4 تحالفات تتنافس بشراسة في تشريعيات السنغال
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
في سياق يتخلله عنف في الشوارع وتراشق بين الساسة على المنابر، تتواصل في السنغال الحملة الانتخابية الممهدة لاختيار أعضاء البرلمان المكون من 165 مقعدا.
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، على أن يتم اختيار 112 عضوا عبر نظام التصويت الأكثري في الدوائر المحلية والجاليات بالخارج، بينما يجري توزيع 53 مقعدا وفق آلية التمثيل النسبي على المستوى الوطني.
وتأتي هذه الانتخابات المبكرة بعد أن حل الرئيس بصيرو فاي البرلمان في سبتمبر/أيلول الماضي، استنادا إلى كون المعارضة تمتلك أغلبية مقاعده، مما يعيق برامج الحكومة التي بدأت أعمالها في أبريل/نيسان الماضي.
وتحتدم المنافسة بين 4 تحالفات كبرى، يسعى كل منها لفرض أجنداته في البرلمان المقبل:
1 – باستيف.. حزب الوطنيينيقود هذا التحالف رئيس الوزراء عثمان سونكو، الذي يعتبره مراقبون الأكثر حظوظا بفضل شعبيته الواسعة بين الشباب والطبقات العاملة.
ويبدو سونكو في خطبه السياسية حانقا حتى على الحكومة التي يرأسها، حيث يتهمها بالتقصير في حماية أنصاره من العنف السياسي.
ويحرص رئيس الوزراء على تحقيق أغلبية برلمانية تمكنه من تنفيذ أجندته الإصلاحية التي تتمحور حول تغيير الطبقة السياسية ومحاربة الفساد، بما في ذلك مراجعة الصفقات والاتفاقات مع الشركات الأجنبية.
ويقول حسين كان -وهو مناصر لحزب باستيف- إن هناك مؤشرات على اتساع القاعدة الشعبية لسونكو، و"ظهر ذلك جليا في حملة الانتخابات التشريعية، حيث يُخيّل للمراقب أن المشهد السياسي خالٍ من تقديم رؤية سياسية تنموية باستثناء النظام الجديد".
2 – تاكو والو.. تحالف العزم والإنقاذويأتي في المرتبة الثانية "تحالف تاكو والو" (العزم والإنقاذ) بزعامة الرئيس السابق ماكي سال، الذي يسعى لاستعادة نفوذه من خلال توحيد قوى ليبرالية بارزة وأحزاب معارضة قديمة.
ويضم تاكو والو حزب التحالف من أجل الجمهورية بقيادة صال الذي كان يملك أغلبية البرلمان المنحل، و"الديمقراطية السنغالية"، بقيادة كريم واد.
ماكي صال الذي يوجد حاليا في المغرب، نأى بنفسه لشهور عن التجاذبات السياسية، لكنه دخل على الخط مؤخرا متهما الحكومة بالعجز.
وكان صال الذي حكم البلاد من 2012 حتى 2024، تراجع في السنوات الأخيرة تحت ضغط الشارع عن السعي لولاية رئاسية ثالثة وحتى عن تأجيل الاستحقاقات لأشهر قليلة.
وانتهى عهد صال بأزمة سياسية خانقة أسفرت عن وصول خصومه للسلطة في 24 مارس/آذار الماضي حيث فاز فاي بالاستحقاق الرئاسي بأكثر من 54% من الجولة الأولى، في حين تولى سونكو قيادة الحكومة منذ أبريل/نيسان الماضي.
ويقول أنصار صال إنه حقق الكثير من الإنجازات، خصوصا فيما يتعلق بمشاريع البنى التحتية، ولكن "الشباب شيطنوه".
3 – جام آك نجارين.. السلام والازدهار
في المرتبة الثالثة، يأتي تحالف "جام آك نجارين" (السلام والازدهار) بقيادة الوزير الأول في عهد صال ومرشحه للرئاسيات الماضية آمدو باه.
باه الذي حصل على 36% من الأصوات في رئاسيات مارس/آذار الماضي، ضم لتحالفه أحزابا معارضة، بهدف إحداث توازن أكبر في البرلمان.
ويملك باه تجربة ثرية في العمل الحكومي بدأها في حقبة الرئيس الأسبق عبدو ضيوف، ويتعهد في برامجه السياسية بتحقيق الازدهار الاقتصادي وخلق فرص العمل.
4 – سام ساكادو.. الوفاء بالعهدأما تحالف سام ساكادو (الوفاء بالعهد) بقيادة عمدة داكار بارتلمي جاز فيركز بشكل خاص على العاصمة.
ويجمع هذا الحزب قيادات معارضة بارزة بينها المرشحة الرئاسية السابقة أنتا بابكر إنغوم، ورجل الأعمال بوغان غاي داني.
