الحسد.. واقع محسوس أم وهم نفسي؟ّ!
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
غنية الحكمانية
الحسد آفة نفسية خبيثة تمزّق صاحبها همّا وغمّا وكمدا، تقضّ مضجعه وتشج مفرق وجعه، يودّ لو تُساق إليه تلك المزايا والعطايا والهبات باعتبار أنّ الآخر لا يستحق تلك المنالات؛ فيعيش بذلك في تآكلٍ من الداخل تفضحه العلامات بالخارج المرتسمة على ملامح وجهه وفلتات لسانه وخلسات نظراته مهما حاول الإخفاء وإظهار البراءة والوداعة، مراقبا حركات وسكنات الآخر، ومحاولا إيقاع الأذى به.
ولا يكتفي بذلك؛ بل يتمادى إلى نشر الشائعات وتزييف الأقاويل؛ تدميرا لسمعة الآخر وإنقاصا من قيمته ومكانته ومركزه الاجتماعي، وإضعافا لمتانة علاقته مع الآخرين، بإشعال لهيب الفتنة والتفرقة وتمزيق نسيج الوحدة والجماعة. فهو يعتبر الآخر تهديدا لمركزه وسوقه الشّعبوي فيعمد إلى إحالة نقاط الجذب والالتفات إليه. ولكن يبقى حسدا لا قيمة له أو تأثير ما لم يصل إلى سلب وانتشال مطامع الحاسد بالإيذاء القولي أو الفعلي، وإلا فإنّ الحسدَ طاقة سلبية وشرور نفسيّة لا تضرّ إلا صاحبها وترديَه في مهاوي الهلاك.
ما يجرّ الحاسد إلى ذلك هو الإحساس بالنقص والحرمان، والتقدير المنخفض للذات وضعف الثقة بالنفس، لعدم مقدرته على تحقيق الطموح المراد وشأوه المطلوب. وربما يكون بسبب شعور بالنرجسية والفوقية وجنون العظمة؛ فيظنّ أنه الأحق والمستحق في الاستحواذ على المبتغى. فهو يريد أن يمتلك كل شيء يزيد من رفعة رمزيته إلى مصافّ العليين. ويريد أن يستعيضَه من الآخرين عندما يفتقر إلى ذلك المراد.
إن الحسد صفة مكتسبة صنعت دمامتها بعض العوامل البيئية والتربوية والظروف المحيطة، فالإنسان يولد على الفطرة السّليمة بطبيعةٍ طاهرة لم تتلطخ بتلك الصفات المكروهة حتى يتم غرس بذورها فيه. والتنشئة الأسرية لها دورٌ كبيرٌ في رعرعة تلك الصفة الشائنة التي ربّما تم توارثها جيلا إثر جيل وقليل من ينسلّ كالشعرة من تلك العجينة التي شكّلتها الأسرة؛ فهي المسؤولة الأولى عن تحديد صفات وجينات شخصيات وعادات أطفالها وصقل معدنهم.
لكن هل الحسد يتولّد بين نفس الطبقية والفئوية؟ فقد ذكر دافيد هيوم رسالة في الطبيعة البشرية أن " الحسد لا يتولد عن التباين الشديد بيننا وبين الآخرين؛ بل على العكس الحسد وليد التقارب".
ويبدو أنه وليد التقارب والتباعد والاختلاف، فليس ضروريًا أن تكون هناك قواسم مشتركة بين الأشخاص حتى يتحققَ شرط الحسد. بل يستشري بين جميع الأفراد وعلى مختلف الأطياف والدرجات والمستويات لا يفرّق بينهم.
إنّ الاعتقاد بضرر الحاسد وقدرته على اختراق الحُجب، وأنّ له قوى خفية يمارسها وطاقة سلبية يرسلها كما قيل في الأمثال الشعبية قديما "عين الشاب كالمشهاب وعين الجارية نار وارية وعين العجوز كالرمحٍ المركوز".
ممّا يجري البحث عن طرق للوقاية وتفادي الإصابة بشظايا الحسد النّفاثة، هو للأسف ما يعزّز لدى الحاسد ظنّه بقوته الخارقة في تحطيم مقدّرات ومزايا الآخر. ويعزز وهم الآخر بقدرة الحاسد على التحكم بمصائر الناس والتصرف بأقدارهم؛ فيتمّ إخفاء جميع محصّلاته والتكتم عليها خوفا من عين حاسدة تقتنصه أو تشلّ حركته، ما يُعيّش الآخر في حالة من الخوف والقلق واضطرابات نفسية مرهقة تنعكس جسمانيا عليه وتفزعه في أحلامه ورؤاه، بسبب قوة البرمجة العصبية والربط اللاشعوري وخطأ الظن والاعتقاد بقوة عين الحاسد؛ الآخرَ حتما لا يناله الضرر ما لم يضع أدنى شكًا وارتيابًا بالحاسد، فشرر الحاسد ليس له تأثير أو سلطان على الأشخاص والممتلكات.
