الرجل الحديدي.. اعتزل الملاكمة بعدما كسر جمجمة منافسه واحترف ضرب نفسه بمطرقة دون أن يمسه سوء
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
في أحد شوارع هافانا التي تحفّها الأشجار، يضرب رجل نفسه بمطرقة كبيرة على الرسغ والمرفق والساعد، ما جذب اهتمام المارة الذين تجمهروا لالتقاط مقاطع مرئية للعرض الخطير الذي يقدّمه.
لكن الصادم هو أنه لا يتعرّض لأي إصابات.
وقال الرجل الحديدي الكوبي لينو توماسين، إنه كان يتطلّع لأن يصبح مايك تايسون الجديد، إذ تدرّب ساعيًا كي يصبح ملاكمًا محترفًا، من خلال التعرّض لملايين الضربات بالمطرقة، قبل أن ينتقل إلى مكسيكو سيتي للمشاركة في نزالات.
وقال توماسين في مقابلة مع "رويترز" في هافانا "فزت في 27 نزالًا بالضربة القاضية، لكنني اعتزلت بعدما كسرت جمجمة المنافس في آخر نزال، وتُوفي على الفور".
وأضاف "لقد منحت أسرته كل الأموال التي جنيتها من النزالات"، وهو المبلغ الذي قدّره بأكثر من 100 ألف دولار، وتابع "تعهدت ألا أشارك في نزالات مجددًا".
ومنذ ابتعاده عن الأضواء، بات توماسين يكسب قوت يومه من الإكراميات التي يحصل عليها، بعد عروضه المرتجلة التي يقدمها في العاصمة هافانا وما حولها.
وفي صباح يوم صيفي حار ورطب بَهَر الرجل الحديدي -البالغ عمره 32 عامًا- الجمهور بأداء تمارين سواعد، مرتكزًا على رسغيه المثنيين، وهو يحمل على ظهره رجلًا بالغًا قبل أن يعود ليضرب نفسه بالمطرقة.
وقال إدوارد كاربونيل الذي شاهد عرض توماسين، مبهورًا "كله حقيقي، لا شيء مزيف. أدّى تمارين السواعد وأنا على ظهره".
وقال توماسين إنه سعيد كونه مصدر إلهام لمن يرغب في كسر الحواجز، وإنه لا يندم على اعتزال الملاكمة.
وأضاف "عرضوا عليّ ملايين الدولارات لأعود للنزالات لأنهم يعرفون إمكاناتي، ودائمًا ما رفضت. أريد أن يتذكرني الناس بأنني الشخص الذي تجاوز حدود الممكن".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
عشر غايات إسرائيلية من حملة السور الحديدي على الضفة
بعد يومين من التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، وتحديدا في 21 يناير الماضي، أطلقت إسرائيل حملة عسكرية عدوانية مكثّفة في شمال الضفة الغربية، سمتها “السور الحديدي”، استهدفت جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها وقراها المجاورة.
واندفعت قوات جيش الاحتلال، امتثالا لقرار سياسي اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع صفقة التبادل والهدنة المؤقتة، لتعويض حلفائه في اليمين المتطرّف واسترضائهم بتنفيذ مبتغاهم في الضفة.
وجاءت تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حول عدم السماح للمهجّرين بالعودة، لتثبت أن الهجوم الواسع، لا ينحصر في استهداف المقاومة، وهو موجّه لإفراغ مخيمات اللاجئين من السكّان. وقد احتفل المستوطنون وأحزابهم بهذا الحدث، وأظهرت الاستطلاعات الأخيرة تجاوز حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسلئيل سموتريتش نسبة الحسم من جديد، بعدما كان يراوغ تحتها على مدى أشهر طويلة.
ويبدو أن بقاء حكومة نتنياهو لم يعد يتعلق بعدم التوصل إلى هدنة دائمة في غزة، بل أصبح متعلقا أيضا بمواصلة حملة “السور الحديدي” لمدة طويلة، قد تصل إلى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
وجاء توقيت الحملة الإسرائيلية يوما واحدا بعد مراسيم تسلّم ترامب مفاتيح الحكم في الولايات المتحدة، ما سهّل على إسرائيل الانفلات بلا كوابح وبلا ضوابط، وحتى بلا “نصائح”، تبعا لموقف ترامب “ليفعل نتنياهو ما يراه مناسبا”، ما يعني تشجيع العدوان.
وبالفعل لم نسمع من الإدارة الأمريكية أي موقف رسمي بشأن اجتياح جيش الاحتلال لشمال الضفة الغربية، وما خرج منها كان باتجاه دعم الاستيطان والمستوطنين. ويمكن القول إن إسرائيل تشعر بأن لديها حرية الحركة بلا رقيب ولا حسيب، وبلا روادع في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط، وضعف المؤسسات القانونية والسياسية الدولية، والهوان العربي والانقسام الفلسطيني.
وعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي هناك غياب للمعارضة وللاحتجاج، وتُسمع من الحين إلى الآخر بعض التحفظّات والانتقادات، من قبل كتّاب صحافيين، تحمل تحذيرات بأن “الضغط المبالغ به” على الأهالي في الضفة الغربية سيؤدّي إلى انفجار الأوضاع، وإلى إصابة أعداد كبيرة من الفلسطينيين ومن الإسرائيليين أيضا، وتوقّع آخرون، أن يسفر التغوّل الإسرائيلي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة مسلّحة في الضفة الغربية، مشيرين إلى وجود كميات كبيرة من الأسلحة عند التنظيمات الفلسطينية.
يجري الحديث في إسرائيل عن مواجهة على سبع جبهات وهي الضفة وغزة وإيران ولبنان واليمن وسوريا والعراق. ولعل أهم هذه الجبهات بالنسبة لكيان وهوية الدولة الصهيونية هي الضفة، التي تشمل القدس وما يسمّى “يهودا والسامرة – قلب أرض إسرائيل التاريخية”. والضفة، بنظر اليمين في إسرائيل، هي في مركز “الوطن القومي اليهودي”، الذي وعد به “الرب” وبلفور وأخيرا ترامب، وحتّى اليسار الصهيوني، فهو يقبل بالانسحاب من أجزاء منها، ليسوّغ ذلك بالاستعداد للتنازل عن “أجزاء من الوطن في سبيل السلام والمحافظة على الدولة اليهودية”.
عشر غايات
من الصعب تتبع الأسباب الكامنة خلف قرارات وسلوك نتنياهو، الذي هو الآمر الناهي في الدولة الصهيونية، ولكن غاياته أوضح. في كل الأحوال، هو يسارع دائما إلى تحويل الأسباب إلى غايات، ويلقي مآربه الشخصية في سلّة غايات الدولة، لتصبح على أرض الواقع جزءا لا يتجزّأ من استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية.
الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية في الضفة الغربية هي الأعنف والأوسع منذ الانتفاضة الثانية، انطلقت بطاقة الجري نحو الأهداف أكثر من “الدفش” بقوّة الدوافع والأسباب. هي ليست ردّة فعل فورية على حدث ما، بل هي جزء من توجّه عام يقوم على هجران الحل السلمي وحتى عن ذكره، وعلى الانتقال من استراتيجية إدارة الصراع إلى السعي إلى حسمه في غزّة وفي الضفة في آنٍ واحد.
ويمكن تلخيص الغايات الإسرائيلية من حملة “السور الحديدي” على الضفة، بعشر غايات مركزية، تبدو أنّها بوصلة المقاربات السياسية والأمنية الإسرائيلية:
لم يعد التهجير من الضفة فكرة، بل بات سياسة ممنهجة ورسمية، من المفروض أن تثير قلقا شديدا في الأردن وتستوجب ردا عربيا وفلسطينيا قويا
أولا، سياسة الإبادة السياسية وتهميش السلطة: تسعى إسرائيل – نتنياهو (هذه في الواقع هي الذات الإسرائيلية الوحيدة الفاعلة) إلى إبادة البعد السياسي للوجود الفلسطيني، حتى تبقى “أرض إسرائيل” ملكا لشعب إسرائيل حصريا، بلا تقسيم أو شراكة، وإذ يصرخ بعض معارضي نتنياهو بأن صور الدمار والتهجير تُضعف السلطة الفلسطينية، يرد أنصاره بأن هذا هو الهدف المنشود. واستكمالا لما تفرضه من حصار على السلطة ومن كبت لدورها ومن تحطيم لمكانتها، طلبت إسرائيل من إدارة ترامب تصفير العلاقة بها. الغريب أن مسؤولين فلسطينيين رسميين يشعرون بالمسرّة لأن ترامب لا يذكر ولا يتطرق للسلطة، ويتوهمون أن هذا يبقي الباب مفتوحا لتجديد العلاقات مع واشنطن. الحقيقة أن هذا هو الموقف الأصعب، فمن له علاقة بالولايات المتحدة يكون عنده (حتى لو لا يعجبنا ذلك) قنوات وبعض الإمكانيات، ومن هو ضدها يجد الكثير من الحلفاء وتفتح أمامه أبواب أخرى. أما الذي “لا يخطر ببال واشنطن” وينتظر عطفها ولا يفعل شيئا، فهو في حالة ذبول سياسي، يغري إسرائيل بالمضي في مشروع الإبادة السياسية.
ثانيا، تفكيك قضية اللاجئين: تدعي إسرائيل بأن مخيمات الضفة هي “أوكار للإرهاب”، وقامت في حملتها الحالية باستهدافها وبتدمير مئات المنازل والمنشآت وبتجريف الشوارع وقطع الكهرباء والاتصالات والمياه عنها. لكن، لا يمكن اختزال ما تقوم به إسرائيل من تدمير لمخيمات اللاجئين بالاعتبارات الأمنية فقط، بل لها أهداف سياسية معلنة وهي، تصفية قضية اللاجئين ومحاولة القضاء على حالة اللجوء، بتفكيك المخيمات وتدميرها وباستهداف منظمة غوث اللاجئين ـ الأونروا، لارتباطها بإبقاء قضية اللاجئين حيّة.
