لم يُكتَب للحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار أن يصمد طويلاً، إذ إنّ مجريات الميدان طغت عليه في اليومين الماضيين، ولو أنّها لم تجهضه بالمُطلَق، بانتظار بعض اللقاءات "المحورية" بين الأميركيين والإسرائيليين، ليسجَّل "اشتعال متجدّد" للجبهة على مختلف مستوياتها، ترجمته الغارات الإسرائيلية التي تجدّدت على الضاحية الجنوبية لبيروت، نهارًا هذه المرّة لا ليلاً كالعادة، فضلاً عن القصف المركّز في مناطق عدّة من الجنوب والبقاع.


 
لكن في مقابل التصعيد الإسرائيلي المتجدّد، الذي وضعه البعض في خانة مرحلة جديدة، بعدما صادق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قبل أيام على توسيع العملية البرية، لوحظت كثافة تكاد تكون غير مسبوقة أيضًا في عمليات "حزب الله"، التي أخذت منحى تصاعديًا في اليومين الماضيين، بالتزامن مع إحياء الحزب لـ"يوم الشهيد"، مع تسجيل رشقات صاروخية وُصِف بعضها بالأضخم منذ بدء الاشتباكات، وقد أدّت إلى وقوع خسائر فعليّة.
 
وبين التصعيد الإسرائيلي المتجدّد وعمليات "حزب الله" المكثّفة، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام عن مصير "التسوية" التي كثر الحديث عنها في الأيام الأخيرة، ولكن أيضًا عن "الرسائل" التي يتبادلها الطرفان في هذه المرحلة من الحرب، وتحديدًا عن الرسائل التي يسعى "حزب الله" لإيصالها إلى الجانب الإسرائيلي، وقد تعمّد القول إنّ بعض صواريخه انطلقت من القرى الأمامية جنوبًا، بل من مناطق قيل إنّ الجيش الإسرائيلي دخلها؟!
 
"حزب الله" والرهان على الميدان
 
يقول القياديّون في "حزب الله"، وآخرهم مسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف، وقبله الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، إنّ الحزب يراهن على الميدان، من أجل دفع الإسرائيلي ليكون هو من يطالب بوقف إطلاق النار، وليس العكس، مستعيدًا بذلك المعادلة التي كان أمينه العام السابق السيد الشهيد حسن نصر الله أول من أطلقها في "يوم الشهيد" من العام الماضي للمفارقة، وهي أنّ الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للميدان، وليس للجانب السياسي.
 
استنادًا إلى ذلك، يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ الأخير لا يعوّل فعليًا على كلّ التسريبات التي تتحدث عن اتفاق لوقف إطلاق النار وغيره، وهو يعتبر أنّ الميدان هو وحده الذي يتحكّم بمسار الحرب، علمًا أنّ مسؤول العلاقات الإعلامية كان واضحًا في هذا السياق، حين قال في مؤتمره الصحافي قبل يومين، إن أيّ مفاوضات حقيقيّة إن حصلت، فإنّ الفضل فيها سيكون للميدان وإنجازاته، وتحديدًا لصمود المقاومة واستمرار عملياتها ضدّ العدو.
 
ولعلّ الرشقات الصاروخية التي أطلقها الحزب في اليومين الماضيين باتجاه شمال الأراضي المحتلة شكّلت الرسالة الأهمّ التي يسعى لإيصالها، وهي أنّه لا يزال قادرًا على التحكّم بالميدان، خلافًا لما يحاول العدو أن يروّجه حول ضعفه وعجزه، وخسارته جزءًا كبيرًا من ترسانته العسكرية والصاروخية، وهو بالتالي يكرّس ما سبق أن أكّده في أكثر من مناسبة، عن كونه لا "يستجدي" وقف إطلاق النار، وبالتالي فهو ليس في موقع القبول بأيّ شروط غير مناسبة.
 
