عربي21:
2025-03-06@21:56:38 GMT

لماذا نكرّر أفكارنا الخاطئة؟!

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

ينبغي أن نُخرِج، حين البحث في هذا السؤال، الذين يستندون في مواقفهم إلى مموّلهم، إذ لا يجوز التعامل معهم بجدّية، فما يقولونه، ليس أفكاراً ولا مبادئ، فثباته لا يرتبط بعامل نظريّ، وكذلك تغيّره، وأمّا الذين يعجزون عن رؤية الخطأ في أفكارهم بسبب الدوغما الأيديولوجية، فهم يستحقّون احتراماً أكثر من هؤلاء، بيد أنّ عجزهم في الغالب معروف الأسباب، ومضمّن في التوصيف السالف، من كونها تعسفية اعتقادية، وارتكاساً في الإلف الطويل، وخشية من الفضاء الفسيح خارج اليقينية المطبقة!

أفكارنا الخاطئة التي يُسأل عن تكرارها هنا، هي تلك المتعلّقة بالواقع، بالعمل، بالسياسة والاجتماع، وهذه الأفكار المكرورة، التي لا يملّ أصحابها عن العودة إلى طرحها، نراها دائماً في السجالات الفلسطينية، وهو أمر مثير للإعجاب، فقد كان من عادة المثقفين في أزمنة ماضية الانسحاب إلى ذمّ أهل العمل، وتصوّر ثنائية مريرة تنفي النظر عن العامل والعمل عن الناظر، لكن الاستمرار في القول اليوم بلا كلل، كائن في زمن تتسع فيه مساحات القول، ولم تعد مقتصرة على مثقفي المقاهي، الذين بالكاد وجدوا منابر لهم في صحف، أو مجلات حزبية، إذ القول اليوم متاح على طول التقنيات الحديثة وعرضها، ممّا يعني أن القائل يكرّر كلامه لأنّه ربما لا يجد ما يقوله، وإن كان التكرار قد يدلّ من جهة أخرى على شعور بالمسؤولية، فإنّ الخطأ يظلّ خطأ، والناظر ربما بات بلا نظر.



فلننظر كم ورقة ومبادرة قُدّمت في السنوات الأخيرة للخروج من الانسداد الفلسطيني الراهن، في مستوويه الداخلي والنضالي، وكلّها تنتسح من بعضها، وتقترح سبب الانسداد حلّاً للانسداد، أيّ تعوّل على العلّة للشفاء من المرض، وهي بذلك تشخّص الأعراض فترى سقماً، لكنّها لا ترى الأسباب التي لا يزيد العرض عن كونه تجلّيّاً لها
فلننظر كم ورقة ومبادرة قُدّمت في السنوات الأخيرة للخروج من الانسداد الفلسطيني الراهن، في مستوويه الداخلي والنضالي، وكلّها تنتسح من بعضها، وتقترح سبب الانسداد حلّاً للانسداد، أيّ تعوّل على العلّة للشفاء من المرض، وهي بذلك تشخّص الأعراض فترى سقماً، لكنّها لا ترى الأسباب التي لا يزيد العرض عن كونه تجلّيّاً لها، فتجهل العلّة الباعثة على مظاهر السقم، فتبقى تدور في دوائر المرض، تدعو لتأبيد السقم، وهي تعتقد أنّها تقترح العلاج العبقريّ!

انتهت أطروحة الحلّ السياسيّ الذي يبدأ بسلطة محدودة قبل زوال الاحتلال إلى ما نحن فيه اليوم، وإذا كان لا ينبغي أن نتجادل في الحقائق القاتلة، الماثلة اليوم بسبب هذا المسار، فإنّ الأمر لن يخلو من صاحب دوغما سياسية، يعمى عن تلك الحقائق عصبية لصانعيها أو عصبية ضدّ خصومهم السياسيين، لكن في اتجاه آخر، قد نجد من يُبالغ في إحسان الظنّ في الفاعلين بلا استثناء، وكأنّ ما ينقصهم، فقط أن يشير عليهم مثقف بحلّ عبقريّ هم قابعون فيه أصلاً.