وإنما المتضرر الأكبر هو الحاسد الذي يعيش في دوامة من الحقد والحنق والغيظ، فهو المتضرر نفسيا وعقليا وجسديا من معمعة في التفكير ودوام في الاستنفار، وحتما سيؤدي ذلك إلى إمراضه وإهلاكه ولا يمكن نجاته من ذلك إلا بتطهير نفسه وقلبه من تلك الآفة. وكما قيل "لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله". وسُطّر فيه بيت من الشّعر:
اصبر على كيد الحسود فإنّ صبرَك قاتله.. فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
ما يؤسف حقّا أنّ أسطورة العين الحاسدة وجدت مهجعا في وطننا العربي وتبنيّا لها، بأنها عينٌ ترمي بشرر كالقصر من عظمة قوتها وسرعة إصابتها، ومدى تحريكها الأشخاص كالدّمى يتلقون أوامر عينه وينصاعون لتوجيهاتها. فيضعون بذلك الحسد شمّاعة لتبرير الفشل والخسارة والمرض وعدم محالفة الحظّ، بالمقابل لا نراها تلاحق الأشخاص الناجحة والمتفوقة في الدّول المتقدمة التي شعارها العلم والعمل والإنجاز والعطاء، دون وضع التّحديات والتبريرات والتفاقمات في قفص اتّهام الحَسود والنّاقم ما لم يضرّه بيده ولسانه وليس بعينه.
والمؤسف الأكبر مصيبة هو تعطيل الوالدَين قدرات ومهارات أطفالهم بحجّة حفظهم من عينٍ مارّة ضارّة تصيبهم. وكالعادة إعادة دائرة التربية والموروث على أبنائهم وترسيخ فكرة الحسد والعين. فأي إصابة بالفشل أو المرض أو الخسارة فالاتهام جاهز ومعلّب يتم تقديمه لطفله عنوة وإن لم يستسغ ولكنه سيكبر والفكرة تكبر معه إلى أن يتبرمج بمصداقية المعتقد وينطرح بسببه الفراش أو الأمراض النفسية والاضطرار إلى معالجته روحانيا للرقية والتحصين، دون الاعتراف بإصابته بالأوهام والأمراض النفسية والتي سببها غرس الوالدين لذلك الفكر والخوف والتحطيم النفسي والمعنوي.
وختامًا.. لا يعتبر الحاسد أنّه سيكسدُ سوق الآخرين بعينه فيمعن في تدقيقها وزيادة حجم بؤبؤتها فإنه لا يهلكنّ إلا نفسه، ولا يعوّز الآخرون خسرانهم وفشلهم ومعاناتهم بسبب الحسد فيكسلون عن بعث روح الحياة والهمّة والتجديد لما يمتلكونه ويحوزونه. فإن التّنافسَ المحمود والغيرةَ الإيجابية مطلوبةٌ للتسابق في إظهار الأفضل والأجدى وإثبات قيمة الذات والمكانة. وإن الرّضا بالرزق المقسوم والاقتناع به، والاستبشار بما لدى الآخرين، وتمنّي الخير ودوام النّجاح والسّعادة لهم مطلوب للعيش في حالة من الوئام والصفاء النفسي تغشاهم مسحة من الحُبّ والتعايش والسّلام.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شيخة المنصوري: ترجمنا طموحات «أجندة دبي الاجتماعية 33» إلى واقعٍ ملموس
نحن فخورون بتنظيم الاجتماع التشاوري لخطوط مساندة الطفل
استقبلنا 24 وفداً والشراكات الدولية والمحلية عززت مكانة المؤسسة
دبي: «الخليج»
أكدت شيخة سعيد المنصوري، مدير عام مؤسسة «دبي لرعاية النساء والأطفال» بالإنابة أن عام 2024 كان عاماً استثنائياً حافلاً بالإنجازاتِ التي ترجمت طموحات «أجندة دبي الاجتماعية 33» إلى واقعٍ ملموس.
وقالت: «نحنُ فخورون بتنظيم الاجتماع التشاوري لخطوط مساندة الطفل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحت شعار «لكل طفل صوت»، حيث جمع الاجتماع أكثر من سبعين ممثلاً ومسؤولاً حكومياً، بهدف تعزيز الحوار وتبادل الخبرات لتطوير أفضل الممارسات في حماية حقوق الأطفال وضمان وصول أصواتهم إلى الجهات المعنية كما أطلقنا ملتقى «التربية وتحديات العصر» تحت شعار «لبناء أجيال الغد»، والذي ركز على تقديم أساليب التربية الحديثة لدعم الوالدية الإيجابية ورسم خارطة طريق لأسس التربية لتعزيز بناء مجتمع آمن ومستدام.
