السوداني وبارزاني يبحثان إيجاد معالجات للقضايا المشتركة وفق الدستور
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
بغداد اليوم -
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
إشكالية الدستور غير المكتوب في إسرائيل: لمحة تعريفية
في عام 2023 خرجت مظاهرات حاشدة في الشوارع الإسرائيلية، استمرت طويلًا، وانطلقت هذه المظاهرات بعد أن أعلن ليفين وزير عدل حكومة بنيامين نتنياهو عما أسماه إصلاحات قضائية في الرابع من يناير عام 2023. تشتمل هذه التعديلات/ الإصلاحات القضائية على أربعة مجالات رئيسة وهي سلطة المحكمة العليا، وتركيبة المحكمة العليا، وحماية نتنياهو وحلفائه، وأخيرًا الحد من صلاحيات المستشارين القانونيين. بسبب هذه التعديلات التي أرادت حكومة نتنياهو تفعيلها، خرجت المظاهرات الحاشدة، وكان من ضمن الشعارات التي رُفعت في هذه المظاهرات شعار «لن نتوقف حتى يوجد الدستور!»، وبعد أن أعلن نتنياهو عن مشروع التعديلات القضائية، خرج عضو الكنيست ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد وقال «إن أي مفاوضات مع الائتلاف الحاكم لإيجاد حل وسط يجب أن تشمل مناقشات حول صياغة الدستور»، وكذلك دعت شكما بريسلر وهي واحدة من قادات الاحتجاجات في شارع كابلان إلى وضع دستور فردد الآلاف خلفها بكلمة واحدة «دستور!، دستور!». وكذلك استخدم الإسرائيليون وسم «#الدستور_الآن» على مواقع التواصل الاجتماعي. إن كل هذه المحاولات لبناء دستور مكتوب في إسرائيل تنبئ عن مشكلة تعاني منها الحياة القانونية وبالتالي السياسية والاجتماعية في إسرائيل تتمثل في عدم وجود دستور مكتوب. وكانت هذه المسألة تناقش لسنوات عديدة، فمنذ أن تم الإعلان عن استقلال ونشوء دولة إسرائيل على يد ديفيد بن جوريون في 1948 تم طرح المسألة، وقد قال بن جوريون في وقتها إنه لا يجب بناء دستور في الوقت الحالي حتى لا يتم حرمان أجيال من اليهود الذين سيهاجرون من بناء دولتهم. لكن في خضم هذا الجدال الذي زاد وتفاقم في فترة اندلاع المظاهرات، ينبغي أن يأتي السؤال، ما هي الأبعاد السياسية والدينية للدستور غير المكتوب في إسرائيل؟ ولماذا لم تتم كتابة دستور حتى هذه اللحظة التي تكاد كل دول العالم فيها تمتلك دساتير مكتوبة؟ تذكر ليندة طرودي في بحثها المنشور على مركز دراسات الوحدة العربية -وهو واحد من المصادر الرئيسة في هذا المقال- إن البنود التي أسسها قانون الأساس تفترض انتصار القومية اليهودية من خلال توفير امتيازات لليهود في هذه البنود، دون أن يعطى المواطنون الفلسطينيون الامتيازات نفسها، حتى تحول قانون الأساس الإسرائيلي هو الشماعة الأساسية التي تعلق عليها إسرائيل الامتيازات التي تمنح لليهود، ولهذا لم يكن من الممكن أن يوجد الدستور المكتوب لأنه سيحتم على إسرائيل -وهي التي تدعي الديمقراطية- أن تعمل بقوانين الديمقراطية فلا يكون هناك امتيازات بحسب العرق أو القومية. تعاني الديمقراطية الإسرائيلية من العديد من التناقضات والمشاكل التي تكتنفها بناء على أساس عدم وجود دستور مكتوب، ومن ضمن هذا التناقض ما ذكره عزمي بشارة في كتابه «من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية» يقول: «وما زالت هذه المواجهة محتدمة وتعتبر من إشكاليات الديمقراطية اليهودية المعاصرة. وتتقاطع مع ثلاثة صراعات أساسية دائمة الحضور في هذه المواجهة: