الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الصورة
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
أعلنت المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024 منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومن الفائزين بفئة الروايات العربية المنشورة الروائي المصري يوسف حسين عن روايته "بيادق ونياشين" الذي شكلت الجائزة مفاجأة له وهو ما يرويه في حواره مع الجزيرة نت.
حدثنا عن كواليس استقبال خبر فوزك بجائزة كتارا للرواية العربية؟قبل أن أخبرك عن استقبال الخبر، سأخبرك بما هو أعظم، إن حصولي على الجائزة تجسيد للآية الكريمة: "إنَّ اللَّهَ يَرزقُ مَن يشَاءُ بغير حساب"، لم أكن أنوي الترشح للجائزة هذا العام بعمل يخصني ككاتب، رغم حرصي الشديد على المشاركة فيها كناشر، وهذا ما تم بالفعل؛ لقد اخترت الأعمال التي رأيتها من وجهة نظري كقارئ تستحق المشاركة، وقمت بالتواصل مع مؤلفيها للتنسيق، وأرسلت الأعمال بالفعل إلى أمانة الجائزة، وقبل انتهاء المشاركة بيوم واحد فاجأني أحد أفراد العمل بالدار أنه قدم "بيادق ونيشان" للجائزة، معللا أنها من وجهة نظره كقارئ تستحق.
لم أعرف أن "بيادق ونيشان" ضمن القائمة إلا باتصال هاتفي من الشخص الذي رشحها.
كان الأمر مفاجأة بالنسبة إليّ، وتوالت المفاجآت بظهور القائمة القصيرة، ومن ثم انتظار النتائج النهائية، إلى أن استيقظت على رسالة واتساب من أحد منسقي الجائزة، يخبرني فيها بفوزي، وأنه يحاول الاتصال قبلها بـ3 أيام لكن هاتفي يجيبه برسالة أنه غير متاح.
تعجبت كثيرا، لأنني كدت أفقد الأمل في فوزي، لاقتراب موعد إعلان نتيجة المسابقة من دون إعلامي بشيء، وفي الوقت ذاته منسقو الجائزة أنفسهم يحاولون الوصول إليَّ وأنا مَن كنت غير متاح! سبحان الله على تدبيره وكرمه، الحمد لله.
الجائزة تفرض على المبدع قيودا مثلما تفتح له أبوابا.. ما تقديرك الشخصي لهذا التحدي؟هذا صحيح جدا، بل إني أرى قيودها أكثر من أبوابها، لأنها تحتم عليك ألا يخط قلمك حرفا بغير حسبان أو عجلة، فالأمر أصبح الآن مختلفا تماما عما قبلها، فلا يمكنني بدء الكتابة في أي فكرة تطرأ على خاطري من دون التمعن فيها جيدا، ودراسة جوانب بنائها كافة، فبالطبع القارئ الآن ينتظر مني ما هو أقوى من ذي قبل.
في ظل غياب النقد.. هل تسهم الجوائز في تعويض المبدع عن إيجابيات النقد الأدبي؟طبعا، تمنحه الثقة والتقدير لسعيه واجتهاده والتحفيز على المتابعة، فما أسعد الكاتب حين يُقدِّر جهده مَن لا يعرفه، ولا تربطه به صلة قرابة أو مصلحة.
ثنائية الواقع والتخييل كيف جسّدتها في الرواية؟ وما طبيعة العلاقة التي تربط آدم محمود الصواف بشباب اليوم؟هو تجسيد الصراع بين الخير والشر، متمثلا في شخصية "آدم"، الذي اقترف كل ما سولت له نفسه من أعمال الظلم والسوء، وانتهى به الأمر إلى زجه في مكان أشبه بمقبرة، وكأنه يُعَد للحساب الأخروي، إلا أنه ما زال في الدنيا يقتص منه مَن ظلمهم، في مشهد درامي جمع بين الخيال والواقع بطريقة غير مباشرة، وكذلك أيضا جمعت بين الواقع والفنتازيا في تخيلات آدم وأمه للمرأة الحدباء والأشباح التي كانت تلاحقهما، والتي مثلت خيط ربط قوي بين تفاصيل الحبكة وتوصيل فكرتها المرادة.
