الصيادون يحيون التراث العماني بموسم صيد "الصفيلح".. ومطالبات بتطوير الإجراءات لضمان استدامة الثروة البحرية والدخل
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
◄ منح 2350 ترخيصا للغواصين خلال الموسم الحالي
لتعزيز استدامة الثروة والدخل
صلالة- منى العوائد
يؤكد عدد من المسؤولين والصيادين والتجار أن ثروة الصفيلح "أذن البحر أو الأبالوني" توفر دخلا موسميا للصيادين وتساهم في خلق فرص عمل مرتبطة بالصيد والتجارة، لافتين إلى أن الصيادين والتجار يواجهون العديد من التحديات خاصة بعد حظر الصيد لمدة 5 أيام، وإعادة فتح الصيد لمدة 10 خلال الشهر الجاري، إذ توافد الصيادون إلى سواحل ولايتي مرباط وسدح الغنية بثرواتها البحرية لاستخراج هذا الكنز البحري الثمين.
ويقول حامد سالم باعمر مدير دائرة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بمرباط، إن صيد الصفيلح يعتبر أحد أهم مصادر الدخل للعديد من الصيادين المحليين في محافظة ظفار، لافتا إلى تزايد الاهتمام بحماية البيئة البحرية وتطبيق سياسات الصيد المستدام، لتحقيق توازن بين سبل معيشة الصيادين والحفاظ على الثروة البحرية.
ويؤكد إن دائرة الثروة السمكية تركزعلى برامج توجيهية تشمل إرشادات تقنية وفنية حول أساليب الصيد المستدام، وتوعية الصيادين بأهمية الالتزام بمواسم الصيد والحد من الصيد الجائر لضمان استدامة مخزون الصفيلح، بدءًا من استقبال طلبات التصاريح وتسهيل إجراءات استخراج رخص الغوص وتراخيص التجار لتجهيز وتداول الصفيلح وفق اللوائح المنظمة، مضيفا أن التراخيص الضرورية قد أصدرت للغواصين لممارسة صيد الصفيلح، بالإضافة إلى تراخيص خاصة للتجار لتجهيز وتداول الصفيلح، كما يتم استقبال الإنتاج في مراكز مخصصة بوادي عين وحينو في ولاية مرباط، لتسهيل التنظيم وضمان الالتزام بالإجراءات.
من جهته، يوضح هيثم بن علي العمري المكلف بتسيير أعمال مدير دائرة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بسدح، أن المديرية العامة للثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بمحافظة ظفار طورت برنامجًا إلكترونيًا خاصًا لتسهيل عملية التسجيل والترخيص، بالإضافة إلى تدريب الموظفين على استقبال الطلبات بالتعاون مع مكتب سند وتخزينها بشكل صحيح، مبينا أن عدد الغواصين المرخص لهم هذا العام بلغ حوالي 2350 غواصًا، مع تحديد مناطق مخصصة لاستقبال الصفيلح، وذلك لضمان تنظيم عملية الصيد وتسهيل الرقابة، وشملت هذه المناطق المراكز الرئيسية في سدح والفروع المخصصة لمندوبي التجار في مختلف ولايات المحافظة
ويقول مبارك بن أحمد المشيخي أحد الغواصين في ولاية مرباط، إن الموسم يمثل أكثر من مجرد وقت للصيد؛ فهو جزء من التراث العماني ومصدر رئيسي للدخل".
ويبيّن: "لقد نشأت في عائلة ترتبط بالبحر، وتعلمت الصيد منذ الصغر معتمدًا على أساليب موروثة وأدوات تقليدية، ورغم أن الصيد في هذا الموسم يتطلب التفرغ وقضاء ساعات طويلة في البحر، مما يؤثر على حياتي الشخصية، إلا إن مردوده الاقتصادي يجعله يستحق الجهد، خاصة أن الصفيلح يُباع بأسعار جيدة".
ويلفت التاجر سالم بن عاران الشحري إلى أنه بعد تحديد أيام الموسم يبدأ التجار في الاستعداد لشراء وتخزين وتوزيع الصفيلح، حيث يتم الجلوس مع الصيادين وتقييم جودة الصفيلح المتوفر وتحديد السعر المناسب حسب الخبرة السابقة في هذا المجال التي تتناسب مع السوق المحلي والدولي، ويتم قرار الشراء بناء على الكمية والحجم، وهذا يتطلب تخطيطًا محكمًا وتنسيقًا مع الجهات المختلفة لضمان تلبية الطلب المرتفع خلال فترة الموسم، والاستفادة من الفرص المتاحة في الأسواق الدولية.
