وصل مشروع قانون وضع قيود استثنائية على الرساميل والتحويلات في الجهاز المصرفي (الكابيتال كونترول) إلى جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب اللبناني متوّجاً مساراً طويلاً استمرّ لنحو 4 أعوام حفلتْ بتدابير خاصة للسحوبات المحدودة والاقتطاعات الجسيمة من المدّخرات وبمواجهاتٍ متنوعة من التظاهرات الى الاقتحامات لفروع المصارف بغية تحصيل ما أمكن من الودائع المحتجزة.

ووفق مقولة أن «تأتي متاخراً..» يؤمل أن تجد الصياغة الأحدث المنجَزة من اللجان النيابية طريقها للاقرار عبر توافق نيابي مسبق تستمرّ الاتصالات للعمل على انضاجه وتثميره في الجلسة المقررة الخميس، ثم الانتقال الى التنفيذ عقب النشر في الجريدة الرسمية، ليصبح لدى لبنان الغارق في أزمة نقدية عاتية ومتفاقمة بأشكال ووقائع مذهلة، تشريع مرْجعي يحدد الضوابط الاستثنائية والموقتة على «التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية وحماية حقوق المودعين».

المستقبل لأفريقيا.... لماذا التنافُس الصيني - الغربي وما الفارق بين النموذجيْن؟ منذ يوم اللبنانيون لشاشةِ المجد الضائع.. «لا تقولي وداعاً» 12 أغسطس 2023

ومن الواضح، وفق مصادر معنية تواصلت معها «الراي» ان المبادرة الى فتْح القنوات المغلقة بإحكام من قبل أهل الحُكْم على مدى سنوات الأزمة وتفاعلاتها، بغية تسهيل «تمرير» تشريعات مالية منشودة، تتلاقى في حيثياتها مع بند حيوي من حزمة الشروط التي أبلغتْها القيادة الجديدة للقرار النقدي وسلطته المركزية، وتؤشر إلى تَوافُق مضمَر على «تسهيل المَهمة» بعد اسبوعين فقط من تَسَلُّم الدكتور وسيم منصوري، موقع حاكم البنك المركزي بالوكالة.

وبدت التعديلاتُ النيابية على المشروع الأصلي، المرسَل «موارَبة» من الحكومة، حاسمةً في الشكل على أقلّ تقدير، بإعلاء شعار «حماية حقوق المودعين» وفق ما تضمّنتْه المادة الأولى من مشروع القانون المعجل، حيث يرد نصاً «إن حقوق المودعين المحفوظة والمكرَّسة بالدستور، لا يجوز المساس بها اطلاقاً، وان الضوابط الاستثنائية والموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية التي تتضمّنها مواد هذا القانون ونصوص اي قانون آخر، لا تشكل مساساً بحقوق المودعين وأصول ودائعهم».

وفيما يربط خبراء ومحلّلون تقييماتهم بصدور القنوان بالصيغة النهائية بسبب كثرة المشاريع المطروحة سابقاً ومضامينها المتباينة الى حدود التناقض احياناً، يستذكر المصرفيون قراراهم الاجماعي في الجمعية العمومية قبل نحو عام والذي يحضّ على أولويات تسريع صدور القوانين المتعلقة بخطة

التعافي والمطلوبة دولياً، ولا سيما من صندوق النقد الدولي، وفي مقدّمها، قانون «الكابيتال» كونترول الذي كان مطلب المصارف منذ بداية الأزمة توخياً للمحافظة على مخزون القطع الأجنبي الضروري لتأمين معاملة المودعين على قدم المساواة ومن دون استنسابية. ثم قانون إعادة هيكلة المصارف، مع التشديد على وجوب تأمين المشاركة السريعة والفعالة من المصارف في إعداد هذا القانون، كونها المعني الرئيسي به في ضوء انعكاساته على موظفيها واستمراريتها.

وبالمثل، رحّبت الهيئات الاقتصادية، والتي تمثّل الاطار الجامع لنقابات وجمعيات اصحاب الأعمال في لبنان، بإمكان تشريع «قانون الكابيتال كونترول» الذي طال انتظاره من ضمن رزمة القوانين الإصلاحية، مؤكدة «أن إبقاء الأموال الجديدة (الفريش) حرة من أي قيود، سواء في التداول الداخلي والتحاويل الخارجية، هو مطلب أساسي حمله ممثلو الهيئات إلى الاجتماعات الممهدة لجلسات اللجان المشتركة».

لكن الهيئات الاقتصادية تفاجأت، وفق بيانها، «بأن المادة السابعة في القانون المقترح تنص في فقرتها الأولى على ان تتم المدفوعات والتحاويل المصرفية المحلية كافة بالليرة اللبنانية باستثناء الحالات التي تحددها»اللجنة«التي ستناط بها الصلاحيات في هذا النطاق»، مبيّنة «التناقض الكبير بين السماح بالدفع والتحويل إلى الخارج، ومنعه في الداخل».

