كل اليهود لإسرائيل جنود / الجزء الثاني
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
كل اليهود لإسرائيل جنود / الجزء الثاني
سبتة : #مصطفى_منيغ
في المملكة المغربية (من يؤيدون الصهاينة) لا يتجرَّؤون على الظهور ، وإن فعلوا فالخوف راكب فوق رؤوسهم مقلدين ركوض الثور ، صوب أمكنة لا تفارقها حراسة رجال الأمن بكيفية لا مثيل لها عبر المعمور ، إذ من الصعب مراقبة حركة الكراهية المطلقة في عقول لها موقف خفي لمثل الأمور ، ومنها فقدان الثقة في مثل الذين ابتلي المغرب بهم منذ سالف العصور ، فما كان البعض منهم أن يناصروا صهاينة إسرائيل وينسوا الذي احتضنهم الواقف شعبه ضد تصرُّف أي حيوان مسعور ، لم يجد مَن يلجمه حتى انتقل إلى لبنان ليواصل نهش عظمها بعد لحمها لأجَلٍ غير منظور ، غير حافلٍ بوخز ضمير ولا ملاحقة عَدلٍ بحبل مشنقة على عنقه يدور ، لترتاح منطقة الشرق الأوسط من عبثه بأشلاء المدنيين الأبرياء المشتتة بين طرقات غزة والضاحية الجنوبية اللبنانية وأطراف من سوريا وغداً قد يشهد العراق نفس الهمجية مِن بَغْدادِهِ مجرور ، فاقداً ما كان عليه مِن تاريخ يضفي على متصفحه الشعور بالسرور، مستقبِلاً سواد تبعية قد تمحي مجده من قاموس البلاد المشرقة بالتطور المحترم والنماء الوقور ، ليتم الحاقه بمن شأنها كوجودها في خانة النسيان مغمور .
في المملكة المغربية لامناص من بروز مَن يتخذ مثل الوطن المستقر الآمن مجرد مطية يركبها لتحمله صوب تل أبيب محملاً بما يزيد الغاصبين على الهيجان بدل الفتور ، إذ ما يحصل الآن في فلسطين يجعل الحجر يلين أنيناً بدل أن يشتد صلابة وقسوة كقلوب صهاينة منها الحق مهجور ، والباطل المزهو بالنفاق والحقد الدفين في الأعماق والجرم المعزز بالفجور ، ساكن داخلها مهما استقر بهم المقام تحت مظلة المسكنة مَن تعلوها ما لا تتحمله كوصف بضع سطور ، إن عمدنا الحديث المقارب للحدث وليس بدبلوماسية التعبير محصور ، إذ من يحمل الجنسية المغربية حتى من اليهود هم لنا ومنَّا أن ظلوا على هُدَى موقف المغاربة المؤيد بلا قيد أو شرط أشقاءهم الفلسطينيين على أرض كل فلسطين ، أما إن كان هؤلاء اليهود جسدهم بموجب هذه الجنسية مع مغاربة المغرب وعقولهم كقلوبهم مع صهاينة إسرائيل فمصيرهم بمثل ما وصفناهم به على جبينهم ما عمَّروا وسط هذا البلد الشريف محفور .
… عكس ما ظن البعض لا نكره اليهود المغاربة هم مواطنون يقاسموننا الحقوق والواجبات في هذا الوطن الذي نفتخر بالانتساب اليه وعليتا احترام مبادئ وقيم وإرادة شعبه العظيم حفظه الله ونصره ، وفي هذه المسألة بالذات كان وسيكون مع الحق الفلسطيني وتحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وانتهى الأمر ، فلا التطبيع مع ذاك الكيان الدخيل يعنيه ولا للمتحمسين له يرتاح ، الدليل في كوني لا أكره يهود بلدي أتواجد الآن في مدينة سبتة ملبياً طلب يهودية أحبها ، امرأة قضت جل حياتها مساندة المقاومين الفلسطينيين ، مؤيدة بقوة حقهم في تأسيس دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس ، مضحية بنفسها والمنصب السامي الذي كانت تشغله في إسرائيل انطلاقاً من إقامتها في بروكسيل .
