سودانايل:
2025-04-08@06:24:56 GMT

ورحل شلنكح “ابو نفاش” بحري وفارس طرفتها

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

لو ظل سكان بحري القديمة يقيمون في منطقتهم واحيائهم حتى الآن لشهدت المدينة اليوم التشييع الأضخم في تاريخها باحدى مقبرتي حلة حمد او حلة خوجلي.
بالامس، وفي اجواء هذه الحرب الفادحة، الحارقة، المستعرة غيب الموت ونعى الناعي عزالدين محجوب على كرار، الشهير بشلنكح"ابو نفاش" بحري وفارس طرفتها الذي لا يشق له غبار .


ولد عزالدين الذي عرف بالاوساط الفنية والرياضية والاجتماعية بمدينة الخرطوم بحري، عام ١٩٤١م. وتلقى تعليمه الأولى بمدرسة امين ثم الوسطى بالمدرسة النصفية التي كانت تقع بمكان غير بعيد من سينما الوطنية بحري وموقع معهد النور (القديم).
لعب كرة القدم بفريق الوادي بحيه، حى الدناقلة شمال والذي زامل فيه لاعبين بارزين امثال سيد قديم، وكمال محمد علي، وحسن إبراهيم حاج، وحمود بابكر. ولكن شهرة شلنكح انطلقت بانضمامه ومنذ العام ١٩٦٤م ضمن فرقة بلبل بحرى الصداح حينها، ومغني لياليها الملاح المرحوم ايوب فارس عندما تميز عزالدين، ومن ضمن اعضائها باجادة العزف على الايقاع، ملتحقا ومشاركا ايضا ايامها مع الفنانين عبد العظيم حركة، وحسن وردي.
. اطلق عليه لقب شلنكح تأسيا باسم لاعب من شمبات كان يلعب في خانة الجناح الايسر اسمه عبد العزيز الامين وبحيث ظل ارتباطه حارا وعميقا بناديه، نادي الاتحاد منذ عام ١٩٥٨م.
بوفاة ملك، بل وزعيم الظرفاء البحراوي تنطوي حقبة خصبة من التاريخ الاجتماعي للمدينة تصدر فيه عزالدين، وعلى مر نصف قرن، او يزيد مشهد امهر صناع الطرفة الاجتماعية النقدية الساخرة الذكية. فقد كان شلنكح شخصا لماحا وقادرا رغم جسده النحيل وهدوئه العظيم من تحريك امواج الحياة الاجتماعية بانحاء وسط بحري بقفشاته وتعليقاته التي تناقلتها الاجيال جيلا بعد جيل. كما ظل يشكل، وطيلة حياته التي مرت كالنسيم نقطة تلاقي والتقاء بينهم وهم يبحثون ويتابعون ما يقول ويصدر عنه وهم يحيطون بموقع جلسته في مناسباتهم المتنوعة والتي نادرا ما لا يغيب عنها.
عزالدين لم يكن منتجا فقط للنكتة السطحية العابرة ولكن للنكتة العميقة، الساخرة، البليغة، التي تسكن الذهن والوجدان بدون استئذان، وتحرض متلقيها على مقاومة عاتيات الرياح، والمصائب والاكتشاف والفهم للاشياء وطبائعها. حتى في ايام الحرب ظل مصدرا للمقاومة وإلهام محيطه الكبير بالصبر والتحلي بالشجاعة بما خرج منه من مواقف بالغة الطرافة.
آخر تعليقاته الساخرة كانت مع احد مجندي الدعم السريع ممن اجتاحوا الحى واستوطنوا به منذ بداية الحرب حتى اللحظة، وكان شلنكح مقيما بمنزلهم رافضا الخروج.. فعندما راى الدعامي شلنكح خارجا من بيته ذات مرة صاح في وجهه: يا زول ماشي زين؟ رد شلنكح بكل هدوء: ماشي اركب المواصلات.
اليوم ورغم العزاء الساخن، المفتوح باغلب مدن السودان وعواء هذه الحرب المستم، المتصاعد، تدخل احياء بحري القديمة بيت عزائها الخاص، وتغرق في دموعها ضفة النيل المواجهة، وميدان فريق الاتحاد، وبيوت الدناقلة شمال، وخور نصر الدين، ومدرسة الاميرية وقبتى خوجلي وحمد، وذكريات نوادي الكفاح، والثريا، والتذكار بما ابقاه بها، وعطرها عزالدين من سماحة، وخلق، وظرف وتواصل.
اليوم تدخل الحرب لحم بحري الحى وينفجر نافوخها برحيل احد اساطين الحب و زمن الفكاهة الجميل.
وداعا ايها الفارس والمحب الكبير للناس والمكان والزمان الذي كأنما بات يقترب من ان يصبح مجرد ذكرى مفعمة بالشخصيات النادرة، والاحداث العظيمة لماضٍ ولى، وراح.

wagdik@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2-2)

لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن “الدعم السريع” منظمة إرهابية حقاً بينما حقيقة إرهابها هي كل ما في جعبتها.

