تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 السفير الفنان: لدي عشقان الفن والدبلوماسية

 _ «الأوريجامي» فن يحتاج إلى صبر ودقة لتنفيذه

 _  الفنان البصري فيلسوف مهموم بمشاكل المجتمع

_  الذكاء الاصطناعي وسيلة يجب على المبدعين استغلالها

جاب دول العالم من خلال وظيفته الدبلوماسية، ورغم ذلك لم ينس لحظة شغفه القديم بالفن، الذى نما بداخله منذ نعومة أظفاره، ولكن القدر كان له رأى آخر، فالتحق بالعمل بوزارة الخارجية المصرية، فأصبح لديه عشقان الفن والدبلومسية، هكذا قال الفنان السفير يسرى القويضى، «البوابة نيوز» اقتحمت عالمه الإبداعى لتكشف كواليس رحلته الاستثنائية.

 

قال السفير الفنان يسرى القويضى لـ«البوابة نيوز»، إن الحياة أصبحت مليئة بالقتامة والتشاؤم نظرا لحصار المشاكل الاقتصادية، والسياسية، فكان لابد أن ننتبه الى ذلك ونعمل على تغيير كل شىء، وندعو للتفاؤل لذلك اختار هذا الاسم لمعرضه الأخير، وهو «دعوة للتفاؤل»، الذى افتتح بجاليري آرت كورنر، نهاية أكتوبر الماضى، واستمر حتي السبت ٩ نوفمبرالجارى، حيث افتتحه الفنان محمد عبلة وباقة من المبدعين والمثقفين. 

وعن سبب اختياره اللون الأبيض فى لوحاته، أكد أنه اختاره لأنه لون مشرق ومضىء وبه صفاء وتفاؤل، موضحًا أن معرضه يتضمن ٣١ لوحة استغرقت حوالى ٣ أشهر لإعدادها، بطريقة فن «الأوريجامى»، حيث يحتاج ذلك الفن إلى صبر ودقة فى تنفيذه.

وكشف «القويضى» عن كواليس رحلته من الدبلوماسية إلى الفن وقال: أنا مصور وغاو الرسم والتصوير منذ الطفوله وهذه هواية وظلت تلازمنى طول العمر، والتحاقى بالعمل بوزارة الخارجية كان بسبب «أمى» التى أصرت أن أقوم بالتقديم فى الاختبارات ونجحت ومن ثم التحقت بالوزارة، وأصبح لدى غرامين غرام بالفن وغرام بالدبلوماسية.

وأشار السفير الفنان إلى أن الفن بالنسبة له تعبير بصرى، فالفنان البصرى مثل المفكر أو الفليسوف الذى يظل دائما مهمومًا بالمجتمع وهمومه، مضيفًا أن الفنان يستطيع أن يصيغ أى قضية، سواء كانت سياسية أو حتى الحروب ويعبر عنها، حتى الأشياء المجردة التى لا نستطيع أن نعبر عنها إلا بالرسم مثل الملل لا نستطيع التعبير عنه إلا بالفن البصرى وخاصة بالأساليب الحديثة، فالفن المفاهيمى هو التعبير عن الأفكار.

وبسؤاله عن أن كان قلقًا من غزو الذكاء الاصطناعى للفن التشكيلى، لفت «القويضى» إلى أن الفنان يجب أن يقوم باستغلال أى ابتكار جديد يطرأ، فعلى سبيل المثال لو كان التليفزيون والفيديو موجودون، أيام ليوناردو دافينشى كان لابد أن يستخدمهم ويستغلهم كوسائل مساعدة، ولابد من وجود تجارب لأنها تؤدى إلى وجود نتائج فى النهاية، مؤكدًا أن القواعد وضعت لكى نكسرها.

وقال «القويضى»: «قد تبدو اللوحات متشابهة، لكنها مختلفة، اعط لنفسك وقتا للوقوف أمام كل واحدة، تأملها بفكر متأن وخيال واسع خلاق، ستدرك ان المستقبل يحتاج صفاء القلب، والأذهان، لقهر الكآبة والقتامة التى تحوطنا».