مقالات ذات صلةإحساسٌ عجيبُ يجتاحُني كلما طرقَت الذكرى وولجت ذهني دون استئذان ، تعيدني لنفس الحدث وكأنني أجسِّم نفس الدور في رواية مرحلة محددة من حياتي ، احتفظَ بها الزمن ليسترجعها حيالي صوتاً وصورة بنفس الدقة للأصل دون إضافة أو نقصان ، (كأنها مُعاشة للتو على بساطِ الواقعِ وليست منزوعة من عُمقِ الخيال ، بعد التغلُّب على إزاحة ضباب نسيان مُلتصق بالفعل عن قصد ، بعامل التقدُّم في العمر المُقَدَّر) عَليَّ كلما زرتُ هذا المكان الكائن في مدينة “سبتة” التي استحوذت من أيام الصبا على لب ما في الاهتمام من اهتمام ، متَى تعلَّق الأمر بالخطوات الأولى فوق طريق طموحاتي العاطفية صراحة ، “سبتة” التُّحفة الإستراتيجية المذلَّلة بين صفحات التاريخ الوطني المغربي الإسباني ، صابِرة على وضعيتها المتذبذبة بين عاملي التملُّك الأصلي الأصيل ، والملزم عن موقف مسؤولَين اثنين ، أحدهما منتصر استحوذ بنفوذه السلطوي عن قوة وعلى نفس النمط لتواجده داخل مساحتها حتى اللحظة استثمر ، وآخر منهزم يظلّ صامتاً لقرون يرَى جزءاً من كيانه مُلحقاً بالغير ولا حولَ له حتى لإعدادِ أي عُدَّة كفيلة باسترجاعه ، عن أسباب جد معروفة ، لا مجال لذكرها هنا جملة أو اختصارا ، ساحة أفريقيا اسم المكان الدائري الشكل المتوسِّط قلبها النابض حيوية ، مَجْمَع قصر الحكم الذاتي ، وكنيسة سيدة إفريقيا ، ومقر القيادة العامة للجيش الاسباني ، وفندق شهير ، حيث في نواة ذات الدائرة أقام المهندس العسكري “خُوسِيهْ مَدْرِيدْ رْوِيسْ” نصبا تذكاريا لمجسم قتلى حرب 1859/1860 التي طالت البقعة ، و تمَّ افتتاحه الرسمي سنة 1895 بعدما أضاف اليه النحَّات اَنْطُونِيُو سُوسِيلُو نقوشاً تضفي عليه هالة من إعجاب الزوار . هنا الموعد المضروب مُسبقاً مع القادمة من “بروكسيل” للقاءٍ بعد فُرْقَةِ بضع سنين أملَتْها علينا معاً ظروف لا يد لنا فيها بتاتاً ، بل للبِعاد وتباين قرارِ الاستقلال بحياة كل منا الشَّخصية بعد التحام وانسجام لأعوام سالفة اعتبرتُها الأحلَى والأسعد كما عَرَّفَ بها ملف إقامتي في الديار البلجيكية ، شمعة مضافة لأخريات ثلاث استضاءَت دياجير عواطفي وقتها ، بدت بوجهها الصبوح المزين بسعة جفنين ووجنتين محتفظتين لنفس اشراقة شباب أنثى لا يُقارَن جمالها مهما كان الطرف المُقارن به آية في الجمال ، تتباهى بمشيتها المحسوبة الخطوات ، المحسومة بدقة الاتجاه ، المتسارعة غالِباً لمعانقة مَن تهوَى مُذ عشرات السنين ، ولا تزال مخلصة لمعاشرته في الحلال كظل الظل أينما حل باعِثه وارتحل ، في الحقيقة أو الخيال ، لقوَّة تفوق حب الحُبّ ، المتمكِّن لدى ثنائي تعاهدا على الإخلاص ما بقي في عمرهما من آخر ثواني أو أقل ، حب لا يعترف بنضج أو كهولة وصال ، ولا بالمباشر أو غيره في وَحدةٍ جامعة بينهما داخل أي مكان ، مهما كان الزمان ، اليوم أو من خمسة عقود لا فرق ، فالبوصلة لا زال مؤشِّرها ثَابِت على نفس المتصاعد منهما إقبالاً للحنان بلا كلَل أو ملل ، مع كل استنشاق لهواء متعة الحياة عندهما كامرأة موقَّرة مُحترمة ورجل لجذور الأصالة الأصيلة في أقواله كأفعاله واصِل، براحة ضمير ، وتصرُّفٍ بالطبيعي يُنير وللحق في الحق لاهتمام الرقباء يُثير .