يصعب القول، مثلاً، إنّ مقترحاً ما، من مثقف ما، يتمثّل في استئناف العلاقة الوطنية على قاعدة السلطة، وقد غفل عنه السياسي الذي يدير تحركاته أصلاً باستمرار على هذه القاعدة. وإذا كانت غلبة النزعة العملية على السياسي وانغماسه في البحث عن المخارج والممكنات القريبة تضيّق الأفق النظري أمامه، فإنّنا والحالة هذه، إزاء مثقف هو في الحقيقة سياسيّ قاعد، لا يفعل سوى اقتراح ما يعرفه السياسيّ ويسعى إليه، ممّا يعني أنّ القصور النظري حاصل عند أهل النظر كذلك، وإذا أمكن عذر السياسي لتجريبه المجرّب باستمرار، للضرورات التي تُلحقها به السياسة ومسؤولياتها، فما الذي يدفع مثقفاً للاستمرار في تجريب القول الخاطئ؟!

لا يبتعد عن ذلك ما يطرحه مثقفون في تحليل سياسات دول عربية تجاه القضية الفلسطينية، وعلاقاتها المستجدّة مع العدوّ الإسرائيلي، بحيث تقترب تلك الأطروحات من العلاقات العامّة، أكثر من قول ما يفيد، أو قول ما يمكن أن يوجد له معنى. ماذا يعني مثلاً مديح دولة عربية بخصوص القضية الفلسطينية، في سياق الأخبار التي تتحدّث عن احتمالات تطبيعها مع العدوّ؟ ما المخبوء الذي يمكن اكتشافه في هذا الظاهر الفجّ بحيث يستدعي المديح؟ أو القول إنّ هذه الدولة لن تتخلّى عن القضية الفلسطينية؟ الأسوأ طبعاً أن يتطرّف بعضهم ويجد في مسارات التطبيع ما يخدم القضية الفلسطينية. لكن هذا لن يكون مستغرباً إن كان من مثقفي اليمين العربي ومشروع التسوية أو ممن لديه هوى غامض الأسباب تجاه هذا البلد أو ذاك، بما يشمل نظامه، لكنّه مستغرب ممّن ليس كذلك!

يتحدّث بعضّ المثقفّين، وكأنّه لا ينقص السياسيّ إلا أن يؤمن بقولهم، في ضرب من استبطان قدر من النبوّة، وكأنّ صلاح العالم قائم على إنفاذ آراء هذا المثقف، الذي يتلطّف في عبارته لتُقبل، بما يصل بها أحياناً حدّ الخداع، بافتراض ما ليس قائماً في هذه الجهة أو تلك، من أنظمة أو هيئات
يتحدّث بعضّ المثقفّين، وكأنّه لا ينقص السياسيّ إلا أن يؤمن بقولهم، في ضرب من استبطان قدر من النبوّة، وكأنّ صلاح العالم قائم على إنفاذ آراء هذا المثقف، الذي يتلطّف في عبارته لتُقبل، بما يصل بها أحياناً حدّ الخداع، بافتراض ما ليس قائماً في هذه الجهة أو تلك، من أنظمة أو هيئات، مع أنّنا لو افترضنا أحسن الظنون في هذه الجهة أو تلك، ولو أرادت حقّاً هذه الجهة أو تلك الخير، فإنّ الأمر في الواقع أعقد من أنه ينتظر مقترحاً عبقريّاً في تغريدة على موقع تويتر الذي صار للمفارقة اليوم (X).

لا يختلف ذلك عن مثقف يُعقّب على موجة العنصرية في تركيا، داعياً الأجانب فيها من عرب ومسلمين لضبط انفعالاتهم إزاء ما يتعرّضون له. ليست القضية هنا فقط في كونه ضمنيّاً يحمّل الضحيّة المسؤولية حينما لا تضبط انفعالاتها على وقع حكمته، ولكن في تصوّره أن الملايين من لاجئين ومسافرين وسائحين يقفون على نوافذ تغريداته ينتظرون تعاليمه!

