لجريدة عمان:
2024-09-19@19:57:54 GMT

جوزيبّه كونته.. دانتي العاشق

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

لم تعد «الرواية التاريخية» الحديثة ــ في جزء منها بالطبع ــ هي تلك التي تستعيد أحداثا ومواقف معينة، سجلها التاريخ (والمؤرخون) في حولياته، فأعيد صوغها من قبل روائي معاصر، ليكتبها أحيانا مثلما حصلت، بأسلوبه ولغته. فنحن لو نظرنا اليوم، إلى عدد لا بأس به من هذه الروايات «التاريخية» التي تصدر (شرقا وغربا) لوجدنا تلك المحاولة، التي لا تستعيد التاريخ حرفيا، بل تلك التي تستنطقه، وتقرأه من وجهة نظر مخالفة، بل حتى أحيانا تخالفه، وتقدم عنه صورة لا نعرفها.

هو الأدب بالطبع، الذي يملك هذه الحرية الواسعة، في إبداع فضاءت ومناخات، تأخذنا في رحلة جميلة، لدرجة نتمنى معها أن يكون ما كُتِب هو التاريخ الفعلي، لا ذاك الحقيقي، المبثوث في بطون الكتب القديمة.

الكاتب الإيطالي، جوزيبّه كونته (مواليد عام 1945، في ليغوريا) هو شاعر قبل أي شيء آخر. فرحلته مع الكتابة، بدأت مع الشعر (وهو يعدّ اليوم من أبرز شعراء تلك البلاد)، قبل أن يجرّب أنواعا أخرى: الرواية والمسرح والنقد. في أي حال، ربما نستطيع أن نضعه ضمن هذه الفئة من الكتّاب الذين يحاولون «زيارة التاريخ من جديد»، عبر كتاباته المتنوعة، وبخاصة الروائية، التي حاول فيها أن يقدم نظرته الخاصة، سواء حول أشخاص معينين، أو حول أحداث تاريخية فعلية.

هكذا أتت روايته «الرجل الذي أراد أن يقتل شيلي»، وهي رواية تاريخية تتأرجح بين «الصواب والخطأ»، أي بين الأحداث الحقيقية وتلك المتخيلة، عن حياة الشاعر الإنجليزي العظيم شيلي، لذا يمكن وضعها أيضا في خانة ما يعرف باسم الرواية التشردية (البيكاريسك)، لنجد فيها أيضا، وكأننا في معرض صور، وجوها كبيرة من وجوه الكتابة: اللورد بايرون وماري شيلي... ففي الثامن من يوليو من عام 1822، عُثر على جثة الشاعر الرومانسي الشاب شيلي على شاطئ البحر التيراني: بدا أن مركبته الشراعية قد تحطمت في عاصفة.

لكن الكابتن أنجيلو ميدوسي، اليعقوبي الذي خدم في أسطول نابليون، لا يؤمن بأنه مجرد حادث. كان مقتنعًا بأن شخصًا ما أراد اغتيال الرجل الذي كان يحبه ومعجبا به، غادر إلى ليفورنو لمحاولة اكتشاف الحقيقة، بينما تبحث أخته المتقلبة والمرهقة هناك عن عشيقها الأخير -رجل إنجليزي غامض غادر دون أن يترك عنوانا... في هذا الفضاء «الخانق» لبلاد «مضطهدة» اسمها إيطاليا، «فريسة الثورات الصمّاء»، يشرع بطلانا في مسارات محفوفة بالمخاطر ليعرضا حياتيهما للخطر.

«رواية تاريخية» رائعة لكنها أيضًا تحقيق بوليسي وترنيمة للبحر. في محيط ساحل ليغوريا الساحر، يعود الكاتب ليحيي، حقبة كاملة، بعرضها للمشاهير: كاسلريه الشرير، رئيس الدبلوماسية الإنجليزية، اللورد بايرون «المظلم»، الفخور بنفسه بقدر ما كان متفلتا، ماري شيلي (مؤلفة كتاب فرانكشتاين الشهير)، وفوق كل شيء، الشخصية المذهلة لهذا الحالم المتحمس، هذا الحالم المثالي الذي كان بيرسي بيش شيلي.

