نجاح ترامب ومستقبل العلاقات الاقتصادية بين أميركا والصين
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
الجميع يتذكر الأجواء التي شهدها الاقتصاد العالمي، بعد العام الأول من ولاية الرئيس دونالد ترامب، الفترة 2017-2020، حيث تم تصعيد إجراءات حماية التجارة تجاه مجموعة من الدول وعلى رأسها الصين، وأصبحنا أمام حرب تجارية معلنة.
وتظهر الأرقام الرسمية لأميركا، والخاصة بالتبادل التجاري مع بكين، أن الواردات الأميركية من الصين عام 2017 كانت 505 مليارات دولار.
وقد يظن البعض أن الانخفاض نتيجة جائحة كورونا وما نتج عنها من قيود على حركة التجارة الخارجية، ولكن أرقام 2019 تبين أن الواردات الأميركية للصين تراجعت بنحو 89 مليار دولار. ففي عام 2018 كانت الواردات الأميركية من الصين 538 مليارا، وتراجعت بعد سنة إلى 449 مليارا.
ورغم ارتباط الظاهرة بولاية ترامب وقراراته بفرض رسوم جمركية، فإن الاطلاع على الأرقام الخاصة بالتبادل التجاري بين واشنطن وبكين خلال ولاية بايدن، يبين لنا أن الأمر أصبح سياسة وليس مجرد وجود أو قرار لشخص ترامب.
فالواردات السلعية لأميركا من الصين عام 2023 كانت الأقل على مدار الفترة من 2017-2023، حيث بلغت 423 مليار دولار، كما أن الفائض التجاري لصالح الأخيرة انخفض إلى 279 مليارا، وهو الأقل على الإطلاق خلال نفس الفترة.
وخلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2024، بلغت الواردات الأميركية من الصين 322 مليار دولار، وبلغ الفائض التجاري لصالح الأخيرة 217 مليارا، مما يعني أن التبادل التجاري بين البلدين، بنهاية 2024، سيكون قريبًا مما كان عليه العام الماضي، أو أقل من ذلك بمعدلات طفيفة.
إضافة إلى أن فترة بايدن شهدت تطورًا جديدًا في الحظر على التعاملات الاقتصادية مع الصين، وهو المتعلق بحظر التكنولوجيا، الأمر الذي فرض تحديًا جديدًا على الصين، وبخاصة أن بايدن نجح في ضم الاتحاد الأوروبي واليابان إلى صفه في مواجهة بكين تكنولوجيًا.
ما الجديد؟في سبتمبر/أيلول الماضي وخلال حملته الانتخابية، صرح ترامب بأنه سيكون أكثر تشددًا في سياسته التجارية مع الاتحاد الأوروبي والصين، وأنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 100% على الدول التي تتجه للتخلي عن عملته "الخضراء" الدولار.
وبتحليل مضمون تصريحات ترامب، فإن هناك مجموعة من التحديات يفرضها على نفسه وعلى أميركا، إذا ما ذهب لتنفيذ ما وعد به من سياسة تجارية متشددة تجاه الصين والاتحاد الأوروبي، على رأسها البحث عن بديل لهما لتعويض واردات أميركا السلعية.
وقد ينتج عن سياسات ترامب المنتظرة تحسن ملحوظ على صعيد الاقتصاد الأميركي، لما يوفره من تنشيط التصنيع والإنتاج وفرص العمل محليًا، وبخاصة أن الاقتصاد الأميركي في حالة تحسن منذ عام 2021، ويظهر ذلك بوضوح من تطور قيمة الناتج المحلي الذي بلغ 27.3 تريليون دولار بنهاية 2023، بعد أن كان 23.5 تريليونا عام 2021.
ومن خلال قراءة سياسة ترامب السابقة التي اتجهت لخفض الضرائب، والعمل على عودة الاستثمارات الأميركية، فسيدفع هذا الأمر لمزيد من التدفقات الاستثمارية للداخل الأميركي.
أما على صعيد الصين، فإننا أمام المزيد من التحديات، حال تنفيذ سياسة ترامب الداعية للحمائية التجارية، وبخاصة أن الاقتصاد الصيني يعاني من مشكلات تتعلق بالداخلي حيث نجد أزمة مديونية الشركات المحلية، وكذلك تراجع معدلات النمو.
ومن شأن سياسة حماية التجارة بأميركا -الفترة القادمة- وتخفيض تجارتها السلعية مع الصين، أن يكون لذلك مردود سلبي على تجارة الصين الخارجية وكذلك حركة الإنتاج والنشاط الاقتصادي، لما يمثله التبادل التجاري مع أميركا من أهمية كبيرة للصين.
