العربي وعلى ضوء المؤشرات فإن مجموعة بريكس سوف تكون أحد الأقطاب الاقتصادية والتي من خلالها قد يتشكل نظام دولي متعدد الأقطاب أو على الأقل جزء من ملامحه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة النظام الدولی متعدد الأقطاب على الصعید أکثر من
إقرأ أيضاً:
خبير: انضمام إندونيسيا إلى “بريكس” أثار مخاوف واشنطن
إندونيسيا – أعرب الخبير بيبي إسكوبار عن ثقته بأن حصول إندونيسيا على العضوية الكاملة في مجموعة “بريكس” أثار مخاوف واشنطن التي ستلجأ إلى أساليبها لزعزعة الاستقرار ومواجهة هذا الانضمام.
وقال الصحفي إسكوبار لوكالة “نوفوستي”: “الآن أصبحت إندونيسيا كاملة العضوية في “بريكس، وهو ما يثير رعب الولايات المتحدة بأن أهم دولة في جنوب شرق آسيا، ومنطقة تشهد نموا اقتصاديا سريعا، أضحت كاملة العضوية في المجموعة ولها حق التصويت مثل الأعضاء المؤسسين.”
وأضاف إسكوبار: “إندونيسيا، إلى جانب أعضاء “بريكس” الآخرين والدول التي تسعى للتقارب مع المجموعة، بما في ذلك تركيا، ستكون هدفا لجهود وكالات الاستخبارات الأمريكية التي تسعى لتقويض هذا التحالف.”
وأوضح: “جميع هذه الدول ستكون هدفا لحملات زعزعة الاستقرار، ومحاولات إحداث ‘ثورات ملونة’، وهجمات هجينة متنوعة، لأنها تشكل تهديدا لاستمرار هيمنة الإمبراطورية الأمريكية، خاصة في النظام المالي العالمي”.
يذكر أن مجموعة “بريكس” هي تحالف حكومي دولي تأسس عام 2006 من قبل روسيا والصين والهند والبرازيل، وانضمت جنوب إفريقيا إليها في عام 2011.
ومنذ بداية عام 2024، انضمت عدة دول أخرى إلى المجموعة وحصلت إندونيسيا على موافقة قادة المجموعة للانضمام خلال القمة التي عقدت في جوهانسبرغ في أغسطس 2023، وذلك بعد الانتخابات الرئاسية في البلاد وتشكيل حكومة جديدة.
المصدر: نوفوستي