أمستردام وتتويج سقوط “الهسبرة” الصهيونية
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
ما حدث في أمستردام من قيام مشجعي أحد فِرق كرة القدم بتأديب الصهاينة هناك يتخطى نطاق كرة القدم أو الشغب الجماهيري أو الاحتجاجات المضادة للسلوك “الإسرائيلي” المستفز والمجرم، بل يعد تتويجاً لحالة شعبية رافضة وغاضبة وتحولات جذرية في الرأي العام الغربي، وجدت شرارة وفرصة للتعبير المباشر عن نفسها.
فقد شكلت هذه الركلات التأديبية للصهاينة الذين أنزلوا الأعلام الفلسطينية ورددوا الهتافات المعادية للعرب والفلسطينيين نهاية لسيطرة الخطاب الصهيوني وسرديته الكاذبة في الشارع الأوروبي والأمريكي، وأعلنت عن حالة الغلبة للخطاب الإنساني المناهض للصهيونية والمتعاطف مع الحق الفلسطيني، وهو ما وصلت رسالته لحكومة العدو الصهيوني، والتي أرسلت ما يشبه نداءات الاستغاثة، فاجتمع مجلس الأمن القومي الصهيوني ليطالب بإجلاء الصهاينة والتوصية بعدم حضور الجماهير للقاءات رياضية قادمة في أوروبا.
وهنا لا يمكن تناول هذا الحدث بشكل منعزل عن السياق الذي شهد تحولات كبرى منذ فترة طويلة ولكنها أعلنت عن نفسها بعد “طوفان الأقصى”، كما لا يمكن تناوله دون استخلاص الدلالات المهمة والتي تعد دلالات استراتيجية تصب في صالح القضية وليس مجرد دلالات سياسية يمكن ترميمها أو تغييرها بتغيير مسبباتها المباشرة.
أولاً السياقات المصاحبة للحدث:
1 – جاء الحدث في سياقات مباشرة وقريبة له، تمثلت في احتجاجات فرنسية على استضافة الاتحاد الفرنسي لكرة القدم لمنتخب “إسرائيل”، حيث اقتحم نحو 40 متظاهراً من جمعية “أوقفوا الإبادة الجماعية” قاعة بمدخل مقر الاتحاد، وبثت وسائل إعلامية صوراً للمتظاهرين وهم يُنشدون أغنية للمقاومة الفرنسية من الحرب العالمية الثانية، وحمل النشطاء لافتات كُتب عليها على وجه الخصوص “لا لمباراة فرنسا وإسرائيل” أو “دوري أبطال الإبادة الجماعية”، مطالبين الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بحظر “إسرائيل”.
وبالتالي فإن ممارسات الجمهور الصهيوني ورفضه الوقوف دقيقة للحداد على ضحايا فيضانات إسبانيا بسبب مواقف إسبانيا المتعاطفة مع فلسطين، والسلوك الهمجي بإنزال الأعلام الفلسطينية عن شرفات ونوافذ منازل عرب ومؤيدين لفلسطين، يضاعف من حجم الغضب الأوروبي بشكل عام على الكيان، ويسقط البقية الباقية من سردية مظلوميته والعدالة المزعومة لقضيته، والتي سادت الغرب لعقود طويلة، ويثبت عدالة القضية الفلسطينية وشرعية المقاومة، كما يثبت أن احتضان أوروبا للكيان والموافقة على ضم فرقه الرياضية لأوروبا بعد استحالة استيعابها في آسيا، هو عبء على أوروبا ووصمة عار لها، وهو ما يتخطى نطاق الرياضة لجميع النطاقات الأخرى.
2 – جاء الحدث في سياق طويل وشامل لتحول الرأي العام الغربي في أوروبا والولايات المتحدة نفسها لصالح مناصرة القضية الفلسطينية، وخاصة في جيل الشباب، والذي لم يعد يعتد بفزاعات معاداة السامية والابتزاز الصهيوني بهذه اللافتة، حيث شهدت الذكرى الأولى لطوفان الأقصى أكبر وأوسع التجمعات المطالبة بوقف حرب الإبادة والتي رفعت الشعارات المناصرة لفلسطين ولبنان، بل وحمل بعضها الأعلام الإيرانية، بداية من نيوزيلندا ومروراً بأوروبا في روما وإسبانيا وفرنسا، ووصولاً لجنوب أفريقيا.
وهو امتداد للتظاهرات التي اندلعت منذ أكثر من عام مع بداية حرب الإبادة، والتي شهدت حراكاً جامعياً غير مسبوق في الولايات المتحدة، وهو ما أفادت استطلاعات الرأي بأنه تغير جذري غير مسبوق في التعاطف مع الفلسطينيين على حساب التعاطف مع الصهاينة وخاصة في جيل “Z” أو ما يعرف بجيل الألفية بسبب تنوع مصادر الإعلام بعيداً عن الإعلام الصهيوني المسيطر على الغرب ودور وسائل التواصل الاجتماعي في كشف الجانب الآخر من الصورة، وبسبب تنوعات المجتمع الغربي والأمريكي والالتفات إلى قضايا العدالة.
