السودان والمواجهة مع الأمبريالية
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
أن فشل المشروع الأمريكي البريطاني الفرنسي في مجلس الأمن أمس الأول لدخول قوات أممية تحت دعوة حفظ أمن المواطنين، لم تكن هي المحاولة الأولى، و لن تكون الأخيرة، في ظل صراع المصالح في المنطقة، و كل مرة تفشل و تعاد الكرة مرة أخرى، و كلما قدمت هذه الدول مشروعا وسقط، تساعد على رفع المؤشر الوطني في السودان، الذي كان محفزا لنجاح دعوة الاستنفار و انخراط الشباب في المقاومة الشعبية، و في ذات الوقت تكشف هذه المحاولات المتعددة الأطماع الدولية في ثروات السودان و محاولة السيطرة على موقعه الإستراتيجي.
عملت هذه الدول من خلال العديد من قبل المنظمات الأمريكية و الأوروبية المختلفة على قيام ورش لرفع الكفاءة و إدارة الأزمات في كل من نيروبي و كمبالا، و أختارت لها العناصر التي لها الرغبة في خدمة مشروعها، و التي لا تراع إلا مصالحها الذاتية.. و معلوم دائما الدول يتم أختراقها من المناطق الرخوة في المجتمع.. و موقف كينيا و يوغندا في منظمة الإيغاد الداعم للميليشيا و العناصر التي تقف إلي جانبها، يؤكد أن قيام تلك الورش في تلك الدول كان أيضا مخطط له بعناية.. و في ذات الوقت كان يقع على كل من السعودية و الأمارت الإشراف الكامل على دعم المخطط ماديا، و أختيار العناصر التي تخدمه من داخل فئة المثقفين و الأكاديميين و رجال الأعمال، انسحبت السعودية مبكرا عندما شعرت أن المشروع سوف يشكل لها حرجا كبيرا في الدائرتين العربية و الإسلامية، و بقيت الأمارات هي الداعم الوحيد للميليشا عسكريا عبر كل من تشاد و ليبيا " حفتر" للسلاح و دولة جنوب السودان لتجنيد مرتزقة و الدفع بهم إلي مناطق الحرب للقتال بجانب الميليشيا، و أيضا أثيوبيا التي شعرت أن هذا الفعل سوف ينعكس عليها لذلك حاولت الابتعاد عنه.. فشلت الإيغاد و الاتحاد الأفريقي في تعبيد الطريق لنجاح المشروع..
كشفت أعترافات العديد من العناصر الذين تم القبض عليهممن قبل الاستخبارات، و كانوا يعملون كمرشدين و مخبرين للميليشيا في الأحياء، أن تعاونهم مع الميليشيا لم يبدأ مع الحرب، أنما التجنيد قد تم لهم قبل الحرب بشهور، و كان تكليفهم منذ تلك الفترة معرفة منازل القيادات العسكرية في القوات المسلحة و الشرطة و جهاز الأمن، و أيضا معرفة سكن القيادات السياسية و خاصة الإسلاميين، و كانوا يتعاطون مخصصات نظير عملهم الذي وصفوه بالسري الذي يعمل من أجل سودان جديد.. و قد وردت اسماء عديدة لعناصر هي التي كانت تعمل على تجنيدهم.. هذا المخطط قد أنكشف الآن، و يحاول البعض أن يهرب منه في أنه حرب بين طرفين، أو أنهم يريدون إبعاد الإسلاميين من العودة للسلطة، و كلها محاولات لتغبيش الوعي، و تزييف للحقائق..
أيضا هناك اجتهاد دوبلوماسي سوداني للوصول إلي بنود صرف البعث الأممية بقيادة فوكلر التي حاولت بريطانيا أن تمنع الاطلاع عليها، و هي كانت أيضا بنود صرف لمؤسسات بعينها و عناصر كانت تخدم هذا المخطط الإمبريالي للسيطرة على السودان و موارده، أن كشف الحقائق مسألة في غاية الأهمية لأنها تبين ابعاد المخطط و الذين حاول نجاحه من السودانيين..
أن رفع تحالف " تقدم" عريضة إلي مجلس الأمن لدخول قوات أممية لحفظ امن المواطنين، و الذي تبنته كل من أمريكا و بريطانيا و فرنسا و قدمته لمجلس الأمن يبين أن الدول الأمبريالية لن تقف عند حدود الحرب أنما هي ساعية لإكمال مخططها بكل الطرق.. و لكن صمود الجيش و وقوف الشارع معه كتف بكتف هو الصخرة التي تتكسر عليها كل نصال التأمر على السودان.. مهما حاول البعض أن يغير الحقائق، بأنهم فقط ضد الكيزان، و يحاولون أن يمنعوا الكيزان من الوصول للسلطة، كلها محاولات للتغطية على انحيازهم للمبريالية و قبولهم بمشروعها الهادف لخدمة الأجندة الأمبريالية مقابل مصالح ذاتية يتطلعون لها.. أن الحرب قد خلقت وعيا جديدا في السودان، و البندقية التي حملها شباب المقاومة الشعبية و المستنفرين هي مصدر الوعي الجديد لسودان أمن مستقرا أن شاء الله.. نسأل الله حسن البصيرة
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
موسم التشرذم السياسي في السودان
موسم التشرذم السياسي في السودان
فيصل محمد صالح
تعاني الأحزاب والتيارات السياسية في السودان من حالة تشرذم عامة منذ زمن طويل، لكن وصلت هذه الحالة الآن إلى حدها الأقصى، حتى لم يبقَ حزب على حاله، وتمزقت بعض الأحزاب والكتل إلى مجموعات صغيرة يصعب تجميعها، ثم ساهمت الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين في زيادة حدة التمزق وتوسيع مداه، وذلك بسبب اختلاف المواقف التي، في كثير من الأحيان، لا تتم على أساس القراءات والتحليلات السياسية المختلفة، ولكن على أسس جهوية وعرقية واجتماعية.
آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية.
هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس».
ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محمد مختار الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب.
وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة.
تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً.
عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر.
من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأحزاب اليسار الحركة الإسلامية الحزب الاتحادي الأصل الحزب الشيوعي السوداني السودان القوى السياسية المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني حزب الأمة القومي حزب البعث فيصل محمد صالح