وفي حيثيات موقف «الهيئات» ان النص الوارد «ينسف» مفهوم الإيداعات والتحاويل الجديدة التي يكرّسه القانون نفسه، «وخصوصاً ان المادة الثانية تعرّف في بندها الرابع عشر الإيداعات والتحاويل الجديدة بالأموال المودعة بأي عملة التي كانت حُولت من خارج لبنان أو أودعت نقداً لدى المصارف بعد 17 اكتوبر 2019 حتى لو جرى تحويلها من مصرف إلى آخر داخل لبنان. بينما المادة الرابعة تبيح نقل هذه الأموال عبر الحدود».

وبذلك «فإن خطر المادة 7 يتمثل بأنها ستؤدي الى ردع المقيمين وغير المقيمين من تحويل الأموال الجديدة إلى لبنان، كونهم لا يستطيعون استعمالها في لبنان بحرية. كما إن الالزام بسداد المدفوعات بالليرة، ستكون له انعكاسات كارثية على الاقتصاد المدوْلر بنسبة شبه كاملة، وخصوصاً أن هذا التدبير مرشح لأن يشمل كل المبادلات المالية، من إيجارات وعمليات تقسيط وبيع بالجملة والتجزئة، وصولاً إلى اقتناء أصول مرتفعة الثمن مثل السيارات وحتى الشقق السكنية».

واللافت ايضاً، بحسب «الهيئات» طغيان «الطابع المالي والمحاسبي والقانوني والقضائي على حساب الاقتصادي، على اللجنة المقترحة لتولي تطبيقات القانون، فيما تشي صلاحياتها الواسعة بتحولها حكومة ظل، كونها تملك عملياً، ومن خلال توفير الدولارات هنا وحجْبها هناك، حق الحياة أو الموت على مختلف القطاعات الإقتصادية ومؤسساتها، وخصوصاً أن فقدان الدولار بالنسبة للقطاعات الاقتصادية هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة عليها بعد سنوات من المعاناة».

وسألت الهيئات الاقتصادية: «كيف للجنة خاصة، مهما علا شأنها، أن تضع شروطاً وتحدد أولويات في ما يتعلق بالولوج الى الدولارات النادرة من قبل هذا المورد أو ذاك؟ وهل ان اقتصاداً مثل النظام الإقتصادي اللبناني، الذي نشأ قبل أكثر من 100 عام على حرية التداول بالعملات وحرية التحويل عبر الحدود، قادر على التكيف مع الإجراء الصارم الذي تفرضه المادة السابعة لجهة فرض الليْلرة عنوة؟ وهل طموح لبنان ان يفقد رونقه الإقتصادي الخاص به، والذي جعل منه مقصداً للترفيه والتسوق والتبضع، للأبعدين قبل الأقربين، وان يتحول اقتصاده الى نموذج إقتصادي مسخ لا يليق بلبنان، وهو أصلاً غير قابل للحياة؟».

المصدر: الراي

إقرأ أيضاً:

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

سواء في لبنان أو في غزة يظل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أمراً شديد الأهمية؛ لأنه يعني وقف القتل والتخريب والتهجير الذي يوشك أن يصبح آتياً من طرفٍ واحدٍ هو الطرف الإسرائيلي. بيد أنّ المشكلات الأخرى المتكاثرة بعد الحرب على الجبهتين هي بالصعوبة نفسها، بل قد تكون أكثر عسراً واستعصاءً، وستقتصُر المعالجة هنا على الجبهة في لبنان.