وأضاف: «هذا عرض قيمته فى رمزيته، هدفه الدعوة للتفاؤل، فانتبهوا أصدقائى، العرض ربما يصدم البعض، فجميع لوحاته منفذة بأسلوب طي الورق (الأوريجامي) بيضاء المساحة بدون موضوع، الهدف منه الدعوة للإشراق والأمل والتفاؤل، لكسر التشاؤم والقتامة والكآبة التي تحوط حياتنا».

وتابع: «نحن في حاجة لقهر وهدم المحاولات المغرضة التي تريد النيل من معنويات المجتمع وكسر إرادة افراده، إن عرضي هو جرس إنذار للتنبيه، ودعوة للتفاؤل بالمستقبل بإذن الله».

وأردف أن فنان التعبير البصري المعاصر مهموم بمشكلات بلده، مثله مثل الكاتب والأديب يفصح عن فكره ورأيه لخدمة المجتمع، لكن بأسلوب رمزي بصري، وهذا ما سعيت اليه من خلال معرضي.

واستكمل: «يتوج هذا المعرض رحلتي الطويلة مع الفن، الرحلة التي بدأت منذ الطفولة في اربعينيات القرن العشرين، عندما اكتشفت أن ذاكرتي البصرية تفوق ذاكرتي السمعية، ومن وقتها سري التعبير بالرسوم في دمي، وأصبح الرسم أقرب وأسهل وأمتع وسائل الإفصاح عن مشاعري».

واستطرق: «في شبابي وعلي اعتاب الدراسة الجامعية، رغبت في دراسة العمارة، باعتبارها مهنة قريبة من عشقي للرسم والتصوير، لكن القدر خطط لي شيئا آخر، فقذف بي ناحية الدراسات الاقتصادية والتجارية، لم أعاند ورضيت بما قسمه القدر، أكملت دراستي الجامعية، وظللت أمارس التصوير هوايتي المفضلة، لم أتخل عنها، فالحياة بدون الفن لا معني لها».

وتابع: «كانت أعمال فناني مصر في الخمسينيات ذات طابع تشخيصي واقعي، بعضهم يلتزم بواقعية كلاسيكية، والبعض الآخر يصور الواقع بأسلوب انطباعي، فتأثرت بأعمالهم، وسرت علي نهجهم في البداية، لكن بالاطلاع والقراءة تعرفت علي اتجاهات مستحدثة سواء من ناحية الموضوعات أو من ناحية استخدام خامات جديدة بأساليب غير مألوفة، تنبهت أن للفن أبعادا أخرى بخلاف التشخيص والواقعية».

وأشار إلى أنه في عقد الستينيات عملت موظفا بوزارة الاقتصاد صباحا، ودارسا بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة مساء، وكنت في غاية السعادة، لكن القدر لعب معي مرة أخرى، سلط علىّ الحاح والدتي للتقدم لامتحان وزارة الخارجية لألتحق بالسلك الدبلوماسي، ففعلت دون اقتناع حتى لا أغضبها، نجحت، والتحقت بالسلك الدبلوماسي في عام ١٩٦٢، وتدرجت بوزارة الخارجية الي أن أصبحت سفيرا من الفئة الممتازة مساعدا لوزير الخارجية، وأنهيت عملي بها عام ٢٠٠٠.

واختتم: «أحببت عملي بوزارة الخارجية، قد أتاح لي فرصة السفر والإقامة بالخارج، فتعرفت على ثقافات مختلفة واتجاهات فنية متعددة، واتسع قلبي لحبيبتين (الفن والدبلوماسية) وظل الحال هكذا إلى أن انهيت خدمتي الحكومية وتحررت من قيود الوظيفة، فتركت العنان لشخصية الفنان بداخلي لتندفع بحماس تعوض ما فاتها بعد أن كانت أسيرة لربقة الوظيفة الرسمية».

