أمريكا تقرع طبول الحرب في اليمن ..
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
والمسألة لم تعد متعلقة باستعادة النفوذ المفقود في بلد تخلص من الوصاية الأجنبية، سواء للسعودية أو الولايات المتحدة وحسب، بل لاستعادة الردع في البحر الأحمر وخليج عدن، وحفظ هيبة القوات الأمريكية ومكانتها التي تزعزعت وتأثرت على الصعيد الدولي بفعل الضربات اليمنية ضد السفن المشمولة بقرار حظر الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة ، وذلك دعمًا وإسنادًا لغزة ولبنان.
العدوان على اليمن أمريكيًا بقفازات خليجية
في الموقف الرسمي والشعبي المعلن فالعدوان على اليمن المعلن من واشنطن بتاريخ السادس والعشرين من شهر مارس 2015 م هو عدوان أمريكي بامتياز لكن بقفازات خليجية، حظيت بكل وسائل الدعم من البيت الأبيض وشركائه الغربيين، وسخرت لأجله المنابر الدولية والهيئات الأممية لتمويه الحقيقة وإظهار ما يحدث على أنه حرب أهلية بين الأفرقاء اليمنيين، ونتيجة للفشل في ابتلاع اليمن والسيطرة عليه مع تصاعد الضربات المؤثرة على المنشآت النفطية السعودية، وما أحدثته من اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، لجأت الولايات المتحدة إلى التهدئة والتركيز على سلاح الاقتصاد، وحرب التجويع، وفشلت أيضًا في إخضاع الشعب اليمني وتطويعه للإملاءات الأجنبية.
عملية طوفان الأقصى، تنبئ عن قوة إقليمية صاعدة
مع انطلاق عملية طوفان الأقصى التاريخية قبل أكثر من عام، وكنتيجة لانتهاج العدو الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، وارتكابه لجرائم حرب الإبادة والتهجير في القطاع المحاصر، وفي ظل التخاذل العربي والإسلامي بل والتآمر من الأنظمة المطبعة، ما كان من اليمن إلا أن يؤخر استحقاقاته الإنسانية وأولوية كسر الحصار وإنهاء العدوان عليه ليرمي بكثل ثقله في مساندة غزة، ضمن “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس” معلنًا ولادة قوة صاعدة فاعلة ومؤثرة في فرض التوازنات والمعادلات الإقليمية، وبفضل من الله وتأييده نجحت القوات المسلحة اليمنية في فرض حصار مطبق على موانئ فلسطين المحتلة مع تصاعد زخم الضربات الصاروخية والطيران المسير إلى العمق الفلسطيني المحتل بأسلحة وقدرات جديدة عمقت من أزمة الكيان وزادت من الخيبات الأمريكية والغربية.
أمريكا تبحث عن أوراق ضغط بعد فشلها في حماية أمن الكيان
ومع الفشل الأمريكي المعلن في تقويض القدرات اليمنية وحماية سلاسل إمدادات العدو الإسرائيلي التجارية، دفعت الولايات المتحدة أدواتها الخليجية لإشهار سلاح الاقتصاد، وحاولت من خلالهم تعطيل الرحلات الجوية في مطار صنعاء، وتشديد الخناق على ميناء الحديدة، قبل أن تزيد من منسوب التحريض والتلويح باستئناف الحرب بالتحديد في الساحل الغربي، وهو مؤشر أول على رغبة أمريكية في إشغال اليمن بمعارك بينية.
ثاني المؤشرات على الرغبة الأمريكية في تحريك الأدوات المحلية دعمًا للعدو الصهيوني بصورة غير مباشرة، نشط السفير الأميركي ستفين فاجن في المدن الجنوبية المحتلة مجددًا؛ ليعلن عن إطلاق ما أسماه “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات اليمنية” لدعم حكومة الرياض في الخامس من الشهر الجاري، واعتبر ذلك لحظة محورية في التاريخ السياسي لليمن، والمسألة ليست بغريبة ولا جديدة، فكم من التحالفات والتكتلات التي تم الإعلان عنها خلال حرب السنوات العشر الماضية في سياق محاولات تجميع شتات المرتزقة، وتحشيدهم لجولة جديدة من الصراع ضد السلطة في صنعاء، ومع ذلك لم يحظ التكتل بإجماع كل الأطراف المنضوية تحت عباءة السعودية والإمارات، رغم محاولات تصوير البعض أن التكتل هدفه التلاحم والاصطفاف واستعادة ما يسمونه الانقلاب، وهو ما اعتبره بعض المراقبين ولادة ميتة لتكتل لا يملك من أمره شيئًا.