أحاسيس منعشة للتفكير بما في الأهمية من أهمية المعنى ، حيث تتجلَّى الذِّكرى شريطاً مَرْئِياً ببصيرة يقِظة عن حق ، ولو مستأذناً الخيال عدم التدخُّل بضبابيةٍ حليفةِ النِّسيان ، المرافقة مرات تاريخ إنسان لم يذق صراحة طعم الحب إلاَّ ثلاث مراث ، وحتى لا يتيه جَمَعَ صاحباته المشاركات مباشرة في حدوثه كاستمراره على نفس المستوى ، واحدة منهن ما انتظرها في نفس المكان الذي تعودنا اللقاء فيه داخل مدينة “سبتة” التي لها وقع خاص في نفسيتي منذ أيام الصبا والشباب وحرية مرحلة تتبعهما مقيَّدة بمسؤولية التصرف وفق قناعاتي المستمدة من مبادئ اتخذتها دستور إقامتي أينما حللتُ عبر العالم ، متضمناً سلسلة قوانين خاصة تلائم انتسابي لوطني المغرب أولاً ، ثم لِما أقوم به خدمة لنفسي ولصالح الإنسانية دون اعتبار لجنسٍ أو لونٍ أو عقيدة ، مُحترماً أراء الآخرين لأحترم قبلهم أرائي ، وأناضل عنها بالتي هي أقوم ، مهما كانت الظروف وكيفما واجهتني من عوامل ، إذ الدفاع عن حقوق الناس وإن انتسبوا لدولٍ جد متقدمة وعلى صعيد القارات ، ليس بالأمر المتروك للصدفة ، بل التزام وإن حَصَلَ في إطار التطوّع عن طيب خاطر ، يبقَى متبوعاً بالعديد من الشروط ، منها الوفاء وعدم الانحياز ، وأخذ الأمور المُعالَجة إتباعاً لواقع الموقع المعني ، وليس تعميماُ للتشابه أو الاختزال مادام الحلّ يقتضى الدراسة المعمَّقة لكل قضية مطروحة على حدة ، والشراكة المتواصلة مع أعضاء الفريق المكلف عن جدارة واستحقاق لمسايرة البحث والتقصي قبل إصدار أي تقرير يستقر بين أيادي واضعي القرار حيث التعاون الدولي في إحلال الأمن من أجل السلام بين جميع البشر ، حقيقة تُلمَس بما طرأَ على العالم مِن تحسُّن انطلاقاً من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الآن ، الإشارة الواضحة لبعض التجاوزات والخطيرة أحياناً الملتصقة بالموضوع ، بمقدار جزء لا يُستهان به من السلبيات بسبب بعض الدول وفي مقدمتها إسرائيل الموصوفة بالسبق في نقش اسمها المغضوب عليه ، وليس كتابته في صفحة من صفحات التاريخ الإنساني العام فقط ، وما هي إلا لحظات وجيرة حتى أقبلت عليَّ تلك المرأة الرائعة التي ما زادتها السنون على الأعوام الفائتة غير هيبة جمال يُبهج الخاطر محلقاً به في علياء السعادة السعيدة حقا ، وليست المصطنعة عن تأثير ظرف معيَّن ، إنها “البهلولية” اليهودية المغربية البلجيكية الجنسية رفيقة دربي خلال مسيرتي الأوربية انطلاقا من العاصمة بروكسيل إلى ما شاءت لحظة الفراق على أمل تجدد اللقاء حينما قررت العودة لبلدي المغرب لأمارس مهنة المتاعب عن قواعد علمية متكاملة الأركان قانوناً واحترافاً ، طلبت لقائي هنا لأمر لا ينفع النقاش فيه بوسائل وتقنيات الاتصال عن بعد ، التي بقدر ما تطورت لَحِقَ بها السطو والتصنت على الأسرار