إنّ الصعوبة الأولى بعد وقف النار إن حصل تتمثل في دخول الجيش اللبناني إلى منطقة الليطاني الحدودية والتي اخترقتها إسرائيل من الوريد إلى الوريد. وبالطبع، فإنّ الانسحاب الإسرائيلي ينبغي أن يحصل أولاً، وإن حصل فهل يكون دخول الجيش سهلاً وسلِساً؟ المنطقة المقصودة خالية من السكان تقريباً، لكنها لا تخلو من عناصر الحزب وربما لا تزال هناك أسلحة ومخابئ إن لم تكن هناك أيضاً أنفاقٌ لم يدمّرها الإسرائيليون بالكامل. فهل يستطيع الجيش إخلاء المنطقة من السلاح والمسلحين بطول مائة كيلومتر تقريباً؟ للمرة الأولى منذ ثمانينات القرن الماضي ما حصلت ضربةٌ للحزب كضربة هذه الحرب. وقد كان سابقاً ينفّس عن نفسه بدعاوى الانتصار التي لا يستطيعها الآن؛ ولذلك ستنصبّ مماحكاته على الجيش و«يونيفيل» الذين لن يقاتلوه لكنهم سيصرُّون على الخروج والإخراج وهم تحت رقابة الإسرائيليين والأميركيين والفرنسيين.
إشكاليات الخروج والإخراج، تتلوها إشكاليات الموقف الداخلي. لدينا منذ قيام دولة لبنان الكبير الذي لم يعد كذلك لا لجهة سورية ولا لجهة إسرائيل ولا لجهة المناطق التي ينتشر فيها الحزب ومسلَّحوه. منذ قيام الدولة في العشرينات منذ القرن الماضي تحضر مشكلات الهوية الفصامية بين المسيحيين والمسلمين وقد صارت الآن رباعية وليست ثنائية: المسيحيون والسنة والشيعة والدروز. وقد كانت المظلومية الشيعية سيدة الموقف من ستينات القرن الماضي، وهي ستعود الآن بعد الصدمة الهائلة على الصعد كافة: كيف سيعود الشيعة إلى منازلهم على الحدود ومعظم المنازل مدمَّرة؟ وهم سيشهدون الدمار الهائل وسيبتزون الحكومة العاجزة بحجة رفع الظلم. وبعد الحكومة هناك عشرات ألوف المساكن التي يحتلها المهجَّرون في سائر الأنحاء بإيجار ومن دون إيجار، وهناك عشرات المدارس التي لا تستطيع فتح أبوابها للطلاب لأنّ المهجَّرين فيها! وربما لا يمون الحزب على مناطق التهجير، لكنه لن يسهِّل عودة أصحابها إليها وسيكون هذا الإباء جزءاً من الصدمة التي نزلت بالحزب وسائر اللبنانيين.
قبل الحرب كان «الثنائي الشيعي» يحتجز رئاسة الجمهورية ويريد فرض مرشح معين من أجل الأمن الاستراتيجي للحزب! أما الآن فسائر الشيعة غير آمنين ولا في مساكنهم، والذي أتصوره أن الرهان سيزداد تعقيداً لأن الفصامية ازدادت بين الشيعة والمسيحيين وما عاد عندهم ما يمكن تبادله. هناك من اللبنانيين من يعتقد أن إعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة هما همّان يمكن أن يجمعا اللبنانيين. لكنّ الأمر ليس كذلك الآن. كان هناك «مجنون» بإعادة إعمار بيروت وهو رفيق الحريري يعاونه السعوديون والفرنسيون، لكنّ التضامن العربي والدولي ليسا حاضرين الآن. مفاوض الشيعة الوحيد على وقف النار وعلى استعادة الكيان السياسي واحد ووحيد هو نبيه بري وأمل الشيعة فيه مشروط، إنما لا ثقة للآخرين به. وعلى أي حال، فكل تنازُلٍ من جانبه سيقابل بالإنكار والاستنكار. لكن، هناك انطباعٌ الآن أنّ إيران تريد أخيراً وقف الحرب بعد أن كانت قد أثارتها. ويقال إنّ علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني إنما زار بري ولبنان لهذا الغرض. وبالطبع الجميع الآن يعتبر إسرائيل هي العقبة وقد جاء آموس هوكستين مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان لهذا الغرض، ويقال إنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يدعمه أيضاً!
الجميع الآن يترقب نوايا وأفعال ترمب الذي يقال إنه يريد وقف كل الحروب ومنها الحرب على لبنان وستبيّن الأيام القليلة المقبلة مدى الصدق في هذه المقولة. لكن على ماذا يراهن الحزب المقاتل بعد هلاك الألوف من عناصره وطائفته، وإذا كان «يعاني» سابقاً غرور فائض القوة، فهو يعاني اليوم الضعف الشديد الذي أوصلته إليه الحرب الإسرائيلية ويسخر المتحدثون الإسرائيليون ويزعمون أنهم يريدون تحرير اللبنانيين من سطوة الحزب وداعميه، ويصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الغرور إلى مخاطبة الشعب الإيراني بأنه يريد تحريرهم من نظام حكمهم الفظيع!
الصعوبات قبل وقف النار وبعده لا تُعدُّ ولا تُحصى. وعندما جاء هوكستين إلى بيروت قابل ثلاثة، هم: الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون الذي من المفروض أن يرسل جحافله الجرارة إلى منطقة الليطاني للحلول محلَّ تحصينات الحزب وأنفاقه.
المطربة اللبنانية الشهيرة فيروز بلغت التسعين، ويتخذها اللبنانيون ومحبو لبنان من العرب دليلاً على «خلود» لبنان رغم ضخامة المشكلات فيه داخلياً وخارجياً.

مقالات مشابهة

  • 500 ألف جنيه غرامة للاجئين حال القيام بهذه الأفعال | مشروع قانون
  • قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها في كورسك
  • بعد إقرار القانون.. الحبس وغرامة 2000 جنيه عقوبة صرف مساعدات «دعم نقدي» بالمخالفة
  • منح الجنسية المصرية للسفن.. تعديلات جديدة بقانون التجارة البحرية|تفاصيل
  • قبل 7 أشهر من تنفيذ حكم الدستورية.. علاقة المالك والمستأجر بقانون الإيجار القديم
  • تصل للسجن 5 سنوات.. احذر من الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة
  • تعرف على عقوبة اصطناع المواقع والحسابات الخاصة وفقا للقانون
  • وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!
  • الحبس والغرامة.. ما عقوبة قيام اللاجئ بنشاط يمس الأمن القومي؟
  • تعدى على طالبة وتنمر عليها.. مدرس بالجيزة يواجه عقوبات بالجملة