لجريدة عمان:
2025-04-25@06:08:55 GMT

القرطاس والقلم

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

ماذا لو أنّ الأعمال الكُبرى التي تركها مفكّرون وأدباء أخذهم الموت ولم يتمكّنوا من نشرها في حياتهم كانت مُخزّنة في جهاز حاسوب ومحمية بكلمة سرّ وتمسّك الورثة باحترام ميّتهم وعدم العمل على فكّ المُشفّر، وترْك الأسرار لأصحابها، أو عجزوا عن فكّ رموز تشفيرها؟ ماذا لو أنّ الكتاب العظيم الذي ما زال يؤثّر في التفكير السياسي «الأمير» لميكيافيللي لم يُوجَد بعد موته في نسخة ورقية مخطوطة وغاب في غياهب كتمان الحاسوب؟ ماذا لو أنّ الأعمال التي تركها كافكا، وخاصّة منها «المحاكمة» والأعمال التي تركها همنجواي بعد مماته، وخاصّة منها المجموعة القصصيّة «الصيف الخطير»، والكتاب الذي يتناول فيه حياته «وليمة متنقلة» قد أكلتها الحواسيب، ولم تُتْرَك ورقيّا؟ أعمالٌ عديدةٌ خرجت للعالم بعد موت أصحابها، وكانت الأوراق حافظتها من الفناء والموت.

صلةُ المبدع الكاتب بالورقة والقلم هي رابطةُ وجودٍ وتحقّق، فهي أدواته التي يأنس إليها ويتفاعل معها، ولذلك فإنّ الكُتّاب أوْجَدوا طُرقا ووسائط وطقوسا وعادات في التعامل مع أشياء الكتابة وخاصّة منها الورقة والقلم قبل سيادة الحواسيب، ولعلّ من أبين هذه الطقوس التي بدأت تُفْقَد آثارُها، تمزيق الورق وإلقاؤه، الشطْبُ، والمحو، وممارسة تفاعل إراديّ ولا إراديّ مع القلم ومع الورق، كلّ ذلك هو بصدد التهاوي والاستبدال، بِشاشة حاسوب ولوحة حروف، المحو فيها يسيرٌ والخطّ فيها آليّ، ولا يُمكن أن نكسر الشاشة دوما كلّما انزعجنا من فقرة أو صفحة أو مجموع صفحات، في حين كان من اليسير أن يغضب الكاتب ممّا كتب فيُفرغ شحنة غضبه في الورق، يُبعْثره، يُمزّقه، يُشعل فيه النار، يفعل فيه ما يُشفي غليله، كذلك فِعْله مع القلم، يكسره، يُقِيمه، يتخيّره، يُمارس معه طقسا صار نادرا. لقد مثّلت أدوات الكتابة عبر تاريخ الكتابة فعلَ إنشاءٍ واحتفاء. يفقد الكاتب جزءا من وجوده في علاقته بالكتابة، ويكتسبُ وجودا جديدا، هو وجود الجلوس على الشاشة، وتَيَسُّر المعلومة، التي أضحت متاحة بضغط زرّ، لهذا الأمر محاسن لا تُحصَى، وهو مكسبٌ لا تراجع عنه، ولكنّي من جيل مُخضرَم، ما زلتُ لم أتخلّص بعد من الرغبة في البحث عن المعلومة بتصفّح عدد من الموسوعات، ما زلت أرى أنّ البحث عن المعلومة بالطريقة البطيئة هو سبيل لتحصيل معارف ملقاة على قارعة الطريق، الكاتب المخضرم في ظنّي يعيش اغترابا واضطرابا، بين الورقة والقلم، الكتب وروائحها التليدة من جهة، وبين الأجهزة الذكيّة وما تقدّمه من سريع المعلومات ويسر الكتابة من جهة ثانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تكريم الكاتب الموريتاني أحمد فال الدين بالجائزة العالمية للرواية العربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تسلم الناشر شوقي العنيزي صاحب دار مسكلياني نيابة عن الكاتب الموريتاني أحمد فال الدين تكريمه لوصوله للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025 وذلك لتعثر وصوله إلى مقر الإعلان بأبو ظبي . 
كما تم عرض فيلم تسجيلي عن الرواية والتي تحدث فيها الكاتب احمد قال الدين عن مضمون روايته "دانشمند" .
تأتي رواية "دانشمند" للكاتب الموريتاني أحمد قال الدين كعمل روائي مبدع يستعرض مختلف مراحل حياة حجة الإسلام العالم الصوفي أبي حامد الغزالي، و دانشمند" هو لقبه بالفارسية وتعني المعلم. تتبعت الرواية حياة الغزالي الشخصية بأسلوب روائي ساحر وسرد ممتع بدءًا بطفولته ودراسته الأولى وانتهاء بتجربته مع السلطان والسلطة، ثم قراره بالرحيل إلى التصوّف واكتشاف الذات. وقد نجح المؤلف في نسج عالم متكامل وغني بشتى التفاصيل، عالم تحوّل فيه الإمام الغزالي من "شبح" في التاريخ إلى "كائن من لحم ودم".