لا يقل عن ذلك سوءاً، أن يكون الأمر فقراً نظريّاً بالفعل، مُسبَّباً عن افتقاد المعرفة الكافية بتاريخ هذه الجهة أو تلك، والجهل ببنيتها، ونخبها النافذة، وشبكات مصالحها، والتصوّرات الكامنة في أعصابها والمتوارثة فيها إن كانت بنية اجتماعية ثقيلة، كأن تكون دولة أو سلطة، أو حزباً سياسيّاً، أو عائلة حاكمة، هنا يكون المثقف أصلاً بلا عدّة نظريّة فيما لا بدّ منه لمجال اشتغاله، ليصير آخر الأمر مجرّد قوّال لا أكثر.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأفكار الفلسطينية المثقفين الواقع فلسطين أفكار الواقع مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة

إقرأ أيضاً:

رئيس حزب العمال المعارض في بريطانيا يسلط الضوء على حكومة بلاده وساستها الخاطئة في دعم حرب اليمن

كانت مهرا تبلغ من العمر واحد وثلاثين عامًا فقط عندما أُجبرت على اللجوء إلى مخيم. كانت مهرا أمًا لأربعة أطفال، وتنتظر مولودها الخامس، وكانت واحدة من 4.5 مليون شخص في اليمن نزحوا بسبب الحرب التي تقودها السعودية، وواحدة من 21 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. أدى الصراع إلى تفاقم المجاعة الشديدة بالفعل في بلد مزقته الجفاف، مما تسبب في سوء التغذية على نطاق واسع.

 

في أحد الأيام، أثناء جلب المياه، انهارت مهرا. وبمساعدة الرعاية الصحية الممولة من الأمم المتحدة، نجت مهرا. لكن طفلها الذي لم يولد بعد لم ينج.

 

في يوم الثلاثاء، وقف نائب تلو الآخر في البرلمان للدفاع عن الزيادة السنوية الهائلة التي أقرها رئيس الوزراء في "الإنفاق الدفاعي". هل توقف أي منهم للحظة للتفكير في ما يعنيه هذا في الواقع؟ منذ عام 2015، تم تزويد المملكة المتحدة بأكثر من نصف الطائرات المقاتلة التي استخدمتها المملكة العربية السعودية في الغارات الجوية. وخلال تلك الفترة، حققت شركات الأسلحة البريطانية أكثر من 6 مليارات جنيه إسترليني من المبيعات. حتى قبل أن تبدأ بريطانيا قصف اليمن بشكل مباشر في عام 2024، كانت تقدم الأسلحة لحملة قتلت أكثر من 150 ألف شخص من العمل العسكري وخلفت مئات الآلاف من القتلى بسبب المرض والمجاعة. هذا هو واقع "الإنفاق الدفاعي".

 

لقد تعرضت الحكومة لانتقادات واسعة النطاق لخفض المساعدات الخارجية لتمويل زيادتها في الإنفاق العسكري، وهذا صحيح. لن يضر هذا القرار بضحايا الحرب فحسب، مثل أولئك في اليمن، بل سيغذي الظروف ذاتها التي تؤدي إلى الحرب في المقام الأول. تعاني ثمانية من كل عشرة من أفقر دول العالم - أو عانت مؤخرًا - من الصراع العنيف. إن النهج الناضج للسياسة الخارجية من شأنه أن ينظر إلى الأسباب الكامنة وراء الحرب ويخففها. تختار هذه الحكومة تسريع دورة انعدام الأمن والحرب بدلاً من ذلك.

 

لم يكن هذا الشهر إلا عندما نشرت الحكومة مقاطع فيديو تتفاخر بترحيل المهاجرين "غير الشرعيين"، وتردد هجمات اليمين على طالبي اللجوء. الآن، من خلال إنفاق المزيد على القنابل وإنفاق أقل على المساعدات، تسعى الحكومة بنشاط إلى استراتيجية تعلم أنها ستزيد من النزوح. قد يبدو هذا متناقضا، لكنه منطقي تماما بالنسبة لحكومة عازمة على التخلي عن الناس الضعفاء، في الداخل والخارج. لقد قيل لنا إن خفض المساعدات الخارجية كان "اختيارا صعبا". وكان خفض بدل الوقود الشتوي، وخفض إعانات الإعاقة، والإبقاء على الحد الأقصى لإعانة الطفلين، خيارا صعبا أيضا. لماذا يبدو أن "الاختيارات الصعبة" تضرب الفقراء دائما؟