شخصية تاريخية أخرى، تحضر في رواية ثانية لكونته، هي «المرأة الزانية» (عنوان الكتاب أيضا) التي يرد ذكرها في الأناجيل. فالقصة التاريخية تقول إن الكتبة والفريسيين ألقوا القبض على امرأة متزوجة ارتكبت الزنا، فأحضروها أمام عيسى بن مريم، وقالوا له: هذه المرأة زنت، وقد أمرنا موسى النبي، في الناموس، برجم هذا النوع من النساء حتى الموت. وحين ألحوا على معرفة رأيه، قال جملته الشهيرة: «من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر».

من كانت تلك المرأة؟ ما كانت عليها حياتها قبل هذه الواقعة؟ ما ستكون عليها حياتها أيضا بعد الواقعة؟ صحيح أن هذه الشخصية مستوحاة من فعل تاريخي (الأناجيل)، إلا أن كونته لا يعيد تأريخ تلك الحقبة الدينية، بل يتخيل كل شيء عن هذه المرأة، أي يتخيل تاريخها: يخبرنا عن طفولتها قرب البحر، زواجها من تاجر حزين، اكتشافها للحب والشهوة، وتجولها بعد ذلك، من يافا إلى روما، ومن فلسطين التي كانت تحت الاحتلال الروماني إلى إيطاليا النيرونية التي شهدت ولادة المسيحية. بلغة وفيرة وحساسة، ولنقل بلغة حسيّة أيضا، يأخذنا كونتي إلى رحلة في التاريخ الحقيقي/ المتخيل. (حازت الرواية جائزة مانزوني لأفضل رواية تاريخية عام 2008).

عودة أخرى إلى التاريخ، يقوم به كونته في روايته «دانتي في حب» (التي يمكن للقارئ العربي أن يكتشفها مع الترجمة الصادرة عن «المدى» (ترجمة نبيل رضا المهايني)، التي يستعيد فيها شخصية شاعر إيطاليا الأكبر دانتي أليغري. لنقل هي قصة شبح، بمعنى من المعاني. فقبل 699 سنة، ينزله الأب السماوي، لليلة واحدة، من الفردوس إلى مدينة فلورنسا كي ينشر حبه المفرط للشعر والجمال الأرضي. هناك، وهو قاعد عند سفح المعمودية، كان ينظر إلى مشهد النساء العابرات ليستعيد مشروعه في تصنيف أجمل ستين امرأة من بينها. وفي الليلة السبعمائة، تمرّ طالبة شابة أجنبية تدعى غريس، فتترك لديه انطباعا بأنه يشعر بوجوده للمرة الأولى. ليبدأ في ملاحقتها في سلسلة من اللقاءات المرحة ليتحدث معها، كما لو كان بإمكاننا سماعه، عن حبه لبياتريس وعن تجربته السرية مع الحب المخلص. ليدعوها إلى تنظيم رحلة حب معًا على السفينة السحرية التي أرسلتها ميرلين الساحر. وعندما تقبل غريس صورة الشاعر، يتغير كل شيء...

بين حكاية مليئة بسوء الفهم ومآسي مدينة خائفة ومهجورة كما في زمن الطاعون الأسود، (بدأ كونته كتابة روايته هذه مع أولى أيام وباء كوفيد الذي اجتاح العالم). يظهر الحب لدانتي ــ كما يظهر دانتي لكونتي ــ في لعبة من المرايا المشوهة، التي لا تعرف متى تبدأ ومتى تنتهي. يروي أحد أعظم الشعراء الإيطاليين الحاليين بخفة رائعة، مليئة بالإشراق وبعيدا عن أي تحذلق، رحلة حب قام بها شاعر «فيتا نوفا» (الحياة الجديدة) العظيم إلى «القصيدة المقدسة». لذا لا يعرف القارئ في نهاية الكتاب أي من الشاعرين هو «أليغري» (دانتي أم كونته) الذي يلعب الدور الأكبر في هذه الكوميديا.

قد تكون لعبة المرايا هذه هي ما يميز هذه «الرواية التاريخية الجديدة» المليئة بالتخييل الذاتي: أي حين لا تعرف متى يبدأ (أو ينتهي) التاريخ العام ومتى يبدأ (أو ينتهي أيضا) التاريخ الخاص. ربما التاريخ ليس في النهاية سوى تاريخ... خاص.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هل انتهى التاريخ عند الليبرالية الديمقراطية ؟!

بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي في مقدمتها، التي كانت تتبنى النظام الشمولي من خلال الحزب الواحد، ومركزية القرار السياسي والاقتصادي الموحد من خلال هذا الحزب، دون وجود تعددية من أحزاب أخرى مثلما هو في الأنظمة الليبرالية الديمقراطية، وفي عام 1991 حصل بما يشبهه البعض بالانقلاب الداخلي السياسي والاقتصادي للاتحاد السوفييتي التي قام بها الرئيس السوفييتي الأسبق ـ آنذاك ـ « ميخائيل جورباتشوف»، والتي كان هدفها الاصلاحات الداخلية للنظام الاشتراكي المتراجع في بنيته الاقتصادية والعسكرية عن المعسكر الليبرالي المنافس له.

لكن هذه الإصلاحات التي سميّت بـ(بيريسترويكا)، كانت نذير شؤم للنظام السوفييتي كله، الذي كان يعيش أزمات سكونية داخلية متراكمة خاصة في أوضاعه الاقتصادية والسياسية، وجموده السياسي على النظرية الماركسية/ اللينينية، ما عجّل بسقوط رأس النظام الاتحاد السوفييتي، ثم تتابع سقوط دول المعسكر الاشتراكي أيضا التي كانت تطبق النظام الشمولي نفسه، المنضوية في حلف «وارسو» الذي يتزعمه الاتحاد السوفييتي نفسه، وكذلك انهارت الحرب الباردة التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي استغلت من قبل المعسكرين المتنافسين، لإثارة الحروب والصراعات بين الدول الصغيرة، التي تنتمي لهذين المعسكرين بين الكتلة الغربية والكتلة الشرقية، حيث يتم بيع السلاح لهذه الدول -دول العالم الثالث كما يسمّى- ومع ذلك فإن هذه الدول الكبرى خسرت كثيرًا من سباق التسلح في الحرب الباردة، وخاصة الاتحاد السوفييتي، ما أدى إلى انهياره مع المعسكر الذي ينتمي إليه كما أشرنا آنفًا.

وهلل نسور الرأسمالية الليبرالية بهذا السقوط الكبير لهذا المعسكر، واعتبر ذلك انتصارا لليبرالية الديمقراطية في الغرب الرأسمالي والسوق الحرة، وأن التنافس انتهى عند هذه الفلسفة الليبرالية الديمقراطية كما قالوا، وأن التاريخ توقف عند هذه النظرية.

وأصدر المفكر الأمريكي الياباني في عام 1992 «فرانسيس فوكوياما» أطروحته الشهيرة (نهاية التاريخ وخاتمة البشر)، والتي تحولت إلى كتاب بعد ذلك، واعتبر في هذه الأطروحة أن انهيار النموذج الاشتراكي في المعسكر الشرقي الشمولي، هو انتصار للفلسفة الرأسمالية الديمقراطية الغربية، بالتالي نهاية النهايات لكل فكر منافس لهذه الفلسفة الليبرالية، ولكل فكر مغاير ومختلف عن النظام، وبعدها سيتم إغلاق التاريخ تماما، ولا شيء بعد ذلك سيستمر غير هذا النموذج الذي هو الخلاص النهائي لكل الأمم والشعوب والحضارات، وبحسب تعبير فوكوياما، الذي قال في هذه الأطروحة ما خلاصته: «الديمقراطية الرأسمالية هي النموذج النهائي للتطور البشري الإيديولوجي للإنسانية، وهي نهاية التاريخ لكل النظم والفلسفات والأيديولوجيات، ولن يكون هناك نقيض خارج النظام الرأسمالي بفلسفته الليبرالية، بعد سقوط النظم الفاشية والاشتراكية». لكن البروفيسور «صموئيل هنتجتون» صاحب نظرية: (صراع الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي) المثيرة للجدل، انتقد زميله في أطروحته (نهاية التاريخ وخاتمة البشر)، قال ما خلاصته: الصراع المقبل سيكون صراع حضارات، وتنبأ أن القوى الصاعدة التي ستشكل خطرًا على الغرب ستكون من التحالف بين الحضارة الإسلامية والكونفوشية الصينية!

وهذا معناه -كما يعبر هنتجتون- أن التاريخ لن يتوقف عند الديمقراطية الليبرالية بل سيبدأ من جديد في صراع آخر ليس أيديولوجيا هذه المرة كما كان سابقا، بل سيكون بين حضارات وهويات وثقافات.