أثار تعيين إعلاميين في كل من سفارة السودان في القاهرة وأديس أبابا مسألة الإعلام في الحرب من أكأب زواياها وهي فقه الوظيفة لا رسالتها. ومن بين رسائل الإعلام دعوة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة تصويب الجهود السياسة والإعلامية ليرى العالم قوات الدعم السريع كما هي في حقيقتها: طاقة إرهابية لا جيشاً في مقابل القوات المسلحة كما طرأ لمجتمع دولي كسير ذابل.

ونواصل حديث الأمس:
من جهة أخرى ليست الحرب القائمة في السودان حرباً لمن أراد الاحتكام إلى قانون الحرب. فقام هذا القانون على افتراض أن الحرب مما يقع بين قوتين عسكريتين، وشدد على المهنية لأنها مدار تقليل فداحة الحرب لا على المدنيين كما ينبغي وحسب، بل حتى على العسكريين أيضاً. فيحكم القانون ضرب حتى الهدف العسكري، ناهيك بالمدني، بضوابط معروفة بالتناسب، فعلى القوة التي انتخبت هدفاً عسكرياً لضربه أن تحسب بدقة قوة النيران الكافية لغرضها لتصيبه بلا تفريط يتعدى الأثر إلى غيره. ويريد القانون بالتناسب أن تصيب هدفك لغرض ساعتك بلا زيادة. وشرط إحسان التناسب هو المهنية. فالقانون يطلبها نصاً بقوله إن على المتحاربين أن يكونوا على قدر كبير من التدريب في الفن العسكري ليحسنوا إدارة عملية ضرب الأهداف بتناسب. وينوه بأن تتمتع الأطراف المتحاربة باستخبارات ذكية تقع على الهدف العسكري بمهنية لا رجماً. بل شدد القانون على هذا التدريب نفسه ليحول دون السرقة والنهب في الحرب، فما وقع النهب والسلب، في قول التقرير، حتى دل ذلك على بؤس في تدريب القوة العسكرية المعنية وضعف قادتها الذين ينتهزون سانحة الفوضى العاقبة للمعارك فتمتد يدهم إلى أشياء من لا حول لهم لردهم.

فلم نرَ هذه المهنية في “الدعم” لنعدهم قوة محاربة ينطبق عليها قانون الحرب، فأول ما ينقصه هو سلسلة القيادة التي تضبط إدارته، ويشاهد السودانيون منذ الحرب فيديوهات فيها بيان كافٍ عن انحلال تلك السلسلة، ولكنهم يصرفونها كـ”هرج جاهلين” بينما هي بينة مرموقة على الطبيعة المليشياوية لـ”الدعم السريع”.
فيظهر أي جندي منهم بحديث مباشر للقائد محمد حمدان دقلو يبثه شكواه واحتجاجه، بل وخطته المثلى لإدارة الحرب. فتسمع ممن يريده تغيير وجهة الحرب من الخرطوم إلى ولاية النيل والشمالية، أو من يبث شكواه عن إهمالهم حتى إنهم يعالجون جرحاهم من المعارك على حسابهم. ويشتكي آخر في معركة الخرطوم أن عربات السلاح لم تدخل المعركة لأنها بطرف قادتهم الذين هم بين أزواجهم في دور غيرهم. بل اشتكى أحدهم للقائد حميدتي من سوء توزيع العربات القتالية. فهي في قوله راكزة في الصحراء بكبار القادة يسفيها الرمل بينما كانت الحاجة إليها ماسة في الخرطوم. وكان من رأيه أن تكون في طريقها لاحتلال بورتسودان مقر حكومة الفلول بدلاً من ضلالها عن الحرب في الخلاء، بل زاد قائلاً إن هذه الحرب في “دار صباح” (وهي لغة في الشرق عند أهل الغرب في السودان) داخلتها “ملعوبية” من الفلول الكيزان.