3- لا يمكن الاستهانة بدور الشباب العربي في عرض القضية وكذلك خطاب المقاومة الإنساني الشامل ولا يمكن تجاهل أكثر من خطاب وجهه السيد القائد الإمام الخامنئي لشباب الجامعات الأوروبية وأميركا الشمالية منذ العام 2015، وبعد اندلاع طوفان الأقصى حيث وجه خطاباً خاصاً لشباب الجامعات الأمريكية ووصفهم بأنهم وقفوا في الجانب الصحيح من التاريخ، حيث واجهت هذه السرديات المقاوِمة سردية العدو التي حاول تسييدها طيلة العقود الماضية.
ثانياً: الدلالات المباشرة:
أولاً: أثبت الشعب الصهيوني أنه مثل حكومته مجرم ومناصر للإبادة ويريد إلغاء أي حق فلسطيني حتى على مستوى العلم الفلسطيني، وهو ما يكشف زيف دعاوى التطبيع والفصل الكاذب بين الشعب والحكومة الصهيونية، حيث إن جميعهم جنود احتياط في جيش الحرب وليس بينهم “مدنيون”.
ثانياً: اثبت الشباب العربي والمسلم انه غيور وأنه بانتظار أي فرصة متاحة للتعبير عن غضبه والمشاركة في تأديب الصهاينة، كما أثبت انه شعب حضاري حيث لم يتعمد قتل الصهاينة، بل اكتفى بتأديبهم وانتزاع اعترافهم بحرية فلسطين.
ثالثاً: كرست الحادثة نموذجاً قابلاً للتكرار، وهو ما أرعب الصهاينة فأصدر مجلس أمنهم القومي على إثر ذلك تحذيرات تقضي بعدم حضور الجماهير في أوروبا المباريات القادمة.
والخلاصة، أننا أمام عزلة للكيان المجرم وأمام تغير استراتيجي كبير في القاعدة العالمية المناصرة للمقاومة وللحق الفلسطيني، وقد فقد الكيان أحد الأعمدة السياسية والاستراتيجية التي استند عليها وهي “الهسبرة” أو الدبلوماسية الدعائية والأكاذيب الموجهة للرأي العام المحرك للحكومات المتعاونة معه، وبالتالي يشكل هذا التحول ضغوطاً على حكومات الغرب ودعمها السياسي بل والاقتصادي والتسليحي للكيان، كما اكتسبت المقاومة زخماً وأنصاراً في ملعب لم يكن يوماً لها بسبب سيطرة أميركا والصهاينة عليه.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني يُجير وسائل إعلامه لترسيخ دور “الضحية”
يمانيون – متابعات
أكثر من عام من العدوان على قطاع غزة، يُشاهد العالم أجمع وحشية كيان العدو الصهيوني من خلال مشاهد وصور ومقاطع على وسائل الإعلام المختلفة توثّق إبادة جماعية للفلسطينيين في القطاع وأطفال يبحثون عن الطعام والماء ونساء تبكي فلذات أكبادها.
ومع ذلك فإن هذه المشاهد والجرائم الصهيونية الفظيعة لا تدفع المجتمع الدولي الصامت إلى وقف العدوان جدياً، بل تقوم هذه الدول وخاصة الولايات المتحدة بدعم الكيان الصهيوني في الإبادة وتدعمه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وغير ذلك من أنواع الدعم المختلفة في أروقة الأمم المتحدة والضغط على المنظمات الدولية والحقوقية لوقف ملاحقات الكيان الغاصب في جرائمه البربرية أمام المحاكم الدولية.
وفي المقابل لا وجود لهذه المشاهد والصور في أي مكان على وسائل إعلام العدو الصهيوني والإعلام الغربي اللذان يقدمان رواية واحدة بأشكال مختلفة تصور الكيان الغصب على أنه هو الضحية، إذ تصف هجوم حماس على جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه أصل الأزمة الحالية.
وتبث وسائل إعلام العدو يومياً لقطات جديدة للهجوم الذي شنته حماس على المستوطنات في السابع من أكتوبر الماضي، وشهادات جنود العدو الميدانيين أو مقابلات مع المستوطنين الفارين.
ويمتلك الكيان الصهيوني سجلاً إجرامياً مِثالياً حافلاً بارتكاب أشد أنواع الجرائم إلى الدرجة التي جلب له انتقادات دولية ثلاثة أضعاف تلك التي حصلت عليها أي دولة أخرى في الأمم المتحدة عام 2020م.
ورغم ذلك، تواصل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الداعمة للكيان الصهيوني إدانة أي انتقادات دولية للجرائم التي يمارسها الكيان الغاصب، وتزعم هذه الدول بأنها هذه الجرائم تنطوي تحت لعبة “حق الدفاع عن النفس”.
