ترامب .. وإغراء زعامة الرجل القوي
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
ترامب سيخلده التاريخ كونه قائدًا تاريخيًا حقا. هذا ليس تقييمًا أخلاقيًا له. إنه ببساطة إقرار بحجم إنجازه في إعادة تشكيل السياسة الأمريكية تماما. ترامب مثله مثل فرانكلين روزفلت أو رونالد ريجان لم يفُز بإعادة انتخابه فقط ولكنه أيضا جاء بتحولات جذرية في السياسات والأيديولوجيا والمشهد السياسي.
لقد اتضح أن اتهام ترامب بأنه تهديد للديمقراطية ليس تلك الحجة الحاسمة التي تخيلها الديمقراطيون. ويمكن أن يكون ذلك ببساطة لأن الأمريكيين لم يقتنعوا بها. لكن هنالك أيضًا أدلة على وجود رغبة قوية في زعامة الرجل القوي في الولايات المتحدة. أوضحَ استطلاعٌ أجراه مركز «بيو» للأبحاث في وقت مبكر من هذا العام أن 32% من الأمريكيين يعتقدون أن من الجيّد وجود زعيم قوي يستطيع أن يحكم دون قيود من المحاكم أو الجهاز التشريعي. ووجد استطلاع آخر في العام الماضي أن 38% من الأمريكيين و48% من الجمهوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة تحتاج إلى قائد على استعداد «لتحطيم بعض القواعد إذا كان ذلك هو السبيل لوضع الأمور في نصابها». الحدس السياسي الذي أوحى لترامب بأن أمريكيين عديدين ربما يريدون زعيما قويا شجعه أيضا على التخلي عن عقود من المواقف الأرثوذكسية الجمهورية والريجانية (المواقف الصحيحة والمستقيمة في نظر الجمهوريين وإدارة ريجان- المترجم) تجاه سلسلة من القضايا التي تمتد من حرية التجارة وإلى الدفاع عن الديمقراطية حول العالم. حتى مجيء ترامب إلى المشهد السياسي كان الاعتقاد السائد أن الحمائية عبء انتخابي ويدافع عنها فقط الفاشلون والخارجون عن المألوف من أمثال بات بوكانان. ترامب الذي يقول: إن الكلمة التي يفضلها هي الرسم (الجمركي) أثبت عمليًا أن الأمريكيين على استعداد للقبول بالسياسات الحمائية (السياسات الحمائية هي التي تضع قيودا على التجارة مع العالم الخارجي من أجل حماية الصناعات المحلية - المترجم). والدليل على نجاحه في قلب عقود من الأرثوذكسية هو أن إدارة بايدن لم تلغ الرسوم التي فرضها ترامب إبان رئاسته.كما قطع ترامب مع المحافظين الجدد الذين قدسوا ذكرى رونالد ريجان وناصروا تعزيز الديمقراطية حول العالم. وبعد عقود من الحرب في أفغانستان والعراق ثبت أن هذا أيضا كان قرارا سياسيا حصيفا. فقد كشفت الأبحاث الأكاديمية أن أجزاء الولايات المتحدة التي كانت أعداد الخسائر العسكرية فيها أعلى من المتوسط بدا من المرجَّح وبقدر مؤثر أن تؤيد ترامب. خلال سنوات إدارة بوش كانت الفكرة السائدة أن الجمهوريين سيخسرون أصوات الناخبين الأمريكيين من أصول إسبانية إذا بدا أنهم يبالغون في عدائهم للهجرة. لكن ترامب أثبت أن ذلك غير صحيح. الأيديولوجية التي يعتنقها ترامب هي في بعض الجوانب «ريجانية معكوسة»، ففي حين دافع ريجان عن حرية التجارة ومواجهة الاتحاد السوفييتي يقف ترامب إلى جانب الحمائية والتعامل الإيجابي مع روسيا بوتين. وتفاؤل ريجان المشرق إزاء الولايات المتحدة يتباين مع تشاؤم ترامب القاتم بتدهورها. وفي حين كان ريجان لبقًا ولطيفًا إلا أن ترامب