من طرف من جعلتهم المخابرات رقباء بلا رحمة على من يتوسمون فيهم فكراً حراً لا ينبطحون عن خيانة أو بيع ضمائرهم دون خجل من فقدانهم السيادة على نفسهم ليصبحوا ورقة هشة تتقاذفها رياح مصالح معينة تسعى لامتلاك كل حقوق الغير ، لتكون إسرائيل وحدها في طليعة الهيمنة دون مضايقة أحد أكان من الأشخاص بما فيهم الذكور والإناث أو الدول السائرة في طريق النمو كالمتقدمة لا فرق ، نعني الموساد الإسرائيلي المطوِّق أعناق اليهود قبل غيرهم ليكونوا جنوداً في خدمة الصهيونية العالمية التي اتخذت ارض فلسطين مقراً لها بالمعروف من الطرق .(يتبع)
مصطفى منيغ
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا
سفير السلام العالمي
aladalamm@yahoo.fr
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
إيلان بابيه.. مؤرخ بدأ صهيونيا وانتهى معاديا لإسرائيل
إيلان بنيامين بابيه مؤرخ وناشط إسرائيلي وُلد عام 1954 في مدينة حيفا، التي احتلتها إسرائيل عام 1948، لعائلة يهودية هاجرت من ألمانيا. نشأ في بيئة تأثرت بالفكر الصهيوني، وخدم في الجيش الإسرائيلي بمرتفعات الجولان المحتل أثناء حرب أكتوبر 1973، لكنه لاحقا ناهض الصهيونية ووثّق المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين.
أصبح من أبرز مؤرخي الجيل اليهودي الجديد المعروفين بـ"المؤرخين الجدد"، الذين أعادوا النظر في الرواية الرسمية التي بنت عليها إسرائيل سردية تاريخها.
ألّف العديد من الكتب أبرزها "التطهير العرقي في فلسطين"، ووصفه بأنه "أحد أكثر الكتب جرأة وأهمية في تحدي الرواية الإسرائيلية الرسمية".
اشتهر بآرائه الناقدة للسياسات الإسرائيلية ودعمه المقاطعة الثقافية لإسرائيل، ولذلك اتهمه بعض الأكاديميين الإسرائيليين بـ"تشويه التاريخ"، وواجه تهديدات بالقتل.
نتيجة للتضييق عليه في إسرائيل، هاجر إلى بريطانيا، حيث يعيش مغتربا، ويعمل أستاذا في جامعة إكستر، وكان من قبل أستاذا محاضرا في الجامعة العبرية.
المولد والنشأة
وُلد إيلان بنيامين بابيه في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 في مدينة حيفا، وهو ابن مُهاجِرَيْن من ألمانيا فرّا من اضطهاد النازية في ثلاثينيات القرن العشرين، وهاجرا إلى فلسطين في فترة الانتداب البريطاني.
كانت أسرة بابيه إحدى آلاف العائلات اليهودية التي هاجرت إلى فلسطين في تلك الفترة بتشجيع من الحركة الصهيونيّة تمهيدا لإقامة دولة يهودية، وانضم والداه لاحقا إلى المشروع الاستعماري الصهيونيّ، وكما قال بابيه، فقد "غضّا الطرف عن حقيقة أن إقامة الدولة اليهودية تمت عبر تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم".
إعلانفي ريف حيفا، على جبل الكرمل، أعاد والدَاه مع أصدقائهما تأسيس مجتمع ثقافي يهودي ألماني، وهو ما وصفه بابيه بأنه "عالم وهمي".
