من المسؤول عن الانتهاكات والقتل الجماعي في ولاية الجزيرة بالسودان؟
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
تتواتر أنباء منذ أيام عن وفاة مئات الأشخاص في ولاية الجزيرة (وسط السودان) نتيجة المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أو بسبب تفشي الأوبئة بين الأهالي وفي أماكن النزوح في هذه الولاية.
واتهمت وزارة الخارجية السودانية الخميس الماضي الدعم السريع بارتكاب مذبحة جديدة بحق المدنيين في مدينة الهلالية بولاية الجزيرة، راح ضحيتها 120 مدنيا خلال يومين فقط.
كما اتهم ناشطون سودانيون قوات الدعم السريع بقتل 1237 شخصا في شرق الجزيرة وشمالها منذ 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظل عمليات تهجير استهدفت أكثر من 400 قرية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، ونحو 13 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، وسط تصاعد الدعوات الدولية والمؤسسات الأممية لإنهاء الحرب لتجنب شبح كارثة إنسانية تعرض الملايين للقتل نتيجة المجاعة والأوبئة الفتاكة.
وللوقوف على أسباب الانتهاكات التي ترتكب في هذه الولاية تحديدا، التقت الجزيرة نت عددا من الخبراء في الشأن السوداني، مثل أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية أسامة عيدروس، والإعلامي والمحلل السياسي ضياء الدين بلال، والقيادي في نداء الوسط (مبادرة إنسانية معنية بقضايا المنطقة الوسطى التي تضم ولاية الجزيرة وسنار والنيل الأبيض) معمر موسى.
وأرجع الخبراء أسباب التصعيد والانتهاكات إلى جملة من الأمور العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك على النحو التالي:
التقدم الذي حققه الجيش السوداني في محور جبل موية (وسط السودان ويبعد 250 كيلومترا عن الخرطوم) دفع قوات الدعم السريع إلى إعادة ترتيب أولوياتها في هذه المنطقة. انشقاق قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة أبو عاقلة محمد أحمد كيكل وانضمامه إلى قوات الجيش السوداني أوجد رغبة في الانتقام خاصة من المنطقة الشرقية في الولاية التي ينتمي إليها كيكل. رغبة قوات الدعم السريع في الوصول إلى بورتسودان والتوسع نحو مدينتي حلفايا وشندي (وسط البلاد). كثرة الانتهاكات تستهدف التدخل الدولي والأممي من أجل وقف الحرب وتثبيت أمر واقع وسيطرة كل طرف على الأراضي التي تقع ضمن نفوذ قواته. ولاية الجزيرة أغلب سكانها من المدنيين والمزارعين الذين لا يحملون السلاح وليست لديهم خبرات قتالية، ولا يشكلون خطورة عسكرية على القوات التي تسيطر على أراضيهم، فكان من السهل على الدعم السريع اجتياح هذه المناطق وتهجير أهلها. الولاية تضم "مشروع الجزيرة" الذي يعد أكبر مشروع زراعي في أفريقيا والوطن العربي، وتعتمد الزراعة فيه على الري الانسيابي.
موقف الجيش السوداني
يجمع الخبراء الذين التقتهم الجزيرة نت على أن الجيش السوداني يحاول استعادة السيطرة على ولاية الجزيرة ووقف الانتهاكات التي تقع في حق المدنيين هناك، لكنهم يختلفون في الأسباب التي تحول دون تحقيق هذه الغاية.
فأسامة عيدروس يرى أن "الجيوش بطبيعتها ونوع تسليحها تتحرك على نحو بطيء، وفي المقابل تكون المليشيا سريعة الحركة بسياراتها رباعية الدفع وتهاجم المناطق الرخوة والمدنيين مباشرة". وأضاف أن الجيش حاليا يحقق تقدما ويتحرك نحو ولاية الجزيرة من 3 محاور من سنار (جنوبا) والخرطوم (شمالا).