خلال سنوات إقامتي بالخارج خبرت عن قرب تطورات حركة الفنون البصرية، في انطلاقها من الواقعية، والابتعاد التدريجي عن تقليد ومحاكاة الواقع الي تحليل عناصر الأشياء وتفكيكها، ثم إعادة صياغة تركيبها، وتابعت محاولات الفنانين تلخيص واختصار مكونات العمل الفني، وكيف أطلقوا انفعالاتهم لتنبثق التجريدية التعبيرية، أو إعمالهم للعقل فأوجدوا التجريد الهندسي، لقد اختلفت المدارس الفنية وتعددت تفريعاتها لكنها كلها لم تخرج عن نطاق الأشكال التقليدية «لوحة، وتمثال». 

إلى أن قفزت الأعمال الفنية من داخل القاعات إلى خارجها، وظهرت أعمال فنية تُعَبرُ عن الأفكار والمفاهيم، وأخذت الفنون المفاهيمية مكانها في حركة الفنون البصرية وعززت وجودها بالمستحدثات الرقمية والإلكترونية، لقد تطور النشاط الفني البصري لأشكال متعددة.

وأكسبني وجودي بالخارج لأكثر من ربع قرن خبرات جديدة وواسعة، ساعدتني في تفهم الأسباب والعوامل والفلسفات التي أوصلت تطور حركة الفنون البصرية إلى ما هي عليه في وقتنا المعاصر.

وأصبحت مقتنعا، وأنا في ختام رحلتي مع الفن، أن الفنان المعاصر صار مثله مثل الكاتب الأديب، أو الفيلسوف المفكر، لكنه يُعَبرُ بصريا «مستعينا بكافة الوسائط تقليدية أو غير تقليدية» عما يدور في أعماق نفسه من شجون، وما يدور في ذهنه من آراء وأفكار. ولم يعد دور الفنان المبدع المعاصر امتدادًا لما ورثه، وتعود عليه من أفكار وأساليب، لقد أصبح مفكرًا، لا يعرض الموضوعات والمشاكل فقط، وإنما يطرح أيضا وسائل التعامل معها لتجنبها أو لكيفية التغلب عليها.

دفتر زيارات معرض «دعوة للتفاؤل»

قال الفنان عمار شيحه: الإنسان الجميل والفنان المبدع والصديق العزيز.. مبروك معرضك الجميل.. مبروك الإبداع فى المرحلة الإبداعية الجميلة، دمت مبدعًا.

وقال الفنان أيمن لطفى: أشكر معاليك على الطاقة الرائعة من هذا المعرض الذى يحمل معاني كثيرة وكم تمنيت أن أبقى  طول اليوم وسط هذا الجمال الروحانى الفكرى.

بدورها قالت الفنانة إيمان أسامة: الفنان والإنسان القدير.. كل الحب والتقدير لمشوارك وبصمتك الفنية الثرية فى الفن والفكر المصرى شكرًا على المعرض.

أما الفنان الدكتور خالد سرور فقال:  ألف مبروك سيادة السفير.. معرض مفعم بالمشاعر والإحساس المرهف.. عرض ينم عن نقاء النفس وتوهج للأحاسيس.

وقال الفنان رضا خليل: معرض مختلف ويجعل المتلقى يفكر كثيرًا وهذا التنوع الفكرى هو سحر الفن.

 

من ناحيته قال الفنان الدكتور أحمد رفعت: من قال إن الأبيض "لا لون"؟؟ إنه اللون داخل خبراتنا.. إنه اللون داخل العين التى ترى كل جميل.. إنه لون الفنان الناقد يسرى بك قلمك الناقد الحر رؤيتك التشكيلية البديعة وجهان لعملة واحدة.. عمله أصيلة .. نبتت من تراب مصر النابضة بالحياة.

