ما من شك أن الخسارة التي شكلها رحيل شهيد المسلمين السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه كبيرة جدا ليس على حزب الله والمقاومة اللبنانية ولكن على مستوى دول محور المقاومة والمنطقة، ولا يمكن تعويضها على المدى المنظور، نظرا لما كان يتمتع من خبرة جهادية وقيادية تراكمية، وما تميز به من فراسة وبعد نظر، وسعة صدر ونظرة ثاقبة للأمور وقدرة عجيبة على التعاطي الفعال والمؤثر معها، علاوة على قوة الشخصية وحجم التأثير حتى في أوساط العدو الصهيوني ومن دار في فلكه، حيث شكل بالنسبة لهم هاجسا مرعبا ومقلقا، وكان لظهوره وخطاباته بالغ الأهمية لديهم، حيث كانت تحظى بالدراسة والتحليل الدقيق، وكان الكيان الصهيوني يدرك جدية ومصداقية شهيد المسلمين في كل ما يطرحه، ولهذا كانت فرحته وأذرعه في المنطقة العربية بخبر استشهاده طاغية على ما سواها من عمليات الاغتيال التي طالت عددا من رموز وقادة المقاومة في الماضي والحاضر .
واليوم ومع مرور أربعينيته -رضوان الله عليه- يظل السيد حسن نصر الله حاضرا في المشهد العربي والإسلامي المقاوم لكيان العدو الصهيوني من خلال تلكم القيم والمبادئ والمفاهيم التي جسدها في حياته ومسيرته الجهادية، والتي غرسها في عقول وقلوب كل أنصاره ومحبيه، والتي حولها إلى برنامج عمل جهادي ميداني نلمس اليوم أثره، ونحصد ثماره من خلال العمليات النوعية التي ينفذها حزب الله ضد كيان العدو الصهيوني في الجبهة الشمالية لفلسطين، وفي الجنوب اللبناني الحر والذي يعمل هذا الكيان على اتباع سياسة الكر والفر في المناطق الحدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة في محاولة بائسة منه للتوغل في الجنوب، بهدف تمكين من تم تهجيرهم من المستوطنات الشمالية على وقع ضربات حزب الله المساندة لغزة من العودة إلى مستوطناتهم، وهو الأمر الذي أكد شهيد المسلمين رضوان الله عليه في آخر كلمة له قبل استشهاده بأنه لن يحصل ولا يمكن السماح به على الإطلاق .
وهو الأمر الذي جدد أبطال حزب الله تأكيده على أرض الواقع، وزادوا على ذلك بتوسيع دائرة المستوطنات المستهدفة داخل الأراضي المحتلة، وسط تأكيدات على أن العمليات لن تتوقف، وأن المستوطنات الصهيونية لم تعد آمنة وعلى سكانها سرعة مغادرتها، وعدم التعويل على وعود النتن ياهو وحكومته الإجرامية التي تعيش حالة غير مسبوقة من الخلافات والانقسامات التي تهدد بانفراط عقدها نتيجة السياسة الحمقاء التي يتبعها النتن ياهو والتي جلبت عليه سخط الصهاينة وفي مقدمتهم عائلات الأسرى لدى حركة حماس .
هذه المعطيات تشير وبكل وضوح إلى أن حزب الله ما يزال يدار بعقلية وفكر ونهج وسياسة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، وأن غيابه عن المشهد السياسي لن يؤثر على قوة وقدرات الحزب وصلابته وفاعلية عملياته، والروح الجهادية العالية التي يتمتع بها أفراده، والتي ازدادت قوة وصلابة وشجاعة وإقداما عقب استشهاده، ليؤكد حزب الله وأنصاره من جديد أنهم يقاتلون بروح وفكر السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- وينطلقون في كل تحركاتهم ومواقفهم من توجيهاته الحكيمة وسياسته الفريدة ورؤيته الثاقبة، التي ستظل الملهمة لهم، والوقود الصلب الذي يحرك فيهم روح البذل والعطاء والعزيمة والإصرار والتضحية والفداء لمواصلة مسيرة الحق في مواجهة الباطل، والتصدي لقوى الطاغوت بقيادة أمريكا وربيبتها إسرائيل ومن تحالف معهم، والتي تستهدف فلسطين ومقدساتها ومقاومتها، ولبنان ومقاومته، وكل أحرار محور المقاومة في اليمن والعراق وسوريا وإيران .
بالمختصر المفيد.. مثلما كان شهيد المسلمين السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه مصدر رعب للصهاينة ومن طبع وتصهين معهم في حياته؛ فإنه سيظل مصدر رعب لهم حتى بعد استشهاده، سيظل يلاحقهم ويطاردهم في البر والبحر والجو، إلى أن يتحقق نصر الله على أيدي المجاهدين العظماء الذين صدقوا الله عهدا ووعدا، والعاقبة دائما وأبدا للمتقين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
السيد عبدالله بن حمد .. الصفي الرضي
السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي جاءنا في مسقط مع عمر الخامسة عشرة برفقة أبيه القاضي السيد حمد بن سيف وكان منزلهم في منطقة الحمرية قريبا من بيت الشيخ أحمد بن عبد الله الحارثي وكنا حين نذهب لزيارة الشيخ أحمد بن عبد الله نمر أحيانا لزيارتهم ونجد هناك العديد من القضاة والأعيان.