الأول هو الصراع حول العلاقة بين الدين والدولة، والثاني هو الصراع على تضييق الحريات أو توسيعها ومدى خضوعها للمسألة الوطنية وقضايا الأمن التي قد تتخذ شكل سياسات احتلال قمعية حينًا آخر، والصراع الثالث هو الصراع بين مساواة المواطنين ويهودية الدولة، وقد ازداد احتدام الصراع الأخير فيما يتعلق بالمواطنين العرب ما بين البرلمان والمحكمة العليا في العقدين الماضيين». إن واحدة من الحجج التي اعتمدت عليها إسرائيل للتهرب من كتابة دستور هو الجدال الدائم بين الأيديولوجيات السياسية والاجتماعية الموجودة، وبالتالي استمرارية السياسات غير الشرعية التي تمارسها إسرائيل لعدم وجود ما يقيد توسع الحكومة في هذه السياسات. كما أنه يمكن ذكر أن هناك تخوفا مستمرا من انحسار التضامن الاجتماعي في إسرائيل، بسبب زيادة الانقسام بين اليهود والعرب والذي يزداد كل سنة بسبب السياسات التعسفية التي تقوم بها إسرائيل. هناك أيضًا الانقسام اليميني واليساري الذي زاد من انقسامات المجتمع اليساري وتشتته سياسيًا واجتماعيًا بسبب كثرة الأحزاب الموجودة. إضافة لذلك، فإن هناك انقسامًا دينيًا وعرقيًا بين اليهود الموجودين في إسرائيل، لذا رأى بن جوريون أن الدستور المكتوب سيفشل في بناء المجتمع والدولة إضافة لإمكانية تحوله إلى حجة أيديولوجية وثقافية. كما أنه رأى أن الحياة المشتركة يمكن أن تنتج شعورا بالأمة كما يسميه، وبإمكانها أن تعزز مسؤولية وشراكة على جميع المستويات المعيشية بدلا من الدستور المكتوب. بالنسبة للمتدينين، فإن الدستور المكتوب هو انتصار العلمانية عليهم، لذلك فإنه لا يمكن بناء دولة ديمقراطية في ظل معارضة الأحزاب الدينية لكتابة دستور، لأنها لا تتناسب مع التعاليم الدينية التي يؤمنون بها، ولذلك وقعت إسرائيل في هذا المأزق المحتوم، فهي من جهة تقدم نفسها على أنها دولة دينية وقومية لليهود، ومن جهة أخرى تود أن تكون دولة ديمقراطية وعلمانية. أنشئ قانون في عام 1950 الذي ينص على أنه يحق لكل يهودي القدوم إلى دولة إسرائيل من دون تحديد من هو اليهودي، ثم في عام 1970 عادت إسرائيل لتحدد أن اليهودي هو من ولد من أم يهودية، ولذلك وقعت إسرائيل مرة أخرى في مأزق أسئلة مثل من هو اليهودي وما هي اليهودية؟، فبعضهم اعتبروا أن يهود الفلاشاه -وهم يهود سود تعود أصولهم لإثيوبيا- ليسوا منهم، أي أنهم ليسوا يهودا، فاستمر هذا المأزق الإبستمولوجي يلاحق إسرائيل. في الختام، يمكن القول إن كتابة دستور إسرائيلي هو واحد من المهددات للمخططات الإسرائيلية التوسعية إذ أنه سيحتم على الدولة أن تعمل بالمبادئ الديمقراطية التي تتضمن الحرية والمساواة للمواطنين، وتحديد حدود الدولة، وتحديد العلاقة بين الدولة والمواطنين، وتحديد العلاقة بين الأحزاب السياسية فيما بينها. على الرغم من أن إسرائيل تدعي بأنها دولة ديمقراطية، إلا أن عدم وجود دستور مكتوب يحتّم عليها أن تتعامل بسياسات فصل عنصري مع المواطنين غير اليهود خاصة، لذلك لا يمكن لهذه الدولة التي تدّعي شيئًا وتمارس شيئًا آخر أن تستمر بالدستور غير المكتوب، ولعل هذا يتضح أكثر في تفاقم الجدال بين الإسرائيليين أنفسهم حول ضرورة كتابة الدستور لضمان عدم تحول الحياة السياسية في إسرائيل إلى ديكتاتورية، الضمان الذي يبدو أنه لن ينجح مع استمرار التطهير العرقي والإبادة الجماعية لأكثر من عام كامل. |