مرحلة جديدة من الحرب؟
 
يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّ الأخير يطبّق وسط كلّ ذلك، معادلة "إيلام العدو" التي سبق أن أطلقها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وهو بتكثيفه لعملياته ورشقاته الصاروخية، يوجّه رسالة واضحة للعدو مفادها أنّ مرحلة "الارتباك" التي قد تكون طبعت أداءه في مرحلة ما، خصوصًا بعيد اغتيال السيد حسن نصر الله، قد ولّت، حيث استعاد عافيته، واستعاد معها القدرة على تحقيق "الضربات النوعية" كما حصل في حيفا ونهاريا وغيرهما.
 
لكن، بموازاة الرسائل التي يوجّهها "حزب الله"، ثمّة من يقول إنّ التصعيد الميداني الذي سُجّل في اليومين الماضيين، مرتبط أيضًا بانتقال الحرب إلى "مرحلة جديدة"، في إشارة إلى التوسيع الإسرائيلي للعملية البرية وربما لأهدافها، وهو ما تطلب من الحزب مقاربات جديدة وتكتيكات مختلفة، في محاولة لـ"ردع العدو"، إن صحّ القول، ولعدم التفريط بالإنجاز الأهمّ حتى الآن، وهو منع الإسرائيليين من احتلال أيّ قرية لبنانية، رغم التوغلات المستمرّة.
 
وبمعزل عن كلّ ذلك، يبدو أنّ تصعيد اليومين الماضيين يحمل رسالة واضحة على مستوى كلّ ما أثير عن اتفاق لا يبدو أنّه نضج بعد، ما يجعله مرّة أخرى أقرب إلى الخديعة منه إلى الحقيقة، علمًا أنّ العارفين يرجّحون أن يبقى هذا الاتفاق مؤجَّلاً إلى ما بعد انتهاء هذه المرحلة من الحرب، التي يسعى كلّ طرف من خلالها لرفع سقفه إلى الأعلى، بما يتيح له استثمار النتائج على طاولة المفاوضات، التي يعتقد أنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيدفع باتجاهها.
 
هي رسائل متبادلة إذاً بين إسرائيل و"حزب الله"، فالأولى بتصعيد قصفها ومجازرها، بما في ذلك استهداف الضاحية الجنوبية على امتداد النهار، تقول إنّها تستطيع دائمًا فعل المزيد، وإنّ لا خطوط حمراء بالنسبة إليها، فيما يردّ الحزب بالقول إنّه لا يزال قادرًا على التحكّم بالميدان، رغم كلّ الضربات التي مني بها، وأنّ كلّ التصعيد الإسرائيلي لن ينفع في تحقيق الهدف المُعلَن، وهو إعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم، الأمر الذي يبقى متعذّرًا بلا اتفاق! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: فی الیومین الماضیین إطلاق النار حزب الله

إقرأ أيضاً:

