رغم أن فوز الرئيس الأمريكي ترامب فـي الانتخابات الرئاسية الأمريكية من شأنه أن يساهم فـي إضعاف العولمة وتعزيز السيادة الوطنية على الجوانب الاقتصادية بشكل خاص عبر المزيد من الرسوم الجمركية الحمائية فإن هذا لا يعني أن الهُويات الوطنية فـي دول العالم، وخاصة العالم الثالث، ستصبح فـي مأمن من خطر العولمة الممتد مند عدة عقود، بل ربما يزيد مد العولمة الثقافـية فـي اللحظة التي سيعتقد مصدرو العولمة أنها فـي خطر الانكفاء.

ما زالت الكثير من دول العالم تواجه تحديات متزايدة فـي مسيرة حفاظها على نسيجها الثقافـي وخصوصيتها الاجتماعية، وهذا الأمر فـي تزايد مع تمدد حركات دعم المثلية وتغولها فـي المنظمات العالمية والتكتلات السياسية الكبرى.

تحتاج الدول من أجل الحفاظ على استقرارها إلى صمود هويتها الوطنية وتماسكها والحفاظ على قيمها ومبادئها.. وأي تمييع لهذه الهوية أو ضرب لها تحت أي شعار كان من شأنه أن يساهم فـي تفكيك الدول وتشظية تماسكها الاجتماعي وضرب ثقافتها فـي العمق، وأي استراتيجية وطنية تهدف إلى حماية أمن واستقرار أي وطن من الأوطان لا بد أن يأتي بند حماية الهوية الوطنية فـي مقدمتها تلك الأهداف.

والهوية الوطنية ليست مجرد انتماء جغرافـي أو عرقي، بل هي تجسيد للقيم الثقافـية والدينية والتاريخية التي تربط مجموعة من الناس ببعضهم بعضًا داخل دولة محددة.

وتعمل الهويات الوطنية كقوة تساهم فـي حشد المواطنين حول شعور مشترك بالانتماء لوطن واحد وثقافة واحدة بكل تجليات الدلالة التي تحملها كلمة «ثقافة».

ومن منظور نظري، تعمل الهوية الوطنية على تعزيز الشعور بالوحدة الذي يشكل ضرورة أساسية للاستقرار السياسي. ويرى صمويل هنتنغتون فـي كتابه «صدام الحضارات» أن المجتمعات التي تتمتع بشعور قوي بالهوية الجماعية هي أكثر قدرة على تحمّل ضغوط التغيير العالمي. ويمكن تتبع هذه الفكرة عبر تحديات مرت بها الكثير من الدول عبر التاريخ: فقد اعتمدت الولايات المتحدة، خلال فتراتها الأكثر اضطرابا، على سرد وطني مشترك لتجاوز الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. وعلى نحو مماثل، غالبا ما تجنبت الدول المستعمرة بعد مرحلة الاستعمار والتي نجحت فـي تأسيس هوية وطنية متماسكة تجنبت فخاخ الصراع الداخلي الذي ابتليت به بعض الدول المستقلة حديثًا.

وتقدم السياسة الحديثة دليلا آخر على أهمية الهوية الوطنية فـي حفظ تماسك المجتمعات والدول؛ فدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، التي تتمتع بهويات وطنية قوية ومتجذرة، تمكنت من الحفاظ على مستويات عالية من الاستقرار السياسي والاقتصادي حتى حين انتقلت بين ديناميكيات عالمية معقدة. وعلى العكس من ذلك، فإن الدول التي تتسم هويتها بالتفتت أو التقلب، كما هو الحال فـي المناطق التي تعاني من انقسامات عرقية أو طائفـية عميقة، غالبًا ما تعاني من عدم الاستقرار والصراع.

لا بد أن تكون الهوية الوطنية أولوية استراتيجية للحكومات التي تسعى إلى ضمان استقرار وأمن بلدانها، والتيقن أن تآكل الهوية يمكن أن يؤدي إلى أزمة عميقة فـي أي مجتمع.

وفـي هذه اللحظة التي تشهد فـيها بلدان العالم تحولات كبرى وتقلبات عالمية تحتاج دول العالم وبشكل خاص الدول العربية إلى تنفـيذ استراتيجيات وطنية تركز على التعليم والثقافة والسياسات العامة من أجل تعزيز وضع الهويات الوطنية. ولا بد من وزارات التعليم فـي العالم العربي ومن جميع المعلمين أن يعززوا فخر الطلاب بهوياتهم الوطنية وبتاريخهم العربي مهما كان، وتشجيعهم على الحس النقدي وقراءة التاريخ والمستقبل بأدوات النقد المهنية ولكن دون الشعور بالانكسار من أحداث التاريخ وتحدياته.

ولا يمكن تقبل تقليل البعض من توجهات الدول لتعزيز هويتها الوطنية عبر المناهج الدراسية تحت دعاوى أن الهوية الوطنية بخير وأنها راسخة، قد تكون كذلك ولكن المد الغربي الذي يستهدف الثقافات العربية بشكل خاص مد كبير ومدروس وممنهج ونحتاج إلى تكاتف جماعي من أجل الحفاظ على صمود هوياتنا الوطنية فـي العالم العربي.

