الهشاشة النفسية للإنسان المعاصر
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
د. خلود بنت أحمد بن عامر العبيدانية
ختمنا بتاريخ 10/11/2024م سلسلة من المحاضرات قدمها مركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية لبرنامج علمي يناقش قضية "الإنسان المعاصر بين الهشاشة والصلابة.... نحو مقارنة بينية" تتضمن المحاضرات عناوين متنوعة أبرزها وأعمقها مناقشة الهشاشة النفسية ومن هنا أحببت أن أشاركم بهذا المقال أوضح فيه "الهشاشة النفسية للإنسان المُعاصر بين الواقع والمأمول".
تشير الهشاشة النفسية إلى حالة من الضعف أو القابلية للتأثر بشكل كبير بالضغوط النفسية والعاطفية. يمكن أن تتجلى هذه الحالة في صعوبة التعامل مع التوتر، القلق، الاكتئاب، أو أي تحديات نفسية أخرى. الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة النفسية قد يجدون صعوبة في التكيف مع التغيرات أو الضغوط اليومية، مما يُؤثر على صحتهم النفسية والعاطفية بشكل عام.
الهشاشة النفسية للإنسان المعاصر أصبحت ظاهرة ملحوظة في مجتمعاتنا اليوم؛ حيث تتزايد الضغوط النفسية والاجتماعية بشكل غير مسبوق. من أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه الهشاشة هي التغيرات السريعة في نمط الحياة، والتكنولوجيا المتقدمة التي تفرض على الأفراد التكيف المستمر، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. وهذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى شعور الفرد بالعجز والقلق المستمر، مما يؤثر سلبًا على صحته النفسية. من أعراض الهشاشة النفسية: التهويل والمبالغة في تصور حجم المشاكل، الشعور باليأس والإحباط بسرعة، والانغماس في الأفكار والمشاعر السلبية. هذه الحالة تؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية، حيث يميل الشخص إلى الاعتماد المفرط على الآخرين بحثًا عن التوازن والدعم. يمكن تصنيف الهشاشة إلى عدة أنواع بناءً على الأسباب والعوامل المؤثرة، منها الهشاشة النفسية الأولية التي تحدث نتيجة لعوامل داخلية مثل التغيرات الهرمونية أو الوراثية، والهشاشة النفسية الثانوية التي تنتج عن عوامل خارجية مثل التعرض لصدمات نفسية أو ضغوط العمل. هناك أيضًا الهشاشة النفسية المرتبطة بالأمراض، والتي تظهر عند الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو خطيرة، مما يزيد من شعورهم بالضعف والقلق. بالإضافة إلى ذلك، توجد الهشاشة النفسية المؤقتة التي تكون نتيجة لظروف مؤقتة مثل فقدان وظيفة أو وفاة شخص عزيز، وغالبًا ما تزول بزوال السبب. كل نوع من هذه الأنواع يتطلب نهجًا مختلفًا في التعامل والعلاج، ومن المهم التعرف على النوع المحدد لتقديم الدعم المناسب.
للتعامل مع الهشاشة النفسية وتعزيز الصحة النفسية، يمكن اتباع عدة طرق فعالة. ممارسة الرياضة بانتظام تساعد في تقليل التوتر والقلق من خلال إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين، بينما يوفر التواصل الاجتماعي الدعم العاطفي ويقلل من الشعور بالعزلة. تقنيات التأمل والاسترخاء مثل اليوغا والتنفس العميق تهدئ العقل وتقلل التوتر، والنوم الجيد يعزز الصحة النفسية ويساعد في التعامل مع الضغوط اليومية. التحدث مع مختص نفسي يمكن أن يوفر الدعم المهني ويساعد في تطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع التحديات النفسية. بالإضافة إلى ذلك، تحديد الأهداف الواقعية يعزز الشعور بالإنجاز ويقلل من الإحباط، وممارسة الهوايات التي تستمتع بها يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتخفيف التوتر وتحسين المزاج.
في المستقبل، من المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة في التفاقم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جادة لمعالجتها. قد يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات الاكتئاب والقلق، وتأثيرات سلبية على الإنتاجية والعلاقات الاجتماعية. لذا، من الضروري تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية وتوفير الدعم اللازم للأفراد لمواجهة هذه التحديات.
المأمول في التعامل مع الهشاشة النفسية هو تحقيق مجتمع يتمتع أفراده بصحة نفسية قوية وقدرة على مواجهة التحديات بمرونة وثبات. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية وتوفير الدعم اللازم للأفراد عبر برامج توعية وتثقيفية. كما يمكن تحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية وتقديم الدعم المهني من خلال مستشارين ومعالجين نفسيين.