كان بابيه جزءا من جيل ما بعد قيام إسرائيل في عام 1948. وتمتع بامتيازات اجتماعية وسياسية باعتباره من اليهود الأشكناز القادمين من أوروبا.
ومع ذلك، وجد نفسه في عامي 2005 و2006 وسط عاصفة سياسية وفكرية أجبرته على مغادرة إسرائيل، والاكتفاء بحياة هادئة في بلد غربي. ومنذ عام 2007، يقيم مع زوجته وابنيه في المملكة المتحدة، حيث يعمل أستاذا في جامعة إكستر.
يذكر بابيه أن أحد الأسباب التي دفعته إلى مغادرة حيفا كان خوفه على سلامته، بينما كان السبب الآخر شعوره بـ"اختناق المثقف". فقد واجه رفضا قاسيا من مجتمعه، ووُصف بأنه "مجنون" و"مرتزق من العرب والفلسطينيين". كما يقول إنه تلقى "رسائل كراهية وتهديدات بالقتل".
ويؤكد أن أخاه وأخته لا يشاركانه مواقفه السياسية، وأن بعض أفراد عائلته الموسعة قاطعوه بسبب آرائه. ومع ذلك يرى أنه ينتمي إلى مجتمع يرتكب انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين، ويشعر بأن من واجبه الاعتراض، "ولو جعله ذلك منبوذا".
بعيدا عن السياسة، يهوى بابيه قراءة الروايات الإنجليزية، ويستمتع بمشاهدة الأفلام السينمائية، والاستماع للموسيقى الكلاسيكية. كما أنه من مشجعي نادي ليفربول الإنجليزي.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى بابيه تعليمه فيما قبل الجامعة وفق المنهج المعتمد في المدارس الإسرائيلية العامة بمدينة حيفا، حيث نشأ.
وفي عام 1972 التحق بالجامعة العبرية في القدس، وهي إحدى أبرز الجامعات في إسرائيل، وتأسست عام 1918 وافتُتحت رسميا عام 1925.
درس بابيه تاريخ الشرق الأوسط في الجامعة، مدفوعا بشغفه بالتاريخ، وهو المجال الذي تفوق فيه منذ سن مبكرة مقارنة ببقية المواد الأكاديمية.
في هذه الفترة من دراسته أبدى اهتماما خاصا بتاريخ فلسطين والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو ما شكل نقطة تحول رئيسية في مسيرته الأكاديمية والبحثية.
إعلانحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة العبرية عام 1978، ثم انتقل إلى جامعة أكسفورد في بريطانيا لاستكمال مسيرته الأكاديمية.
وفي كلية سانت أنتوني بأكسفورد، عمّق شغفه بالتاريخ ووسع دراساته حول الصهيونية وتاريخ فلسطين، مما ساهم في بلورة توجهاته النقدية.
في عام 1984 حصل بابيه على درجة الدكتوراه في التاريخ تحت إشراف ألبرت حوراني وروجر أوين، وهما من أبرز الباحثين في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. وكان بابيه آخر طالب تتلمذ على يد حوراني في أكسفورد، وقد تأثر كثيرا بمنهجه البحثي.
ونجم عن بحثه الأكاديمي كتابه الأول "بريطانيا والصراع العربي الإسرائيلي"، وتناول فيه بشكل خاص حرب 1948، وهو الموضوع الذي أكد بابيه أنه كان يشغله منذ بداية مسيرته المهنية مؤرخا.
في رحلته العلمية والمعرفية، تأثر بابيه بتوجهات أكاديمية متنوعة ساعدت في تطوير أفكاره وصياغة منهجه التاريخي، وكان لتفاعلاته مع المثقفين الفلسطينيين، إلى جانب المناقشات المعمقة واستخدامه الأبحاث الأرشيفية، دور محوري في بلورة رؤيته التحليلية للأحداث.
وقال بابيه إنه "تعرف منهم على الرؤية الفلسطينية لما حدث عام 1948″، ثم بحث في الأرشيف لدعم هذه الرواية.