جلف ومثير للمخاوف (بأقواله وأفعاله). إحدى السياسات الريجانية التي يدافع عنها ترامب ويروّج لها باستمرار هي الالتزام بخفض الضرائب ورفع القيود الحكومية على النشاط الاقتصادي. وربما ليس صدفة أن ذلك هو عنصر «الريجانية» الذي يحظى بأعظم تقدير من كبار القوم في قطاعي المال والتقنية والذين يموّلون الحملات السياسية. منذ أول إعلان له بالترشح للرئاسة في عام 2015 تحدى ترامب أعراف السلوك السياسي بطرائق قادت إلى الكثير من التنبؤات الخاطئة بأن حياته السياسية مصيرها الفشل. لقد استهزأ برفاقه الجمهوريين وتنمّر عليهم وسخر من ذوي الاحتياجات الخاصة وأطلق تعليقات بذيئة عن النساء وحاول إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية (في عام 2020). لكن أيا من ذلك لم يكن كافيًا للقضاء عليه. بل في الحقيقة تعليقاته المنتهكة للتابوهات (المحرمات) ربما كانت في صالحه. خلال السنوات الثماني الماضية استولى ترامب على الحزب الجمهوري وحوله إلى أداته الشخصية. وأولئك الجمهوريون الذين لم يكن بمقدورهم هضم سياساته أو أسلوبه من أمثال ميت رومني وبول رايان وليز شيني إما تركوا السياسة أو جرى تهميشهم. والجمهوريون الآخرون الذين سبق لهم أن عارضوه اعتذروا له. فجيمس ديفيد فانس نائب الرئيس المنتخب سبق له أن كتب على تويتر تغريدة جاء فيها «رفاقنا المسيحيين. الناسُ يراقبوننا (ويحكمون على صدقيتنا في التمسك بقيمنا المسيحية) عندما نلتمس العذر (لأفعال وأقوال) هذا الرجل». واختتمها بقوله «فليعيننا الرب». فانس اعتذر لاحقا. ليس لأحد آخر ولكن لترامب. سيُعتبر فوز ترامب على كامالا هاريس دليلا على أن أجندة ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) تبنتها الولايات المتحدة بأجمعها وليس فقط الحزب الجمهوري. ومن المرجح أن يطالب أتباعه بالإسراع في تنفيذ اللائحة الكاملة لسياسات «ماغا» سواء كان ذلك الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين أو خفض الضرائب أو تطهير «الدولة العميقة». وفي حين لا يمكن إنكار نجاح ترامب السياسي سيكون من الخطأ المبالغة في تفسير التفويض الذي حصل عليه. فهنالك حاليا مزاج قوى معادٍ للحكومات القائمة في أرجاء الغرب مع عدم رضا الناخبين عن تعاملها مع التضخم والهجرة والتغير الثقافي. ذلك المزاج المعادي للقادة الحاليين شهد إقصاء حزب المحافظين من السلطة في بريطانيا وخسارة إيمانويل ماكرون أغلبيته في فرنسا والآن انهيار الحكومة الألمانية. أيضًا الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة هي الثالثة التي يخسرها الحزب الحاكم. وضع الناخبون الأمريكيون الساخطون الآن ثقتهم في زعيم يعتبر نفسه قويا. وخلال الأعوام الأربعة القادمة سيكتشفون ما إذا كانت عودة ترامب استجابة لصلاتهم أم أنها حلم مفزع في منامهم ويقظتهم. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الحرب بين الولايات المتحدة والصين تتجه نحو التوسع
الولايات المتحدة – تمتلك الولايات المتحدة بوضوح أحدث التقنيات المتعلقة بصناعة الرقائق في سياق “الحرب” الدائرة بين واشنطن وبكين، ولكن ربما تكتسب الصين ميزات قد تؤدي إلى توسعة نطاق الصراع.