وقال الفنان سمير فؤاد ابراهيم: فى رحاب عالم الصديق العزيز السفير الفنان يسرى القويضى والذى كان دائما يبحث عن الجديد خارج المألوف واختار العزف بخامة الورق الأبيض مستخدما تقنية الأوريجامى ليخرج أعمالا حداثية تدعونا لنتأمل ما وراء العلاقات المبتكرة التى تكونها مكعبات رصت كالمصفوفات الرياضية .. تحياتى وتمنياتى بمزيد من الإبحار فى محيط الفن الواسع.

وعبر الدكتور رضا عبد السلام عن سعادته قائلا: وقد حدثنى تليفونيا حول رغبته لإقامة هذا المعرض بسبب الظروف الحياتية الحالية القاسية التى تمر بها مصر.. "تلك التى تحوطها كل أنواع المشاكل التى يغلفها  التشاؤم، والقتامة، والسواد، والشائعات المغرضة المؤرقة، ويستخدم اللون الأبيض في الفن الحديث كوسيلة للتعبير عن النقاء، والروحانية، والصمت المطبق؛ أى الموت، مثلما نقيضه الأسود رمز الصمت الداخلى، والخوف والحزن، وكذا استخدامه الوظيفى الشائع، كالبلاطات القيشانى البيضاء التى كانت تكسوه حوائط الحجرات بالمستشفيات بغرض خلق راحة نفسية للمرضى.. ولا يفوتنا هنا القول إن اللون الأبيض يمكن أن يضفي طابعاً فنياً عصريًا وأنيقًا على التصميم الداخلي والديكور.. ويعتبر استخدام الأبيض أسلوبًا شائعًا لإضفاء طابع مشرق وأنيق على المساحات الداخلية وهكذا.

 

 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: السفير الفنان الاوريجامي مشاكل المجتمع الذكاء الاصطناعي السفير يسري القويضي دعوة للتفاؤل فن تشكيلي بوزارة الخارجیة السفیر الفنان قال الفنان أن الفن إلى أن

إقرأ أيضاً:

المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

موضوعات عدة، ما بين الظروف السياسية والشئون الخارجية وما يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، وشبح الحروب المخيمة على المنطقة، وأثر دخولنا لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، والعقبات والمشاكل التى تعرقل تطلعات وطموحات العقل العربى الفعال، تحدث الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة السياسية إلى جريدة «البوابة نيوز»، محللًا الكثير من القضايا برؤية فلسفية متأنية.. وكان لا بد أن يتناول فى حديثه أبعاد الذكريات الرمضانية التى ترتبط بأيام الشهر الفضيل.

يُعد د. نصار عبدالله، نموذجًا فريدًا للمفكر الذي يجمع بين عمق التحليل الفلسفي وجمالية التعبير الأدبي. وتجلى هذا فى مسيرته الأكاديمية والشعرية، تناول فى مؤلفاته الفلسفية قضايا جوهرية تتقاطع مع الفلسفة السياسية، مثل: مسألة الحرب العادلة، وطبيعة العدل الاجتماعي، والعلاقة الجدلية بين القانون الوضعى والأخلاقي، بالإضافة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الفلسفة والأدب، من خلال هذه القضايا، كما حاول تفكيك المفاهيم التقليدية وإعادة بنائها فى ضوء رؤية فلسفية متكاملة. وفى الموازاة عبَّر عن رؤاه وتأملاته من خلال دواوين شعرية مثل "قلبى طفل ضال"، و"أحزان الأزمنة الأولى"، و"سألت وجهه الجميل"، و"ما زلت أقول"، وغيرها، ما يعكس قدرته على تجسيد الأفكار الفلسفية فى قالب أدبى مؤثر.