تشييع نصرالله: استفتاء على شعبية حزب الله

ينكبّ «حزب الله» راهناً على إنجاز الترتيبات المرتبطة بتشييع أمينَيه العامَّين السابقَين السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، تشييعاً واحداً في 23 شباط الحالي في "مدينة كميل شمعون الرياضية" في بيروت.
وجاء في" الشرق الاوسط": يبدو واضحاً أن هدف الاستعدادات والتجييش هو ضمان مشاركة شعبية كبيرة في التشييع؛ الذي أقر عضو المجلس السياسي في «الحزب»، محمود قماطي، بأنّ القيادة تريده «استفتاءً شعبياً يثبت التمسك بالعهد والوعد، وتأكيداً على الالتزام بالمبادئ التي يمثلها (حزب الله)، وبقضية تحرير لبنان»، وذلك بعد حرب شرسة جداً شنتها إسرائيل على «الحزب» وأدت إلى مقتل العدد الأكبر من قياداته وتدمير هائل طال معظم مناطق نفوذه.
وفي حديث عبر إذاعة «سبوتنيك» الروسية، أكد قماطي أن «التشييع سيجري وفق أكبر نسبة ممكنة من الترتيبات الأمنية والوطنية»، موضحاً أنه «ستكون هناك دعوات لشخصيات من الداخل اللبناني والخارج للمشاركة في التشييع؛ لأن السيد حسن نصر الله ليس فقط شهيداً على مستوى الوطن، بل على مستوى الأمة وحركات التحرر العالمية... وهو شخصية عالمية».
من جهتها، أفادت وكالة «مهر» للأنباء الإيرانية، الثلاثاء، بأن وفداً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيشارك بمراسم تشييع نصر الله في بيروت، من دون ذكر أي معلومات بشأن من سيترأس الوفد المشارك في المراسم.
وطُرحت علامات استفهام كثيرة عن سبب تأخير تشييع نصر الله؛ فدفنه سيحدث بعد نحو 5 أشهر من اغتياله.
وفي مقابلة لها تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، ردت ابنة نصر الله؛ زينب، سبب تأخير تشييع والدها إلى «حرص قيادة (الحزب) على سلامة المشاركين في التشييع»، فقد أشارت إلى أن المراسم ستكون عقب انسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي اللبنانية «لتأمين أجواء أكثر أماناً».
وكان الامين العام للحزب نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة أعلن أن دفن نصر الله سيكون بين طريقَي المطار القديمة والجديدة، وأن دفن صفي الدين سيكون في بلدته دير قانون النهر قرب مدينة صور في جنوب لبنان.
وشهدت المنطقة المخصصة للدفن توتراً أمنياً، الثلاثاء، بعد تدخل قوة من الأمن الداخلي، بمؤازرة عسكرية، استهدفت قطعة أرض تجري عليها عمليات بناء قرب المكان. وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن ما حدث هو «تنفيذ أمر قضائي لإزالة مخالفة من عقار متاخم للأرض التي تُعَدّ لدفن نصر الله» لافتاً إلى أن «الجيش آزر قوى الأمن الداخلي في هذه المهمة، وحين جرت محاولة للتصدي لتنفيذ الأمر القضائي، أُوقف 4 أشخاص».
وكتب نجم الهاشم في" نداء الوطن": تعاطى "حزب الله" بجميع قياداته مع السيد حسن نصرالله وكأنّه لن يموت. على مدى اثنين وثلاثين عاماً راكم الأمين العام الكثير من الإنجازات التي حفرت عميقاً في ذاكرة الطائفة الشيعية في لبنان والعالم وفي وجدان "الحزب" الذي انطلق معه منذ تأسيسه في العام 1982. ولذلك ارتبط اسمه باسم "الحزب" أكثر من غيره ممّن تولّوا قيادته حتى صار مرادفاً له ورمزاً ومثالاً. هذا الربط بما فيه من إيجابيات يختزن أيضاً سلبيات كثيرة. ذلك أن اغتيال نصرالله بهذا الشكل غير المتوقع والصاعق، قد يكون أيضاً بمثابة اغتيال لـ "الحزب".

خروج "الحزب" من إطار الضاحية الجنوبية إلى مدينة كميل شمعون الرياضية يعكس الرغبة في إيجاد إطار أوسع منها من أجل ضمانات أمنية أكثر. واختيار التاريخ في 23 شباط بعد 18 شباط، التاريخ الممدّد لإنهاء الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، يعني أنّ "الحزب" لن يخلّ بالاتفاق ولن يردّ على الخروقات الإسرائيلية، وأنّه مطمئن إلى الضمانات الدولية والأميركية بحتمية إتمام هذا الانسحاب. والأمر الذي لم يُعرف هو سبب عدم اختيار المكان الذي اغتيل فيه ليكون مكان دفنه بدل المكان الذي اختير قرب مطعم الساحة، بين طريقي مطار رفيق الحريري القديمة والجديدة.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. ما الكلمة التي جعلت فارق الفيشاوي يتخلى عن حلمه؟
  • رئيس حزب شعب مصر: المشروع الأمريكي الإسرائيلي بشأن غزة تهديد للأمن القومي العربي
  • راندا البحيري تهاجم طليقها مجددًا: أربي ابني وحدي!
  • تشييع نصرالله: استفتاء على شعبية حزب الله
  • هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
  • ترامب يحسمها: ماسك لا يمكنه اتخاذ أي قرار بدون موافقتي
  • حزب الله نحو تحميل الدولة مسؤولية الدفاع؟
  • حزب الله في ألمانيا.. "شبكة سرية" تحت المجهر الأمني
  • تأجيل تشييع نصرالله.. هل هو وارد؟
  • هذه أبرز النزاعات التي تواجه العالم في عام 2025.. حروب ترامب من بينها