الهوية الوطنية ليست مجرد مسألة ثقافـية؛ بل هي أصل استراتيجي قادر على تعزيز قدرة الدول على الصمود فـي مواجهة الضغوط العالمية والثقافـية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهویة الوطنیة الوطنیة فـی

إقرأ أيضاً:

“الهوية والجنسية” تستعرض نظام التعرفة الجمركية والإقامتين الذهبية والزرقاء في “AIM”

 

تشارك الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، في فعاليات الدورة الرابعة عشرة من المعرض الدولي لقمة “AIM” للاستثمار 2025، الذي يقام في مركز أدنيك أبوظبي من 7 إلى 9 أبريل 2025 تحت شعار “خارطة مستقبل الاستثمار العالمي: الاتجاه الجديد للمشهد الاستثماري العالمي، نحو نظام عالمي متوازن”، وسط مشاركة 25 ألف مشارك من أنحاء العالم.
ويقوم فريق الهيئة من الإدارة العامة للهوية وشؤون الأجانب، والإدارة العامة للجمارك وأمن المنافذ طوال أيام المعرض، عبر منصة الهيئة في المعرض، بتسليط الضوء على ثلاثة مشاريع ومبادرات وخدمات إستراتيجية تهم المستثمرين وتسهم في استقطاب رواد الأعمال وتوفير فرص متنوعة للنمو والتطور لهم وجذب رؤوس الأموال ودعم النمو الاقتصادي.
كما يحرص فريق الهيئة على التواصل مع الزائرين من المستثمرين ورواد الأعمال والإجابة على تساؤلاتهم واستفساراتهم حول شروط ومزايا ومتطلبات وفئات الإقامة التي تقدم للمستثمرين والفرص المتاحة للنمو والعيش والاستقرار في دولة الإمارات.
وتتضمن مشاركة الهيئة في المعرض الدولي استعراض مزايا نظام التعرفة الجمركية المركزية المتكاملة كأحد الأنظمة الرئيسية في مشروع منصة جمارك الإمارات، والذي يعد الأول من نوعه في قطاع الجمارك في الدولة، ما يسهم في اختصار زمن إنجاز العمليات وتيسير التجارة وتعزيز أمن المجتمع ورفع مستوى الامتثال وتعزيز جاذبية القطاع الجمركي والاقتصادي في الدولة ودعم تنافسية الدولة في المؤشرات العالمية.
كما تستعرض الهيئة مزايا وفئات الإقامة الذهبية والفئات المستحقة لها من الأجانب المقيمين في دولة الإمارات، أو الراغبين بالقدوم إليها، وأهميتها في تمكينهم من العيش والعمل والاستثمار والدراسة دون الحاجة لضامن أو مستضيف، مع التمتع بمزايا حصرية، حيث تشمل فئات الإقامة الذهبية كلا من المستثمرين، ورواد الأعمال، والنوابغ من المواهب والعلماء والمتخصصين وغيرها من الفئات.
وتسلط الهيئة، خلال مشاركتها في المعرض، الضوء على مزايا وشروط الإقامة الزرقاء باعتبارها أحدث أنواع الإقامة الطويلة المدى بالدولة والأولى من نوعها في العالم التي تهدف إلى الاهتمام بالبيئة وتعزيز جهود مكافحة التغير المناخي، حيث تم توعية زوار المعرض بالفئات المؤهلة للحصول على الإقامة الزرقاء من ذوي الإسهامات والجهود الاستثنائية في مجال حماية البيئة سواء البحرية أو البرية أو الجوية أو الاستدامة وتقنياتها الحديثة، أو الاقتصاد الدائري أو غيره من المجالات المعنية بالبيئة والتغير المناخي والطاقة النظيفة والمتجددة، سواء من داخل أو خارج دولة الإمارات.
وأشار سعادة اللواء سهيل سعيد الخييلي، مدير عام الهيئة، إلى الأهمية الكبيرة التي يحظى بها المعرض الدولي لقمة “AIM” للاستثمار عامًا بعد عام، حيث يشهد زيادة مطردة في عدد المشاركين والزوار من أنحاء العالم من المسؤولين الحكوميين وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى وممثلي القطاع الخاص والمهتمين في العديد من القطاعات الاستثمارية والصناعية العالمية.
وأكد أن هذا المعرض يمثل فرصة كبيرة للترويج للمزايا التي تتمتع بها دولة الإمارات في مجال الإقامة والعيش وإنشاء المشروعات، وتسليط الضوء على الأنظمة والمزايا الجمركية، وكذلك التنوع الكبير في أنواع الإقامات والخدمات التي تقدمها الهيئة لرواد الأعمال والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.وام


مقالات مشابهة

  • تأثر الدول العربية غداة إقرار ترامب التعريفات الجمركية
  • “الهوية والجنسية” تستعرض نظام التعرفة الجمركية والإقامتين الذهبية والزرقاء في “AIM”
  • الفوضى بمعنى اللاسلطة
  • "التعريفات الجمركية".. سقوط العولمة أم تدشين نظام عالمي جديد بمعطيات مختلفة
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • لحظة سقوط العولمة أم تدشين نظام عالمي جديد؟!
  • هل ستختلف الدول العربية حول عيد الأضحى مثل حالة عيد الفطر؟
  • المفتي قبلان: اللحظة للتضامن الوطني وليس لتمزيق القبضة الوطنية العليا التي تحمي لبنان
  • الإمارات الأولى عالمياً في ريادة الأعمال والأمان ومؤشرات الهوية الوطنية
  • زيلينسكي يكشف أول الدول الأوروبية التي سترسل قوات إلى أوكرانيا