البودكاست.. صوت الإعلام الجديد
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
لفت انتباهي عنوان نشرة بريدية من إذاعة ثمانية عنونته «كيف أطاح البودكاست بالصحافة التقليدية» ونظرا لبعض الخبرات البسيطة فـي تمييز العناوين البراقة عن غيرها من العناوين التقليدية أو ما يطلق عليه بلغة اليوم «المقدمة الهوك» والتي هي المقدمات التي تهدف إلى جذب انتباه القارئ من اللحظة الأولى وحثه على مواصلة القراءة، فإنني توقفت مليًّا مع استخدام كلمة إطاحة عند المقارنة بين البودكاست والصحافة التقليدية.
قد تكون الإذاعة هي من يمكن مقارنته بالبودكاست وليست الصحافة التقليدية، هذا إذا ما سلمنا جدلا ببقاء وسائل الإعلام التقليدية على حالها من دون تأثرها بمختلف أشكال الإعلام الجديد وإلا فإن الوضع يبدو أقرب إلى تداخل كل الأجناس الإعلامية لإنتاج شكل جديد من أشكال الإعلام يمزج بين التقليدي والحديث، فلم تعد الإذاعة على سبيل المثال مجرد ناقل للصوت وأثيرا يبث فـي الهواء وإنما تطورت تقنياتها لتصبح أساسها المايكرفون ودعاماتها قنوات على منصات التواصل الاجتماعي، مع بودكاست مسموع، وموقع إلكتروني تفاعلي، وهذا ما ينطبق على الصحافة والتلفزيون اللذين طورا من تقنياتهما الإعلامية الحديثة وربما بات بعض من قنواتهما الاجتماعية أكثر شهرة ورواجا من قناتهما التقليدية التي انحسرت عنها موجات المد الحديثة. عموما، ليس هذا محور الحديث وإنما هو ما يمكن اعتباره مقدمة للعنوان الجذاب الذي اتهم البودكاست بالإجهاز على الصحافة التقليدية، وهذا ما يمكن الاتفاق معه إلى حد كبير خصوصا مع التسليم بأن أعداد المستمعين إلى منصات البودكاست فـي العالم اليوم يزيد عددهم عن مستمعي الإذاعات التقليدية حيث تشير الأرقام إلى أن عدد مستمعي البودكاست عالميا يصل إلى 700 مليون مستمع بعد أن كان الرقم لا يتجاوز الـ500 مليون قبل عامين وهذا ما يمكن أن يعزى إلى تطور تطبيقات الإنتاج والاستماع وصناعة المحتوى فـي برامج البودكاست والتي اجتذبت إليها الكثير من المستمعين لسهولة الوصول والاستماع إليها فـي كل وقت وحين ومن كل أجهزة الاتصال الحديثة، فكسرت بذلك قاعدة الوقت والزمان والمكان. البودكاست أو ما يترجم بالتدوين الصوتي يعد وسيلة إعلامية جديدة ظهرت قبل 20 عاما فقط بتدوينات من بعض الإعلاميين والهواة وساعد على سرعة انتشاره اللغة الشعبية السهلة المستخدمة والتي اختلفت بعض الشيء عن اللغة الإعلامية شبه الرسمية المستخدمة فـي وسائل الإعلام التقليدية عززها التنوع الكبير فـي المضمون والمحتوى الذي يناقش التفاصيل الدقيقة لمختلف مناحي الحياة من الكوميديا والطبخ والموسيقى والقراءة والفلسفة والعلوم والاقتصاد والسفر وغيرها الكثير من الموضوعات التي لم يكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تفرد لها مساحات واسعة لضيق الوقت أو المساحة المخصصة والوقت المحدد، وهذا ما عزز من الحضور الكبير للتدوينات الصوتية التي باتت تشكل نمطا من أنماط الحياة العصرية لكثير من الشباب وحتى كبار السن فبرامج البودكاست استطاعت مخاطبة كافة شرائح المجتمع نظرا لاهتماماتهم المتنوعة. تدهشني فـي كثير من الأحيان الأرقام الفلكية والخيالية فـي مشاهدات حلقات البودكاست سواء المسموعة أو المرئية وقد تكون هذه الأرقام ضربًا من الخيال فـي بعض الأحيان عندما تصل إلى 12 مليون مشاهدة لحلقة واحدة فقط من حلقات برنامج فنجان الذي تخطى عدد من حلقاته المشاهدات المليونية حتى إنها تجاوزت بعض الحلقات العالمية التي انتجت مع إيلون ماسك ودونالد ترامب، ولدينا هنا فـي سلطنة عمان بعض النماذج الناجحة فـي البودكسات مثل جلسة كرك التي وصلت مشاهدة بعض حلقاتها على اليوتيوب أكثر من 725 ألف مشاهدة وأيضا بودكاست مصعد وبودكاست قفـير وغيرها من برامج التدوين الصوتي التي تحقق مشاهدات واستماعات عالية والتي يمكن الاهتمام بها ودعم أصحابها