كما التقى المفكّر الفلسطيني-الأميركي إدوارد سعيد، وأكد أن منهجه الأكاديمي كان مصدر إلهام له في كتاباته عن فلسطين.
وإلى جانب ذلك تأثر بالدراسات الحديثة التي أنجزها أكاديميون إسرائيليون حول التاريخ، وقد أسس هؤلاء هيئة أبحاث تناولت تاريخ المنطقة منذ عام 1882.
يتقن بابيه العبرية، وهي لغته الأم المرتبطة بنشأته في إسرائيل، كما يجيد الإنجليزية، وهي اللغة الأساسية لمعظم أعماله الأكاديمية، ويُعتقد أنه يتحدث لغة "اليديش" المرتبطة بأصوله من اليهود الأشكناز، وهي خليط من الألمانية والعبرية وبعض اللغات السلافية.
إعلانإضافة إلى ذلك، لديه إلمام باللغة العربية التي تعلمها في قسم "المستشرق" الخاص بالمدارس الإسرائيلية. وهو برنامج تعليمي يُعد الطلاب للعمل الاستخباري في الجيش الإسرائيلي.
عندما كان بابيه في التاسعة عشرة من عمره، أدى الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي ثلاث سنوات. وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وجد نفسه في مرتفعات الجولان في مواجهة الجيش السوري، ويقول في ذلك "أتذكر أن الرقيب قال لنا إنه يجب علينا قتل العرب الصغار وإلا فسيكبرون ليقتلونا".
بعد حصوله على درجة الدكتوراه من أكسفورد، عاد إلى إسرائيل وحصل على منصب أكاديمي في جامعة حيفا، حيث عمل محاضرا أول في قسم تاريخ الشرق الأوسط وقسم العلوم السياسية بين عامي 1984 و2006.
وفي عام 1992 أسس وأدار المعهد الأكاديمي للسلام في جفعات حفيفا، وسعى من خلاله لتوفير منصة أكاديمية تعزز رؤية جديدة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ثم أصبح في عام 2000 رئيسا لمعهد إميل توما للدراسات الفلسطينية، وهو مركز بحثي متخصص في الدراسات المعمقة حول القضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي كان يأمل فيه التقدم في مسيرته الأكاديمية، واجه بابيه ضغوطا سياسية وأكاديمية، نتيجة دعمه للقضايا الفلسطينية وانتقاده السياسات الإسرائيلية.
حُرم لسنوات من الترقية إلى درجة الأستاذية (المشاركة أو الكاملة)، رغم أن له سجلا أكاديميا حافلا بالمنشورات. وقال إن ذلك كان بحجة أن كتابه "نشأة الصراع العربي الإسرائيلي" كان "سياسيا أكثر منه أكاديميا".
وأشار إلى أن كتبه لم تُترجم إلى العبرية، وهو ما اعتبره نوعا من المقاطعة المستمرة لأعماله في الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية.
برز عام 2000 بصفته أحد المدافعين عن حقيقة مذبحة الطنطورة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي عام 1948. وساند الطالب تيدي كاتز الذي كشف عن تفاصيلها في أطروحته لنيل درجة الماجستير في التاريخ.
إعلانوتضمنت دراسة كاتز استنادا إلى شهادات فلسطينية، توثيقا لمذبحة قتل فيها نحو 200 مقاتل فلسطيني بعد استسلامهم في مايو/أيار 1948.
أثار دفاع بابيه عن كاتز استياء زملائه في الجامعة، حتى إن بعضهم اقترح طرده، ووصفوه بأنه "خائن"، وشبّهوه بـ"اللورد هاو هاو"، وهو اللقب الذي كان البريطانيون يطلقونه على وليام جيمس وعدد من زملائه المذيعين الذين كانوا يعملون في إذاعة ألمانية موجهة ضد بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.
في مايو/أيار 2002، تعرض لمحاولة الطرد من الجامعة بداعي أن مواقفه تشكل تهديدا للتوجهات الأكاديمية في إسرائيل.