ولد "عبدالله" فى البداري بأسيوط، وشهدت مسيرته الأكاديمية مزيجًا فريدًا بين العلوم السياسية والفلسفية والقانونية. تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٦٦، فى فترة تاريخية اتسمت بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وصراعات تحيط بمصر من دول استعمارية كبرى، فى هذا السياق التاريخي، اتخذ "عبدالله" قرارًا جوهريًا بالتوجه نحو دراسة الفلسفة فى كلية الآداب، حيث تخرج فيها عام ١٩٧١. ومن ثمَّ وسع آفاقه المعرفية بدراسة الحقوق، قبل أن يعود إلى رحاب الفلسفة ليكمل دراسته العليا ويحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ويستقر أستاذًا للفلسفة السياسية فى كلية الآداب جامعة سوهاج، تعكس هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة رؤية فلسفية متكاملة، خاصة وأنه سعى إلى فهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر، وبين النظرية والتطبيق. فهو لم يكتفِ بدراسة العلوم السياسية فى سياقها التاريخي، كما حاول تعميق فهمه للواقع السياسى من خلال العدسات الفلسفية والقانونية.

نصار عبدالله: للصيام حكمة تتمثل فى تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليهالذكريات الرمضانية

حدثنا د. نصار حول بعض الذكريات الرمضانية، وخاصة بعض سلوكيات الأهالي قديمًا فى رمضان، أو سلوكيات الأطفال فى الشهر الكريم.. قائلًا: فى طفولتي كان الإفطار والسحور جماعيًا، العائلة الكبيرة تجتمع فى المندرة، وتخرج صوانى للمندرة من البيت وتحتشد حولها الجموع والمفطرين، وليس أصحاب الصينية فقط، وإنما دعوة عامة لكل عابر سبيل يتصادف وجوده، وهو منظر بهيج افتقدناه، منظر الصوانى وهى تخرج من البيت فى المغربية منظر بهيج وجميل.

ومن ذكريات الطفولة أيضًا: لحظة انتظار آذان المغرب ونحن أطفال، لم يكن هناك صوت مدفع، وننتظر صوت المؤذن، وساعتها تنطلق الأغانى الطفولية "افطر يا صايم على الكشك العايم". 

وأضاف أن للصوم حكمة يجب أن يشعر بها الإنسان، وهى فى رأيه "أن الحياة لا تقدم لك ما تريده وعليك أن تمتنع عما هو متاح لك حتى تتعرض لظرف به من الضيق والشدة رغمًا عنك، وعليك أن تعيش الضيق والشدة بقرار منك قبل أن تأتى لحظة ويُفرض عليك هذا الضيق وهذه الشدة".

نصار عبدالله: الحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفرادحروب عصر الذكاء الاصطناعى الفائق

تناول الحديث مع الدكتور نصار عبدالله التحديات الجديدة التى فرضها عصر التقنية وعصر الذكاء الاصطناعى الفائق، وبدوره رأى أنه "من الممكن أن نطلق عليها حروب من الجيل الخامس أو السادس، بمعنى أنها حروب جيل ما بعد الأجيال التقليدية للحروب، فهى تعتمد بشكل أساسى ورئيسى على التكنولوجيا المتقدمة جدا".

وبحسب "عبدالله" فإن النظرة للجيوش والأسلحة التقليدية سوف تتغير بالضرورة، و"لن يكون للأفراد نفس الدور الذى كان لهم فيما مضى، لأن دور الأعداد يتقلص لحساب مستوى التقدم العقلي، فالحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفراد، فأى كان عدد الأفراد من الممكن أن يطيح بهم سلاح يحركه فرد واحد، بدون مجهود".

رأى أستاذ الفلسفة السياسية أن تطور أدوات الحروب يصب فى دمار البشرية، قائلًا: "لو ألقينا نظرة على وسائل الحرب من بداية ظاهرة الحرب، سنلاحظ استخدام الحجارة والعصي، وقدرتها على الفتك محدودة جدًا، فمهما تكاثرت الأعداد كم من القتلى سوف يسقط؟ فالأسلحة تتمثل فى الحجارة المدببة وقدرتها على الفتك محدودة، لكن اختراع البارود والأعيرة النارية يُعد ثورة، لأن أعداد القتلى تزيد، وقدرتها على الفتك كبيرة جدًا. ومع ظهور القنبلة النووية، لم يكن أحد يتصور أن قنبلة واحدة تستطيع أن تقضى على ١٠٠ ألف إنسان، ومبانٍ ومنشآت مدينة بالكامل، وتعتبر قنبلة هيروشيما قزمة بالنسبة للأجيال المتطورة من الأسلحة النووية، وعند مقارنة الأسلحة النووية نجد الفارق يشبه الفارق بين السهم والمدفع، والنتيجة إن أسلحة التدمير أصبحت مروعة وباتت تهدد بفناء الإنسانية فناءً حقيقيًا.

