د. أسماء حجازي **

 

تسعى سلطنة عُمان دائمًا إلى النهوض بمكانة المرأة في المجتمع، وتوطيد مكانتها في مختلف مؤسسات الدولة العامة والخاصة، عبر اتخاذ خطوات عديدة وجهود ملموسة، تجسّدت بجلاء في مضامين رؤية "عُمان 2040"، والتي أكدت بوضوح تام، أهمية تمكين المرأة العُمانية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، علاوة على أنَّ المرأة العُمانية تمثل ركنًا أساسيًا في عملية التنمية الشاملة، خاصة وأنها أثبتت قدرتها وكفاءتها في تحقيق الإنجازات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، بجانب الاهتمام بدورها الأساسي والمحوري في غرس القيم وترسيخ الهوية الوطنية لدى النشء.

وقد أسهمت السياسات والخطط والبرامج الحكومية التي انتهجتها السلطنة منذ عام 1970، في تعزيز مشاركة المرأة في كافة المجالات، كما ساهمت التشريعات العُمانية في إعطاء المرأة حقوقها، وساعدها ذلك على قيامها بدور مُهم في التنمية إلى جانب أخيها الرجل، ما رسّخ دورها الوطني في مختلف ميادين الحياة؛ باعتبارها فاعلًا أساسيًا في التنمية المُستدامة.

وتتضمن رؤية "عُمان 2040" محورًا خاصًا بالمرأة وأهمية توفير البيئة الملائمة لمشاركتها في شتى مناحي الحياة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ بما يُعزز وضعها ويمكنها من المشاركة الفعالة في جهودِ التنمية الشاملة والمستدامة التي تمر بها السلطنة. وتضمنت استراتيجية العمل الاجتماعي (2016- 2025) عددًا من التوجهات الاستراتيجية بشأن إعمال حقوق الطفل والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة، والتي اعتمدت على مقاربةِ النوع الاجتماعي في الخطط التنفيذية، حيث أضحت هذه الفئات الاجتماعية الأصيلة في المجتمع العُماني جزءًا أساسيًا من التنمية ومرتكزاتها المستقبلية.

وعلى الرغم من أن الطريق إلى الأمام لا يزال طويلًا، إلّا أن عُمان تحرز تقدمًا تدريجيًا في مجال حقوق المرأة، وقد مُنحت المرأة المزيد من المناصب القيادية في الحكومة ومختلف المؤسسات العامة، إلى جانب عضويتها في مجلس الدولة.

ومن هذا المنطلق فقد خُصِّص يومٌ للاحتفاء بها في سلطنة عُمان وهو 17 أكتوبر من كل عام؛ ليكون يومًا للمرأة العُمانية تتويجًا لمساهماتها ودورها الريادي في دفع عجلة التقدم بمختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية.

ويُلاحظ أن الحدث الأبرز فيما يتعلق بالمرأة منذ تولي السلطان هيثم بن طارق الحكم في السلطنة، هو نشاط السيدة الجليلة حرم جلالة السُّلطان- حفظها الله ورعاها- وتأسيسها مؤسسة خيرية، تتضمن دعم النساء والأطفال والمعاقين. وعلى الرغم من المكتسبات التي حققتها المرأة العُمانية، إلّا أن هناك مطالبات واسعة بمنح أبناء العُمانية من أب غير عُماني، الحق في الحصول على الجنسية، تعزيزًا للاستقرار الأسري. كما إنَّ تمثيل النساء في مختلف مؤسسات الدولة ما زال دون مستويات الطموح.

وتأكيدًا على قيم العدل والمساواة، فقد أبرز النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/ 2021، في المادتين 12 و17، قيم العدل والمساواة وتكافـؤ الفرص بين العُمانيين، باعتبارها دعامات للمجتمع تكـفلها الدولة، وأن التعاضد والتراحم صلـة وثيقة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي، إضافة إلى أن قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53/2023 أكد على حماية المرأة من كافة أشكال العنف، وشدد على عدم التمييز بين الجنسين في العمل الواحد، كما تم حظر تشغيل النساء في الفترة بين الساعة التاسعة مساءً، والسادسة صباحًا وفقًا للمادة (81) من القانون المشار إليه.

