دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني: بين الواقع والمأمول
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة
الصراع السوداني الممتد يمثل أحد التحديات الأعقد في تاريخ البلاد الحديث، حيث تشابكت الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبرزت مطالب عاجلة للسلام والاستقرار. ومن بين القضايا المطروحة اليوم بإلحاح من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي بايدن هي إمكانية دمج ما تبقى من قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بهدف إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار.
الأبعاد الجدلية لعملية الدمج
قوات الدعم السريع ليست مجرد تشكيل عسكري عادي؛ فهي تتسم ببنية إدارية وتاريخ خاص له ارتباطات مع محاور* ذات أحلام وأمال عراض في موارد السودان وأراضيه وموانئه، نشأت أصلاً كقوة مسلحة شبه مستقلة تحت قيادة منفصلة تحت امرة الرئيس المخلوع البشير كقوات باطشة ومؤمنة للرئيس لضمان حمايته وبقاءه في السلطة، مما أكسبها مكانة فريدة من نوعها، ولكنها مثيرة للجدل داخل الأوساط السودانية. ولعل العامل الأكثر تعقيدًا في عملية دمج هذه القوات هو تاريخها المرتبط بنزاعات عنيفة وارتكاب انتهاكات جسيمة في دارفور وأماكن أخرى، حيث أُلقي على عاتق هذه القوات جرائم كبرى تُصنف تحت بند جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية..
إن مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني تتطلب، بلا شك، حلاً جذريًا لهيكلية هذه القوات وإعادة تنظيمها بما يضمن ولاءها التام للمؤسسة العسكرية الوطنية، وتحت قيادة مركزية موحدة. يرى البعض أن الاندماج قد يكون سبيلًا لإنهاء النزاعات الداخلية وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات الأمنية. لكن في المقابل، يعتبر آخرون أن أي خطوة نحو دمجها دون محاسبة واضحة وشفافة ستكون تضحية بقيم العدالة وسيادة القانون.
موقف السودانيين ومسألة احقاق العدالة
يشكل الرأي العام السوداني عاملًا محوريًا في تحديد ملامح هذا الدمج. فالشعب السوداني الذي عانى من سنوات من القمع والحرب والانتهاكات، يطمح إلى تحقيق العدالة قبل السلام. والمحاسبة، في نظر الكثيرين، هي شرط أساسي قبل التفكير في إدماج أي طرف متورط في انتهاكات حقوق الإنسان في نسيج الجيش الوطني.
ومما لا شك فيه أن الإصرار على تحقيق العدالة قد يؤدي إلى صعوبة تطبيق خيار الدمج، فالمواطنون السودانيون لا يرغبون في رؤية من ارتكبوا الجرائم بحقهم وقد انضموا إلى المؤسسة العسكرية دون خضوعهم للمساءلة. ويرى كثيرون أن تجاهل هذه النقطة قد يؤدي إلى فقدان الثقة الشعبية في الجيش كمؤسسة، مما يعرقل تحقيق الاستقرار المنشود.
موقف الإسلاميين والمؤسسة العسكرية
المشهد السياسي السوداني يسيطر عليه توازن حساس بين القوى المدنية والعسكرية والإسلامية. يتجلى موقف الإسلاميين بشكل خاص في النظر إلى قوات الدعم السريع كمنافس وتهديد، بل ويسعى بعضهم إلى تفكيك هذه القوة، في حين يحاول الجيش أن يستعيد دوره التاريخي في حفظ النظام والأمن.
أما الجيش السوداني، فإن خيار الدمج قد يعزز من سيطرته على الوضع الأمني في البلاد، لكنه أيضًا قد ينطوي على تحديات كبرى، خاصة إذا لم يلتزم قادة الدعم السريع بالهيكلية العسكرية الوطنية وبالقوانين المنظمة لعمل الجيش. إن المؤسسة العسكرية السودانية، التي كانت في يوم من الأيام تمثل العمود الفقري للأمن القومي، تجد نفسها اليوم في وضع حرج، يتطلب منها توخي الحذر في التعامل مع أي قوة عسكرية ذات توجهات أو قيادات مستقلة، لتجنب أي انشقاقات مستقبلية.