وقد ناقشت في كتابي (الإسلام والغرب)، تلك النظريات والفلسفات المتناقضة باستفاضة، وخاصة نظرية «صدام الحضارات» و«نظرية نهاية التاريخ»، ويرى «هنتنجتون» أن رؤية نهاية التاريخ تعني الخمول والسكون لدى الغرب، وهذا قد لا يفيده مستقبلاً قوة عسكرية وتكنولوجية، فقد تتغير الحضارات وتحقق لها قوة صناعية وعسكرية، وتكنولوجية، لذلك فإن مقولة صراع الحضارات والخطر القادم ضرورية للاستعداد للنزال مع القوى الصاعدة، ولابد من الاستعداد لعدو، حتى ولو نخترعه من جانبنا، لكن نهاية التاريخ تعني تخديرا للغرب، وسكونا لحركته وتفوقه، وأن سقوط الخطر الأحمر لا يعني انتهاء كل شيء، ويرى «هنتنجتون» أن الخطر الأخضر الإسلامي ربما سيكون هو البديل المقبل بعد سقوط الخطر الأحمر بسبب صعوده وانتشاره، وسيكون المواجه للحضارة الغربية بالتحالف الحضارة الكونفوشية الصينية كما أشرنا. فالغرب لا يريد أن يتنازل عن مكانته وتفوقه وريادته، وبالتالي فإن الافتراضات التي وضعها «هنتنجتون» ليست صحيحة من الناحية

التحليلية الاستقرائية للواقع والتاريخ بل إن ما قاله هو إعادة «شحن بطارية» الغرب الروحية التي بدأت في النفاد كما يعتقد البعض، ولذلك فإن مقولات «الصدام المقبل» قد تعني أن شيئا ما ينتظره وما إذا كان باستطاعة الغرب أن يقود الحضارة في القرن القادم أم لا؟ وهذا أيضًا يقود إلى افتراضين:

الأول: مراكز القرار فوجئت بصدور الكتاب الذي أصدره فرانسيس فوكوياما (نهاية

التاريخ وخاتمة البشر) الذي قال فيه ما خلاصته أن النظام الليبرالي هو أقصى ما

يمكن أن يبلغه المجتمع السياسي.. فالديمقراطية الليبرالية انتصرت ولن ننتظر

الجديد بعد الآن، فهذا القول وإن كان يدعو إلى الفخر والزهو ببلوغ النظام الرأسمالي الحر انتصاره في الحرب الباردة بعد انهيار الماركسية إلا أن هذا الطرح قد لا يفرح مؤسسات صناعة القرار في الغرب التي يهمها افتعال الصراع وافتراض الصدام القادم وهذا ما أتت به أطروحة «صدام الحضارات» للبروفيسور هنتنجتون في 1993م.

ثانيا: أن يكون التخوف الغربي في محله، والسبب أن تصاعد بعض الحضارات تقنيًا وثقافيًا ربما يعني أن الغرب سيتراجع عن الصدارة والمكانة الدولية وهذا نذير غير سار للحضارة الغربية التي تعاني في الأساس من التراجع الروحي والأخلاقي.

والحقيقة أن مقولة (نهاية التاريخ)، ليست جديدة، فقد سبق وأن تحدث عن نهاية التاريخ «فريدريك هيجل» في بعض مؤلفاته وقبل ذلك في بعض محاضراته، وهو أحد الممثلين للفلسفة المثالية المعاصرة في الغرب الليبرالي، فبعد قيام الثورة الفرنسية، وحروب «نابليون» في أوروبا وخارجها، وخاصة انتصاره في حربه مع بروسيا، «اعتبر فريدريك هيغل» إن انتصارات نابليون، هو نهاية التاريخ لقيم الليبرالية وفلسفة الحرية، وقيام الدولة الليبرالية المنتصرة، التي لا محيد عنها لفرض قوتها وإنهاء التناقضات في النظام الرأسمالي. وأيضًا استعار «كارل ماركس» من هيجل الحتمية الجدلية، وإنهاء التناقض في المجتمع في النظام الجديد الذي أقامه لينين بعد الثورة البلشفية عام 1917، والتي سينتهي تعطيل التاريخ، وقيام المرحلة الأخيرة من الصيرورة التاريخية، بانتهاء الطبقية وانتهاء الدولة والوصول إلى المرحلة الشيوعية وهي نهاية التاريخ عند هذا النظام الشيوعي. وفرانسيس وفوكوياما أيضًا أخذ من النظرية الهيجلية نهاية التاريخ، واعتبر أن الصراع بين الليبرالية والماركسية انتهى بانتصار الرأسمالية الديمقراطية، لكن ما جرى للمعسكر من انهيار، ليس بسبب الصراع بين النموذجين الليبرالي والشيوعي، ولا بسبب سباق التسلح بين المعسكرين، كما الذي يحلو للبعض تفسير هذا السقوط المفاجئ للنظام الاشتراكي.