فالصادرات السلعية الصينية عام 2023 بلغت 3.38 تريليونات دولار، بينما الواردات السلعية الأميركية من بكين بلغت نفس العام 426 مليارا، وبما يمثل 12.6% من إجمالي الصادرات السلعية الصينية.
ولكن إذا اتجه ترامب للمزاوجة في سياسته التجارية الحمائية تجاه الصين والاتحاد الأوروبي معًا، فقد يولد ذلك فرصة أكبر لعودة الاتفاقات الخاصة بالتجارة والاستثمار بينهما والذي توقف عام 2021، بعدما أنجزت خطوات مهمة في هذا الشأن، وقد يدفع هذا الأمر كذلك لمزيد من التعاون التكنولوجي بين الاتحاد الأوروبي وبكين، مما يساعد الأخيرة على مواجهة الحظر التكنولوجي المفروض عليها.
الأصداء عالميًاالتجارة السلعية سنة 2023 بلغت نسبة 45% من الناتج المحلي العالمي، وكانت قيمة التجارة السلعية في نفس العام 47.4 تريليون دولار. بينما كانت قيمة الناتج المحلي 105.4 تريليونات، وذلك وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.
وبالنظر إلى الأهمية النسبية للتجارة السلعية لمثلث الصراع المنتظر لسياسة ترامب، والخاصة بالحماية التجارية، نجد أن التجارة السلعية لأميركا بحدود 19% كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي، وبما يعادل قيمة 5.1 تريليونات دولار.
بينما في حالة الصين نجد أن التجارة السلعية تمثل 33.4% من ناتجها المحلي الإجمالي، وبما يعادل قيمة 5.9 تريليونات دولار. أما الاتحاد الأوروبي فتمثل تجارته السلعية 77.6% من ناتجه المحلي الإجمالي، وبما يعادل 14.2 تريليونا.
ومن هذه الأرقام، يتضح لنا الأهمية الكبرى للتجارة السلعية لكل من الاتحاد الأوروبي والصين، بنسبة تزيد على أميركا. ولكن الأمر لا ينظر إليه بهذه الحدود الضيقة، فأي تقليص في حجم وقيمة التجارة السلعية الخارجية، يعني المزيد من الانكماش بالنشاط الاقتصادي العالمي، لما يرتبط بالتجارة السلعية من روابط أمامية وخلفية، في مجالات الإنتاج والخدمات.
ولن يضار طرف واحد من سياسة حماية التجارة، وإذا توسع فيها ترامب خلال ولايته القادمة فسيواجه بما هو معروف في مجال العلاقات الدولية "المعاملة بالمثل" وبذلك سيكون أمام الصادرات السلعية لأميركا تحديات جمركية مماثلة، مما سيعوق حركة التجارة السلعية لهذا البلد.
مزيد من التوترأضافت الحرب الروسية على أوكرانيا مزيد الأعباء على الاقتصاد العالمي، وكذلك فعلت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ولبنان، وكان العالم ينتظر أن تنجح مساعي السلام في إنهاء هذه الحروب، وتوجيه الموارد الاقتصادية والمالية لمشروعات التنمية.
ولكن على ما يبدو فإن وجود حالة من السياسات الحمائية للتجارة، والمنتظر أن يفعل ترامب المزيد منها، أن تضيف أعباء أخرى على الاقتصاد العالمي، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تعاني منذ أكثر من عقد من غياب الاستقرار السياسي والأمني.
وقد عانى الاقتصاد العالمي من موجة تضخمية كبيرة، منذ الربع الأول من عام 2022، وكانت أصداؤها في أميركا والاتحاد الأوروبي هي الأعلى. إلا أنه منذ سبتمبر/أيلول 2024 واتخاذ المجلس الفدرالي الأميركي قرار تخفيض سعر الفائدة بمقدار 0.5% وكذلك تراجع معدلات التضخم بأميركا والاتحاد الأوروبي، ذهبت التوقعات بأداء أفضل على صعيد الاقتصاد العالمي.
ومن الصعب الحديث عن مستقبل العلاقات الاقتصادية مع الصين، في ظل ولاية جديدة لترامب، دون الإشارة إلى رد الفعل المنتظر من تجمع "بريكس" حيث سيجد التجمع نفسه أمام إجراءات لن تنال من الصين وحدها ولكن قد تشمل دولا أخرى، مثل الهند والبرازيل، باعتبارهما ينتجان بعض السلع التي يتم تصديرها لواشنطن.