دانشمند


"دانشمند" أو عالم العلماء، هي سيرة الإمام أبي حامد الغزالي الشهير، الذي تفوق على مجايليه وصار إمام عصره وعالم زمانه. رواية وإن توسلت بالتاريخ، لا تسقط في فخاخ الصورة النمطية لأبي حامد، بل تقدم لنا ذاتاً إنسانية قلقة حية، وتصف أجواء عصره، من الفتن السياسية والخصومات المذهبية والدسائس في القصر، وفي قلعة الموت متربض آخر لا يقل خطراً عن تهديد الفرنجة الصليبيين. هي رواية إذ تستدعي علامة من الذاكرة الجمعية، فإنما تستدعيها لتغرس أسئلتها في تربة الحاضر، وتبرز قيمة المعرفة بوصفها طريقاً إلى الخلاص. ومن الأسئلة التي تطرحها الرواية: هل يكون التقرب إلى الله بغير جهاد النفس والصمت؟ ومن يحيي علوم الدين وقد صارت باباً مستباحاً
أحمد فال الدين هو روائي موريتاني من مواليد نواكشوط، موريتانيا، عام 1977. درس الأدب في جامعة نواكشوط ودرس اللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة الأميركية. يعمل موجهاً للمعايير التحريرية بشبكة الجزيرة، وعمل مراسلاً تلفزيونياً ميدانياً للقناة على فترات متقطعة وفي بلدان مختلفة. اعتقل أحمد فال ولد الدين إثر تغطيته للأحداث الدائرة في ليبيا في مارس 2011، ثمّ أطلق سراحه. يكتب في قضايا كثيرة مثل الأدب والسياسة. صدرت له العديد من الروايات، من أهمها: "الحدقي" (2018) و"الشيباني" (2019). كما صدر له كتاب "في ضيافة كتائب القذافي: قصة اختطاف فريق الجزيرة في ليبيا" (2012؟

مقالات مشابهة

  • فوز الكاتب المصرى محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • تكريم الكاتب الموريتاني أحمد فال الدين بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • خبراء يناقشون سؤال: الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟
  • ما صحة تمرير مرشحين رسبوا في امتحانات الكتابة في البقاع؟
  • مجلس السلطة القضائية يطلق موقعا إلكترونيا جديدا خاصا بالمعلومة القانونية والقضائية
  • صدى البلد ينعى الكاتب الصحفي محمد الدسوقي مدير تحرير الأهرام
  • المصارف الإسلامية التي أعادت الاعتبار للمال.. ماذا حدث لها؟
  • سمير عمر: غياب المعلومة الدقيقة سبب رئيسي في خلق الأزمات المرتبطة بنقل صورة المجتمعات
  • ماذا تعرف عن عصابة تران دي أراغوا التي يهاجمها ترامب بشراسة؟
  • الكاتب محمد جلال عبد القوى: هل لابد من تدخل الرئيس حتى ننهض بالدراما ونطورها