وتلا الخطوة لقاءات للسفير فاجن بقيادات المرتزقة، تمحورت حول سبل الدعم الأمريكي لمواجهة ما أسموه التحديات الاقتصادية، وانهيار العملة في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة، وهي الذريعة التي لطالما استغلتها واشنطن لتحريك المرتزقة في حروبها الإجرامية في اليمن منذ عقد من الزمن عن طريق افتعال الأزمات ودعم أوجه الفساد، وبالتالي ممارسة الضغط لتنفيذ الأجندة الأجنبية عبر وعود الإصلاحات الاقتصادية الفارغة.
اليمن يؤكد ثباته على الموقف واستعداده لأي مواجهة
لا يبدو أن السلطة في صنعاء غير مدركة بما يحَضِّره العدو ويعد له في الساحل وفي غير محور؛ من أجل فصل اليمن عن غزة وجبهات محور الجهاد والمقاومة، ولتأكيد ألوية المساندة للشعبين الفلسطيني واللبناني تستمر القوات المسلحة في استهداف السفن المشمولة بقرار الحظر، واستهداف العمق الفلسطيني المحتل بصواريخ باليستية وفرط صوتية وطائرات مسيرة، ومن العمليات النوعية التي أقر بها العدو قصف منطقة “شميش”، وهي عملية استهدفت قاعدة ناحال سوريك، وهي مركز للبحوث النووية في كيان العدو في تطور لافت ومقلق للاعداء.
وبموازاة ذلك تستمر أعمال التعبئة والإعداد والتدريب، إذ أشرفت وزارة الدفاع على مناورات نوعية للقوات المسلحة تحاكي التصدي لأربع موجات هجومية في البر والبحر.
وخلال المناورة في الساحل الغربي تم الكشف عن الغواصة “القارعة” كواحدة من ضمن أسلحة بحرية لم يكشف عنها بعد، ويعد الكشف عنها إنجازًا نوعيًا، يعزز من قدرة اليمن على ردع التهديدات البحرية، وحماية المياه الإقليمية، وتثبيت المعادلة التي أنتجتها العمليات المساندة لغزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
جعل أمريكا عظيمة مجددا عبر الشعب الفلسطيني عرقيا
تعكس تعليقات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول مكالمته مع ملك الأردن واقتراحه بأن تستقبل الأردن الفلسطينيين، جهلا واضحا بطبيعة القضية الفلسطينية والتاريخ السياسي للمنطقة، إذ فشل ترامب في فهم أن الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى الأردن كانوا في الأصل مواطنين أردنيين من الضفة الغربية، التي كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية قبل الاحتلال الإسرائيلي، وعندما حدث الاحتلال، تم تهجيرهم قسرا إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن، التي تُعرف الآن باسم الأردن.
لم تكن تصريحات ترامب مجرد ملاحظة عابرة؛ بل كانت جزءا من استراتيجية أمريكية أوسع لدعم التطهير العرقي الإسرائيلي، التي بدأها سلفه جو بايدن، وهي مهمة فشل الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذها بالكامل عبر القوة العسكرية. وقد أوضح ترامب أنه ناقش الأمر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول استقبال حوالي 1.5 مليون فلسطيني (حوالي 70 في المئة من سكان قطاع غزة)، مما يؤكد أنه كان عازما على تنفيذ هذه الخطة الإجرامية، بغض النظر عن مصالح حلفائه العرب، بل وحتى القانون والمنظمات الدولية. وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة ليست مجرد داعمة لإسرائيل، بل شريكا فاعلا وجريئا في سياساتها التوسعية العدوانية وجرائمها ضد الإنسانية.
هذا يؤكد أن الولايات المتحدة ليست مجرد داعمة لإسرائيل، بل شريكا فاعلا وجريئا في سياساتها التوسعية العدوانية وجرائمها ضد الإنسانية
ومن المفارقات أن ترامب، الذي يتبنى سياسة منع وتقييد الهجرة إلى الولايات المتحدة، رغم أن أمريكا نفسها بلد بُنِيَ على أيدي المهاجرين بما في ذلك عائلته، يريد طرد السكان الفلسطينيين الأصليين من أرض أجدادهم لصالح المهاجرين اليهود والسماح بتوسيع دولتهم الفاشية العنصرية العنصرية الفصلية على هذه الأرض.
