كثرة هي العوامل الذاتية والموضوعية التي مكنت دونالد ترامب بالعودة للبيت الأبيض بعد حملات الملاحقة التي طالت الرجل وبعد أكثر من 36 تهمة جنائية وجهت للرجل واحدة منها أن ثبتت ضده كفيلة بأن تحرمه من حقوقه المدنية بقية حياته..!
لكن ترامب ورغم الضجيج والجدل والجرجرة أمام المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات، ورغم كل ما قيل عنه بعد أحداث الكابيتول أو القضية المعروفة بقضية (6 ينائر 2020)، عاد ترامب لحكم أمريكا لأن المرحلة التي تعيشها أمريكا تتطلب رئيسا يتمتع بشخصية ترامب وكارزميته، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية التي تعيشها أمريكا ويواجهها الاقتصاد الأمريكي الذي تبلغ ديونه الخارجية (10.
الدولة العميقة والشركات القابضة ومجمع الصناعات العسكرية، ينظرون لترامب باعتباره المخلص الذي لديه قدرة على ابتزاز أو تهديد الحلفاء بعكس اقرانه من الرؤساء القادمين من مفاصل الدولة العميقة، إذ أن ترامب لا ينتمي لهذه الترويكا بل جاء من خارجها ولهذا يتعامل بعلاقته الخارجية بـ(عقلية التاجر) غير مكترث بما يصطلح عليه بأدبيات الدبلوماسية الناعمة فالرجل لن يتصرف على طريقة سلفه (بايدن) حين راح يفرض على حلفائه في أوروبا قطع علاقتهم مع روسيا في مجال الطاقة والمعادن وفرض عليهم شراء الطاقة من أمريكا بأسعار تزيد أربعة أضعاف عن السعر الذي تحظى به الشركات الأمريكية وبما يوازي عشرة أضعاف السعر الذي كانت دول أوروبا تلقاه من روسيا..!
هذا من ناحية من ناحية أخرى يرى ترامب أن أمريكا ليست معنية بأن تنفق أموالها وتستدين لحماية حلفائها الذين بنظر ترامب عليهم أن يدفعوا ميزانية الناتو ويدفعوا حتى تكاليف القوات الأمريكية المشاركة فيه لأن مهمة هذا الحلف هو حماية أوروبا وليس أمريكا القادرة على حماية نفسها ..!
ترامب أيضا قادر على إجبار دول الخليج بضخ أموالها للخزانة الأمريكية مقابل حمايتها وقالها ترامب صراحة للسعودية في خطاب علني (إنكم غير قادرين أن تصمدوا أسبوعا دون حمايتنا).
ترامب يرى أن أمريكا لا يعنيها ما يحدث في أوكرانيا وليست مسؤولة عنها بل من مصلحة أمريكا الاتفاق مع روسيا الاتحادية ويمكن تقاسم النفوذ معها، لكنه يرى الخطر القادم من الصين هو التحدي الأكبر لأمريكا خاصة في الجانب الاقتصادي وسيطرة الصين على اقتصاد العالم بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي، وحسب قناعته فإن رفع رسوم الجمارك والضرائب على الصناعات الصينية القادمة إلى أمريكا هي وسيلة مثلى لحماية الشركات الأمريكية وإعادة تنشيطها وتمكينها من استيعاب العمالة الأمريكية..!
ترامب يحلم أيضا بمد جسور الصداقة مع روسيا وكسبها إلى جانبه ضد الصين وهي محاولة بائسة لكنه يسعى ويتطلع إلى تحقيقها..!
أضف إلى كل هذا موقفه من المهاجرين مع أن أمريكا من أساسها هي دولة مهاجرين وهو نفسه مهاجر قادم من أيرلندا..لكن عقليته التجارية تحتم عليه الإقدام على هذا التصرف..
الأمر الأخير الذي أعاد به ترامب للبيت الأبيض هي قضايا اجتماعية أبرزها قانون الإجهاض و(المثلية) التي فجرت صراعاً غير معلن بتوصيفه – بين الجمهوريين الرافضين والديمقراطيين المؤيدين- لكنه يندرج في سياق قانون الإجهاض الذي يرفضه ترامب ويؤيده الديمقراطيون، وآخر الأسباب هي حروب أمريكا الخارجية التي تستنزف الخزانة الأمريكية مئات المليارات دون عوائد سوياً إثارة العالم ضد أمريكا.