ويتحدث التاجرمبارك بن الرضة عموش المهري عن طريقة طبخ الصفيلح قبل التصدير قائلاً: "نبدأ أولاً بتنظيف الصفيلح بشكل جيد لإزالة الشوائب وبعدها يتم غلي الصفيلح لمدة ساعة وربع تقريبا، وتساعد هذه الخطوة على تليين اللحم وتجهيزه للمرحلة التالية وهي التجفيف، ويتم فيها تجفيف الصفيلح لمدة تصل إلى 25 يوم تقريباً، بعدها يصبح الصفيلح جاهزاً للتصدير".
ويتابع: "كنت غواصا في السابق والآن أعمل تاجرا، وهذه السنة تم تخيصص 10 أيام للصيد، وأتعامل مع غواصين معتمدين وأكثر محصول لدى أحد الغواصين لدي بلغ ٣٠ كيلو وسعر السوق الكيلو بـ ٤٥ ريال عماني تقريبا".
وتختلف تجهيزات العنصر النسائي قبل موسم صيد الصفيلح، وهذا ما أشارت إليه الغواصة أم عامر قائلة: "تختلف التجهيزات بشكل كبير، فنحن نجهز ثوب خاص بالبحر، وقفازات تقليدية، وشبك لجمع الصفيلح، والجزرة لاستخراج الصفيلح من أماكنها وعادة تكون من أماكن قريبة من يابسة البحر، كما توجد إجراءات وتوجيهات من الجهات المتخصصة تضمن عدم تأثر هذه الثروة سلبا والحرص على استدامتها، إذ يمنع الصيد خارج الموسم، ويمنع تحريك وقلب الصخور لتواجد كثير من بيض الصفيلح، كذلك يمنع قطع الطحالب أو استخراج صغار الصفيلح التي يكون طول محارها أقل من ٩ سم، وعدم استعمال أداة صيد يزيد طولها عن ٥٠ سم".
الصفيلح وحركة الأسواق
ومنذ توقف عملية صيد الصفيلح ابتعد التجار عن الأسواق العالمية لمدة 4 سنوات، وأثر هذا الغياب على مصادر دخل التجار والصياديين في المواسم المختلفة، الأمر الذي يتطلب وجود آليات تنظيمية وإجراءات مستدامة تعمل من خلالها الجهات المختلفة المعنية لصيد الصفيلح لكي يواصل الصيادون عملهم وفقا للإجراءات المتبعة.
وفي هذا الإطار يقول تاجر الصفيلح عامر بن سعيد شماس العمري: "يعتبر الصفيلح كنزًا ثمينًا لسكان ولايتي سدح ومرباط، حيث يُعتمد عليه كما تُعتمد الرواتب، إذ يلعب دورًا أساسيًا في تأمين مصدر الدخل، وفي عام 2019 توقفت أنشطتنا في السوق المحلي، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2023، ابتعدنا عن السوق كليًا بسبب غياب آلية واضحة لتحديد مواسم الصيد، سواء من حيث فترات الفتح أو الإغلاق".
ويؤكد العمري: "وجود سياسة تنظيمية دقيقة، تشمل جدولًا زمنيًا ثابتًا لكل موسم، سيساعد التجار على التخطيط وضمان الاستمرارية في السوق، في ظل صعوبات عدم اليقين في تلبية الطلبات، فعلى سبيل المثال، في عام 2022، شهدنا طلبًا قويًا من السوق الصيني، غير أن إغلاق الموسم محليًا دفع التجار في الخارج إلى البحث عن بدائل عبر مزارعهم، واستيراد صفيلح من السنغال، وابتعاد الصفيلح العماني عن السوق الخارجي كان سببا في انخفاض السعر محليا، ونطالب الجهات المختصة بتقليص فترة الإغلاق إلى أقل من 4 سنوات، وتحديد موسم الصيد في شهري أكتوبر ونوفمبر، بما يتماشى مع الظروف البحرية المناسبة ويتيح تجنب فترات التزاوج للحفاظ على الثروة البحرية".
ويذكر الغواص محمد بن سعيد العامري: "يبقى الصفيلح وسيلة أساسية للحياة الكريمة، وقد تمكنت شخصيًا من تسديد ديون كبيرة بفضل عوائده، وعلى الرغم من أن هذا الموسم يمثل فرصة موسمية، إلا أن السوق شهد تغيرات جذرية أدت إلى انخفاض أسعار الصفيلح تقريبًا للنصف بعد فترة التوقف الطويلة، فالغواصون الذين كانوا يكسبون سابقًا حوالي 2000 ريال عماني في اليوم، أصبحوا الآن يحققون 100 ريال فقط، مما يهدد استقرار دخلهم، ورغم هذه التحديات، يظل التجار المحليون متعاطفين مع الغواصين ويدعمونهم، مدركين أن موسم الصفيلح يظل مصدر الرزق الأساسي لهم".