فآدم يمثل كثيرا من شباب اليوم في ذلك؛ الكل متخبط بين الموضة والترندات واتباعها وتقليدها من دون ذرة فكر في صحتها من عدمها، فمن لم يكن لنفسه بالمرصاد وحاسبها دوما وقع في براثن الضلال وهوة التشتت.
ماذا يمثّل لك شغف الكتابة في عصر الصورة؟الكاتب إذا حلَّق بخياله يستطيع أن يصف ما لا يمكن للصورة أن تكشف عنه، يمكنه أن يجسد ويصور المحسوس كأنه صورة حية تُلمس وتُحس وتعُايَش كأنها واقعية، ويمكنه أيضا أن يجعل من الشيء المعنوي صورة محسوسة يستطيع القارئ أن يجسدها في عقله ويشكل معالمها وفقا لإحساسه وأفق تخيُّله لها، فمهما كثرت المرئيات، يظل للكتابة رونق لا يُضاهى، يتلمسه كل قارئ ينبض قلبه بحسٍّ مرهف وأفق نيِّر.
أردت أن أقول إن "النفس البشرية" قنبلة موقوتة، إذا كبحت جماحها يمكنها أن تجعل العالم جنة حقيقية يشع منها الخير والسلام، وإذا أطلقت العنان لها فعلت كل ما هو مباح وغير مباح، ستُسلَب عين البصيرة، وتضرب بكل القيم والمبادئ عرض الحائط، وتبقى بوصلتها الأولى هواها، ومن أظلم ممن اتخذ إلهه هواه!
بعض أصدقائك هنّأك بالفوز قبل إعلان الجائزة.. كيف تفاعلت مع هذه التهنئة؟كل تهنئة صادقة تثلج صدري، خصوصا من يهنئك من دون معرفته الجازمة بفوزك، فهو يرفع معنوياتك، ويمنحك ثقة وتقديرا لعملك، واستحقاقا لذلك التكريم.
ماذا أضاف لك عملك في مجال النشر على المستوى الإبداعي؟جعلني في نافذة مطلة على ما يرمي إليه القارئ وتمتد إليه يداه شغفا وتطلعا، ومن ثم منحني هذا رؤية لكيفية مواكبة ذلك ومراعاته في إنتاجي الأدبي، فحاولت -وما زلت أحاول- أن أطور من فكري ونظرتي إلى الواقع، لأقدم له وجبة دسمة فيها كل ما يفيده على المستويات كافة؛ أسلوبيا، ولغويا، وفكريا، وما يمكن أن يضيف إليه ويؤثر فيه، فعقلية القارئ الواعي لا يُستهان بها أبدا، فمن خلالها تستطيع أن تطلع على ما تستلزمه قريحتك الأدبية من ابتكار وتطوير.
التكوين الفكري والمعرفي للأديب يسهم في إثراء تجربته.. ما أبرز العناصر التي صقلت موهبتك وعززت وجودك بين أبناء جيلك؟بالتأكيد، أهم العناصر وأولها وآخرها: القراءة؛ قراءة كل ما تنجذب إليه عيناي ويشد إليه فكري، فهي ما تشكل عقلية الكاتب وتهذب قلمه وتصقله، فاليوم أصبح الكُتاب أكثر من القراء! لذا صار مستوى الإنتاج الأدبي متدنيا بشكل ملحوظ، فكل مَن هب ودب واستطاع أن يمسك بالقلم خطَّ ترهات وتفاهات لا تغني ولا تسمن من جوع، بينما هناك مَن يستحق لقب "كاتب" بحق لا حياة له ولا صرير لقلمه!
ما جديدك على الساحة الأدبية؟في الحقيقة لم أكتب جديدا بعد، أُهدي ذهني فترة راحة، لأعود بجديد يستحقه القارئ ويليق به، بإذن الرحمن.
– رواية "كيد الرجال"، وقد حصلت على جائزة مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر (2018).
– رواية "أديرا"، وقد حازت جائزةَ مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر (2019).
– رواية "لعبة الموت"، التي حصدت جائزة منف للرواية العربية عام (2019).
– رواية "إرم العهد الحديث"، في طبعتها الخامسة (2020).
– رواية "الأربعون الثانية"، في طبعتها الثانية (2021).
– رواية "الورقة الخضراء" (2022).