من المأمول أيضًا تطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية، مثل تعزيز مهارات التأقلم والتكيف، وتشجيع ممارسة الرياضة والنشاطات التي تعزز الصحة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز الروابط الاجتماعية وتوفير بيئة داعمة تشجع على التواصل المفتوح والصحي بين الأفراد.
في المستقبل، يمكن أن تسهم التكنولوجيا في تقديم حلول مبتكرة لدعم الصحة النفسية، مثل تطبيقات الهواتف الذكية التي توفر إرشادات وتمارين نفسية، أو منصات تواصل افتراضية تقدم الدعم النفسي عن بُعد. الهدف النهائي هو بناء مجتمع يتمتع أفراده بالقدرة على مواجهة التحديات النفسية بثقة ومرونة، مما يساهم في تحسين جودة الحياة بشكل عام.
في الختام، يمكن القول إن الهشاشة النفسية للإنسان المعاصر هي قضية معقدة تتطلب تضافر الجهود من جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الحكومات والمؤسسات والأفراد، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا وصحة نفسية أفضل للجميع.
** باحثة تربوية في مجال علم النفس والإرشاد، عضو المجلس الاستشاري الأسري العُماني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تفاصيل إطلاق مبادرة صحتك سعادة لدعم الصحة النفسية.. ما محاورها؟
كتب- أحمد جمعة:
أطلق الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، المبادرة الرئاسية لدعم الصحة النفسية "صحتك سعادة".
وأوضحت وزارة الصحة أن هذه المبادرة تأتي في إطار الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالصحة العامة للمواطنين وحرص الدولة المصرية على دعم الصحة النفسية، باعتبارها جزءًا أساسيًا في تحقيق التنمية الشاملة والاستقرار المجتمعي.
جاء ذلك خلال فعالية أقيمت في متحف قصر عابدين، بحضور الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، إلى جانب سفراء دول تركيا، فنزويلا، مالطا، الفلبين، فرنسا، النيجر، الولايات المتحدة الأمريكية، ورومانيا، ونخبة من المسؤولين في مجال الرعاية الصحية وممثلين عن الهيئات المعنية.
وذكر عبد الغفار أن المبادرة تضم عدة محاور أساسية تهدف إلى تلبية احتياجات فئات مختلفة من المواطنين، وتشمل الاكتشاف والتدخل المبكر لاضطراب طيف التوحد، لتمكين الأطفال وأسرهم من الحصول على التشخيص المبكر والرعاية اللازمة. وأوضح أن الوزارة تتعاون مع الولايات المتحدة لتحليل الرنين المغناطيسي للفحص والتشخيص المبكر للتوحد في مصر.
وتشمل المبادرة محاور أخرى، منها مكافحة وعلاج الإدمان بجميع أشكاله، بما في ذلك إدمان المواد المخدرة والألعاب الإلكترونية، وتقديم الدعم النفسي للمرأة الحامل، وللمرضى من أصحاب الأمراض المزمنة ومرضى الأورام وكبار السن. وتغطي المبادرة أيضًا الكشف عن الاكتئاب وسُبل علاجه.
وأضاف الوزير أن المبادرة توفر نظام إحالة للرعاية المتخصصة للحالات المتقدمة، وتطبق برامج التدخل المبكر لدعم الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد، مع المتابعة المستمرة للحالات لضمان استمرارية الرعاية وتحسين جودة الحياة.
وأشار إلى أن وزارة الصحة والسكان اتخذت خطوات عملية، حيث تم تدريب 22 مركزًا صحيًا في محافظة القاهرة على محاور هذه المبادرة ضمن المرحلة الأولى، وسيتم الانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تتضمن تدريبًا متخصصًا حول الإحالة إلى الرعاية المتقدمة، وفق برنامج تدريبي خاص بمنظمة الصحة العالمية يهدف إلى تعزيز مهارات مقدمي الرعاية في تقديم الدعم لأسر الأطفال الذين يعانون من اضطرابات النمو أو تأخر التطور.
وأوضح الدكتور خالد عبد الغفار أن دمج خدمات الصحة النفسية ضمن مراكز الرعاية الصحية الأولية يسهم في الوقاية والعلاج المبكر، ويخفف الضغط على المستشفيات التخصصية والمواطنين، مما يضمن وصول الأفراد إلى الدعم والعلاج في مرحلة مبكرة تعزز جودة حياتهم، ويشمل ذلك المنصة الإلكترونية للصحة النفسية هنا.
كما لفت إلى تصديق رئيس الجمهورية على إنشاء مجمع طبي كبير لمكافحة الأمراض النفسية والإدمان بمنطقة العلمين.