ترامب ليس استثناء في هذه الاستراتيجية المجنونة، كما ذكرت سابقا، فمنذ البداية، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل دبلوماسيا في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وقانونيا عبر تهديد المحكمة الجنائية الدولية وتجريم أعضائها، واقتصاديا بضخ مليارات الدولارات في إسرائيل (رغم الأزمات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، مثل حرائق كاليفورنيا التي كشفت عن ضعف البنية التحتية للبلاد). وعسكريا، نشرت واشنطن حاملات طائرات وغواصات نووية، وزودت إسرائيل بأحدث الأسلحة الفتاكة، مثل القنابل الذكية التي تزن 2000 رطل، والتي تُستخدم عادة ضد التحصينات العسكرية ولكنها استُخدمت لاستهداف البنية التحتية المدنية، ناهيك عن توفير الدعم الاستخباراتي والإرشاد العسكري.
علاوة على ذلك، لعبت واشنطن دورا رئيسيا في التلاعب الإعلامي، ساعية إلى تشويه الحقائق وإخفاء جرائم إسرائيل، مثل قصف البنية التحتية المدنية والرضع حديثي الولادة، وتبني الدعاية الإسرائيلية بالكامل، سواء عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو حتى الرئيس بايدن نفسه. وبعد وقف إطلاق النار، ظهرت أدلة واضحة على أن إسرائيل كانت تخطط منذ البداية لطرد سكان غزة قسرا عبر تدمير مستشفياتهم وجامعاتهم وطرقهم وشبكات المياه والكهرباء ومدارسهم وأسواقهم بشكل منهجي دافعة السكان جنوبا، بينما تروج في الوقت نفسه لشراء الأراضي في غزة كما لو كانت المنطقة خالية من سكانها الشرعيين.
اليوم، لم يعد التهجير القسري للفلسطينيين مجرد نظرية مؤامرة، بل سياسة إسرائيلية أمريكية صريحة تتناقض صراحة مع القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. وهذا يكشف عن ازدواجية المعايير التي تعرضت لها الولايات المتحدة وحلفاؤها لانتقادات عالمية
لم يكن هذا مجرد وهم تروجه الصهيونية المتطرفة، بل سياسة رسمية مدعومة من إدارة ترامب، التي تعاملت مع القضية الفلسطينية على أنها مجرد صفقة عقارية. ولم تكن صفقة ترامب المزعومة (صفقة القرن) سوى تحقيق لأحلام نتنياهو الفاشية، محاولة ابتزاز الدول العربية لتمويل الازدهار الاقتصادي للفلسطينيين مقابل تخليهم عن تطلعاتهم الوطنية. وقد تم الترويج لهذه الفكرة بقوة من قبل السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان وصهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي صرح علنا بأن الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم.
شجعت مثل هذه السياسات المتطرفين اليهود على تصعيد هجماتهم على المسجد الأقصى وتوسيع المستوطنات غير القانونية، مستهدفين السكان الفلسطينيين المحليين في الضفة الغربية، مما أثار مقاومة فلسطينية. وفي الوقت نفسه، واجهت الدول العربية والإسلامية ضغوطا أمريكية هائلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، متجاهلة تماما مبادرة السلام العربية ومعززة شعور الفلسطينيين بالتخلي عنهم دون حلول سياسية مجدية.
كل هذه العوامل أدت إلى أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ وهي نتيجة مباشرة للسياسات التي دافع عنها ترامب. فسياساته، على عكس معتقداته، لا تُطفئ الحروب بل تخلق الفوضى والاضطرابات السياسية والحروب الإقليمية.
اليوم، لم يعد التهجير القسري للفلسطينيين مجرد نظرية مؤامرة، بل سياسة إسرائيلية أمريكية صريحة تتناقض صراحة مع القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. وهذا يكشف عن ازدواجية المعايير التي تعرضت لها الولايات المتحدة وحلفاؤها لانتقادات عالمية، مما أضر بمصداقيتهم ومكانتهم الدولية.
وهكذا، بينما تفاخر ترامب بـ"جعل أمريكا عظيمة مجددا"، فإن أفعاله ساهمت في الواقع في تشويه صورتها وسمعتها. ومع ذلك، فإن الشعب الفلسطيني -الذي صمد أمام المذابح والاحتلال- لن يتأثر بتصريحات ترامب الجوفاء. وسيظل صموده شهادة على أن السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية لم تضر الفلسطينيين فحسب، بل كانت كارثية على مكانة أمريكا نفسها في العالم.
(تمت ترجمة المقال من اللغة الإنجليزية عن موقع ميدل إيست مونيتر)