وفي إطار تلك الجهود التي تبذلها سلطنة عُمان للنهوض بالمرأة العُمانية واحتوائها في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلقد رصدنا أن المرأة العُمانية لا تكل ولا تمل من السعي لتحقيق مكانة أفضل على كافة جوانب الحياة وكسر الصورة النمطية والقدرة على إيجاد توازرن بين الأدوار المتعددة التي تقع على عاتقها في الحياة ؛حيث إنَّ التنمية لا يمكن النهوض بها بدون مشاركة كافة الأطراف والفئات المجتمعية من نساء ورجال فهما وجهان لعملة واحدة، لكن بالرغم من أن المرأة أصبحت أكثر وعيًا وثقافة ومندمجة بشكل أكبر في إطار الجهود المبذولة بشكل مستمر من كافة المؤسسات في الدولة، إلّا أنه ما زالت هناك بعض التحديات في هذا الجانب والتي يمكن علاجها من خلال تعزيز التعاون والتكاتف بين المؤسسات، ومضاعفة الجهود التوعوية، لا سيما عبر الندوات التثقيفية؛ بهدف رفع وعي المرأة بدورها ومكانتها في المجتمع.

**********

المراجع:

د. حامد البلوشي، "المرأة العُمانية ودورها الرائد في النهضة"، (سلطنة عُمان، جريدة الرؤية، 2020)، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/vlM2SBS2 مزنة الفهدية، "المرأة العُمانية.. نجاحات بحثية وابتكارية تصل للعالمية" (سلطنة عُمان، جريدة عُمان، 2023)، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/6gDNUnWl رفيعة الطالعي، "نسوية الدولة في عُمان وتعزيز حقوق المرأة وتمكينها سياسيا"، (الصين، موقع صدى لدراسات الشرق الأوسط، 2023)، مقال إلكتروني. بوابة تخطيط التنمية الوطنية العربية، رؤية عُمان 2040، (عُمان، 2023) ، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/Yd0QqSk

** مدرس مساعد بالبحث العلمي وباحثة متخصصة في حقوق الإنسان والشأن الأفريقي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لماذا يتمسك نتنياهو بمحور موراغ كشرط لتقدم المفاوضات؟

في الوقت الذي توجه فيه الأنظار نحو الدوحة التي تحتضن المباحثات غير المباشرة التي تجري بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل حول اتفاق محتمل في غزة، يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشرط البقاء في محور موراغ ويعمل على تحويل هذا الشرط إلى قضية أساسية ومركزية في المباحثات.

فقد أعلن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن العائق الذي يعترض مسار الصفقة، هو الانسحاب الإسرائيلي من محور موراغ الذي يفصل بين مدينتي خان يونس ورفح في جنوبي قطاع غزة.

كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن هناك خلافا واحدا في المفاوضات لم يتم جسره بعد، يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، في وقت تصر فيه تل أبيب على البقاء في محور موراغ، وتطالب المقاومة بانسحاب كامل.

وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد تمسك نتنياهو بمحور موراغ، وتساءل عما إذا كان هذا قد أصبح فجأة هو حجر الأساس لبقاء إسرائيل التي قررت سابقا أن يكون هناك محور واحد بين رفح وخان يونس، متهما نتنياهو بوضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق، ومشيرا إلى أن التوصل إلى صفقة وإنهاء الحرب مكسب إسرائيلي لأن الحرب لم تعد لها أي فائدة لإسرائيل.

وفي السياق نفسه، قالت مراسلة الجزيرة نجوان سمري إن نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) حوّل محور موراغ إلى عقبة أساسية أمام تقدم المفاوضات، وهو ما أثار خشية مراقبين -حسب قولها- من أن نتنياهو يضيف العراقيل مجددا من أجل أهداف غير واضحة.

ومن جهتها، أرجعت مراسلة الجزيرة سلام خضر إصرار إسرائيل على الإبقاء على جنودها في محور موراغ لكون هذا الأمر سيضمن لها بقاء ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تقوم بتوزيع المساعدات في 3 نقاط غرب رفح.

