سواليف:
2025-02-03@07:12:40 GMT

التاريخ معلم

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

#التاريخ_معلم

د. #هاشم_غرايبه

هنالك الكثير من الأحداث والمواقف التي تحتوي دروسا وتستنبط منها العبر، لم تحظ بعناية المؤرخين، لذلك فهي مجهولة لأغلب الناس.
لذلك ساد اعتقاد أنه بعد معركتي القادسية واليرموك الفاصلتين، دخلت العراق وبلاد الشام في الإسلام تلقائيا، لكن تلكما المعركتين على أهميتهما، لم تكونا نهائيتين، بل انتظمت بعدهما سلسلة معارك قادها خالد بن الوليد، وانتصر فيها جميعا، وأهمها كانت معركة “الفراض”.


وسميت هذه المعركة بالفراض، نسبة الى الأرض التي جرت فيها، وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة شرق الفرات، أما أهميتها فتكمن في تشكل تحالف غير مألوف من الروم والفرس والعرب العملاء لهما.
كان خالد يرغب في انتهاز فرصة هزيمة الفرس في معركة القادسية، فيجهز على الدولة الساسانية التي طالما أذاقت العرب الويل، لكن أبا بكر كانت له أولوية أخرى، فهو يريد أن يحرر كامل بلاد الشام من استعمار الرومان.

قال الطبري في تاريخه:” فلما اجتمع المسلمون بالفراض، حميت الروم واغتاظت، واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس، وقد حموا واغتاظوا، واستمدّوا تغلباً وإياد والنمر فأمدُّوهم، ثم ناهدوا خالداً حتى إذا صار الفرات بينهم قالوا: إما أن تعبروا إلينا أو أن نعبر إليكم، قال خالد: بل اعبروا إلينا، قالوا: فتنحوا حتى نعبر، قال خالد: لا نفعل، ولكن اعبروا أسفل منا، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة، فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: “احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل عن دين، وله عقل وعلم، والله لينصرن ولتخُّذلن”، فعبروا أسفل من خالد، فلما تَتَاموا قالت الروم: تَمَايزوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح من أينا يجيء، ففعلوا، فاقتتلوا قتالاً شديداً طويلاً، ثم إنَّ الله هزمهم، وقال خالد للمسلمين:ألُّحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم، فقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب مائة ألف”.
وقال ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان” : “لقد كانت خلاصة التغيير في هذه الأمة التي انطلقت من العقيدة، كما حددها قول بعض عقلاء تحالف الروم والفرس والعرب محذرين: [احتسبوا مُلككم. هذا رجل يقاتل على دين. وله عقل وعلم. والله لينصرَّنَّ ولتخذلن].
إذن قد اجتمعت عند هذه الأمة مقوِّمات النصر كاملة.
فألقتال على دين: ” لقد أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.
ولقد توافرت القيادة التاريخية:” وله عقل وعلم”.
فالخبرة، وهي العلم قد توفَّرت لديه، وقد خاض غمار الحرب مع العرب والروم والفرس، والعبقرية النادرة قد توفَّرت لدى هذا القائد العظيم”.
ولكل ما تقدم، فقد انهزم التحالف الثلاثي والذي بلغ عديده مائة وخمسين ألفا، وانتصر جيش خالد رغم أنه لا يتجاوز العشرين ألفا.
الدروس المستفادة من هذه الموقعة كثيرة ومنها:
1 – قد يستغرب المرء أن يتحالف عرب مع الذين استعمروهم وأذلوهم قرونا، ليقاتلوا تحت رايتهم إخوة لهم في الدم، جاءوا ليحرروهم، وليرتقوا بهم من العبودية لبشر أمثالهم الى عبادة الخالق، لكن العجب يزول حينما يعلم أن هذه القبائل (آياد وتغلب والنمر وبكر وتنوخ) هي الوحيدة من بين كل قبائل بلاد الشام والعراق التي رفضت الدخول في الإسلام، إذاً فما يجمع الأمة ويوحدها هي العقيدة وليس الرابطة القومية، وهذا يسقط حجة من يقولون أن الدين ليس أساسيا في الوحدة.
2 – ولعلها ليست مصادفة أن وقعت هذه المجابهة في المكان ذاته الذي كان مسرحا لعدوان تحالف ثلاثي، وبعد خمسة عشر قرنا، ومن الأطراف ذاتها، لكنها كانت هذه المرة تحت عنوان محاربة الإرهاب، فقد اجتمع في هذا التحالف الأوروبيون (أحفاد الرومان)، والإيرانيون (أحفاد الفرس)، والأنظمة العربية العميلة لهما، وبما أن هذه الأنظمة مكرسة أساسا لممانعة عودة الدولة الإسلامية والحكم بموجب شرع الله، لذلك تعتبر رافضة للإسلام، مثلها مثل قبائل العربان أسلافها (آياد وتغلب والنمر وبكر وتنوخ).
ونستخلص أخيرا، أنه على الذين يسعون لاستعادة مجد الأمة، أن يدركوا أن أعداءها لن يسمحوا لها بذلك، فلا سبيل الى ذلك إلا بالقتال دون حقها، وأن يقتنعوا أن تفوقها العسكري والتقني ليس شرطا مسبقاً لتحقيق النصر، فما انتصرت يوما ولا علت مراتبها عن تفوق في العدد والعدة، بل عندما توفر لها شروط ثلاثة مجتمعة: القتال عن دين وعقل وعلم.