وذكر الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن أهداف مبادرة "صحتك سعادة" تستند إلى رؤية مصر 2030، التي تسعى إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة. وتهدف هذه الرؤية إلى تمتع المصريين بحياة صحية آمنة ضمن منظومة رعاية صحية متكاملة ومتاحة للجميع وعالية الجودة، بما يعزز الوقاية ويوفر حماية للفئات الضعيفة، ويحقق رضا المواطنين والعاملين في القطاع الصحي، مما يسهم في الرخاء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ويجعل مصر رائدة في مجال خدمات وأبحاث الرعاية الصحية في العالم العربي وأفريقيا.
وفي كلمتها، أعربت الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، عن تشرفها بالمشاركة في هذا الحدث المهم، الذي يأتي استجابة مباشرة لرؤية رئيس الجمهورية لتعزيز رفاهة المصريين في كافة مراحل حياتهم، ويجسد التزام الدولة بتحقيق الأمان النفسي والاجتماعي لجميع مواطنيها. وأكدت أن الدولة المصرية تواكب في سياساتها الاجتماعية والتنموية أحدث الاتجاهات الدولية؛ فوفق تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير بعنوان "تحول الصحة النفسية لصالح الجميع"، هناك ثلاثة أسباب تدعو للاستثمار في الصحة النفسية: الصحة العامة، وحقوق الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ووجهت وزيرة التضامن الاجتماعي الشكر للدكتورة منن عبد المقصود، الأمين العام للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، على جهودها. وأكدت أن وزارة التضامن الاجتماعي تعمل بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان لتقديم خدمات شاملة، وتستند في عملها إلى إيمان راسخ بأن دعم الصحة النفسية يبدأ من الأسرة. وأكدت على أهمية بناء أسرة متماسكة ومستقرة، حيث تعد الأسرة الحاضنة الأولى للطفل، والمصدر الأساسي للدعم النفسي لأفرادها، مما يجعل الروابط الأسرية والعلاقات بين الأفراد أساسًا جوهريًا للصحة النفسية.
وأضافت وزيرة التضامن أنه لتعزيز تماسك الأسرة وبناء مجتمع أكثر استقرارًا، تم إطلاق البرنامج القومي للحفاظ على كيان الأسرة المصرية "مودة" في عام 2019 برعاية رئيس الجمهورية. ويمثل هذا البرنامج استثمارًا استراتيجيًا لبناء مجتمعات مستقرة وسعيدة، ويهدف إلى تمكين المقبلين على الزواج وتطوير مهاراتهم الحياتية، وتزويدهم بالمعارف لبناء أسر قوية ومستقرة.
واستفاد من البرنامج على مدار السنوات الخمس الماضية ما يقرب من مليون ومائتي ألف شخص، واستقطبت منصته الرقمية حوالي خمسة ملايين مستخدم. ومؤخرًا، أطلقت "مودة" خدمة "إسأل مودة" لتقديم الاستشارات الأسرية المجانية، وقد استقبلت المنصة 10,860 استشارة منذ إطلاقها في فبراير 2024.
وذكر الدكتور إسلام عنان، الرئيس التنفيذي لشركة أكسيت للأبحاث، أن هذه المبادرة تجسد حرص الدولة على دعم الصحة النفسية للمواطن المصري، حيث تلعب الصحة النفسية دورًا كبيرًا في الوقاية من الأمراض. وأشار إلى أن أكثر من 1.1 مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية أو إدمان، وأن 80% منهم لا يسعون للعلاج. وأوضح أن العبء الاقتصادي العالمي للصحة النفسية يبلغ 5 تريليونات دولار، بينما يبلغ في مصر ما بين 4 و12 مليار دولار سنويًا، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية والنمو الاقتصادي.
وأكد أن مصر وفرت 66 مليار جنيه عبر المبادرات الصحية العامة التي أطلقتها الدولة، حيث بلغ عدد زيارات المبادرات الصحية العامة 115.6 مليون زيارة.
مبادرة صحتك سعادة دعم الصحة النفسية الدكتور خالد عبد الغفارتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الخبر التالى: صور- الرئيس السيسي يصل إلى الرياض للمشاركة في القمة العربية الإسلامية غير العادية الأخبار المتعلقة بينها ضغوط الحياة.. وزير الصحة يكشف عن 4 عوامل أدت لزيادة الاضطرابات أخبار وزير الصحة يستقبل نظيره اللاتفي لبحث التعاون بين البلدين في القطاع أخبار وزيرا الصحة والعمل يتفقدان معرض المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية أخبار