ثالثا، تطبيع التهجير: بعد السابع من أكتوبر، وبالأكثر بعد تصريحات ترامب، أصبح التهجير ركنا أساسيا في السياسة الإسرائيلية، بعد تنزيله من رف غير الممكن، إلى طاولة جلسات التخطيط واتخاذ القرار. وبعد التهجير القسري لحوالي 42 ألف فلسطيني من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، صرّح وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس بأن جيشه لن يسمح لهم بالعودة لسنة واحدة على الأقل. لم يعد التهجير من الضفة فكرة، بل بات سياسة ممنهجة ورسمية، من المفروض أن تثير قلقا شديدا في الأردن وتستوجب ردا عربيا وفلسطينيا قويا.
رابعا، جز العشب: هذه استراتيجية إسرائيلية معروفة وقديمة، لكنّها أصبحت ذات أولوية أكبر بعد السابع من أكتوبر، تبعا لنقل مركز الثقل في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي من الردع إلى المنع. وعليه فإن أحد أهم غايات حملة “السور الحديدي” هي السعي للقضاء على الإمكانيات البشرية والمادية والمعنوية للتنظيمات العسكرية الفلسطينية، بالأخص في شمال الضفة الغربية وتقليص وجودها وقدرتها على مقارعة الاحتلال.
خامسا، كي الوعي: تتميّز وحشية حملة “السور الحديدي” بأنّها ليست محكومة بتفريغ الغضب وبالرغبة في الثأر والانتقام، وهي تندرج ضمن مفهوم “العنف العقلاني” الهادف إلى كي الوعي الفلسطيني، لزرع الفكرة بأن من يعتدي على إسرائيل أو يفكّر بذلك، يدفع ثمنا لن ينساه.
سادسا، التجهيز للضم: شهية اليمين الإسرائيلي مفتوحة على التوافق مع ترامب على السماح لإسرائيل بتنفيذ مشروع ضم الضفة أو أجزاء كبيرة منها إلى إسرائيل. وهناك من يعتقد في إسرائيل بأن توسيع رقعة الانتشار والوجد الدائم للجيش الإسرائيلي يفضي إلى توسيع مساحة الضم.
سابعا، توسيع الاستيطان: تعتبر منطقة شمال الضفة، حاليا، مركز الثقل في مشروع التوسع الاستيطاني، ويدعي وزير المالية سموتريتش بأن سبب “الانفلات الأمني” في شمال الضفة الغربية هو “قلة المستوطنات”، وهناك مخطط لزرع عشرات المستوطنات فيها. العملية العسكرية الحالية تهدف أيضا إلى توفير بيئة داعمة للاستيطان في محيط جنين وطولكرم وطوباس ومناطق أخرى.
ثامنا، تأليب الشعب: تستهدف إسرائيل المدنيين عمدا، حتى يضغطوا على المقاتلين، لذا نرى كل هذا الدمار الهائل وكل هذا التهجير. هذه سياسة قديمة، وإسرائيل حين ترتكب جرائم من نوع جديد، لا تتنازل عن جرائمها التي أدمنت عليها.
تاسعا، تحويل ألف إلى باء: وفق اتفاق أوسلو، تخضع منطقة “أ” إلى سلطة أمنية وإدارية فلسطينية، وإسرائيل تواصل في حملتها الحالية قضم أجزاء منها وتحوّلها عمليا إلى منطقة “ب”، التي يسيطر عليها جيش الاحتلال أمنيا وتديرها السلطة مدنيا. وتجري الأجهزة الأمنية، في خضم المعارك، اتصالات مباشرة بممثلي البلديات والمجالس القروية بشأن قضايا مدنية.
عاشرا، إرضاء اليمين: هدفت حملة “السور الحديدي” فيما هدفت إلى استرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرّف، الذي شعر ببعض الإحباط من وقف إطلاق النار في غزّة، فسارع نتنياهو إلى تعويضه بحرب على الضفة، ليضمن بقاء حكومته واستمرار حملات العدوان الإجرامية ومواصلة سياسة “إطلاق النار في كل الاتجاهات “، التي يتبعها.
ما جرى ويجري في غزة والضفة والقدس يضع القيادة الفلسطينية أمام مفترق تاريخي: فإمّا الوحدة الوطنية وتفعيل النضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة بطاقات مجددة، وحشد المساندة العربية والدعم الدولي، أو الإبقاء على الانقسام والانحدار نحو متاهات المزيد التشرذم والضعف. في كل الأحوال شعب فلسطين يستحق قيادة وطنية موحّدة تعرف ما تريد ولا تحيد عن درب الحرية والاستقلال.