أسلحة التدمير مروعة وتهدد بفناء الإنسانية.. وقوة الردع تعطل نشاط أسلحة الدمار نتيجة الخوف المتبادل بين الدولخطر فناء البشرية

وفى تنبيه عام، حذَّر المفكر الكبير من اتجاه البشرية للفناء الحقيقى نتيجة تطور أسلحة الدمار، وتوسع الدول فى امتلاكها دون تعقل أو مسئولية أخلاقية، وبسؤاله: هل هذا يؤكد وجهة نظر الفريق القائل بأن تطور وتقدم البشرية يؤكد أننا نتجه ناحية دمار وهلاك البشرية؟.
أجاب "عبدالله" بأن التطور يُلقى مسئولية أكثر على الدول التى تمتلك هذه الأسلحة، وتتوسع فى تطويرها، ويجعلها أكثر حذرًا من استخدامها للأسلحة التقليدية، هناك خوف متبادل من الردع المتبادل بين الدول.
وشرح المسألة بقوله: إن هذا الردع المتبادل لم يكن موجودًا زمن الأسلحة التقليدية.. الآن باتت الدول تمتلك أسلحة مخيفة ورادعة، ويجب أن تكون مسئولة وحذرة قبل استخدامها، لأن مفهوم الحرب تغير، ولن تكون النتيجة إيذاء فى مقابل إيذاء، بل ستكون هلاك وإزالة فى مقابل هلاك وإزالة، حاليًا فإن الغواصات النووية قادرة على إبادة دول العالم، عندما تتعرض دولها لضربة معينة ستقوم هى بضربة مضادة، وهذا يجعلها قوة رادعة، ويجعلها أسلحة موقوفة الاستخدام، نتيجة للخوف المتبادل.

نصار عبدالله: عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين موقف شجاع تنتصر فيه بلادنا.. لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلكردع إسرائيل وترسانة إيران

أكد "عبدالله" فى حديثه أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تحتاج لأن تبنى الدول العربية قوة ردع، لأن الردع هو الذى يحفظ السلام ويفرض الشروط، مشيدًا بالموقف المصرى الشجاع فى عرقلتها لخطط دولة الاحتلال الرامية لتهجير الفلسطينيين بمساعدة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال: يؤسفني أن أقول إن الفارق التكنولوجي بين الدول العربية وبين إسرائيل اتسع جدًا لدرجة أنه لا يوجد رادع حقيقى لأى طرف من الدول التى يعنيها الحق والعدل، ولو وجدت دولة تملك رادع حقيقي ضد إسرائيل لتغيرت المعادلة مع إسرائيل تمامًا.

وتساءل بدوره: ماذا لو كانت إيران مثلًا تمتلك سلاحًا نوويًا مثلما فعلتها باكستان فى غفلة من الزمن، حين باغتت العالم ذات يوم بتفجير نووي، ولم يكن العالم يتوقع أنها ستنجح فى ذلك، فماذا لو نجحت إيران فى ذلك؟ ربما تغيرت نقاط عدة فى المعادلة مع إسرائيل.

وهنا، عند الحديث عن تطور قدرات إيران النووية، كان سؤالنا: أليس امتلاك إيران لسلاح نووى يُعد تهديدًا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط؟. أجاب "عبدالله" بالإيجاب: بالطبع هى تهديد للمنطقة، ولكن أنظر لها بوصفها عدوًا لإسرائيل، والمعنى أنه من المفروض أن يكون هناك طرف يلزم إسرائيل بأن تستجيب للاتفاقيات والمطالب.

