قمّة الرياض عوّضت الصمت العربي والتحدّي بمدى إلزام إسرائيل
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
كتبت سابين عويس في" النهار": جاءت القمة العربية الإسلامية غير العادية المنعقدة في الرياض لتكسر النمط العربي في مقاربة الحرب، وجاء بيانها ليرسم سقوفاً عالية في وجه إسرائيل التي باتت تتعامل مع العالم العربي على قاعدة التحالف، في ظل تطبيعها مع عدد من الدول فيه. مفارقات كثيرة أمكن تسجيلها على صعيد المشاركة والمضمون.
حقق لبنان مكاسب في هذه القمة، على حد قراءة مصدر ديبلوماسي لنتائجها. فاللقاء الذي جمع ميقاتي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان جيداً وكان مناسبة لعرض الوضع اللبناني، فيما جاء البيان الختامي ليقدّم دعماً سياسياً واقتصادياً وإنسانياً للبنان. فهو تبنّى الموقف اللبناني في ما يتعلق بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، كما تبنّى تنفيذ القرار الدولي ١٧٠١، ما وفر للحكومة اللبنانية مظلة عربية مهمة بهدف الدفع نحو تعزيز موقع لبنان التفاوضي في وجه إسرائيل، بعدما عززت القمة كذلك المظلة الأممية الرامية إلى وقف النار وتطبيق القرار الدولي.
كذلك، أتاحت القمة محاصرة إسرائيل وتقييد حركتها المتفلتة من أي قيود أو ضوابط تجاه حربها على لبنان وغزة والضفة، علماً بأنه ليس بالضرورة أن تلتزم إسرائيل أي ضوابط، كما أظهرت أمس عبر تكثيف غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى، كتأكيد لضربها عرض الحائط بأيّ مواقف ضاغطة، عربية كانت أو غربية.
كان واضحاً من البيان الختامي أن قادة الدول المشاركة في قمة الرياض، حرصوا على التقاط إشارات انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وفوز الجمهوريين بغالبية الكونغرس، والتزامه إنهاء الحرب في المنطقة، ما يتيح لهؤلاء أن يحجزوا لهم مقعداً في أيّ تسويات قادمة على المنطقة.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
بعد تعنُّت إسرائيل.. كيف عاش اليهودي يوسف طرّاب ينكرها ومات لبنانيًا عربيًا
بعد ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، مساء أمس “الأربعاء”، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمهل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أسبوعين إلى ثلاثة لإنهاء الحرب في غزة؛ ليسعى الأخير بشتى الطرق من أجل فرض مزيد السيطرة على حكومته وعلى الإسرائيليين الذين باتت قطاعات منهم ترفض المزيد من العدوان عل قطاع غزة، تبدو على صفحات التاريخ المعاصر واليومي أحداث تفيد بأنّ المسألة لدى إسرائيل ليست وطن يحتلونه بقد ما هو مخطط لآباءهم الذين باتوا يرتبون له من قديم، فوفاة الصحفي الناقد يوسف طرّاب
لم يكن يضع إيمانه الديني حاجزًا بينه وبين عروبته، ولم تكن اليهودية بالنسبة له جواز مرور إلى هوية دخيلة أو تبعية لدولة احتلال. كان إنسانًا قبل كل شيء، مثقفًا قبل كل عنوان، وعربيًا قبل كل انتماء ديني. يوسف طراوب، آخر اليهود اللبنانيين، عاش حياته ينكر "إسرائيل" ويرفع رأسه بلبنان وعروبته حتى لحظة الرحيل. لم يهادن الجحود، ولم يبدل الأرض بالأوهام، بل عاش ومات شاكرًا لانتمائه، مدافعًا عن فلسطين، مخلصًا لبيروت التي أحبته كما أحبها.
مولد في بيروت.. وطفولة في مدينة بلا تمييز
ولد يوسف طراب في العاصمة اللبنانية بيروت، المدينة التي احتضنت تنوعًا فريدًا وعايشت فيها الأديان أوقاتًا لم تفرق فيها بين يهودي أو مسلم أو مسيحي. وصف بيروت بأنها كانت "مدينة تجمع الجميع دون تفرقة أو تصنيف". هناك ترعرع وسط مجتمع لبناني متعدد، آمن أن التعددية ثراء لا تهديد، وأن الأرض التي تحتضن الجميع لا يمكن أن تفرّق بينهم.
بدأت مسيرته الصحفية من باريس، حيث كتب أول مقال فني في صحيفة "لوريان"، عن معرض لم يحضره أحد بسبب أحداث ثورة مايو 1968. عاد بعدها إلى لبنان، محمّلًا بشهادات في الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد، إلى جانب شغفه العميق بالفن والمسرح، ومهاراته اللغوية والثقافية المتعددة.
برع يوسف طراب كناقد فني في صحيفة "لوريان لو جور"، التي تحوّلت إلى منبره الثقافي لأكثر من ثلاثة عقود. دوّن تاريخ الفن التشكيلي اللبناني، ورافق تحولات المشهد البصري من سبعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الألفية، مشرفًا على افتتاح المعارض وكتابة مقدمات الكتب الفنية، ومؤسسًا لجمعية نقاد الفنون الجميلة مع نخبة من المثقفين اللبنانيين.
رفض إسرائيل.. وفخر بالهوية اللبنانيةرغم أصوله اليهودية، كان يوسف طراب صريحًا في موقفه: "لم أعترف يومًا بإسرائيل، وأنا فخور بأنني لبناني وعربي". حملت مواقفه جذورًا متينة من تربية عائلية وطنية، إذ كان حفيدًا لأحد أبرز حاخامات بيروت الذي ظل رافضًا لمغادرة لبنان ومدافعًا بشدة عن القضية الفلسطينية. ولم يكن طراوب يومًا من أولئك الذين يبحثون عن النجاة في الولاء للغريب، بل آمن أن أرضه الأولى والأخيرة هي لبنان، وأن الظلم لا دين له.
بيروت في ذاكرته.. والفن ملاذهخلال الحرب الأهلية، عاش في منطقة الحمرا، ثم أجبرته الظروف الأمنية على الانتقال إلى جونيه، لكنه بقي متعلقًا ببيروت التي وصفها بأنها "ملتقى أفكار وأرواح قبل أن تُقسّمها السياسة والميليشيات". عاد إلى لبنان بعد تجربة قصيرة في فرنسا "لأنه لا يستطيع العيش دون شمس لبنان وطبيعته".
نهاية الرحلة.. وإرث خالدتوقف "طراب" عن الكتابة عام 2004، لكنه لم يتوقف عن الشغف، ظل حاضرًا في المشهد الثقافي حتى آخر معرض فني أشرف عليه عام 2009 مع صالح بركات، ساعيًا لاستعادة الهيبة لسوق الفنون التشكيلية في لبنان. لم يكن انشغاله بالفنون البصرية مجرّد هواية، بل مسيرة ووعي ومرآة لروحه التي آمنت بالجمال في كل شيء.
وداع المثقف العربي.. لا آخر اليهودرحل يوسف طراب، ولم يرحل أثره. نعت جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت رحيله بقولها: "كان طراوب ضميرًا فنيًا وثقافيًا لهذا الوطن، ساهم في صناعة الحداثة، وأبقى بيروت مدينة للإبداع رغم كل العواصف".
لم يكن مجرد "آخر يهودي لبناني"، بل كان أول المُخلصين لفكرة أن الانتماء لا تصنعه العقائد، بل الأرض، والصدق، والنضال من أجل الحق، وصفعة بمذاق نادر على وجه الكيان المُحتل.