– رواية "بيادق ونيشان" (2023).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للروایة العربیة من دون
إقرأ أيضاً:
وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية غرناطة آخر الأيام
بصدور روايته "غرناطة آخر الأيام" يستكمل الكاتب والروائي والشاعر وليد سيف الحضور الإسلامي في الأندلس صعودا وهبوطا، إذ بدأ الملحمة الأندلسية بـ"صقر قريش.. الرايات السود"، و"مواعيد قرطبة"، و"خريف إشبيلية"، وأنهاها بروايته الجديدة.
وإذا كانت غرناطة بني نصر هي الثمرة الأخيرة في الأنموذج الحضاري العربي على أرض الغرب فإن سقوطها كان نتيجة سلسلة طويلة من الهزائم والتراجعات والصراع على السلطة والاستبداد في تجربة الحكم الأندلسي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الوجع والأمل في قصص "الزِّرُّ والعُرْوَة" لراشد عيسىlist 2 of 2الشجن والتطلع للشرق يمنحان المجري لازلو كراسنهوركاي نوبل للآداب 2025end of listأشهر مهزوم في التاريخ العربيوفي روايته يحرر وليد سيف شخصيته الرئيسة في العمل، وهو محمد بن علي بن سعد النصري (أبو عبد الله الصغير)، مما استقر في المخيلة الشعبية من أن شخصا واحدا يتحمل سقوط الأندلس ويختزل الهزيمة برمزه، بوصفه مسؤولا عن ضياع "الفردوس المفقود"، والذي أحاله حكامه وسلاطين إلى جحيم بحسب أبي عبد الله الصغير.
ويناقش أسباب النهوض والسقوط، فالهزيمة كما النصر ليست صناعة رجل واحد، بل هي محصلة ظروف موضوعية وتراكمات تاريخية طويلة خلال فترة بقاء العرب في الأندلس.
ويدافع عنه على لسانه ما شاع من بيت لأمه عائشة ويقسم بأن أمه لم تقل ذلك، فهي التي كانت معه في كل تدبير له "ابك كالنساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه كالرجال".
وتسرد الرواية حكاية فصل أخير ومشهد ختامي للأندلس ما بعد ملوك الطوائف وانحسار الحكم فيها إلى غرناطة ونواحيها، والتي آلت إلى حكم بني نصر، ومنهم ملكها الأخير الذي سلّم مفاتيح المدينة إلى القشتاليين، مسدلا الستار على الحكاية العربية الأندلسية.
"وفي سيرة أبي عبد الله الصغير فقد لاحقه سوء الطالع منذ ولادته التي تزامنت مع سقوط جبل طارق بيد القشتاليين، وكثر حديث المنجمين والعرافين عن أن مولده إيذان بالأفول وقرب نهاية الأندلس".
"ولسوف يحمل الناس آثام النهايات، ويتناسون أنه ورث آثام القرون الماضية، وأن زهرة عمره وشبابه قد وافقت شيخوخة الأندلس واحتضارها الطويل".
على أن أبا عبد الله الصغير -وربما أشهر مهزوم في التاريخ العربي- يبرر قبوله بالمعاهدة التي أفضت إلى تسليم غرناطة فيما بعد، ويدفع عن نفسه مسؤولية سقوط الأندلس في مرافعة طويلة على لسانه "لسوف أقضي العمر ألتمس لنفسي الحجج والأعذار، ثم أرمي التهمة على أبي وعمي، وحتى على أمي، وعلى حظي الشقي والظروف القاهرة التي طوقتني كطوق الصورة التي رسمت لي، بل كذلك على كل من سبقني من أمراء المسلمين في الجزيرة على طول 8 قرون أو نحوها".
إعلانوفي مرافعته الطويلة تابع قائلا "لم أكن هناك في حروب القيسية واليمنية عقب الفتح مباشرة حتى كاد يفني بعضه بعضا، لم أكن هناك حين اضطر صقر قريش إلى أن يبطش بخصومه ويضرب بعضهم ببعض ليتم له الأمر، لم أكن هناك في الثورات التي تتوقف يوما حتى في أزهى أيام الأندلس الكبرى، وحتى قال أعظم الملوك عبد الرحمن الناصر: حكمت 50 سنة لم أهنأ منها بغير 14 يوما".