لتعظيم الفائدة من البودكاست العماني. مما قاله أحد المهتمين بالمقارنات الإعلامية: السبب الرئيس وراء نجاح البودكاست وبرامج الإعلام الجديد هو غياب هيمنة السلطات عليها وعدم خضوعها لرقابة أو تمويل أو إشراف من أي جهة رسمية أو شبه رسمية وهذا هو سبب الطفرة الحقيقية فـي ارتفاع نسب المشاهدة والاستماع والقراءة، ولكن وكما أوضح ذلك المهتم بالمقارنات الإعلامية من أن الوضع لن يدوم طويلا خصوصا عندما تبدأ المؤسسات الرسمية الحكومية والشعبية بدس أنفها والتحكم فـي عمل تلك الوسائل وأيضا امتلاك البعض منها أو تمويلها فإن بريق وشهرة الكثير منها سوف يخفت على مر السنوات وسيظهر شكل جديد من أشكال الإعلام الذي يحاول الهروب من سيطرة المال والسلطة عليه. حتى يحين ذلك اليوم فإن البوصلة لا تزال تشير إلى تقدم الإعلام الحديث وإن حاولت بعض مؤسسات الإعلام التقليدي اللحاق بالركب إلا أن ذلك يثبت أن دخول وسيلة إعلامية جديدة على الساحة لا يلغي الوسائل السابقة لها بل هي خيارات جديدة وعديدة تصب فـي مصلحة الجمهور الباحث عن المحتوى والمضمون عبر القنوات متعددة الأشكال والألوان. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وهذا ما
إقرأ أيضاً:
تحقيق: هجوم 7 أكتوبر كان مدمرا ولا يمكن ضمان عدم تكراره
تناول 3 من أبرز المحللين والمراسلين العسكريين الإسرائيليين نتائج التحقيقات في أهم فشل لقوات الاحتلال في التصدي لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأظهرت تقييمات المحللين العسكريين أن إخفاق القوات الإسرائيلية في التصدي للهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على كيبوتس نير عوز، كان الفشل الأهم للجيش الإسرائيلي في المعركة التي تمكن المقاومون خلالها من قتل وأسر نحو ربع سكان الكيبوتس قبل أن يتدخل الجيش الإسرائيلي.
يقع كيبوتس نير عوز في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، ويعتبر معزولا مقارنة بالمستوطنات الأخرى. وفي صباح الهجوم، كان هناك 387 إسرائيليا وأجنبيا عاملا في الكيبوتس، حيث اعترف الاحتلال بمقتل 46 عسكريا ومستوطنا، فيما تم أسر 76 آخرين، حيث لا يزال 14 منهم في قبضة المقاومة، 5 منهم فقط على قيد الحياة، حسب التقديرات الإسرائيلية.
وحسب التحقيقات، فقد مرت 40 دقيقة من اللحظة التي غادر فيها آخر مقاوم للكيبوتس وحتى دخول بعض قوات الأمن الإسرائيلية إلى الكيبوتس.
وحسب التحقيقات أيضا، لم يكن الجيش الإسرائيلي هو أول من دخل، بل مجموعة من المقاتلين من وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود، بسبب مكالمة من الخط الساخن للشرطة، وأنه لمدة 7 ساعات، لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي أي فكرة عما يجري في الكيبوتس.
إعلان
انهيار القيادة العسكرية
ووصف المحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل، التحقيق، الذي أجراه اللواء إران نيف، رئيس فريق التحقيق العسكري في هجوم نير عوز، بأنه "سلط الضوء على انهيار سلسلة القيادة العسكرية وغياب الرد الفعّال من قِبل الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم".
ونقل عن استنتاجات نيف في سلسلة من المنتديات المتعلقة بالكيبوتس، أنه شعر بغضب مكبوت أثناء تقديم النتائج، حيث أشار إلى أن "الهجوم على الكيبوتس كان مدمرا لدرجة أن كل المنازل تقريبا تعرضت للقصف، باستثناء 6 فقط".
وسلّط المحلل العسكري الضوء على نقطة وردت في التحقيق، وتتعلق بعدم وصول جنود من نقطة نيريم العسكرية التي تبعد 3 كيلومترات من الكيبوتس في الوقت المناسب إلى نير عوز، ليتبين أن السبب في ذلك كان أن هذه النقطة تعرضت لهجوم مبكر من قِبل قوة كبيرة من حماس، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من الضباط وحصار القوة المتبقية في غرفة الطعام والملاجئ، وأشار التحقيق إلى أن حوالي نصف المقاتلين في النقطة أصيبوا، وقُتل 5 منهم.