لكن ضياء الدين بلال يقول إن "هناك مسؤولية كبرى تقع على الجيش السوداني في حماية المدنيين حتى لا يتعرضوا إلى مثل هذه الكوارث والمصائب، ولكن واضح أن هناك إشكالات متعلقة بالجيش في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة التجاذبات السياسية والضعف الكبير، ولم يعد قادرا على التعامل مع كثير من التحديات".
واستدرك بأن الجيش استطاع "أن يحبط السيناريو الانقلابي في 15 أبريل/نيسان 2023 الذي كان يرغب في الوصول إلى السلطة عبر انقلاب خاطف وسريع، وبعد فشل هذا السيناريو انتقلت المليشيا وداعميها إلى شن حرب شاملة والانتشار على الأرض، مع ارتكاب انتهاكات وجرائم تتحول على طاولة التفاوض إلى أوراق للكسب السياسي والعسكري".
أما معمر موسى فيذهب إلى أن ما يحدث في السودان "ليس مجرد عملية عسكرية بل هو تداخل كثيف بين ما هو سياسي وعسكري"، مؤكدا أن "الجيش ليست لديه القدرة الكافية للقيام بهذه المهمة"، وذلك لعدة أسباب:
اتساع مساحة المعركة وتعدد جبهاتها. طبيعة الجيش السوداني جعلته يتحول -منذ فترة طويلة- إلى الطابع الإداري وفقد حساسيته القتالية. محدودية الإمكانيات اللوجستية للجيش مقارنة بنوعية التسليح لدى قوات الدعم السريع.
الموقف الدولي
الخبراء السودانيون أيضا يقرون بتواضع الجهود الدولية والمؤسسات الأممية من أجل العمل على توقف الصراع من أساسه، ومواجهة صور الانتهاكات المختلفة التي يتعرض لها المدنيون، وكذلك إيصال المساعدات الإغاثية للنازحين داخل السودان واللاجئين خارجه.
ويرى بلال أن المساهمات الدولية التي تم الإعلان عنها لصالح السودان لم يتم الإيفاء إلا بنحو 25% منها، "وهي نسبة متدنية جدا تشعرك بأن المجتمع الدولي لا يضع اعتبارا كبيرا لمعاناة السودانيين، ولا يجد ما يدفعه للاهتمام بالتفاصيل التي يمكن أن تعمل على إيقاف الحرب من منبعها أو التعامل مع ما يترتب عليها من كوارث إنسانية وانتهاكات".
أما عيدروس فأشار إلى أن المجتمع الدولي "غائب منذ فترة عن السودان، ووكالات الغوث الدولية لم تقدم إلا القليل جدا من أجل إنقاذ النازحين واللاجئين، أمام جرائم المليشيا التي ظلت تتكرر… مع تدمير البنى التحتية والمستشفيات وجرائم القتل في حق حتى الأطفال، وهناك مزاعم بنشر السموم في محطات المياه والطعام".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الجیش السودانی ولایة الجزیرة
إقرأ أيضاً:
كيف صمدت مقار الجيش السوداني أمام حصار 21 شهرا؟
الخرطوم- في الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023، فرضت قوات الدعم السريع طوقا حربيا على عدد من مقرات الجيش بالعاصمة الخرطوم، لا سيما المواقع الإستراتيجية التي تمثل رمزية خاصة للجيش وجنوده.
ومن بين تلك المقار التي حوصرت على مدى 21 شهرا، يبرز مقر قيادة الجيش وسط العاصمة، ومقر سلاح الإشارة بمدينة الخرطوم بحري، ومقر سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم، قبل أن يتمكن الجيش من كسر هذا الحصار قبل أسابيع قليلة.
وتضم القيادة العامة للجيش السوداني أركان القيادة البرية والبحرية والجوية، ومقرا للقائد العام للجيش، وآخر لهيئة الأركان يحيط بها -جنوبا- المطار الدولي، وجنوب شرق المطار الحربي، وشمالا مقر الفرقة السابعة، وغربا السوق العربي وجامعة الخرطوم.