وكان وقتها بين الصبا والشباب شابا يلفت النظر، وعمل مع صغر سنه منسقا لمكتب الشيخ أحمد رئيس هيئة المخطوطات وقتها ثم حين تأسست وزارة الإسكان وصار السيد محمد بن أحمد وزيرا لها وتعين الشيخ أحمد بن عبد الله بمعيته وكيلا للوزارة ذهب هو معه وكان السيد محمد صديقا لوالده فأخذه منسقا خاصا لمكتبه وأسهم بقدر واسع في تأسيس الوزارة الوليدة ومضت به مسيرة العمل، وفي غضون سنوات أصبح مديرا عاما وفي تلك الفترة صرت أنا ملحقا ثقافيا في سفارة سلطنة عمان بالبحرين وجاء لزيارتي هناك لأكثر من مرة ويوم أسسنا النادي الوطني الثقافي انضم هو إلينا وصار من أبرز الشباب النشطين وقد لفتت همته العالية ونشاطه المتميز المسؤولين فتم تعيينه وزيرا للإسكان حيث أسهم في تأسيس الوزارة وتطويرها وأطلق الناس آنذاك على وزارة الإسكان اسم وزارة الأخلاق الحميدة ولكن الزمن لم يطل به في الوزارة فنقل سريعا ليكون مندوبا لسلطنة عمان في الجامعة العربية أيام وجودها في تونس وكان أمين عام الجامعة العربية الشاذلي القليبي حينئذ ورئيس تونس يومها الحبيب بو رقيبة وتطورت علاقته بهما وصارت له معهما قصص كثيرة وحكايات متنوعة وبعد وقت يسير تم تعيينه سفيرا لسلطنة عمان في تونس وكان دوره كبيرا ملحوظا وأقام علاقات واسعة مع الوزراء والمسؤولين هناك ومع زملائه السفراء وحين أعيدت الجامعة إلى مقرها في القاهرة عاد هو معها فطاب له المقام في مصر وتوطدت علاقاته مع الرئيس ومع كبار المسؤولين وشهدت العلاقات العمانية المصرية تطورا كبيرا وكان أمين عام الجامعة العربية بعد عودتها إلى مصر د. عصمت عبد المجيد وأصبحت العلاقة بينهما وثقى ومتينة وكم مرة رأينا د. عصمت زائرا له في بيته بالقاهرة إضافة إلى صلاته الحسنة مع الكتاب والمثقفين الذين ارتبط معهم بصداقات حميمة يقيم لهم الضيافات في بيته ويجتمعون حوله في ندوات علمية وثقافية ومن أبرز من صاروا أصدقاءه المقربين الدكتور جابر عصفور و د. حسن حنفي والأستاذ جمال الغيطاني ود. صابر عرب ود. أحمد درويش والمؤرخ د. جمال زكريا قاسم وعشرات غيرهم ومنزله كان منتدى فكريا وملتقى دائما لصفوة أهل الثقافة ثم أسس هناك منتدى الفراهيدي الذي تحدد وقته كل أربعة أشهر حول شؤون ثقافية مصرية وعمانية وعربية يحاضر فيه نخب العلماء وقادة الفكر والمثقفين من المغرب والعراق والجزائر وسوريا وتونس واليمن وعمان ومصر والخليج وذلك المنتدى كان منارة عمانية مضيئة في القاهرة وكانت لا تكاد تفوته ندوة أو محاضرة ثقافية في القاهرة على كثرتها وكثرة مشاغله وكنت رفيقه غالبا في تلك المحاضرات والندوات وله -رحمه الله- قدرة فائقة على التوفيق والإصلاح بين المختلفين ومما اشتهر من ذلك استطاعته جمع السفيرين الكويتي والعراقي في بيته أثناء شدة الخصومة بين الكويت والعراق خلال الاحتلال العراقي للكويت ما دعا الصحافة المصرية إلى نشر صورة السفيرين وهو بينهما في استغراب شديد وفي فترات معرض القاهرة للكتاب يكون حريصا أن أكون معه باستمرار وما أذكره عنه أيام وجوده في تونس رسالة مطولة أرسلها لي بشأن موضوع معين كان يبتغيه والرسالة ما زالت معي حتى الآن وبعد عودته إلى الوطن كنا على تواصل غير منقطع يدعوني لزيارته ببيته وأحيانا يفاجئني في بيتي فأسعد بزيارته.
ومن مآثره التي لا يمكن إغفالها إنشاء مكتبة باسم والده تضمنت بعض المخطوطات والكتب القديمة وكذلك دوره في تأسيس جامعة الشرقية التي أحاطها بالرعاية والاهتمام والتي أصبحت اليوم من بين أرقى الجامعات العمانية الخاصة ولا نستطيع حصر وتعداد ما قام به من إنجازات مهمة وهو قبل ذلك وبعده من محبي الثقافة والقراءة وحين يلقاه المرء يبادره بابتسامته العذبة المشرقة.
رحمه الله وكتب له الثواب والمغفرة وجزيل الإحسان.
أحمد الفلاحي أديب عماني