وأشارت إلى أهمية دعم المرأة من خلال مبادرات متنوعة، قائلة: «نظمنا بطولة البادل تحت شعار (نحن لها سند)، ضمن فعاليات الحملة البرتقالية العالمية، هذه الفعالية التي شارك فيها أكثر من 200 شخص، كانت رسالة مجتمعية مهمة لرفع الوعي بقضايا المرأة وتعزيز دورها»، مؤكدة أن المؤسسة لم تكتفِ بهذا الحد، بل استمرت في تقديم برامج مبتكرة مثل برنامج «العلاج النفسي» بمساعدة الحيوانات الأليفة، الذي حقق نجاحاً باهراً منذ إطلاقه، حيث استفاد منه 255 مستفيداً وتم تدريب 30 مختصاً لدعمه».
وفي ما يتعلق بتعزيز القيم الأسرية، قالت: «أطلقنا برنامج «الأسرة الإيجابية» الذي يهدف إلى تعزيز الحوار الأسري وترسيخ القيم العائلية، كما شمل البرنامج دليلاً شاملاً للوالدية الإيجابية وورش عمل تطبيقية هدفت إلى تمكين الأفراد وتعزيز التماسك الأسري».
كما تم إطلاق حملات مبتكرة مثل «اللطف يجعلنا أقوى» و«طفولتهم ليست محتوى للشهرة»، مشددة على أن هذه المبادرات تهدف إلى حماية الأطفال من السلوكيات السلبية والمخاطر الرقمية من خلال تعزيز الوعي بأهمية الحماية الإلكترونية
وفي إطار الجهود الرامية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، أوضحت المنصوري قائلةً: «قدمنا حملة «نتعهد لأجلكم» بالتعاون مع الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب ضمن حملة تسوية أوضاع المخالفين، حيث استهدفنا النساء الأكثر عرضة لهذه الجريمة، كما نظمنا عدداً من المحاضرات الافتراضية بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتوطين وبدعم من «يو بي أس» تناولت سبل الوقاية من الاستغلال والاتجار بالبشر مستهدفة، 43 مركز واستفاد منها أكثر من 1200 شخص من فئة العمالة المُساعدة.
وفي ما يخص التكريمات التي حصلت عليها المؤسسة، أعربت عن فخرها قائلة: «نحن فخورون بحصولنا على جوائز مرموقة مثل 'جائزة حسن ويراجودا للحماية 2023' من وزارة الخارجية الإندونيسية، وجائزة النيابة العامة للتميز، هذه الجوائز تعكس ريادتنا في مجال دعم النساء والأطفال». كما أكدت على أهمية الحضور الدولي للمؤسسة بقولها: «شاركت المؤسسة في الجلسة الثامنة عشرة للجمعية العامة لبرلمان البحر الأبيض المتوسط بمؤتمر البرتغال الدولي، حيث استعرضنا تجاربنا الرائدة في حماية ودعم الضحايا»،
وأضافت: إن التواصل المجتمعي كان جزءاً أساسياً من نجاحات المؤسسة هذا العام، إذ تم إطلاق قناة «برودكاست وعي» وحساباً على منصة تيك لتوسيع نطاق الوعي لكافة فئات المجتمع فضلاً عن تنظيم ورش عمل افتراضية تناولت موضوعات مهمة مثل مكافحة التنمر الإلكتروني وورشة «أدرك قيمتك» وورشة «لا تستهن بوجودك» التي تسلِّط الضوء على أهمية دور الأب في حياة الأبناء.
وعن الفعاليات المجتمعية الأخرى التي نظمتها المؤسسة، قالت: «شهد عام 2024 تنظيم فعاليات متنوعة مثل «اللطف يجعلنا أقوى» وجلسات قرائية لقصة «قلم الرصاص الذي اكتشف نفسه»، التي استفاد منها أكثر من 1000 طفل، كما نظمت المؤسسة ورشاً توعوية لتعزيز القيم الأسرية الإيجابية، استفاد منها أكثر من 960 شخصاً».
واختتمت شيخة المنصوري تصريحاتها بالإشارة إلى الشراكات الدولية والمحلية التي عززت مكانة المؤسسة، قائلة: «استقبلنا 24 وفداً من القنصليات والهيئات الدولية مثل القنصلية الأمريكية والقنصلية الإندونيسية ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة»، منوهة أن هذه الزيارات ليست فقط لتعزيز التعاون، ولكن أيضاً لتبادل أفضل الممارسات والخبرات، كما أكدت في ختام حديثها قائلة: «نحن ملتزمون بمواصلة جهودنا لتحقيق مجتمع أكثر أماناً ودعم رؤية دبي في تعزيز حماية النساء والأطفال من خلال تطوير برامجنا ومبادراتنا وفق أعلى المعايير الدولية وسنظل نبذل قصارى جهدنا لنكون صوتاً لكل طفل وامرأة».