ويكمل "لم أكن هناك حين تسلط المنصور بن أبي عامر على الحكم وعطل الخلافة الأموية، ثم من بعد 7 سنين من وفاته فقط قامت ثورة قرطبة التي أكلت الأخضر واليابس وخربت الزهراء مدينة الحل والعقد، حتى انفرط عقد الأندلس إلى ممالك الطوائف، أنا وريث الملك والهزائم دون الأمجاد القديمة، لم أكن أسير الملكين الروميين فقط، وإنما أنا أسير الماضي الطويل".
أبو عبد الله الصغير "لم أكن هناك حين تسلط المنصور بن أبي عامر على الحكم وعطل الخلافة الأموية، ثم من بعد 7 سنين من وفاته فقط قامت ثورة قرطبة التي أكلت الأخضر واليابس وخربت الزهراء مدينة الحل والعقد، حتى انفرط عقد الأندلس إلى ممالك الطوائف، أنا وريث الملك والهزائم دون الأمجاد القديمة، لم أكن أسير الملكين الروميين فقط، وإنما أنا أسير الماضي الطويل"
التاريخ كما هويغري السقوط العربي في الأندلس والجرح الذي ما اندمل بإسقاطات على الواقع الراهن، وضياع الأندلس يذكّر باحتلال فلسطين وضياعها، وإن كانت المواجهة ما زالت سجالا، لكن صاحب "التغريبة الفلسطينية" ينأى عن ذلك ويقدم التاريخ ويخضعه لشروط المعرفة والإبداع، ويترك متلقيه أمام درس التاريخ كما هو، يتلقاه ويؤوله بحسب ما يبدو له الماضي وما يحضر منه في واقعه.
ويقدم وليد سيف رواية تاريخية يستند فيها إلى ما هو معلوم من تلك المرحلة من شخصيات، ويبني إزاءها أخرى متخيلة يسمح الظرف التاريخي بوجودها لإغناء عمله الإبداعي.
تحفل "غرناطة آخر الأيام" بالتوتير على طول صفحاتها بالدسائس والمؤامرات على انتزاع السلطة بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والعم وابن أخيه، رواية توتر القارئ معها، منشدة إليه، لكن السارد يتخفف من ذلك أيضا بإيراد قصص حب وتضحيات في سبيله، ونهايات تراجيدية لهذا الحب.
تلعب النساء دورا محوريا في الأحداث والحبكة الدرامية، وتحضر عائشة أم أبي عبد الله الصغير كشخصية محورية في العمل الروائي، فهي التي كافحت منذ ولادة ابنها لتنصيبه على عرش غرناطة، ودفعت عنه أقوال المنجمين وشؤم الطالع، ومهدت له وعقدت الأحلاف إلى أن صار سلطان غرناطة، وفدته في أسره، وقبلها أقنعت زوجها أبا الحسن بخلع أبيه عن العرش.
وتظهر ثريا (إيزابيل) السبية القشتالية التي سلبت عقل والد أبي عبد الله وتزوجها على عائشة الحرة بنت السلاطين، على أن شخصية السبية القشتالية تُظهر وفاء منقطع النظير لزوجها أبي الحسن حتى بعد سلب الملك منه وموته، إلى أن عادت إلى قشتالة بعد سقوط غرناطة، وشخصية مريمة زوجة أبي عبد الله الصغير التي بقيت مخلصة لزوجها.
إعلانوفي الجانب الآخر، تحضر شخصية الملكة إيزابيلا زوجة فرناندو شريكها فيما تسمى "حرب الاسترداد" كشخصية دينية محافظة وضعت نصب عينيها فقط طرد العرب واليهود من الأندلس، وتحت شعار "جزيرة واحدة ودين واحد"، مع أن العمل يعرض تقلبات حياتها وإيثارها الزواج بملك أراغون فرناندو لتوحيد قشتالة لهزيمة العرب و"استرداد الأندلس"، وهو ما تحقق لها.
وتظهر أيضا خديجة زوجة موسى الغساني، امرأة صابرة، وصوفيا زوجة أبي الحجاج، وهو أخو أبي الحسن والد أبي عبد الله الصغير.
أبطال رغم الهزيمةفي ظل الهزائم التي لحقت بحكام غرناطة من بني نصر تقدم الرواية فصلا من المقاومة يقوده أبطال شعبيون، على رأسهم علي العطار وموسى الغساني وحامد الثغري وغيرهم، وهم الذين أبطؤوا الهزيمة في غرناطة، بخلاف الحكام الذين كانوا يخوضون الحروب لا للدفاع عن الأندلس بقدر ما كانت توظيفا لصراعاتهم على السلطة.