لكل هذه الأسباب عاد ترامب للبيت الأبيض وقد لعبت حرب غزة ولبنان دورا في عودته بعد أن نال تصويت الجاليات العربية والإسلامية التي نالها بعد تعهده أمامهم بإيقاف هذه الحرب..!
ترامب يحسب علاقة أمريكا مع العالم انطلاقا من قاعدة الربح والخسارة، فالرجل لا يعترف بالدبلوماسية الناعمة..
الأهم من كل هذا يجب أن لا يؤخذ كلام ترامب وتصريحاته على محمل الجد خاصة بالقضايا الاستراتيجية مثل موقفه من إيران أو من الصين لأنه في الأخير وعمليا سوف ينظر لهذه العلاقة من ناحية الربح والخسارة..
وتبقى قادم الأيام كفيلة بالكشف عن سياسة الرجل القادم للبيت الأبيض حبا بالثأر لذاته وإعادة الاعتبار لشخصه بمعزل عن كل الوعود التي قطعها للناخبين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
رئيس أمريكا الذي تسيره المؤسسات
كتب: رياض محمد
منذ عقود ونحن نسمع عبارة "الرئيس في الولايات المتحدة ليس بامكانه تغيير سياسات الدولة الامريكية لان المؤسسات الامريكية هي التي تدير هذه السياسات..."
وغالبا ما يلي هذه العبارة كلام عن اللوبي اللاسرائيلي وعن المال والشركات الكبرى وفي السنوات القليلة الماضية برزت عبارة الدولة العميقة.
ما جرى في الولايات المتحدة خلال الـ 9 أيام الماضية يثبت مدى سخافة هذه الخرافات الراسخة.
الرئيس في الولايات المتحدة له صلاحيات هائلة وبامكانه تغيير السياسات بل تغيير وجه امريكا والعالم!
تأمل في مايلي:
- سحب الولايات المتحدة من الاتفاقات الدولية مثل معاهدة باريس للمناخ او من المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية.
- اغلاق الحدود وانهاء برامج اللجوء واعلان حالة الطوارئ في الحدود واستخدام الجيش والطائرات العسكرية لترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
- انهاء كل برامج التنوع والشمول الموجهة للاقليات والفئات المهمشة وانهاء كل الدعم الفدرالي للتحول الجنسي.
- اصدار العفو عن اي مجرم بما في ذلك 1500 ممن اقتحم الكونغرس.
- تعليق كل المساعدات الامريكية لدول العالم - وهناك دول ومجتمعات كاملة تعيش على هذه المساعدات.
- زيادة التعريفات الكمركية على سلع اي دولة اجنبية.
- انهاء كل برامج حماية البيئة واطلاق انتاج النفط والغاز الى الحد الاقصى.
- وقف جميع المنح الحكومية.
- اقالة اي موظف حكومي.
- انهاء الحماية لشخصيات معينة بسبب عملها الحكومي السابق.
- انهاء الترخيص الامني الذي يسمح لشخصيات معينة بالاطلاع على المعلومات السرية.
هذه مجموعة من ما فعله ترامب خلال 9 أيام فقط.
والحقيقة ان صلاحيات الرئيس الامريكي بما في ذلك تغيير السياسات كانت واضحة لنا منذ عام 1993، منذ ذلك العام وبانتخاب كلينتون ليليه بوش الابن ثم باراك اوباما ثم دونالد ترامب ثم جو بايدن ستجد ان كل رئيس غير السياسات الداخلية والخارجية بشكل جذري او شبه جذري.
بوش الابن ذهب الى العراق واوباما انسحب منه وركز على افغانستان. بوش الابن تحدث عن حملة صليبية ضد الارهاب في حين خاطب اوباما العالم الاسلامي في جامعة القاهرة.
اوباما ارسل رسائل سرية للخامنئي وترامب فرض عقوبات الضغط الاقصى على ايران.
اسرائيل كانت ضد انتخاب اوباما لكنه فاز رغما عن اللوبي الاسرائيلي مرتين.
اسرائيل كانت مع اعادة انتخاب ترامب لكن بايدن فاز رغما عن اللوبي الاسرائيلي.
شركات التأمين الصحي التي تجني المليارات من الامريكيين رفضت قانون التأمين الصحي الشامل لكن اوباما قدمه وشرع في عهده واصبح نافذا.
لهذا يا عزيزي عندما تسمع احدهم يقول "الرئيس في امريكا لا يحكم لان الدولة تقودها المؤسسات والشركات الكبرى واللوبي الاسرائيلي" انفجر ضاحكا في وجه هذا العبقري!