ففيما أعاقت قيود التصدير الأمريكية تقدم الصين في مجال الرقائق المتقدمة، لجأت بكين بقوة إلى توسيع رقعة إنتاجها الرقائق. وهي ليست متطورة مثل رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا (Nvidia)، ولكنها ضرورية للسيارات والأجهزة المنزلية، وفق تقرير نشرته “وول ستريت جورنال”. وقد تسبب انقطاع إمدادات هذه الرقائق في حدوث فوضى في سوق السيارات في أثناء الوباء الكوفيدي.
أنفقت الصين 41 مليار دولار على معدات تصنيع الرقائق في عام 2024، أي بزيادة قدرها 29% على أساس سنوي، وفقا لبنك “مورغان ستانلي”، ويمثل هذا ما يقرب من 40% من الإجمالي العالمي، ويقارن بمبلغ 24 مليار دولار المنفق في عام 2021.
وكان جزء من هذا الضخ محاولة من الشركات الصينية لتخزين الأدوات اللازمة التي لا يزال بإمكانها الحصول عليها قبل تشديد القيود بشكل أكبر. لكن الكثير يأتي أيضاً من شركات صينية مثل شركة Semiconductor Manufacturing International، أو SMIC، وHua Hong Semiconductor لصناعة الرقائق القديمة.
ومن جانبها، أنفقت SMIC، أكبرُ مسبك للرقائق في الصين 7.5 مليار دولار على الاستثمار الرأسمالي في عام 2023، مقارنة بحوالي 2 مليار دولار قبل عام من الوباء.
وتعكس الاستراتيجيةَ الشاملة أصداءُ النجاحات الصينية المماثلة في قطاعات مثل الألواح الشمسية التي تتمتع بالدعم الحكومي الهائل، والتسعير، والرغبة في لعب اللعبة الطويلة التي قد لا يرغب اللاعبون الآخرون في القيام بها.
لكن هذه الصناعة لم تصل إلى مستوى الهيمنة على السوق، على الرغم من أن الشركات الصينية تحقق بالتأكيد تقدما. فقد زادت المسابك الصينية حصتها في السوق العالمية في العُقَد الناضجة من 14% في عام 2017 إلى 18% في عام 2023، وفقا لـ “برنشتاين”.
وقد ساعد العملاء الصينيون في هذا على وجه الخصوص، حيث حصلوا على 53% من إمداداتهم من الرقائق الناضجة من المسابك الصينية في عام 2023، وذلك ارتفاعا من 48% في عام 2017. ومن شأن التوترات الجغراسياسية المتزايدة أن تدفع العملاء الصينيين إلى البحث عن مورّدين في الداخل الصيني.
لم تجتح الرقائق الصينية القديمة الطراز العالم بعد، لكن هناك خطر واضح، خاصة بالنسبة للاعبين الأمريكيين، بما في ذلك شركة Texas Instruments وGlobal Foundries، المنافسة في صناعة هذا النوع من الرقائق. وهذا بدوره يمكن أن يشكل صداعا لواشنطن وهدفها المتمثل في الحفاظ على المرونة في سلسلة توريد الرقائق.
قد لا يكون من العملي تمديد القيود لتشمل الرقائق ذات الجودة المنخفضة، لكن الشركات المنتجة لهذه الرقائق قد تحتاج إلى مساعدة الدولة للتنافس مع الصين.
وقد وصفت الولايات المتحدة استراتيجيتها بشأن الضوابط التقنية بأنها نهج يشبه “ساحة صغيرة ذات سياج عال” مع فرض قيود صارمة على عدد محدود من التقنيات المتقدمة، لكن الحَد من حِدة الصراع بهذه الطريقة قد لا يكون بهذه السهولة.
في حرب الرقائق العالمية، كما هو الحال في أي صراع، تميل محاور النزاعات إلى التوسع، ومحاور الاشتباكات ستكون متعددة بين الولايات المتحدة والصين.
المصدر: CNBC