"الفندال".. غذاء ظفار وصمام أمان من المجاعة
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
عادل بن رمضان مستهيل
adel.ramadan@outlook.com
استضافت مكتبة دار الكتاب العامة بقاعة الأستاذ عبد القادر الغساني في صلالة الأسبوع الماضي ندوة ثقافية بعنوان "قراءة في كتاب ديوان شعر المقود: الموروث الشعري الزراعي في ظفار". نظمت الندوة بالتعاون بين المكتبة والجمعية العمانية للكتاب والأدباء - فرع محافظة ظفار، وقدمها الباحث حامد بن جمعان باوزير، بحضور لافت من المهتمين بدراسة التاريخ والموروث الشعبي.
سلطت الندوة الضوء على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظفار قبل عام 1970م، حيث كان الاعتماد الأساسي على الزراعة، ما ساهم في تحقيق اكتفاء ذاتي وأمان غذائي لأهالي المنطقة. وأبرزت النقاشات أهمية "الموروث الشعري الزراعي" الذي يوثق جانبًا مهمًا من تلك الحقبة.
الفندال (البطاطا الحلوة): سلاح ظفار في وجه المجاعة
تناولت الجلسة قصة الفندال- الاسم المحلي للبطاطا الحلوة- التي لعبت دورًا حيويًا في مقاومة المجاعة التي اجتاحت الخليج العربي خلال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). وسرد الدكتور سالم بن عقيل مقيبل كيف أصبح الفندال غذاءً رئيسيًا وملاذًا لسكان ظفار؛ حيث ساعدهم على الصمود في مواجهة نقص الإمدادات الغذائية.
مبادرة السلطان سعيد بن تيمور لتعزيز الأمن الغذائي
لأهمية الفندال الغذائية ودوره الحيوي، وجّه السلطان سعيد بن تيمور في آواخر ثلاثينيات القرن العشرين إلى استقدام صنف جديد يعرف بـ"الفندال الأحمر" من الهند، وطلب من الشيخ هاشل المسكري تزويده ببعض شتلات الموز من زنجبار لزراعتها في مزرعة المعمورة. وقد تميز هذا الفندال الأحمر الهندي بقصر فترة زراعته، التي لم تتجاوز ثلاثة أشهر، مما جعله حلًا سريعًا لمواجهة الأزمات الغذائية، فقد أسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في وقت كانت فيه المنطقة تعاني من شح الإمدادات الغذائية. استجاب مزارعو ظفار لهذه المبادرة وبدأوا بزراعة الفندال الأحمر، الذي أصبح جزءًا من النظام الغذائي اليومي للسكان.
الفندال: رمز للصمود والأمن الغذائي في الأزمات
الفندال أو الهندال أو البطاطا الحلوة ( البطاطا السكرية) أو القلقاس الهندي أو الدَّمْدَامة (الاسم العلمي: Ipomoea batatas) وهو نباتي من ذوات الفلقتين تحت الفصيلة المحمودية. وثمرتها كبير نشوية، حلوة المذاق وتؤكل أوراقها أحيانًا. يرجع أصلها إلى المناطق الاستوائية في أمريكا. تحتوي على ما يقرب من 50 جنسًا وأكثر من ألف نوع.
ويُعد الفندال جزءًا من التراث الزراعي في ظفار، فهو محصول مقاوم للظروف القاسية ويمكن زراعته في الأراضي الجافة، مما يجعله مثاليًا للبيئة المناخية في المنطقة. في فترة الحرب العالمية الثانية، ارتفعت أسعار الغذاء وتعثرت سلاسل التوريد، وأصبح الفندال المصدر الغذائي الأساسي الذي لبى احتياجات السكان، بفضل قيمته الغذائية العالية وقدرته على إمداد الجسم بالطاقة. ساهم هذا المحصول في شعور الناس بالشبع، وكان له دور حاسم في استقرار صحتهم ومقاومتهم للأزمات الغذائية.
ظفار: نموذج للتكافل والتعاون في الأزمات
أثبتت ظفار قدرتها على تجاوز المجاعة التي اجتاحت المنطقة خلال الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى توقف الملاحة البحرية في المحيط الهندي و بحر العرب ، وتوقف عمليات الاستيراد والتصدير في موانئ الخليج العربي بسبب الحرب العالمية الثانية، و بفضل الاعتماد على المحاصيل المحلية مثل الفندال، الذي أسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتماسك المجتمعي. وقد دفع توفر الفندال بعض السكان إلى الانتقال من المناطق الجبلية والبادية إلى المناطق القريبة من المزارع، حيث زادت زراعته وزيادة المحصول، وساهم في ضمان إمدادات غذائية مستمرة لجميع السكان.