وفي عام 2005 وقع على دعوة دولية لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، شملت وقف المشاريع الأكاديمية المشتركة وقطع تمويل البحوث.
أدان الكنيست الإسرائيلي موقفه، واستُدعي لاحقا إلى "جلسة استماع تأديبية" واتُّهِم بالترويج للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.
جعلته هذه الاتهامات هدفا لهجوم واسع من الأوساط الأكاديمية والسياسية، ونتيجة لذلك، دعاه رئيس جامعة حيفا، آرون بن زئيف، إلى الاستقالة.
في عام 2007، غادر إسرائيل بعد 23 عاما من العمل في جامعة حيفا وانتقل إلى بريطانيا لمواصلة مسيرته الأكاديمية، حيث يعمل أستاذا للتاريخ في جامعة أكستر.
وفي عام 2009، أسس بابيه وزميلته غادة الكرمي، المركزالأوروبي للدراسات الفلسطينية في معهد الدراسات العربية والإسلامية التابع للجامعة.
ويُعد هذا المركز الوحيد في الجامعات الأوروبية الذي يقدم أبحاثا متعمقة حول تاريخ فلسطين والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
في عام 2010، عُين مديرا مشاركا في مركز إيكستر للدراسات الإثنية السياسية، وهو منصة أكاديمية تركز على دراسة القضايا الإثنية والسياسية في العالم.
إعلاننشر بابيه أكثر من 20 كتابا عن إسرائيل وفلسطين، كما حرر مجموعة من المقالات التي تتناول الصراع العربي الإسرائيلي.
النشاط السياسيبدأ بابيه نشاطه السياسي في فترة مبكرة، وانضم في عام 1960 إلى الحركة الشبابية التي كانت تنتمي إلى التيار اليساري الصهيونيّ.
وقد مثل هذا التيار حزب "المابام"، الذي كان يتبنى الدفاع عن حقوق "الأقلية العربية" (فلسطينيو 48) في إسرائيل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
في فترة تحضيره للماجستير، كان يعمل مستشارا متطوعا لحزب "المابام" في الكنيست الإسرائيلي، يقدم المشورة لممثليه البرلمانيين في "الشؤون العربية"، وإضافة إلى ذلك كان منسقا لأنشطة "المابام" في الحرم الجامعي.
ومع مرور الوقت، أصبحت لديه رؤية نقدية لبعض سياسات الحزب، ثم غادره في عام 1965.
في فترة خدمته العسكرية كانت حرب أكتوبر 1973 حاسمة في تشكيل وعيه السياسي بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، وفي عام 1982 ساعد في تأسيس الفرع البريطاني لمنظمة "السلام الآن " اليسارية الإسرائيلية، وطرد منه بعد قبوله النقاش مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في مجلس العموم البريطاني.
وفي مرحلة لاحقة من حياته السياسية، انضم عام 1989 إلى حزب "حداش" اليساري (اختصار للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة).
في عامي 1996 و1999 ترشح في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية على قائمة الحزب، وفي عام 2003 غادره بسبب الاختلاف مع بعض مواقفه.
وفي عام 2008 أطلق المؤتمرالإسرائيلي لحق العودة، وكان الحدث يدعم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قسرا في سنة 1948.
في أغسطس/آب 2015، كان من الموقعين على رسالة تنتقد تقريرا لصحيفة "جويش كرونيكل" اتهم زعيم حزب العمال البريطاني آنذاك جيرمي كوربين بمناهضة السامية بسبب دعمه لفلسطين.
خارج معسكر الصهيونيّةفي طفولته كان بابيه منبهرا برواية ثيودور هرتزل "الأرض الجديدة القديمة"، التي صاغت الرؤية الصهيونيّة لإقامة دولة يهودية.
إعلانوفي فترة دراسته العسكرية والجامعية، كان صهيونيا إسرائيليا يساريا، لكنه لاحقا بدأ في تفكيك رموزالانبهار بهذه الأيديولوجيا في رحلة قادته بعيدا عن الواقع الإسرائيلي الذي وُلِد وتعلّم وترعرع فيه.