واليوم بات العالم يُدرك وهو يرى المجازر اليومية والتدمير الممنهج واستهداف جميع أماكن النازحين في غزة على الهواء مباشرة في كل المنافذ الإعلامية، وعلى صفحات الإنترنت، فلم تعد تنطلي عليه تلك اللعبة.
ووفقا لتقارير صحفية، فإنه مع مرور أكثر من عام على العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، عادت وسائل إعلام العدو إلى أنماط مألوفة من الدعاية مثل تضخيم الروايات الصهيونية، وتهميش أي تغطية نقدية لوحشية الكيان الغاصب في غزة.
ويرى خبراء متخصصون في مراقبة الإعلام: “أن الكيان الصهيوني لا يصور الحرب في غزة على حقيقتها على قنواته التلفزة الصهيونية وأنه “في الوقت الحالي، لا تستطيع وسائل الإعلام الصهيونية التعامل مع واقع مُعقد.. إنهم يعلمون أن مشاهديهم لا يريدون حقاً رؤية صور لأعدائهم وهم يموتون.. لذلك لا يعرضونها”.
ويشعر البعض أن وسائل الإعلام خائفة للغاية من معالجة الرأي العام من خلال إظهار بعض الضحايا الأبرياء أو الضغط على حكومة الكيان الصهيوني بشأن إعاقتها للمساعدات الإنسانية، حسب ما أفادت به صحيفة أمريكية.
لكن مع ذلك لا يزال التلفاز الصهيوني يلعب دوراً كبيراً في الكيان الغاصب، إذ تفيد التقارير بأن ثلاثة أرباع الصهاينة يقولون إنه مصدر رئيسي للمعلومات، واستغلاله هو قرار واعٍ من جانب المسؤولين وإن وسائل الإعلام، وبخاصة البرامج الإخبارية التلفزيونية، اتخذت خطوات نشطة تحدد ما يخدم المصلحة، وترسم حدود الخطاب السياسي وتقدم حقيقة معينة فقط للجمهور الصهيوني، “وبهذا، تسير البرامج الإخبارية التلفزيونية باستمرار على خط رفيع بين الدعاية والصحافة”.
وتحت سيطرة حزبه الليكود، روجت ما تسمى بوزارة الاتصالات الصهيونية للتغييرات التنظيمية التي سمحت للقناة 14 بتحويل نفسها من “قناة تراثية” (مرخصة لبث برامج عن اليهودية) إلى قناة إخبارية كاملة توفر ساعات من التغطية يومياً.
وبحسب التقارير فقد تزامن هذا مع تغير في تركيبة الصحفيين في الكيان الصهيوني فمع تزايد ميل الجمهور الصهيوني إلى اليمين المتطرف على مدى السنوات الـ20 الماضية، وبخاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، تزايد أيضاً عدد الصحفيين من المتطرفين اليمينيين، وكثير منهم من المستوطنين الصهاينة ليكون حق الفلسطينيين، هو موضوع مُحرم تماماً في الإعلام، سواء كان الأمر يتعلق بالنكبة، أو الاحتلال المستمر.
وفي السياق أيضا، استغل الكيان الصهيوني أحداث أمستردام لترهيب مناصري فلسطين، بعد أن تسبّب مشجعو فريق “مكابي تل أبيب” بمواجهات في أمستردام، وذلك مع قيامهم بأفعال استفزازية من خلال إنزال علم فلسطين وتمزيقه في شوارع العاصمة الهولندية، وترديدهم شعارات مناهضة للعرب.
وقد وجد الكيان الصهيوني ضالته في الحادثة تارة عبر الزعم أنها جاءت بدافع “الكراهية ومعاداة السامية” المتصاعدة ضد اليهود في أوروبا، وتارة أخرى مُدعية أنها جاءت نتيجة للمظاهرات المناهضة لـ”تل أبيب”.
وعلى إثر الحادثة، وتكريسًا للازدواجية، تداعت مواقف غربية لتتبنى سردية الكيان الصهيوني التي ربطت الحادثة بـ”الكراهية ومعاداة السامية”، رغم أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تقع بعد أي مباراة في أوروبا، لكنها لا تلقى مثل هذه الردود.
ويرى المحللون أنه مع السردية والرواية الصهيونية بأن الصهاينة كانوا ضحية الغرب المسيحي فإن الفلسطينيين هم “ضحية الضحية” أي أن “اليهود الذين يُنظر إليهم بحق كضحايا تاريخ طويل من الاضطهاد الغربي المسيحي المناهض للسامية بشكل أساسي، وقد تُوج بفظاعات المحرقة النازية التي تكاد تتجاوز حدود التصديق، فإنه بالنسبة للفلسطينيين، فإن دورهم هو دور ضحايا الضحايا”.
وبدعم أمريكي للكيان الصهيوني الغاصب، ارتفع عدد شهداء العدوان ومجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 43603 شهداء، و102929 مصاباً، أغلبيتهم من النساء والأطفال، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
—————————–
وكالة سبأ- عبدالعزيز الحزي