كما أن التجمع عبر قممه المتعاقبة، دعا إلى البحث عن بديل للدولار لتسوية المعاملات المالية، وكذلك توسعة قاعدة التبادل التجاري بالعملات المحلية دون توسيط الدولار، وهي القضية التي تعد مصيرية لترامب، حيث ظهر ذلك بوضوح خلال تصريحه بحملته الانتخابية في سبتمبر/أيلول الماضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأمیرکیة من الصین والاتحاد الأوروبی الاقتصاد العالمی الاتحاد الأوروبی التجارة السلعیة سبتمبر أیلول
إقرأ أيضاً:
ترامب يجمد الإعلام الأميركي الموجه لروسيا والصين وكوريا الشمالية
جمّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عمل الصحفيين العاملين في إذاعة "صوت أميركا" وغيرها من وسائل الإعلام الممولة من حكومة الولايات المتحدة، ما أدى إلى وقف عمل وسائل إعلام اعتبرت أساسية في مواجهة الإعلام الروسي والصيني.
وتلقى مئات من مراسلي وموظفي إذاعات "صوت أميركا"، و"آسيا الحرة" و"أوروبا الحرة" وغيرها من وسائل الإعلام الرسمية، رسالة إلكترونية أمس السبت تفيد بمنعهم من دخول مكاتبهم وإلزامهم تسليم بطاقات اعتمادهم الصحفية، وهواتف العمل وغيرها من المعدات.
وأصدر ترامب الذي كان قد أوقف عمل الوكالة الأميركية للتنمية ووزارة التعليم، يوم الجمعة الماضي أمرا تنفيذيا يدرج الوكالة الأميركية للإعلام العالمي من ضمن "عناصر البيروقراطية الفدرالية التي قرر الرئيس أنها غير ضرورية".
و"صوت أميركا" مؤسسة إعلامية دولية تبث برامجها بأكثر من 40 لغة عبر الإنترنت والراديو والتلفزيون، وتشرف عليها الوكالة الأميركية للإعلام العالمي. كما تمول الوكالة إذاعة "أوروبا الحرة"، "راديو ليبيرتي"، وإذاعة «آسيا الحرة».
ووفقا للبيت الأبيض، فإن هذه الإجراءات تضمن "عدم اضطرار دافعي الضرائب لدفع أموال من أجل الدعاية المتطرفة".
إعلانوبعثت كاري ليك المذيعة السابقة المؤيدة لترامب والتي عُيّنت مستشارة للوكالة الأميركية للإعلام، رسالة إلكتروني إلى وسائل الإعلام التي تشرف عليها تقول فيها إن أموال المنح الفدرالية "لم تعد تحقق أولويات الوكالة".
وكتب هاريسون فيلدز، المسؤول الإعلامي في البيت الأبيض، على منصة "إكس" كلمة "وداعا" بـ 20 لغة، في سخرية لاذعة من تغطية إذاعة صوت أميركا بلغات متعددة.
هدايا للأعداءووصف رئيس إذاعة "أوروبا الحرة" التي كان بثها موجها للاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة، إلغاء التمويل بأنه "هدية عظيمة لأعداء أميركا".
وقال ستيفن كابوس في بيان له إن "آيات الله الإيرانيين والقادة الشيوعيين الصينيين والمستبدين في موسكو ومينسك سيحتفلون بزوال إذاعة أوروبا الحرة بعد 75 عاما". معتبرا ذلك "إهداء فوز لخصومنا سيجعلهم أقوى وأميركا أضعف".
وترى إذاعة آسيا الحرة التي تأسست عام 1996، أن مهمتها بث تقارير غير خاضعة للرقابة إلى البلدان التي لا توجد فيها وسائل إعلام حرة مثل الصين، وبورما، وكوريا الشمالية وفيتنام.
وتتمتع وسائل الإعلام الحكومية بجدار حماية يضمن استقلاليتها رغم أن تمويلها يأتي من الحكومة الأميركية. وهذه الاستقلالية لم ترق لترامب الذي اعتبر خلال ولايته الأولى أن وسائل الإعلام الحكومية يجب أن تروج لسياساته.
واختار ترامب الذي اختلف مع وكالة "صوت أميركا" خلال ولايته الأولى، مذيعة الأخبار السابقة كاري ليك مديرة لها في ولايته الثانية. واتهمت ليك مرارًا وسائل إعلام بارزة بالتحيز ضد ترامب.
ويمثل الأمر أحدث خطوة يتخذها ترامب لإعادة هيكلة البيروقراطية بالحكومة الاتحادية، وهي مهمة أوكلها بشكل كبير إلى الملياردير إيلون ماسك بصفته مسؤولا عما تعرف بإدارة الكفاءة الحكومية.
وحتى الآن، أسفرت جهود هذه الإدارة عن إلغاء محتمل لأكثر من 100 ألف وظيفة من قوة العمل المدنية الاتحادية البالغ قوامها 2.3 مليون موظف، وتجميد مساعدات خارجية، وإلغاء آلاف البرامج والعقود.
إعلان