نشأ هذا التحول من همسات زميلين فلسطينيين في سنوات دراسته الثانوية، حين تحدثا عن النكبة، لكنه لم يفهم معانيها بوضوح آنذاك، ومع مرور الوقت بدأ يسمع شهادات مباشرة عنها.
تجول في أرض فلسطين المحتلة واستعاد ذاكرتها، ووجد الآثار التي تكشف الجانب المظلم من الصهيونيّة، وتؤكد أن إسرائيل بُنيت على أنقاض فلسطين.
وعندما انتقل للدراسة في أوكسفورد خاض رحلة استعادة ذاكرة نكبة 1948 دون أن يدرك حينها حجم ما سيكتشفه. يقول "كنت أبحث، بصفتي مؤرخا مهتما بتاريخ بلدي، في الوثائق التي أصبحت متاحة آنذاك".
ولكن ما وجده في الأرشيف أرسله في رحلة بعيدة عن الصهيونيّة، فقال "كان الشر الكامن في أحداث عام 1948، هو الحاجز الذي لا يمكن عبوره أمام كل ما اعتبرته مقدسا ونقيا في طفولتي".
وانتهى به الأمر إلى اقتناع بأنه لم يعد يستطيع "الاشتراك في أيديولوجية جردت الفلسطينيين الأصليين من إنسانيتهم، وروّجت لسياسات نزع الملكية والتدمير". ووصف ما حدث في ذلك العام بأنه "تطهير عرقي ضد الفلسطينيين وليس مجرد نتيجة لحرب".
ويرى بابيه أن الصهيونيّة باعتبارها مشروعا استعماريا، هي ما دفعه إلى مواجهة مباشرة مع "دولته" ومجتمعه. وقد كافح للتخلي عنها بوصفها "فلسفة عنصرية وشريرة"، ويؤكد ذلك قائلا "لقد دفعتني أبحاثي إلى التغير، ولا أعتبر نفسي صهيونيا الآن".
كما قال إن رحلته خارج معسكر الصهيونيّة لم تكن مجرد تحول فكري وأيديولوجي وسياسي، بل كانت أيضا تجربة عاطفية مؤلمة أدت إلى جفاء اجتماعي مع بيئته.
ومع مرور السنين وكثافة البحث وزيادة فهمه للقضية الفلسطينية وعلاقاته مع الفلسطينيين، أصبح أكثر ثقة بمواقفه الأخلاقية اتجاه إسرائيل والصهيونيّة.
إعلانويعتقد المؤرّخ الإسرائيلي أن أكثر شيء يستمتع به "هو أن يكون الشخص الذي يحمل مرآة أمام مجتمعه، ويقول انظروا مدى قبحكم".
كتب المؤرخ الإسرائيلي إليان بابيه العديد من الكتب والمؤلفات، ومن أبرزها:
تاريخ موجز للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، نُشر عام 2025. عشر خرافات عن إسرائيل، نُشر عام 2017، وتم تحديثه بخاتمة جديدة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2023. أكبر سجن على كوكب الأرض: تاريخ غزة والأراضي المحتلة، نُشر عام 2016 وتُرجم إلى العربيّة عام 2020. وحصل على جائزة فلسطين للكتاب. ستنجح المقاطعة: وجهة نظر إسرائيلية، نُشر عام 2012. الفلسطينيون المنسيون: تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل، نُشر عام 2011. خارج الإطار: النضال من أجل الحرية الأكاديمية في إسرائيل، نُشر عام 2010. التطهير العرقي في فلسطين، نشر عام 2006. بريطانيا والصراع العربي الإسرائيلي 1948-1950، نُشر عام 1988، وقال بابيه إنه فضح فيه "الأسطورة الإسرائيلية التأسيسية القائلة إنه في عام 1948 كانت بريطانيا عدوا للصهيونيّة وإسرائيل".