شجاعة الموقف المصري

وصف المفكر الكبير نصار عبدالله الموقف المصري بالشجاع والحكيم، قائلًا: لا أحد يشك فى الموقف المصري، والمصريون جميعًا من أعلى مستوى لأدنى مستوى يتألمون لما يحدث فى فلسطين، ويدركون عواقب ما يمكن أن يحدث لو أقدموا على المغامرة، لأنها ستكون خسارة كبيرة للفلسطينيين أنفسهم، لذلك أنا أثنى على الموقف المصرى وأراه حكيمًا جدًا، وأكثر البدائل حكمة فى ظل المعادلة الصعبة التى نعيشها الآن. وأكد أن عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين، هو موقف شجاع امتلكته مصر، وفيه تنتصر مصر، لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلك.

تطور الأمم مرهون بتقدمها فى مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقطضرورة الفلسفة فى عصر القوة

شدد نصار عبدالله على ضرورة الفلسفة فى عصر القوة، وعصر تطور الذكاء الاصطناعي، وأين يكمن دورها، مؤكدًا أنه من الخطأ الكبير تجاهل دور الفلسفة فى النهضة والتقدم. 

وبحسب حديثه، فإن الاهتمام العام فى التعليم ينطلق من مفهوم خطأ وهو قلة الاهتمام بالدراسات الإنسانية عمومًا، بما فيها الفلسفة، حتى كانت هناك دعوة لإلغاء أقسام الفلسفة، وترتب عليه انخفاض شديد فى عدد الدارسين لها، ولاحظ عدد الطلبة الذين يدرسون فى قسم الفلسفة ستجدهم قرابة ١٠ طلبة فى الدفعة، وهى ظاهرة على مستوى الجامعات، وهو شكل من أشكال الانبهار الأعمى بالنموذج الغربي، وتجاهل مخيف لإيجابيات النموذج، ومن الكارثة تصور أن العالم الغربى تطور بالتكنولوجيا فقط، وأغفل الدراسات الاجتماعية، هذا تصور خاطئ، فالدراسات الإنسانية لها دور أساسى جدا، والولايات المتحدة من الدول المتطورة تكنولوجيًا وبها العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى تضم عددًا من الأساتذة المتخصصين فى الفلسفة السياسية، يساهمون فى رسم خطوط السياسية الأمريكية، ويضعون بدائل القرار الممكنة أمام رئيس الدولة، أى أن صاحب القرار لا يمكنه أن يستغنى عن مراكز الدراسات الاستراتيجية.

ولفت "عبدالله" إلى أن هناك فرعين من فروع الفلسفة على الأقل، وثيقى الصلة بنبض الحياة، أولهما فلسفة العلم، ومناهج البحث العلمي، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه ضرورى لتطور العلم، وثانيهما علم الفلسفة السياسية، الذى يضع القيم والمحددات النهائية لأى دولة تسعى لتحقيقها، ويضعها أساتذة الفلسفة السياسية، وبهذا تظل الفلسفة تمارس دورها، وهذه الحقيقة غائبة عن واضع السياسية التعليمية وصانع القرار التعليمي، ويظن أن العالم يتقدم بالتكنولوجيا وبالتالى نلغى العلوم الإنسانية.

جزء ما من حياة الإنسان داخلي يريد أن يشبعه وجدانيًامعضلة الدين والفلسفة.. ما الحل؟

لا يرى د. نصار عبدالله أن ما يثار من مشاكل بشأن الفلسفة والدين هى أزمات معقدة، ويعتقد أنها حدثت فى الماضى لأنها أحيطت بملابسات تاريخية وسياسية أسهمت فى خلق المشكلة.

وفى رأيه، أنها معضلة تحل نفسها مع الزمن، وهى مشكلة لها جوانب سياسية، ومع التطور السياسى ومع ظهور قيادات سياسية لها رؤية شاملة تدرك أبعاد كل فروع المعرفة، سوف تستعيد الفلسفة دورها وهى جديرة به فى ضوء وظيفتها المعاصرة، بوصفها خادمًا للعلم والسياسة، فالتقدم السياسى العام يحل المشكلة بشكل تلقائي.