وشهدت القيادة العامة شرارة الحرب الأولى حيث هاجمتها قوات الدعم السريع من كل الاتجاهات، لدرجة جعلت قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو "حميدتي" يصرح لوسائل الإعلام بأن جنوده داخلها "يحاصرون قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المختبئ تحت الأرض".
ويقول مصدر عسكري للجزيرة نت إن الدعم السريع نجح -خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب- في التوغل داخل القيادة العامة والسيطرة الجزئية على مقرها البري ونشر قناصين بداخله، قبل أن يتمكن الجيش -وبضربات خاطفة- من إخراج هذه القوات وتكبيدها خسائر فادحة.
وكاد حصار الدعم السريع للقيادة العامة للجيش يكون من المسافة صفر، وكان ثمة انتشار للقناصة في أماكن لا تبعد أكثر من 500 متر عن محيطها خاصة من الناحية الجنوبية والشرقية. وظل هذا الوضع قائما على مدى 21 شهرا وأدى إلى قطع الإمداد بالسلاح والعتاد والعنصر البشري والمواد الغذائية بالطرق البرية، مما اضطر قيادة الجيش إلى استخدام الطيران لإسقاط المؤن والمواد الطبية للجنود والقادة المحاصرين.
وفي تصريح للجزيرة نت، يقول ضابط برتبة رفيعة في الجيش كان من المحاصرين داخل القيادة العامة إن "مليشيا الدعم السريع نفذت أكثر من 20 هجمة على القيادة العامة استخدمت فيها المدرعات والدبابات، وجميعها باءت بالفشل". وأضاف أن معظمها كانت من الاتجاه الشمالي الشرقي والجنوبي لعدم وجود موانع تحد من اقتحام قواتها للقيادة العامة.
إعلانووفق الضابط الذي كان يشرف على إحدى المواجهات بمقر القيادة العامة، فإن قوات الدعم السريع لم تهاجم عبر الاتجاه الغربي نظرا لوجود السور الخرساني الذي يحد من عمليات الاقتحام، ويُرجع "فشلها" في إسقاط القيادة إلى عدة أسباب من بينها:
تدخل المدفعية والطيران بفعالية كبيرة منذ لحظة تجمع قوات الدعم السريع ومباغتتها قبل الهجوم. الخطة الدفاعية الجيدة التي انتهجها الجيش في الدفاع عن قيادته العامة. تماسك القوات المدافعة وإصرارها على القتال لرمزية هذه القيادة.واستمر وضع الجيش مدافعا عن القيادة العامة 21 شهرا قبل أن يتمكن من كسر الحصار عبر عمليات برية مكثفة من محور مدينة الخرطوم بحري، وصولا للقيادة من الناحية الشمالية، ومن ثم إنهاء الحصار كليا.
سلاح المدرعاتيُعتبر سلاح المدرعات من أبرز أسلحة الجيش السوداني ويعتمد عليه بشكل كبير في جميع مواجهاته، ويوجد جنوبي الخرطوم وسط عدة أحياء من بينها أحياء الشجرة واللاماب وجبرة.
وتمكنت قوات الدعم السريع من حصار هذا السلاح وعزله عن حاميات الجيش في الخرطوم وقطع خطط إمداده ثم مهاجمته. وحسب مصادر متعددة تحدثت للجزيرة نت تمكنت القوات، في أغسطس/آب 2023، من التوغل إلى عمق سلاح المدرعات وكادت أن تسيطر عليه كليا قبل أن يتمكن الجيش -وبإسناد من الطيران الحربي- من إخراجها من أسواره.
ويقول مالك يحي البروف أحد المقاتلين في سلاح المدرعات -للجزيرة نت- إن "مليشيا الدعم السريع عملت على حصار هذا السلاح منذ الوهلة الأولى للحرب، وإنهم مع بداية الحصار طوروا أسلوب استنزافها من خلال قنص أفرادها وآلياتها عبر بنادق القنص الكبيرة مع إصابة الأهداف بدقة عالية، مما أفقدها المناورة في الطرق الرئيسية والتفوق بالكثافة النيرانية من المدافع المحمولة في العربات القتالية".