وهذا التماسك الاجتماعي الذي ظهر في تلك الحقبة يعكس أهمية الأمن الغذائي في تحقيق الاستقرار المجتمعي، حيث لم تسجل أي حالات وفاة بسبب الجوع في ظفار خلال هذه الأزمة، بفضل التعاون والتكافل بين السكان. وقد سجل التاريخ تجربة ظفار كنموذج يحتذى به لمواجهة المجاعة وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
وفي الختام إننا لنشيد بالاهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بالأمن الغذائي في بلادنا، وذلك من خلال توجيهات جلالته السديدة نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي وتطوير القطاع الزراعي والموارد الطبيعية. ويأتي هذا الاهتمام السامي امتدادًا لحرص جلالته على دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق استدامة الموارد، بما يضمن استقرار المجتمع العماني وازدهاره، ومواكبة مُستهدفات رؤية "عُمان 2040" التي تسعى إلى بناء مستقبل غذائي آمن ومُستدام لعُمان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«الأغذية العالمي» يحذر من عرقلة الجهود الإنسانية في السودان
برنامج الأغذية العالمي، كشف أن أزمة السيولة في السودان أثرت على توزيعات البرنامج النقدية والعينية لأكثر من أربعة ملايين شخص.
التغيير: وكالات
حذر برنامج الأغذية العالمي من أن تصاعد القتال والعرقلة التعسفية للقوافل الإنسانية يعيقان حركة المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، فيما تحاول الوكالة الأممية توسيع مساعداتها لملايين الأشخاص في جميع أنحاء السودان.
وقال البرنامج في بيان الخميس- بحسب مركز أخبار الأمم المتحدة، إنه يهدف إلى مضاعفة عدد الأشخاص الذين يدعمهم في البلاد بمقدار 3 مرات ليصل إلى سبعة ملايين شخص، مضيفا أن أولويته القصوى هي تقديم المساعدة المنقذة للحياة للمواقع “التي تواجه المجاعة أو تتأرجح على شفاها”.
ومنذ إطلاق موجة واسعة النطاق من المساعدات الغذائية في أواخر عام 2024، تمكن البرنامج من الوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها، بما في ذلك مخيم زمزم في شمال دارفور وجنوب الخرطوم وجبيش في غرب كردفان.
كما وصل البرنامج هذا الشهر إلى ود مدني في ولاية الجزيرة بعد أن أصبحت المدينة آمنة بما يكفي لدخول الشاحنات. وقد تلقى أكثر من 2.5 مليون شخص شهريا مساعدات غذائية وتغذوية في الربع الأخير من عام 2024، بما في ذلك العديد منهم لأول مرة منذ بدء الصراع.
وفي هذا السياق، قال مدير مكتب السودان بالإنابة أليكس ماريانيلي: “حققنا اختراقات كبيرة في توصيل المساعدات إلى المناطق التي صعب الوصول إليها في الأشهر الثلاثة الماضية، لكن لا يمكن أن تكون هذه أحداثا لمرة واحدة. نحن بحاجة ماسة إلى الحصول على تدفق مستمر من المساعدات للأسر في أكثر المناطق تضررا، والتي كانت أيضا الأكثر صعوبة في الوصول إليها”.
وأشار البرنامج إلى أن قافلة مكونة من 40 شاحنة تقريباً متجهة إلى مناطق تعاني بالفعل أو معرضة لخطر المجاعة في دارفور استغرقت وقتا أطول بثلاث مرات للوصول إلى وجهتها بسبب تدخلات قوات الدعم السريع- التي احتجزت القافلة لأسابيع مرتين ووضعت متطلبات الحصول على الموافقات والتفتيشات الجديدة ومطالب إضافية.
كما أن أزمة السيولة في السودان أثرت على توزيعات البرنامج النقدية والعينية لأكثر من أربعة ملايين شخص، حيث تأخرت لأكثر من شهر بسبب نقص الأوراق النقدية الكافية لدفع أجور الحمالين لتحميل الشاحنات. وقد أدت الجهود الأخيرة التي بذلها البنك المركزي السوداني ووزارة المالية لتخفيف الأزمة وزيادة توافر النقد إلى استئناف عمليات البرنامج تدريجيا.
ودعا برنامج الأغذية العالمي جميع الأطراف على الأرض في السودان إلى إزالة جميع الحواجز والعقبات غير الضرورية التي تمنع الاستجابة الإنسانية الكاملة لأزمة الجوع المتزايدة في السودان. وشدد على ضرورة احترام حياد واستقلال العاملين في مجال الإغاثة والعمل الإنساني، وضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها والتي ضربتها المجاعة.
جدير بالذكر أن السودان يواجه وضعا إنسانيا كارثيا حيث يواجه حوالي 24.6 مليون شخص- ما يقرب من نصف سكان البلاد- انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وهناك 27 منطقة في مختلف أنحاء السودان تعاني من المجاعة أو معرضة لخطر المجاعة، في حين يعاني أكثر من ثلث الأطفال في المناطق الأكثر تضررا من سوء التغذية الحاد، وهو ما يفوق بكثير عتبة إعلان المجاعة.
الوسومالدعم السريع السودان انعدام الأمن الغذائي برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة دارفور مدني ولاية الجزيرة