من جهته، يؤكد حامد باعمر مدير دائرة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بمرباط، أن هذا العام شهد انخفاضًا في محصول الصفيلح، وهو ما كان يُتوقع أن يزداد مع فترة التوقف الطويلة مقارنة بعام ٢٠١٩ الذي بلغت فيه كمية إنتاج الصفيلح ٢٤ طنا.
وفي ضوء ذلك، أوضح التاجر محمود بن علي العمري أن حجم الصفيلح هذا العام أكبر مقارنة بالسنوات الماضية، مشيرا إلى أن معظم أنواع الصفيلح كانت سابقاً أصغر حجماً، لكن هذا الموسم شهد نمواً ملحوظاً في أحجام المحصول، مما يعزز فرص التصدير ويوفر منتجات بجودة أعلى للسوق المحلي والخارجي".
قوة المرأة في مواجهة الصيد
وتوضح الغواصة أم عامر أن أكبر كمية أخرجتها كانت 3 كيلوهات، حيث تقوم بالبحث عن الصفيلح بين الصخور في وقت انحسار البحر للخلف والتي تعرف بالجزر، مبينة: "ليس هناك فرق كبير يذكر بالنسبة للحجم، والكميات في الوقت الحاضر أقل بكثير من القديم، ربما بسبب كثرة الغواصين وبسبب الصيد الجائر خارج الموسم".
الإجرءات التنظيمية والتحديات
وبالرغم من الإجراءات التنظيمية الكثيرة لموسم الصفيلح، وسعي الصيادين إلى كسب المزيد من الدخل لتحسين ظروف حياتهم المعيشية، إلا أن عملية الصيد لا تخلو من التحديات والصعوبات التي تواجه الجهات المختصة والغواصين والتجار.
ويقول باعمر: "هناك تحديات تنظيمية يواجهها الصيادون، مثل شروط الحصول على رخص الغوص، وضرورة تقديم ضمانات بنكية للتجار، بالإضافة إلى تحديد الحد الأدنى للكميات المسموح بصيدها للحد من الاستنزاف المفرط، إذ تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان استدامة مورد الصفيلح، ليس فقط لدعم الاقتصاد المحلي، ولكن أيضًا لتعزيز التراث البحري في ظفار وضمان استمراره للأجيال القادمة".
ويؤكد هيثم علي العمري المكلف بتسيير أعمال مدير دائرة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بسدح: "رغم ضيق فترة استقبال الطلبات إلى 10 أيام، برزت تحديات فنية، مثل تأخر تقديم الطلبات بسبب ضعف الشبكة والازدحام على موقع الوزارة، ومع ذلك، بذل فريق الدائرة وفريق تقنية المعلومات بالوزارة إلى جانب دائرة الثروة السمكية بالمديرية ومدراء العموم، جهودًا جبارة خلال الإجازات الرسمية لضمان إنجاز العمل بكفاءة ومن خلال فتح منافذ عبر مكاتب سند لتسهيل تقديم الطلبات ومتابعتها".
ويذكر محمود العمري: "التحديات التي تواجهنا كتُجار تتزايد مع ضخ كميات كبيرة من الصفيلح في السوق، خصوصا بعد فترة توقف استمرت 4 سنوات أثرت على السوق الخارجي، حيث يتطلب الأمر توازناً بين الإنتاج والتصدير للحفاظ على استقرار الأسعار وتعزيز الطلب المستدام".
ويقول الغواص محمد العامري: "نعتمد على أساليب تقليدية موروثة بدون استخدام الأكسجين، ونتدرب على هذا النوع من الغوص لشهر كامل قبل الموسم، ونستخدم نظارات وزعانف وسكاكين وأكياس شبكية لجمع المحصول، ونواجه صعوبات عديدة، مثل تيارات البحر القوية، انخفاض درجات الحرارة، ومواجهة أسماك القرش وثعابين البحر، إلا أن العشق لهذه المهنة يجعلنا نتحمل المخاطروالتحديات".
ويرى مبارك المشيخي أن التحديات قد تتعلق بالظروف المناخية وأيضًا بالقوانين التي تحدد الكميات المسموح صيدها حفاظًا على الثروة البحرية، مضيفا: "نأمل نحن كصيادين في أن تستمر هذه الجهود التنظيمية مع زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على الصفيلح، ليظل هذا المورد مصدرًا مستدامًا للأجيال القادمة".
