لجريدة عمان:
2024-11-16@09:47:16 GMT

القرطاس والقلم

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

ماذا لو أنّ الأعمال الكُبرى التي تركها مفكّرون وأدباء أخذهم الموت ولم يتمكّنوا من نشرها في حياتهم كانت مُخزّنة في جهاز حاسوب ومحمية بكلمة سرّ وتمسّك الورثة باحترام ميّتهم وعدم العمل على فكّ المُشفّر، وترْك الأسرار لأصحابها، أو عجزوا عن فكّ رموز تشفيرها؟ ماذا لو أنّ الكتاب العظيم الذي ما زال يؤثّر في التفكير السياسي «الأمير» لميكيافيللي لم يُوجَد بعد موته في نسخة ورقية مخطوطة وغاب في غياهب كتمان الحاسوب؟ ماذا لو أنّ الأعمال التي تركها كافكا، وخاصّة منها «المحاكمة» والأعمال التي تركها همنجواي بعد مماته، وخاصّة منها المجموعة القصصيّة «الصيف الخطير»، والكتاب الذي يتناول فيه حياته «وليمة متنقلة» قد أكلتها الحواسيب، ولم تُتْرَك ورقيّا؟ أعمالٌ عديدةٌ خرجت للعالم بعد موت أصحابها، وكانت الأوراق حافظتها من الفناء والموت.

صلةُ المبدع الكاتب بالورقة والقلم هي رابطةُ وجودٍ وتحقّق، فهي أدواته التي يأنس إليها ويتفاعل معها، ولذلك فإنّ الكُتّاب أوْجَدوا طُرقا ووسائط وطقوسا وعادات في التعامل مع أشياء الكتابة وخاصّة منها الورقة والقلم قبل سيادة الحواسيب، ولعلّ من أبين هذه الطقوس التي بدأت تُفْقَد آثارُها، تمزيق الورق وإلقاؤه، الشطْبُ، والمحو، وممارسة تفاعل إراديّ ولا إراديّ مع القلم ومع الورق، كلّ ذلك هو بصدد التهاوي والاستبدال، بِشاشة حاسوب ولوحة حروف، المحو فيها يسيرٌ والخطّ فيها آليّ، ولا يُمكن أن نكسر الشاشة دوما كلّما انزعجنا من فقرة أو صفحة أو مجموع صفحات، في حين كان من اليسير أن يغضب الكاتب ممّا كتب فيُفرغ شحنة غضبه في الورق، يُبعْثره، يُمزّقه، يُشعل فيه النار، يفعل فيه ما يُشفي غليله، كذلك فِعْله مع القلم، يكسره، يُقِيمه، يتخيّره، يُمارس معه طقسا صار نادرا. لقد مثّلت أدوات الكتابة عبر تاريخ الكتابة فعلَ إنشاءٍ واحتفاء. يفقد الكاتب جزءا من وجوده في علاقته بالكتابة، ويكتسبُ وجودا جديدا، هو وجود الجلوس على الشاشة، وتَيَسُّر المعلومة، التي أضحت متاحة بضغط زرّ، لهذا الأمر محاسن لا تُحصَى، وهو مكسبٌ لا تراجع عنه، ولكنّي من جيل مُخضرَم، ما زلتُ لم أتخلّص بعد من الرغبة في البحث عن المعلومة بتصفّح عدد من الموسوعات، ما زلت أرى أنّ البحث عن المعلومة بالطريقة البطيئة هو سبيل لتحصيل معارف ملقاة على قارعة الطريق، الكاتب المخضرم في ظنّي يعيش اغترابا واضطرابا، بين الورقة والقلم، الكتب وروائحها التليدة من جهة، وبين الأجهزة الذكيّة وما تقدّمه من سريع المعلومات ويسر الكتابة من جهة ثانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

د. بني سلامة .. اعتقال الكاتب الزعبي ضربة لحرية التعبير

#سواليف

كتب .. د. #محمد_تركي_بني_سلامة

إن الكاتب أحمد حسن الزعبي يمثل صوتاً وطنياً حراً يحمل هموم الشعب ويعبر عن تطلعاته بجرأة وإخلاص. إن توقيفه يثير فينا جميعاً شعوراً بالأسى، ويعد ضربة لحرية التعبير التي طالما كانت إحدى ركائز الأردن الحديث.

في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، حيث التحديات تتطلب تضافر الجهود وترسيخ الوحدة الوطنية، لا بد أن نتذكر أن حرية الكلمة هي الأساس لأي حوار بناء ووسيلة لتحقيق الإصلاح الحقيقي. إن الكاتب الزعبي، الذي كرّس قلمه للدفاع عن قضايا الوطن والمواطن، يستحق الاحترام والتقدير لا التضييق.

مقالات ذات صلة محلل عسكري إسرائيلي: نتنياهو يريد حربا بلا نهاية في قطاع غزة 2024/11/15

ندعو الجهات المعنية إلى إعادة النظر في هذا القرار، واستبدال أي إجراءات عقابية بحلول تكرّس قيم التسامح والحوار التي عرف بها الأردن .

كما ندعو إلى إطلاق سراح أحمد حسن الزعبي فوراً، تعبيراً عن الالتزام بالقيم الدستورية التي تكفل حرية الرأي والتعبير، ولإرسال رسالة بأن الأردن يبقى وطناً للجميع، يحترم آراء أبنائه ويسعى دائماً لتحقيق العدالة والمساواة.

ختاماً، نؤكد أن مكان الكاتب الزعبي هو بين شعبه، حيث يواصل دوره الوطني في بناء وطن أقوى وأفضل.

حرية الكلمة ليست جريمة، بل هي أمانة ومسؤولية، ونحن واثقون أن قيادتنا الحكيمة لن تتوانى عن دعم هذه المبادئ التي أسست لنهضة الأردن.

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. قابل للكسر .. !!
  • انتقال باقة خدمات لـ «الكاتب العدل الخاص» بمحاكم دبي
  • د. بني سلامة .. اعتقال الكاتب الزعبي ضربة لحرية التعبير
  • التدريب على أساليب الكتابة الإبداعية للطلبة الموهوبين بالداخلية
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الهروب من الألم
  • أعمال يدوية بالورق سهلة جدًا للمدرسة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. كان لنا في الشرق بوابة!
  • شيخ قبلي يكشف مكان اختطاف الكاتب الصحفي ‘‘محمد المياحي’’ و13 ألف مختطف في سجون المليشيات الحوثية
  • ماذا نعرف عن قوات كوريا الشمالية التي تؤازر روسيا؟
  • دينا أبو حلوة: الكتابة الأدبية كالروح بالجسد وطه حسين مثلي الأعلي