حضارات سادت تشهد صراعات عميقة
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
من الملاحظ أن الدول التي شهدت حضارات قديمة وعريقة تتعرض اليوم للعديد من النزاعات والحروب، وتتحول أراضيها، التي كانت يوماً ما مراكزاً للفكر والعلم والثقافة، إلى ساحات القتال والفوضى. هذا التناقض يثير تساؤلات عميقة حول أسباب هذه الحالة، حيث من المفترض أن تكون هذه الدول محطَّة للاستقرار، لا سيما وأنها تمتلك إرثاً حضارياً غنياً وقيماً تاريخية وفكرية كان لها الفضل في تشكيل الفكر الإنساني على مر العصور.
إن تفكك المجتمعات المحلية وانقطاع التواصل بين الأجيال يؤدي إلى تدهور اللغة والتراث الشعبي. ففي ظل النزاعات، يصبح من الصعب على الأسر تدريس أبنائها قيم وتقاليد حضارتهم، كما أن فقدان الأمن والاستقرار يدفع الناس للاهتمام بالبقاء على قيد الحياة أكثر من الاهتمام بالحفاظ على التراث. ولا شك بأن الحروب تؤدي إلى تدمير البنية التحتية وتعرقل الاستثمار المحلي والأجنبي. كما أن معظم هذه الدول تمتلك موارد طبيعية هائلة، إلا أنها تجد صعوبة في استغلالها بسبب انعدام الاستقرار. وبالتالي، يصبح الاقتصاد معتمداً على المساعدات الدولية، مما يضع الدولة تحت ضغوط خارجية تجعلها عرضة للتبعية. ويؤدي غياب الاستقرار إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدهور مستويات التعليم، حيث يتم توجيه الموارد نحو الحروب بدلاً من التنمية. ومع ضعف التعليم وانقطاع الشباب عن الدراسة، تتسع فجوة التنمية وتُصبح الدولة في وضع يصعب معه النهوض من جديد، مما يُبقيها في دائرة الفقر والتبعية الاقتصادية.
نتيجة الحروب والانقسامات الداخلية، تعاني الدول ذات الحضارات العريقة من تزايد معدلات العنف الاجتماعي والجريمة. تفكك النسيج الاجتماعي يجعل من الصعب تعزيز التضامن بين الأفراد، ويؤدي إلى تنامي التوترات المحلية بين الطوائف والمجموعات.
لإعادة بناء الهوية الحضارية، يجب التركيز على التعليم وتشجيع المبادرات التي تهتم بنشر الوعي الثقافي بين الأجيال الجديدة. كذلك، يجب الحفاظ على اللغات والتراث الشعبي وتوثيقهما، سواء في الكتب أو المواد الرقمية، ليكون متاحاً للأجيال القادمة. ويمكن للدول ذات الحضارات القديمة أن تستفيد من تاريخها الثقافي المتنوع لبناء ثقافة وطنية جامعة تتخطى الانقسامات العرقية والطائفية. كما أن دعم المجتمع المدني وتعزيز قدرته على العمل بحرية واستقلالية يُعد خطوة ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على السلم الاجتماعي. وكذلك التعاون الدولي المبني على الاحترام المتبادل يمكن أن يسهم في تعزيز الاستقرار في هذه الدول. في الدول التي عانت من النزاعات تحتاج إلى حلفاء دوليين لا يسعون لمصالحهم الخاصة فقط، بل يدعمون جهودها للتعافي والتنمية بشكل يحترم استقلالها وسيادتها.
يظل الأمل قائماً بأن تتمكن الدول ذات الحضارات العريقة من تجاوز التحديات والصعوبات الراهنة، بتاريخها العريق و اسهاماتها الثقافية التي لا تُحصى تمنحها مكانة خاصة وقدرة على إعادة بناء نفسها. ولعلَّ السلام والاستقرار في هذه الدول ليس مجرد ضرورة محلية، بل حاجة إنسانية لكل العالم، فهي تمثل جزءاً من التراث الحضاري للبشرية جمعاء.
د. سامر عوض حسين
13 نوفمبر 2024
samir.alawad@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الدول
إقرأ أيضاً:
القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرتين في أقل من 12 ساعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رصد مراسل القاهرة الإخبارية، يوسف أبو كويك، آخر تطورات الأوضاع في قطاع غزة، فجر اليوم الجمعة، مؤكداً أن المدينة تشهد تصعيداً ميدانياً متسارعاً، معظمها يتعلق بالقصف المدفعي العنيف الذي يطال المناطق التي تشهد توغلاً برياً.
وقال: «نحن أمام تطورات ميدانية متلاحقة، حيث يتركز القصف المدفعي بشكل أساسي في المناطق الشرقية من مدينة غزة، لاسيما منطقة الشجاعية التي تعرضت لغارات عنيفة في الساعات الأخيرة».
انفجار مدفعي هائل ناجم عن قصف مكثف يطال حي الشجاعيةوأشار «كويك» إلى دوي انفجار مدفعي هائل ناجم عن قصف مكثف يطال حي الشجاعية، حيث وصلت جثة شهيد إلى مستشفى الأهلي المعمداني بعد أن استهدفت غارة إسرائيلية شارع المنصورة في الحي، وهو الجزء الذي يتعرض لتوغل بري مكثف منذ أكثر من 20 يوماً، مضيفا أن الغارات أدت إلى تدمير مساحات واسعة في المناطق الشرقية للحي ومنطقة التفاح وحي الزيتون، مشيراً إلى أن هذه المناطق تشهد تدميراً شبه كامل.
ما حدث في جباليا بالأمس كان بمثابة مجزرةولفت أبو كويك، قائلا: «ما حدث في جباليا بالأمس كان بمثابة مجزرة، حيث ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرتين في أقل من 12 ساعة، ولا تزال طواقم الدفاع المدني والمواطنون يبحثون عن جثامين الضحايا تحت الأنقاض»، وكشف أن فرق الإنقاذ تمكّنت اليوم من انتشال 5 جثامين أخرى، مما يرفع عدد شهداء مجزرة دوار حلاوة إلى نحو 23 شهيداً، بالإضافة إلى عشرات الجرحى الذين وصلوا إلى المستشفيات في شمال القطاع.
الأوضاع في غزة تتفاقم مع كل ساعة تمروأتم، بأن الأوضاع في غزة تتفاقم مع كل ساعة تمر، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية المكثفة التي لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين، مما يضع المدينة أمام تحديات إنسانية كبيرة في ظل محاولات المواطنين التماس النجاة وسط هذا العنف المدمر.