وجاء آخر بفيديو غاضب موجه للقائد دقلو إثر هزيمة قواتهم من الخرطوم. قال إنهم لم يجدوا معهم في ميدان القتال سوى لواءين بالاسم، أما الآخرون فغابوا بسياراتهم والذخائر التي نفدت بين أيديهم ولم يجدوا مدداً. وقال لحميدتي إنه قائم بالأمر كما ينبغي ولو نقصت فالكمال لله، وقال إنهم لم يجدوا من يمدهم بالسلاح أو الذخيرة في حر المعركة، ولم يشوش أحد على مسيرات الجيش التي قرضت الناس، واشتكى غياب السيارات ذات المدافع عن المعركة لأنها بيد قادة فضلوا أن يلازموا بيوتهم الجديدة في حي المنشية الراقي بالخرطوم.
وتجد في هذه الفيديوهات من يعبر عن قبيلته صريحاً مقابل قبيلة أخرى وبخاصة ما كان بين قبيلة المسيرية (كردفان) والماهرية (دارفور)، فقال أحدهم إنه من الفرقة 40، فرقة الجنرال جلحة، الذي كانت قتلته القوات المسلحة قبل شهرين أو نحوه، وهي فرقة مسيرية خالصة. وبدا أن المتهمين بالاستفراد بالسيارات هم من الماهرية. فقال الدعامي المسيري إن هذه السيارات للدواس ولا سبب لتكون في غير ميدانها الذي راح ضحيته منهم بالنتيجة 52 قتيلاً. وجاء بأسماء قادتهم ممن لقوا حتفهم. وقال إنهم لم ينسحبوا من كوبري المنشية بالخرطوم إلا بعد إطلاق آخر رصاصة بجعبتهم. ولم يتورع من القول إن هزيمتهم ثمرة خيانة. فوراؤها “لعبة” بينما هم أهل قضية.

وفي إشارة إلى استقلالهم كمسيرية في “الدعم السريع” قال إن فرقتهم خسرت سبع عربات في المعركة وهي ملك للفرقة 40 لا لـ”الدعم السريع”. وبدا للرجل كأن القتال صار على مثلهم لا غيرهم، وبدا كمن يقول إن شعب المسيرية هو من وقع عليه القتال بينما توارى آخرون، وربما قصد جماعة الماهرية الذين هم من خاصة أهل حميدتي. وتكررت الشكوى من اعتزالهم القتال وتمتعهم بما وقع لهم من حظ منه.
من الصعب بالطبع وصف هذه العلاقة بين الجند الدعامة والقيادة بأنها مما يستأهل به “الدعم السريع” أن يكون قوة عسكرية مما رأينا اشتراطاتها في قانون الحرب. فليس بينهم وبين قيادتهم “ضبط وربط” الذي هو ميسم المهنية. فبدا أن لكل دعامي خطة الحرب غير ما اتفق لقيادته، بل ويطلق الواحد منهم لسانه على الملأ عن “ملعوبية” في الحرب أوردتهم موارد التهلكة. وعلى هذا فالقول إن حرب السودان هي بين قوتين عسكريتين من فضول القول، فبنية “الدعم السريع” خلت من النظامية والمهنية، وبدت كطاقة إرهابية فقط.

مما يسعد أن يستعيد الإعلام موقعين في سفارتين مركزيتين للسودان في القاهرة وأديس أبابا. وليس بشارة أن غلب فقه الوظيفة في تناول هذا التعيين على فقه وظيفة الإعلام لدولة تخوض حرب موت أو حياة في عالم ذابل. ولا من يغالط أن إعلام الحكومة لم ينم تقليداً في المبادأة والطلاقة لأنه ربيب نظم حكم ديكتاتورية طال أمدها. فصار بها بوقاً لحكومة الوقت. واحتاجت حكومة الوقت في يومنا، وفي شرط الحرب، كما لم تحتج حكومة قبلها إلى إعلام بلا ضفاف لإذاعة قضيتها في الحرب برصانة. وسيحتاج إعلامها بهذا إلى الاشتباك مع العالم في منصاته ومعارفه وأعرافه بسرديات مخدومة يخرج به سيفاً لدولة لا بوقاً:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • صاحب خطة الجنرالات: ثلاثة أسباب لفشل “إسرائيل” في الحرب على غزة
  • اليوم.. ما الذي ناقشته واشنطن ولندن مع “السعودية” بشان “البحر الأحمر” 
  • الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2-2)
  • ما الذي تخشاه واشنطن من “العين الصينية” في “البحر الأحمر”..!
  • “الفاف” تُنصف الأندية التي سددت ديونها في الآجال المُحددة
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • “دقلو” يبدو أن الزهللة التي يعيشها أنسته أنه هاجم من داخل العاصمة ولم يتمكن من الاحتفاظ بها
  • قصة أيوب لحميدي لاعب “منتخب جبل طارق” الذي هزم الرجاء في كأس العرش
  • ما هي خطة “الأصابع الخمسة” التي تسعى دولة الاحتلال لتطبيقها في غزة؟
  • الآلاف يتظاهرون ضد نتنياهو في “تل أبيب” / شاهد