 

سوف ننظر إلى هذا القرار في السنوات القادمة ونراجع عواقبه الكارثية الدائمة. وإذا كان رئيس الوزراء يريد أن يفخر بالشوفينية العسكرية، فعليه أن يقبل العار المتمثل في عالم أكثر اضطرابا وتفاوتا يساعد في خلقه. ولعل عليه أن يأخذ لحظة للتوقف والتأمل وسؤال نفسه عما حدث في المرة الأخيرة التي عين فيها رئيس وزراء من حزب العمال نفسه مخلصا للعالم الحر.

 

كان هذا الشهر الذكرى السنوية الثالثة لغزو روسيا لأوكرانيا. في تأملي للروتين اليومي المميت لحرب الخنادق على غرار الحرب العالمية الأولى، طرحت سؤالاً بسيطًا في البرلمان: "هل يمكننا، ولو للحظة واحدة، أن نأخذ لحظة للتفكير في مئات الآلاف من الأرواح التي فقدت؟" منذ البداية، عارضت غزو روسيا ودعوت إلى إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن لإنقاذ الأرواح البشرية. وبعد ثلاث سنوات، وبعد مئات الآلاف من الأمهات الحزينات، أجدد هذه الدعوة. لا يوجد مجد للحرب - هناك فقط الموت والدمار. عندما يهمل القادة في استخدام لغة السلام، يجب أن يتذكروا أن أولئك الذين يتم إرسالهم للموت في ساحة المعركة هم الذين ينتهي بهم الأمر بدفع الثمن.

 

في الوقت نفسه، تفشل الحكومة في معالجة ما هو إلى حد بعيد التهديد الأكبر للأمن العالمي: كارثة المناخ. بينما نتحدث، يموت الناس من الجفاف والفيضانات، ومع ذلك لا تعتبر حياتهم مهمة للمؤتمرات الصحفية الطارئة خارج داونينج ستريت. ليس لهم مكان في استراتيجية سياسية ذكورية قائمة على الضرب على الصدر باسم الحرب.

 

ولكن بدلاً من ذلك، فإن أفكار الحكومة محجوزة لأولئك الذين يستفيدون من الدمار. ففي هذا الأسبوع، قال وزير الدفاع إن الإنفاق العسكري يمكن أن يكون "محركاً للنمو الاقتصادي". وما يعنيه حقاً هو أن أموال دافعي الضرائب سوف تُدفع مباشرة إلى شركات الأسلحة. وإذا كانت الحكومة مهتمة حقاً ببناء عالم أكثر أمناً، فإنها سوف تدرك أنه لا يوجد شيء اسمه النمو على كوكب ميت، وسوف تنفق 13.4 مليار جنيه إسترليني على موارد إنقاذ الأنواع مثل الطاقة المتجددة بدلاً من ذلك.

 

*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا

 


مقالات مشابهة

  • كبسولة فى القانون.. 4 أسباب للبصمة الخاطئة على المستندات
  • مفتي الجمهورية: من مظاهر الكذب تقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة
  • مفتي الجمهورية: الصدق لا يقتصر على القول فقط..و الصائم الصادق يلتزم بالأخلاقيات
  • مدير أمن محافظة اللاذقية لـ سانا: المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية كانت تتبع لمجرم الحرب “سهيل الحسن” الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب السوري
  • احذرمن عادات تدمر مناعة جسمك
  • رئيس حزب العمال المعارض في بريطانيا يسلط الضوء على حكومة بلاده وساستها الخاطئة في دعم حرب اليمن
  • الشرع: لا ينبغي القول عن كيفية الرد على إسرائيل
  • إمام عاشور: عندما قلت سابقا من صغري زملكاوي كنت أشعر وكأن هناك خنجرا في جنبي
  • أمن الدولة تصدر القول الفصل في ثاني أكبر محاكمة بتاريخ الإمارات
  • فيديو| "صحتك في رمضان" تصحح السلوكيات الخاطئة لدى الصائمين بالشرقية