ويرى البعض أن الأمر يتعلق بالفكرة الاشتراكية وتطبيقاتها الداخلية، وغياب الحريات العامة وغياب التعددية السياسية والفكرية التي حددت بالنموذج الواحد لحد الجمود، أحد أهم أسباب الانهيار إلى جانب سباق التسلح مع الغرب خاصة الولايات المتحدة في المراحل السياسية.

كما أن مقولة نهاية التاريخ مقولة هلامية، وليست مقولة علمية رصينة وواقعية، والفكرة الموضوعية الأمينة، كما يقول د. مصطفى محمود: «لا تقول بأكثر من الترجيح والاحتمال، فالقوانين الإحصائية كلها قوانين احتمالية وكلها ترجيحات لا ترتفع للمستوى أو على الأصح إلى مرتبة الحتمية أو الإطلاق، ثم أن الإنسانيات لا تجوز فيها الحتمية لأن الناس ليسوا كرات (بلياردو)، تتحرك بقوانين فيزيائية، لكنهم مجموعة ارادات حرة تدخل في علاقات معقدة يستحيل فيها التنبؤ من خلال قوانين مادية». وهذا ما وقع فيه فوكوياما. وقد تراجع فوكوياما في بعض كتاباته ومقالاته في مناسبات عدة في السنوات الماضية، عن تراجعه عن هذه الاطروحة عند الليبرالية الديمقراطية كحتمية تاريخية، بصورة قاطعة، لكنه لا يريد أن يعلن فشل هذه الفكرة الهلامية التي قالها في أواخر القرن الماضي، لكنه يريد أن يقصيها دون أن يناقشها مرة أخرى، لاعتبارات كثيرة منها أنه يريد أن يطرح مفاهيم جديدة تقول: « فكرة نهاية التاريخ لنظرية معينة غير محسومة أو نهائية، لكنها مراحل تجري لتبرز حضارة أو ثقافة في بعض حقب التاريخ وتتراجع في محطات معينة». وهذه هي مقولة العلامة ابن خلدون عن صعود وسقوط الحضارات، وتلك فكرة مقبولة ومعقولة تجهض أطروحة مقولة نهاية التاريخ من أساسها، وهذا ما عبر عنه في مقالته من أنه ليس مع القول بالمطلق، بأن «الدولة ومن أجل أن تنمو، لا بد أن تكون ديمقراطية، لأنه وقبل أن تحصل على ديمقراطية لا بد لك أن تحصل على حكومة ودولة قائمة يكون بوسعهما تقديم الأمن والأساس الاقتصادي لشعبها»، وذلك بالالتزام بالفلسفة الليبرالية دون غيرها من الفلسفات والهويات الأخرى، وهذه آراء جاءت نتيجة انتقادات ونقاشات وكذلك الواقع في أحداث كثيرة، لم تكن الليبرالية هي التي تحظى بالقبول في الكثير من الدول خاصة في رؤاها الطائشة.

مقالات مشابهة

  • التاريخ ينصف برشلونة.. تاريخ مواجهات برشلونة وموناكو في دوري أبطال أوروبا والبطولات القارية
  • نادي العامرات.. موقف مُشرِّف سيذكره التاريخ
  • هل انتهى التاريخ عند الليبرالية الديمقراطية ؟!
  • ليس الأطفال فقط.. فوائد حليب الأم تمتد للكبار أيضا
  • وزير الخارجية الأمريكي: ناقشنا مع الجانب المصري أيضا الخطط المتعلقة باليوم التالي لوقف إطلاق النار في غزة
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • طريقة عمل اجنحة الدجاج المشوية بالسويت شيلي صوص
  • في سوريا أيضاً... إنفجار أجهزة pager بعناصر حزب الله
  • تين هاج عن لقب البريميرليج: الكؤوس مهمة أيضا
  • عبدالله بن زايد يبحث مع جوزيب بوريل علاقات التعاون الإماراتية الأوروبية