وإذا أصرت إسرائيل على الوُجود في محور فيلادلفيا، فهذا يعني -تواصل سلام- أن معبر رفح لن يتم فتحه، وسيبقى توزيع المساعدات على الغزيين عبر محور كرم أبو سالم.

إعلان

وتصر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من جهتها على أن تتولى الأمم المتحدة إدخال المساعدات للفلسطينيين وعلى فتح معبر رفح، وكانت قد أكدت تمسكها بدور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، مشيرة إلى أنها تعتبر محاولة تجاوز هذا الدور وتهميشه سلوكا خطيرا.

ومنذ بدء عملها بقطاع غزة في نهاية مايو/أيار 2025، شهدت مراكز توزيع المساعدات الأميركية والإسرائيلية بشكل شبه يومي عمليات قتل واستهداف للمجوّعين الغزيين، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية القذائف المدفعية وصواريخ الاستطلاع، وفي بعض الأحيان المسيّرات لإطلاق الرصاص المتفجر.

استجابة لليمين

وحسب الأكاديمي والخبير بالشأن الإسرائيلي، الدكتور محمود يزبك، فإن الشرط الذي يصر عليه نتنياهو والمتعلق بمحور موراغ يؤكد استجابته المطلقة لليمين المتطرف، مشيرا إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش هو من وضع هذا الشرط، الذي يهدف إلى نقل -خلال 60 يوما من الهدنة إن حصلت- حوالي 600 ألف فلسطيني إلى المنطقة ما بين محور فيلادلفيا ومحور موراغ لتحضير معسكر الاعتقال الكبير في غزة تمهيدا لتهجير الفلسطينيين من غزة.

وما يفهم من تمسك نتنياهو بشرط موراغ في الوقت الذي يؤكد فيه أنه يرغب بصفقة، أنه يريد صفقة مجانية تعيد له الأسرى وبعدها يستكمل مخططاته، وفي صلبها تحويل رفح إلى معسكر اعتقال كبير وضمان السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، كما يوضح الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الطناني في تحليل على قناة الجزيرة.

وعندما أعلن نتنياهو عن تدشين محور موراغ، قال إنه محور فيلادلفيا 2، وبالتالي فهو يريد أن يكون هذا المحور هو الخط الحدودي الجديد لغزة، أي إلغاء مدينة رفح بأكملها من الجغرافيا الفلسطينية، ولكن المقاومة الفلسطينية -كما يتابع الطناني- لا يمكنها القبول بالواقع الذي يريد الاحتلال تكريسه.

وقالت حماس على لسان القيادي عزت الرشق إن غزة لن تستسلم، وإن المقاومة هي التي ستفرض الشروط كما فرضت المعادلات.

مقالات مشابهة

  • مدرب المنتخب: تحسين الأداء الفني والتقني وتأهيل المواهب العُمانية
  • «بأوامر الرئيس السيسي».. المنيا تقود التنمية الزراعية بتمويل «أملاك الدولة» للمنتفعين والمزارعين
  • محافظ المنيا يتفقد قافلة طبية شاملة بمركز خدمات المرأة والطفل بالمنيا الجديدة
  • لماذا يتمسك نتنياهو بمحور موراغ كشرط لتقدم المفاوضات؟
  • النقطة الخلافية العالقة بين إسرائيل وحماس .. ما هو محور موراغ؟
  • غباش: أصحاب الهمم جزء لا يتجزأ من مسيرة التنمية بالدولة
  • قزيط: الدبيبة يعتمد على مليشيات لا تختلف عن تلك التي يتوعّدها بالاجتثاث
  • تعزيز مهارات 33 طالبا ضمن البرنامج التدريبي في "العُمانية لنقل الكهرباء"
  • "الدولة" ينهي مناقشة 3 مشروعات قوانين "السجل التجاري" و"المنازعات" ومؤسسات المجتمع المدني"
  • 4 أسباب بارزة.. لماذا سيطر الفشل على الدول التي دخلتها إيران؟