من أنشطة تحالف الوفاء بالعهد خلال الحملة الانتخابية البرلمانية الحالية في السنغال (مواقع التواصل) احتمالات الانسجام والتأزم والتعايشوفي حال فوز تحالف باستيف، سيتحقق الانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يجعل السنغاليين يترقبون من سونكو وفاي الوفاء بتعهداتهما للشعب خلال الحملة الرئاسية الماضية.
ويتطلع السنغاليون إلى عهد جديد من الإصلاح ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في مؤسسات الدولة، وصولا إلى دعم القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تعزز فرص العمل وتحسن المعيشة.
ويعد باستيف بتعزيز سيادة البلاد من خلال إعادة التفاوض بشأن العقود المرتبطة بالموارد الوطنية، كالنفط والغاز، بما يخدم مصالح الاقتصاد.
أما إذا سيطرت المعارضة على البرلمان، فإن حزب باستيف لن يتمكن من تنفيذ برامجه على الواقع، مما قد يجعل البلاد على أعتاب أزمة سياسية جديدة.
بيد أن البعض يرون أن التأزم السياسي يمكن تفاديه، من خلال قبول الطرفين بالتعايش تحت قبة البرلمان وتأجيل الحسم في بعض القضايا الخلافية تغليبا لمصلحة الوطن.
وهذا السيناريو الأخير لا يستبعده الناشط السياسي محمد بالمنصور، حيث يقول إن جانبا من المعارضة لا يعمل على إيقاف مشاريع باستيف بل "يؤيد التعاون معه في تنفيذ مشاريعه بما يخدم مصالح البلاد، ويعترض على ما يراه غير مناسب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
تحالفات في زمن الحروب.. “عبقرية التحالفات الروسية”
د. شوقي صلاحبقلم: لواء دكتور/ شوقي صلاح
عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة (محامي بالنقض)
– لا شك أن كل دول العالم تراقب الحروب الدائرة حاليا لرصد كافة معطياتها، للوقوف على الدروس المستفادة منها.. ولنتأمل بداية الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تتمحور البداية في قيام الناتو بقيادة أمريكية بتغيير نظام الحكم في أوكرانيا لنظام موال للغرب وتوجهاته، ثم الشروع في ضم أوكرانيا للناتو لتصبح بمثابة خنجر في خاصرة روسيا، وتعلم الولايات المتحدة علم اليقين بأن روسيا ستقوم بغزو أوكرانيا كرد فعل وقائي لتجنب مخاطر تهدد أمنها القومي، وبناء على هذا يقوم الناتو باستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا من خلال حرب هجينة.. حيث يتم دعم أوكرانيا عسكريًا من ناحية، وتوقيع عقوبات اقتصادية هائلة على روسيا تؤدي إلى سقوطها من ناحية أخرى، خاصة وأن الاستراتيجية الأمريكية وقتها – أي خلال فترة رئاسة بايدن – كانت ترى وبحق خطورة صعود روسيا بسرعة الصاروخ على المستويين: الاقتصادي والعسكري، بما يجعلها العدو والمنافس الأول الذي يهدد عرش الولايات المتحدة الأمريكية، لذا وجب من وجهة نظر البيت الأبيض استنزاف روسيا بقوة لتعطيل تقدمها المشار إليه.
– هذا، وتحقق بشكل مبدئي ما خططت له الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقامت روسيا بغزو أوكرانيا عسكريًا في 24 فبراير 2022، والحرب مستمرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، ومع اقتراب مرور ثلاث سنوات على الغزو، فإن الدعم العسكري والمالي والسياسي مازال مستمرًا من قبل دول الناتو وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والحقيقة أن الاستنزاف في هذه الحرب متبادلاً – وفقا لتقارير نشرت في الإعلام الأمريكي فقد تم دعم إسرائيل بأكثر من خمسة ألاف طائرة شحن لنقل أسلحة وذخائر لإسرائيل، هذا خلاف الشحن البحري- ويعد هذا استنزاف عميق للقدرات الأمريكية، وانتقص هذا الدعم بالطبع من حصة أوكرانيا.. لذا لا نذهب بعيدا بالقول بأن هناك بصمات روسية واضحة في إطلاق شرارة حرب “طوفان الأقصى” لاستنزاف الدعم الأمريكي لأوكرانيا.. ومع هذا فإن الخسائر في الجانب روسيا لحرب أوكرانيا أكبر بكثير من الناتو، فبضرف النظر عن الخسائر المادية، إلا أن الخسائر البشرية التي لحقت بروسيا، ممثلة في ضحاياها من القوات هي الأخطر.. ومع هذا فإن روسيا تحارب حربا وجودية.