مقالات ذات صلة جلسات مجالس الوزراء في المحافظات . . ! 2024/11/13

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: التاريخ معلم هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

مدرسة النبوة وتلميذها القائد الشهيد

في ذكرى استشهاد شهيد القرآن وسيد الشهداء يتبادر إلى الاذهان حجم التضحيات الكبيرة التي قدمها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه في ظروف صعبة وغاية في التعقيد مستندا على الثقة بالله والتوكل عليه والاستجابة له والجهوزية للتضحية في سبيله.
إن المشروع القرآني الذي قدمه شهيد القرآن لينير طريق هذه الأمة ويحدد مساراتها المستقبلية مثّل لحظة فارقة ومفصلية في تاريخ الأُمَّــة الإسلامية، وملحمة جهادية تجسدت بعظمة التضحيات الكبيرة التي قدمها عظماء الأُمَّــة في سبيل عزتها وكرامتها وفي مقدمتهم قرين القرآن الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، سلام الله عليه .
لقد مثل استشهاد القائد حسين بدرالدين الحوثي – رضوان الله عليه – وهو يدافع عن معتقدات الإسلام ومعاني القران التي حاول الأعداء طمسها من نفوس المسلمين واستبدالها بأفكار ومعتقدات تخدم مصالح اليهود وتعزز هيمنتهم على أمة الإسلام والمسلمون لحظة فارقة ومظلومية هزت عروش الطغاة وأربكت حساباتهم والتي أراد من خلالها المجرمون والعملاء، ومن ورائهم أمريكا وإسرائيل، أن يطفئوا نور الله، لكن الله أبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
إن الجهد المبارك الذي قدمه الشهيد القائد في سبيل هذه الأمة وما بذله من عطاء عظيم من أجل إحياء روح الأمة وتحريك بوصلتها نحو العدو الأوحد لها المتمثل باليهود والنصارى ومن تآمر معهم، تجسد في إدراك الشهيد لمكامن الضعف في هذه الأمه، حيث كان رضوان الله عليه يرقب تلك التحركات للأعداء بنظرة قرآنية، ويقيمها، ويعي خطورتها.
وعندما تحرك كانت نعمة عظيمة بما قدم من خلال القرآن الكريم من وعي وبصائر وحلول للأمة حتى تخرج من حالة التيه والعمى، وتعود إلى مسارها الذي أراده الله لها وأمر به نبيها، ما يجعلها محصنة من السقوط في مشاريع الأعداء، فكان للدروس والمحاضرات التي غيرت في مسار هذه الأمة الأثر الكبير في رفع وعي أبناء الأمة ، وعرفها بعدوها الحقيقي الذي حدده الله تعالى في القرآن الكريم بقوله (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).
لقد كان الشهيد القائد قرين القرآن، سليل بيت النبوة، رمزاً للجهاد والثبات على الحق والتمسك بالمبادئ القرآنية، في زمن تخاذلت فيه الأمم وتكالب فيه الأعداء واصبح الخنوع والارتهان للأعداء وسيلة للتقرب من اليهود والنصارى الذين حاولوا تشويه هذا الدين وطمس أخلاقه ومبادئه على يد المسلمين أنفسهم، حتى كان لا يوجد للإسلام سوى اسمه، ولهذا كان صوت الشهيد القائد وحوله ثلة من المؤمنين يصدح بكلمة الحق في وجه المستكبرين، داعياً الأمة إلى العودة الصادقة لله تعالى، وجعل القرآن الكريم منهج حياة للأُمَّـة الإسلامية محذرا من مخاطر التساهل مع مخططات العدو ومؤامراته الخبيثة التي استشرت في جسد الأمة حتى باتت رهينة لأطماع الأعداء ذليلة مكسورة أمام إجرام العدو وغطرسته .
إنها دروس نستلهم منها كل معاني البذل.. وتمدنا بالكثير من صور الجهاد والصبر والتضحية ذكرى استشهاد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – عليه السلام – التي بمثابة محطة يتزود منها كل المجاهدين في مختلف الثغور وعلى كل الجبهات، هي مدرسة يتعلم منها كل أحرار العالم كيفية الاستعانة بالله على مواجهة الطغاة، وكيف تستطيع الأمة أن تحوّل ضعفها وهزيمتها أمام العدو إلى نصر وفتح عظيم بعد التوكل على الله والاقتداء بنهج النبي وآل بيته الأطهار.
محافظ محافظة عدن

مقالات مشابهة

  • الدفاع المدني السوري: مجزرة مروعة راح ضحيتها 14 امرأة ورجل واحد، وإصابة 15 امرأة بعضها بليغة ما يرشح عدد الوفيات للارتفاع، وجميعهم من عمال الزراعة، في حصيلة أولية لانفجار السيارة المفخخة بجانب السيارة التي كانت تقلّ العمال المزارعين، على أطراف مدينة منبج
  • الشهيد القائد ومشروع الهوية الإيمانية
  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • بالفيديو.. مسؤولون: الهليكوبتر التي تحطمت كانت ضمن وحدة استعداد في حالة هجوم على أمريكا
  • محمد صبحي: «فارس يكشف المستور» كناية عن المؤامرات العالمية التي تُحاك ضد الأمة
  • ألف تحية وسلام على الشهيد القائد
  • مدرسة النبوة وتلميذها القائد الشهيد
  • الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية
  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا
  • في هذا التاريخ... حزب الله سيُشيّع نصرالله وصفي الدين