خاتمة: معادلة السلام أم تسوية سياسية؟
في النهاية، يبدو أن دمج قوات الدعم السريع او اياً من الحركات المسلحة في الجيش السوداني يمثل معادلة معقدة تحتاج إلى توازن دقيق بين تطلعات السودانيين للسلام وضرورة المحاسبة. وعلى القوى الوطنية السودانية والقادة العسكريين أن يتبنوا خطوات صارمة نحو
ضم او الحاق أي فصيل مسلح يحتكم لأسرة في حالة الدعم السريع او لقبيلة او منطقة في حالة بعض حركات الكفاح المسلح لضمان عقيدة جيش الدولة بعيداً عن الاستقلالية الفردية والولاءات الجانبية. فإذا أُحسن التعامل مع هذا الملف بعد التحقق من السودانوية (الجنسية) ، قد يكون الدمج و التسريح خطوة نحو تعزيز الأمن الوطني وتوطيد الاستقرار.
*المحور المقصود هنا هو دولة الامارات العربية المتحدة
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی الجیش السودانی
إقرأ أيضاً:
للمرة الثالثة الدعم السريع يستهدف محطة مروي بطائرات مسيّرة وانقطاع الكهرباء في الولاية الشمالية
في تطور جديد استهدفت قوات الدعم السريع فجر اليوم الثلاثاء محطة كهرباء مروي للمرة الثالثة خلال شهر ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن أجزاء واسعة في الولاية الشمالية أقصى شمال السودان.
مروي _ التغيير
و أكدت إدارة الاعلام والعلاقات العامة بشركة كهرباء السودان في بيان استهداف محطة مروي التحويلية بمسيرات أصابت المحطة فجر اليوم تضرر على إثرها المحول المغذي للولاية الشمالية.
و نوهت إلى أن هذا الاستهداف المتكرر لمحطات الكهرباء ينعكس سلبا على خدمات المواطنين في شهر رمضان المعظم.
وطمأنت المواطنين بأن فريق الدفاع المدني يبذل قصارى جهده في الموقع للسيطرة على الحريق وتقليل حجم الخسائر هذا بالاضافة إلى تواجد الفريق الفني من مهندسين وفنيين وعمال في موقع الحدث لتقييم الأضرار والعمل على اصلاحها وارجاع التيار للمناطق المتأثرة فى اسرع فرصة ممكنة.
و الأسبوع الماضي استهدفت قوات الدعم السريع بطائرات مسيرة أربعة مواقع بمدينة مروي شمال السودان، إلا أن الدفعات الأرضية للجيش نجحت في إسقاطها دون إلحاق أي ضرر.
حيث نفذت قوات الدعم السريع هجمات فجر الجمعة الماضية بطائرات مسيرة ركزت على أربعة مواقع بمدينة مروي بالولاية الشمالية هي قيادة الفرقة 19 مشاة التابعة للجيش، ومطار المدينة، وسد مروي، ومحطة توليد الكهرباء، وتصدت لها المضادات الأرضية للجيش السوداني وأسقطت عددا منها، وتسببت المسيرات في انقطاع الكهرباء بالمدينة.
وكان قد أوضحت قيادة الفرقة 19 مشاة التابعة للجيش السوداني في تصريح صحفي، إن الهجوم استمر من الساعة الثانية والنصف من فجر الجمعة وحتى الساعة الخامسة صباحاً، وأكدت أن قواتها في كامل الاستعداد والتأهب التام للتعامل مع أي طارئ أو أي أجسام غريبة في سماء محلية مروي والولاية الشمالية عامة.
و سبق أن أستهدفت قوات الدعم السريع بداية الشهر المنصرم محطة أم دباكر للكهرباء بولاية النيل الابيض مع هجمات أخرى استهدفت سد مروي، و محطة كهرباء دنقلا، والمحطة التحويلية بمنطقة الشوك بولاية القضارف، ما تسبب بانقطاع الكهرباء عن أربع ولايات، بينها ولاية النيل الأبيض.
و في سياق الصراع الدائر في السودان، بدأت قوات الدعم السريع استخدام الطائرات المسيّرة منذ يونيو 2023، مما أضاف بُعدًا جديدًا للحرب.
ومكنت الطائرات المٌسيرة قوات الدعم السريع من تنفيذ هجمات دقيقة على مواقع استراتيجية، بما في ذلك استهداف البنية التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة.
ويشهد السودان منذ بداية الحرب تصعيدًا في استخدام الطائرات المسيرة لاستهداف المنشآت الحيوية، في محاولة لتعطيل البنية التحتية الأساسية.
الوسومالدعم السريع طائرات مسيرة محطة كهرباء مروي