يحاجج القائد الشعبي موسى الغساني ذوي السلطة وشعارهم، ويقول "جعلوا شعارهم (لا غالب إلا الله)، ولكنهم جعلوه وقاء، فإذا غلبوا على البلاد قالوا: غلب الله بنا، وإذا غلبوا قالوا: غلب علينا أمر الله، ولا راد لأمره، الملك لهم في حال الرخاء والغلبة، والملك لله في حال الشدة والهزائم
وتعيش المقاومة الأندلسية صراعها بين عدو ومستبد يحتج بالفقه ويؤول النصوص لبقائه في السلطة، ويحاجج القائد الشعبي موسى الغساني ذوي السلطة وشعارهم، ويقول "جعلوا شعارهم (لا غالب إلا الله)، ولكنهم جعلوه وقاء، فإذا غلبوا على البلاد قالوا: غلب الله بنا، وإذا غلبوا قالوا: غلب علينا أمر الله، ولا راد لأمره، الملك لهم في حال الرخاء والغلبة، والملك لله في حال الشدة والهزائم".
وعلى أرض الأندلس في أوج ازدهارها كان الغرب "شغوفا بتقليد الغالب" العربي، وكانت الوفود تحج إلى قرطبة سيدة الدنيا ومنارتها في وقتها، ليتعلم أبناؤها ما لم ينقطع تأثير المسلمين في رفد الحضارة الغربية.
وتنقل الرواية أيضا الكثير من المخطوطات العربية إلى الغرب، وإذا ما تقلب الحال وضعفت شوكة العرب حاز الغربيون من القوة المادية ما هزموا به خصومهم.
كما في أعماله الدرامية التي قدمها منذ سبعينيات القرن الماضي لا يقدم وليد سيف التاريخ في رواياته بوصفه وعظا، بل يقف منه موقف المفكر التاريخي الناقد والباحث عن التفاصيل الصغيرة ضمن إطار جمالي وإبداعي ولغة ساحرة تنتمي إلى الفترة التاريخية نفسها، مما يمنح العمل التاريخي مصداقية.
ولا يعدم أن يصدم المتلقي الوعي الشعبي فيما استقر له من شخصيات ورموز تاريخية، إذ قلب في عمله الدرامي التاريخي، والذي قدّم في الثمانينيات شخصية المهلهل بن ربيعة (الزير سالم) من بطل شعبي إلى رمز سادي متسلط، في حين أنصف خصمه جساس بن مرة بوصفه ثائرا على سلطة كليب بن مرة قادها نصرها لتستبد على قومها.
وفي رباعيته الأندلسية ناقش الاستبداد في "صقر قريش"، إذ المستبد هو من سلالة الأمراء، على أن المستبد أيضا يمكن أن يظهر من أوساط العامة، كما في روايته "مواعيد قرطبة" وحكاية المنصور بن أبي عامر أعظم قادة الأندلس وحامي الثغور، لكن الرجل لا يلبث إذ يصل السلطة أن يكون مستبدا، فتنهار الدولة بعده بأعوام.
على أن ذلك كله إنما يقدمه صاحب "الخنساء"، و"عروة بن الورد"، و"صلاح الدين الأيوبي" في متعة جمالية قوامها صور تصنعها وتفتقها لغة ساحرة.
عن المؤلفقدّم وليد سيف المولود في طولكرم بفلسطين المحتلة في العام 1948 عبر مسيرته الإبداعية 17 عملا دراميا، لعل أشهرها الثلاثية الأندلسية ومسلسل "عمر"، والتي عُرف بها وهي "الأعظم في مجالها بلا منازع" بحسب الناقدة رزان إبراهيم.
إعلانوقدّم أيضا في مسيرته الشعرية 5 دواوين شعرية هي "قصائد في زمن الفتح"، و"وشم على ذراع خضرة"، و"تغريبة بني فلسطين"، و"قصيدة البحث عن عبد الله البري"، و"قصيدة الحب ثانية إذا".
وتنوعت عبر مسيرته الإبداعية اهتماماته بين الترجمة والرواية والكتابة المسرحية والنقد الثقافي والفكري.
وبقي القول إن "غرناطة آخر الأيام" هي مشروع عمل تلفزيوني قد نراه قريبا على الشاشات لتكتمل به سلسلة الرباعية الأندلسية.