– هذا، وأدرك بوتين منذ بدء الصراع مع الناتو على المسرح الأوكراني أنه: لا يستطيع وحده الاستمرار في هذه الحرب دون تحالفات تدعمه على كافة المستويات، لذا فقد توجه مباشرة في الشهور الأولى للحرب للصين، وتقابل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، ثم تعددت لقاءات الزعيمين بعد هذا.. ورغم نفي الصين المتكرر مزاعم تزويدها لروسيا بالأسلحة، فقد أصبحت بيكين شريكاً حيوياً لموسكو، إذ تسعى لتخفيف تأثير العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ودول أخرى على المتعاونين تجاربا مع روسيا. فدعمت الصين روسيا بتوريدات مهمة للتصنيع العسكري، كما استفادا معا من عقد صفقات للتجارة البينية لكسر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أوروبا عليهما.. واعتباراً من عام 2023 أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا.
– كما تحالفت روسيا مع لاعبين آخرين مؤثرين هما: إيران وكوريا الشمالية، وقد أمدت الأولى روسيا بكم هائل من الطائرات المسيرة والصواريخ، كما كان الدعم الكوري الشمالي صادمًا للناتو وأوكرانيا؛ فبجانب الدعم بالسلاح والذخائر، أرسلت كوريا الشمالية عشرة ألاف مقاتل من مقاتلي قواتها الخاصة كدفعة أولى للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا، وهم يحاربون الآن في كورسك، كما سبق وتعاون مقاتلي الشيشان مع الجيش الروسي في الحرب، ولا يفوتنا الإشارة إلى التحالف الروسي مع بيلا روسيا؛ حيث سمحت الأخيرة لوجود عسكري روسي على أراضيها، وهذا الوجود مدعم بأسلحة نووية أي أن أراضي الدولة الحليفة استخدمت كقاعدة عسكرية نووية متقدمة، هذا وغني عن البيان أهمية الدور السوري في التحالف مع روسيا، والذي أثمر عن وجود قاعدتين عسكريتين لروسيا على البحر المتوسط، ولهما أهمية استراتيجية عظمى لروسيا.
خلاصة القول: إذا كانت استراتيجية بايدن ذهبت بحق إلى أهمية وقف التقدم الروسي المتنامي بقوة على المستويين العسكري والاقتصادي، وذلك من خلال توريطها في حرب هجينة تستنزف قواها وتضعفها لدرجة تخرجها من قمة الهرم الذي تحتله الولايات المتحدة وحدها، وتأجيل وجود عالم متعدد الأقطاب.. إلا أن هذه الاستراتيجية واجهتها تحركات عبقرية من قبل القيادة الروسية، حيث تحركت نحو تحالفات قوية ومؤثرة على المستويات: العسكرية والاقتصادية والسياسية.. فكان لزاما على الولايات المتحدة الأمريكية وبعد مرور سنة ونصف على الأكثر من حرب روسيا/ أوكرانيا وبعد ظهور أثر التحالفات المشار إليها والتي أضحت معها هزيمة روسيا شبه مستحيلة.. أن يتم إيقاف الحرب وتسوية النزاع بشكل مناسب للحفاظ على ما تبقى لأوكرانيا من قدرات، ولتجنب تطور الصراع ليصبح حربا مباشرة بين روسيا والناتو، وفي هذه الحالة ستنتقل غالبا لتصبح حربا نووية الكل فيها خاسر.
– حقا كان على بايدن إدراك أن: القائد السياسي الناجح هو الذي يكون لديه حكمة في استخدام القوة، وقدرة على استشراف المستقبل في ظل قراءة واعية ورشيدة لمعطيات الموقف، فعندما تدرك أن المسار سينتهي بك للإخفاق في تحقيق أهدافك، فيجب أن تتوقف فورا وتعالج الأمور بمسارات بديلة لتقليل الخسائر.. ولتكتفي بالعقوبات الاقتصادية كأداة فاعلة ومؤثرة؛ سواء ضد روسيا أم غيرها.. بينما وعلى العكس فقد دفعت السياسات الأمريكية إلى استقطابات دولية حادة وتحالفات مضادة مؤثرة، يبدو فيها أن العالم أصبح فعلا على وشك التحول لعالم متعدد الأقطاب. وجدير بالذكر أن إصرار القيادة الأمريكية على المضي في حرب الاستنزاف المشار إليها كان سببًا رئيسًا في خسارة الحزب الديمقراطي التاريخية لمقعد الرئاسة في الانتخابات الأخيرة، ليس هذا فحسب، بل خسر الحزب الأغلبية في الكونجرس الأمريكي بغرفتيه: النواب والشيوخ.