ويواجه العنصر النسائي تحديات من نوع آخر، إذ تشير أم عامر إلى قلة العنصر النسائي في مهنة صيد الصفيلح، موضحة أن السباحة والغوص ليسا أمرًا سهلاً بالنسبة للنساء، إضافة إلى نقص الملابس والمعدات المناسبة، ومع ذلك، لم تعيقها هذه الصعوبات عن مواصلة العمل لإعالة أسرتها.
وتصف أم عامر تجربتها في صيد الصفيلح بأنها مليئة بالتحديات، باستخدام سكين بسيطة تُعرف باسم الجزرة، مبينة أنها كانت تواجه البحر والصخور بحثًا عن هذه الثروة البحرية.
وتقول: "أن تدخل يدك في شقوق الصخور دون أن تعرف ما يتربص بك من مخلوقات بحرية، كل ذلك بحثًا عن الصفيلح الذي قد لا تجده أحيانًا قد يكون هو التحدي الأكبر للمرأة".
وتضيف: "كنت أستغل أوقات الجزر المنخفضة، حيث يكشف البحر عن صخوره وشقوقه التي تختبئ فيها الصفيلح، وهذه الطريقة ورغم خطورتها كانت الأسهل بالنسبة لي، وكنت أذهب للصيد في بداية الموسم فقط، حيث يكون المحصول وفيرًا".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أصحاب البصيرة| 4 مشايخ من مكفوفي البصر يسخرون حياتهم لتحفيظ القرآن للأطفال.. ومطالبات لوزير الأوقاف ومحافظ المنيا بتكريمهم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عكف 4 مشايخ من فاقدي البصر من عائلة واحدة، على تسخير حياتهم لتحفيظ القرآن الكريم لأبناء مسقط رأسهم قرية بني موسى التابعة لمركز أبو قرقاص جنوب محافظة المنيا، وذلك على مدار قرابة الـ 40 عامًا.
وتصدر اسم عائلة طراف الواقعة جنوب محافظة المنيا مجالس القراء بعد أن نجحوا في تخريج أكثر من 30 دفعة أتمت حفظ كتاب الله داخل أروقة الكتاب الذي لا تتعدى مساحته بضع مترات.
وسطر المشايخ علي سيد طراف وشقيقه فضل سيد طراف، ونجل الأول محمود علي سيد طراف، وابن عمومتهم الدكتور شعبان عبد الهادي محمد طراف، أسمائهم بأحرف من نور بين أبناء محافظة المنيا، خاصة بعد أن حولوا المحنة إلى منحة ولم ييأسوا بعد فقدهم للبصر في الصغر وقاموا باستغلال ذلك بحفظ القرآن الكريم ومن ثم تحفيظه للآخرين.
قال الشيخ علي سيد طراف، إنني فقدت البصر في عمر ال 10 سنوات حينها بدأت في حفظ القرآن الكريم وأتممت تعليمي وعينت مقيم شعائر وخطيب بالأوقاف، مشيرًا إلى أن ذات الإصابة حدث لثلاثة آخرين من العائلة من بينهم نجله.
وأضاف الشيخ فضل سيد طراف، أننا بعد أن ختمنا حفظ القرآن الكريم بدأنا في تحفيظ القرآن الكريم لأبناء قرية بني موسى والقرى المجاورة ولمن يرغب يأتي إلى الكتاب كتاب عائلة طراف داخل منزل العائلة.
وقال الشيخ محمود علي سيد طراف، إن والدي بدأ مسيرته في تحفيظ القرآن لأطفال وشباب ونساء القرية وشاركه في ذلك عمي ثم فقدت البصر في صغري وبدأت في حفظ القرآن الكريم وواصلت مع والدي مسيرته.
فيما قال الدكتور شعبان عبد الهادي محمد طراف، إننا أبناء عائلة واحدة ونسعى دائما لتحفظ القرآن الكريم لمختلف الأعمار، منوهًا إلى أنه نجح في الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في تحدي جديد لفقد البصر وتمكنت من استغلال المحنة وتحويلها إلى محنة وساعدني في ذلك زوجتي التي كانت الداعم الأول لي في الحصول على الدرجتين فضلا عن بركة تحفيظ القرآن الكريم لتلاميذي بمختلف الأعمار.
وطالب أهالي قرية بني موسى التابعة لمركز أبو قرقاص جنوب محافظة المنيا بتكريم ال 4 أئمة من قبل وزير الأوقاف ومحافظ المنيا، اللواء عماد كدواني، وذلك لدورهم في تربية الأجيال على حفظ القرآن الكريم في تحدي للإعاقة البصرية.
1000063565 1000063564 1000063563