ويؤكد المحلل العسكري أن التحقيق توصل إلى أن "مقتل وإصابة معظم كبار القادة في اللواء الجنوبي لفرقة غزة، بالإضافة إلى كثافة الهجوم على القطاع بأكمله، أدى إلى انهيار هيكل القيادة والسيطرة في نير عوز ومحيطها. ولم تتمكن هيئة الأركان العامة ولا القيادة الجنوبية من تكوين صورة واضحة عن مجريات القتال، مما أدى إلى تأخر اتخاذ القرارات الفعّالة، ولم يتم إرسال قوات كافية لمساعدة الكيبوتس إلا بعد 7 ساعات من بدء الهجوم".
وتشير الصحيفة إلى تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي المنتهية ولايته والذي نقلت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت قوله، في تسجيلات له لسكان الكيبوتس نُشرت اليوم، "لا خيار أمامي سوى الإقرار بذكاء حماس وتمكنها من خداعنا، لقد استخدموا أعمال الفوضى والقضايا الإنسانية لإشغالنا وإيهامنا بالهدوء، في حين كانوا يجهزون للهجوم، وتمكنوا من تحقيق ذلك".
إعلانوأضاف هاليفي "في كل التدريبات التي أجريناها، وكل المناقشات التي أجريناها، لم نتخيل، ليس مثل هذا السيناريو، وليس 5 في المائة من هذا السيناريو، كشيء نعتقد أنه سيحدث".
أما المراسل العسكري لصحيفة معاريف آفي أشكنازي، فقد كانت له تقييمات قاسية، حيث قال "نتائج التحقيق في المعركة، التي لم تحدث أصلا في الكيبوتس، مشينة، وتظهر الجيش الإسرائيلي على أنه جيش ضعيف ومفكك. لا توجد كلمات أكثر ليونة لوصف الإذلال العسكري الذي وقع في كيبوتس نير عوز، حيث وصل الجندي الأول إلى الكيبوتس بعد 40 دقيقة تقريبا من مغادرة آخر مهاجم للكيبوتس".
ويضيف أن "جذر المشكلة هو الانضباط التشغيلي"، مشيرا في هذا السياق إلى هروب الجنود واحتمائهم بقاعات الطعام"، مشيرا إلى أن التحقيق يكشف عن إخفاقات كبيرة في التعامل مع الهجوم، ويطرح تساؤلات حول قدرة الجيش الإسرائيلي على حماية المدنيين في المستقبل.
ويتساءل في ختام المقال "في أي هجوم قادم، هل سيركض المقاتلون إلى الدفاع أم يهربون مع الجيب المدرع إلى سديروت؟ أم سيسعون جاهدين للانخراط من أجل الدفاع عن كيبوتس نير عوز ونحال عوز وكفر غزة ومستوطنات أخرى؟".
لا ضمانات مستقبليةمن جانبه، سلط المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرنوت يوآف زيتون على جانب أوسع من الفشل الإسرائيلي، من خلال الإشارة إلى أن التحقيقات التي أجريت حتى الآن تعاني من نقص في الشفافية، وعدم تعاون من جهات مثل الشرطة والإسعاف والشاباك، مشيرا إلى أنه تم إخفاء النقد الداخلي لبعض القادة في وحدات مثل جولاني و8200، مما أثار شكوكا حول مصداقية النتائج.
وينقل زيتون، عن ضابط إسرائيلي شارك في التحقيقات رفض الكشف عن اسمه، أنه "لا يمكن ضمان أن 7 أكتوبر/تشرين الأول لن يتكرر"، مؤكدا أن تحقيقا شاملا يشبه لجنة تحقيق حكومية هو فقط القادر على تقديم إجابات واضحة حول كيفية منع الهجمات المستقبلية.
إعلانوأضاف أن بعض المحققين استعانوا بمحامين قبل الإجابة على الأسئلة، مما أثار استياء القيادة العسكرية. كما تم انتقاد طريقة عرض النتائج للجمهور، حيث تم تجنب توجيه توصيات شخصية مثل الإقالات أو الإنذارات، مما أثار تساؤلات حول جدية التحقيقات.
ويُسلط المحلل الضوء على ما يقوله بعض القادة في فرقة غزة من أن الإخفاق الرئيسي كان في جانب الاستخبارات التي فشلت في تقديم إنذار مبكر. ويقول "الروايات المتناقضة من التحقيقات المختلفة تجعل من الصعب تحديد المسؤوليات بدقة".
ويختم المحلل العسكري تقريره بالإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ في تطبيق بعض الدروس المستفادة، بما في ذلك زيادة عدد القوات وتحسين حالات التأهب. ومع ذلك، فإنه يستمر في طرح السؤال الكبير: هل يمكن للجيش الإسرائيلي أن يمنع تكرار هجوم مماثل في المستقبل؟ ويجيب على ذلك بالقول "وفقا للتحقيقات، لا تزال الإجابة غير واضحة".