ووفقا له، وطيلة 21 شهرا، شن الدعم السريع 180 هجوما على سلاح المدرعات بغرض السيطرة عليه، إلا أن كل محاولاته انتهت بالفشل وتكبيدها خسائر كبيرة، وأضاف "قتلنا عددا من قيادتهم الميدانية وكسرنا قوتهم الصلبة، تعرضنا في المدرعات للقصف بالمدافع والراجمات والهاون، وكانت المليشيا تطلق في اليوم الواحد أكثر من 500 قذيفة داخل صندوقنا القتالي".
ومؤخرا، نجح سلاح المدرعات في كسر الحصار والتقدم إلى وسط الخرطوم والسيطرة على كل مواقع الدعم السريع التي كانت تحاصرهم فيها، لا سيما من شماله وشرقه، حيث واصلت قوات المدرعات تقدمها إلى محيط السوق العربي وسط الخرطوم وباتت على مقربة من الالتحام مع قوات الجيش بالقيادة العامة وسط الخرطوم.
يُعتبر سلاح الإشارة من أسلحة الجيش الفنية ومقره مدينة الخرطوم بحري، ويربط بينه وقيادة الجيش جسر حديدي بمسافة كيلومترين اثنين. وقد تعرض لحصار دام 21 شهرا وكان متنفسه الوحيد الناحية الجنوبية حيث قيادة الجيش التي كانت تعاني الحصار نفسه.
إعلانوكان قناصة الدعم السريع ينتشرون على بعد أمتار من معسكر سلاح الإشارة خاصة المجمع السكني لضباط الشرطة الذي كان يبعد 500 متر عن السلاح، واستخدمت القوات مكانا فيه للقنص.
ويقول عباس مصطفى وهو ضابط بسلاح الإشارة -للجزيرة نت- إن هذا السلاح تمكن من حماية دفاعاته طوال 21 شهرا رغم أن ما وصفهم بمليشيا الدعم السريع تمكنوا من الانتشار في 3 اتجاهات منه شرقا وغربا وجنوبا.
وأضاف أن السلاح صمد في وجه الحصار "بل تمكنا من هزيمة المليشيا المتمردة وكبدناها خسائر في الأرواح فضلا عن سيطرتنا على أسلحة منهم بينها سيارات قتالية وأخرى ثقيلة مثل المدافع والرشاشات التي ساهمت في تقوية دفاعات سلاح الإشارة".
وحسب مصطفى، فإن الدعم السريع وبعد هزيمته في المواجهات المباشرة، لجأ إلى خيار القصف المكثف على سلاح الإشارة حيث كان يطلق في اليوم الواحد بين 800 و900 قذيفة على مقره بكثافة غير معهودة، وأوضح أن معظم القصف كان من الناحية الشرقية والشمالية الشرقية لاسيما بمدافع الهاون.
وقال إن القصف ألحق خسائر بسلاح الإشارة عكس المواجهات المباشرة وإن هذا السلاح تعرض لـ37 هجمة منظمة بغرض إسقاطه والسيطرة عليه "ولكن جميعها باءت بالفشل كما أن وتيرة الهجمات تراجعت مؤخرا بفضل صمودهم".
ووفقا له، فإن الطيران المسيّر التابع للجيش لعب عاملا حاسما في "دك هجمات الدعم السريع وتشتيتها ". وأشار إلى أن قوات الأمن والمخابرات الوطنية لعبت دورا مهما في إسناد سلاح الإشارة لوجود مكاتب لها تتبع دفاعه، فضلا عن امتلاكها أسلحة في مخازن -خاصة بداية الحرب- ساهمت في إجهاض محاولات إسقاط سلاح الإشارة.
ومؤخرا نجح الجيش في فك الحصار عن سلاح الإشارة بالتزامن مع فك الحصار عن مقر قيادته بعد عملية برية انطلقت من أقصى مدينة الخرطوم بحري.