وقال: أعتقد أن مشكل الدين مع الفلسفة أو مع الإلحاد مثلًا كان مرهونًا بشروط وظروف تاريخية معينة، ومنها أن مكونًا ما حاول أن يكون صاحب السلطة السياسية العليا، وأعتقد أنه مع التقدم السياسى لم تعد هذه المناطحة من جانب المشتغلين بالدين واردة، وهل تعلم أن العالم به نحو ٥٠ أو ٦٠ ديانة مختلفة، ومن الممكن أن تسميها ديانات كبرى، وكل دين يؤمن بأنه الدين الصحيح، وتتفاوت الديانات فى أعداد تابعيها، ولا يمكن أن نقول أن ديانة تمتلك نصف مليون مؤمن هى أقل قيمة من ديانة يتبعها نحو أكثر من مليار إنسان مثل الديانة الهندوكية.

وأوضح أنه فى النهاية يظل جزء ما من حياة الإنسان داخلي، يريد أن يشبعه وجدانيًا، أيًا كان شكله أو بصمته فى الحياة، وأيًا كان نفوذه فى مجرى الأحداث اليومية، نسميه بالعقيدة، أيًا كانت هذه العقيدة.

نصار عبدالله: المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنيةاستعادة مشاريع قديمة أم انتاج جديد

بسؤاله حول أهمية الدعوات الخاصة بشأن استعادة المشاريع الفلسفية القديمة مثل مشروع ابن رشد التنويري، هل مثل هذه الدعوات مفيدة وفاعلة؟، أجاب قائلًا: فى ظنى لا شيء قابل للاستنساخ، المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنية، وتنمو كما ينمو الجسد بشكل مرحلي، خلية وراء خلية إلى أن يتكامل، إنما لا يكفى إعادة إنتاج مشروع فكرى ماضوي.

وقال "عبدالله": أظن أن الابتعاد عن الأسلوب العلمى فى التفكير سبب وجيه لتخلف العقل العربي، وإن غياب التفكير العلمى مؤسف حتى أنه وصل لفئة وظيفتها العلم والتعليم، فتجد إنسانًا يمارس العلم فى معمله بينما لا يترجم هذا لسلوك فى أرض الواقع، ومن المفروض أنه لا انفصام بين ما نؤمن به كعلم وبين ما نمارسه فى الواقع، وعلى الجيل المؤمن بالتفكير العلمى أن يغرس ذلك فى الجيل اللاحق.

الصفحة الأولىحوار المفكر الكبير د. نصار عبدالله

مقالات مشابهة

  • عبد المحسن سلامة لـ"البوابة نيوز": لأول مرة أعلنها.. زيادة البدل تساوي الزيادة في المعاش
  • ندوة بنقابة المهندسين تسعى إلى ربط بين العلوم الشرعية والذكاء الاصطناعي
  • وزير الأوقاف يكرِّم سامح حسين.. ويؤكد: الفن الواعي شريكنا في مسيرة التنوير
  • الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة يزور مؤسسة البوابة نيوز الإعلامية
  • الدكتور ماهر صافي في حواره لـ"البوابة نيوز": الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة هي الأنسب للمرحلة الحالية.. تصريحات نتنياهو بعودة القتال في القطاع مناورات للضغط على حماس
  • صبري فواز: الفن أصبح أسرع ولم أندم على أي عمل قدمته
  • ريهام حجاج: الذكاء الاصطناعي في الفن سيكون منظمًا بعقود وشركات عالمية| فيديو
  • ريهام حجاج: الذكاء الاصطناعي في الفن سيكون منظمًا بعقود وشركات عالمية
  • المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي
  • أستاذة مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق لـ "البوابة نيوز": الحضارة الإسلامية قدمت نموذجًا مبكرًا لاحترام التعددية الثقافية.. ورمضان فرصة للتقارب والتسامح